سريبرينيتسا: كيف تُثبت الإبادة الجماعية؟ (مترجم)

كيف يُمكن لإنسانٍ أن يرتكب شيئاً كهذا ويدمّر كل شيء ويقتل العديد من البشر.. فقط تخيّل هذا الطفل الصغير الذي كان لديّ، يداه الصغيرتان تلك، كيف تموتان؟ أتخيل هذه الأيدي وهما تلتقطان الفاكهة أو تقرآن الكتب أو ترتادان المدرسة أو تذهبان إلى الرحلات… عندما أستيقظ كل صباح، أغطّي عيناي لكي أتحاشى النظر إلى الأطفال الآخرين الذاهبين إلى المدرسة والأزواج الذاهبين إلى العمل…

جاءت هذه الكلمات على لسان واحد من الشهود المشمولين بالحماية في محاكمة راديسلاف كرستيتش، الجنرال السابق في الجيش الصربي البوسني والذي كان أوّل المدانين بالتورّط في مذبحة بوسنيّ سريبرينيتسا.

أُخذ ابنها ذو الأربعة عشر عاماً من بين ذراعيها في يوليو 1995 في بوتوكاري، بالقُرب من سريبرينيتسا. في آخر كلماته إليها، طلب منها ابنها تناول حقيبته، التي قد ألقاها الجنود الصرب على الأرض إلى جانب متعلقات رجالٍ آخرين من المدينة التي كان يُفترض أنّها “منطقة آمنة” تقع تحت حماية الأمم المتحدة. 

لم يكونوا بحاجة إلى أغراضهم، لأنّ الأيام اللاحقة كانت ستشهد أخذهم إلى ساحات الإعدام في محيط مدينتيّ زفورنيك وبراتوناتش وقتلهم.

كنتيجةٍ للجهود الريادية التي بذلتها المحكمة الجنائية الدولية من أجل يوغوسلافيا السابقة، أظهر أعضاء النيابة العامة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية كيف جرى استهداف مجموعة عرقية للإبادة في أوروبا.

إعلان

لكنّ التحقيق في هذه الأعمال الوحشية الجماعية، والتي قتلت خلالها القوات البوسنية الصربية أكثر من 7000 رجلاً وصبياً بوسنياً، والتي صنفتها محكمة جرائم الحرب المدعومة من الأمم المتحدة إبادةً جماعية في نهاية المطاف، كان معقداً للغاية واستغرق أعواماً ليكتمل.

استحضر جان رينيه رويز، المحقق في جهة الادعاء في محكمة لاهاي منذ عام 1995 إلى 2001، مهمّة تحديد الوقائع المتعلقة بسريبرينيتسا منذ الوهلة الأولى. 

قالت رويز: “إنّ مساحة مشهد الجريمة لا يُصدق – 70 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب و40 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب… إنّه غير متناسب على الإطلاق مع ما يُمكن أن يُعدّ مسرحاً للجريمة”.

قبل مجزرة سريبرينيتسا بعام، خلال حملة دامية قد استمرت 100 يوم في عام 1994، قُتل أكثر من 800,000 شخصاً في رواندا؛ الدولة الواقعة في شرق إفريقيا. قادت أعمال القتل الجماعية في كلاً من رواندا ويوغوسلافيا السابقة إلى تأسيس محاكم الأمم المتحدة التي شرعت في إثبات أنّ هذه الجرائم تصل إلى حدّ الإبادة الجماعية.

قال حسن جالو، المدّعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، أنّه كان متيقناً\ أنّ الشك لم يراوده مطلقاً في أنّ عمليات القتل الجماعي قد هدَفَت إلى إبادة أقلية التوتسي العرقية في البلاد.

وذكر جالو:”وقع ما حدث على مرأى من الجميع وكان واضحاً أن عمليات القتل ارتُكبت بنيّة الإبادة الجماعية للتخلّص من التوتسي كطائفة”.

في سريبرينيتسا، سيصعُب إثبات الإبادة الجماعية أكثر. استهلّ رويز التحقيق الدولي في مذابح شرق البوسنة في يوليو 1995، والذي عُيّن مسئولاً عن الفريق المختص بسريبرينيتسا. شرع الفريق في مهمّته بما لم تتعدى كونها شائعات.

وصرّح رويز: “ما نحن إلّا محققين. ننتقل من أسبالطو (في كرواتيا) إلى توزلا (البوسنة) مستقلّين الهيلكوبتر، حيثُ قابلنا حوالي 25.000 لاجئاً. تمثّل الهدف في تقصّي الحقائق والشائعات التي لحقت استيلاء الصرب البوسنيون على سريبرينيتسا والرجال الذين قُتلوا وكانوا ما يزالون في عداد المفقودين. في ذلك الحين أدلى الناجي الوحيد بإفادته إلى الشرطة بأنّه كان أحد الضحايا [الناجين] من إعدام جماعيّ،”.

‘إبادة جماعية بلا جثث’

امرأة بوسنية تدعو عند نصب سريبرينيتسا التذكاري
امرأة بوسنية تدعو عند نصب سريبرينيتسا التذكاري

 

تذكّر رويز أنّه قد وجد محققاً ثالثاً بعد أشهر قليلة واستنفد شهريّ يوليو وأغسطس في عام 1995 في متابعة أكبر قدر ممكن من الإفادات. 

قال: “لم نكُن نعلم شيئاً عن المنطقة. أتيتُ إلى محكمة [لاهاي] في إبريل ولم أكُن أعلم أين تقع توزلا على الخريطة… كان الجميع في عداد الضحايا، ولدى كلّ منهم قصة ليرويها. خلال التحقيق، كان علينا أن نجد أفضل الشهود ممّن رأوا واقعةً بأمّ أعينهم في ظلّ كمّ هائل من المعلومات. كان علينا أن نستخرج الالماس من منجمٍ للفحم. كان ذلك تحدّي صيف 1995”.

بعد توزلا، واصل رويز تحليل إفادات الشهود بعد أن عاد أدراجه إلى سراييفو. بحلول عام 1995، بات جلياً أن أحداثاً مروّعة قد وقعت – لكنّ الأدلة لم تُكن كافية.

ذكر رويز:” كنتُ بحاجة إلى التحقق من الإفادات، وواجهنا مشكلة في الوصول إلى مسرح الجريمة. كنّا بحاجة الى دخول جمهورية صربيا [وهي كيانُ يحكُمه صرب البوسنة]، حيثُ كان السياسيون وأفراد الشرطة والجيش ما يزالون هناك وكنّا بحاجة إلى إجراء تحقيقات شاملة في أراضيهم  لنتمكن من جمع الأدلة ضدّهم”.

نُظمت الزيارات الأولى إلى مسرح الجريمة في سريبرينيتسا عندما زار وكيل وزارة الخارجية الأمريكي البوسنة ليتحقق من كفالة حرية التنقل.

وذكر رويز: “أخبرناه أن يذهب إلى بعض الأماكن الذي أردنا أن نراها، مثل المدرسة في غربافيتشا والمستودع في كرافيتسا [حيثُ وقعت المذابح]… في كرافيتسا، جمعنا بعض الأمثلة على عجالة لفحص المادة التي تُشبه الدم، لمعرفة إن كانت تعود لإنسان. حلّل فريق الطب الشرعي الموقع لمدة أسبوع وجمع مئات من قطع الأدلة. عيّنات الدم وجلود على الحائط وآثار المتفجرات،”.

أضاف:”قال أحد الشهود أنه قد اختبأ في مخزنٍ للبضائع، والذي كان مدمراً حين دخلت الشاحنات لتلتقط الجثث، لكنّ بقايا هذا الملجأ كانت هناك – وهو تسلسلُ للأحداث يُثبت رواية الناجي”.

صرّح أندرو كايلي، المدّعي العام في لاهاي من 1995 إلى 2005، أنّ مشهد مركز بليتشا الثقافي حيثُ أُعدم آلاف البوسنيين سوف يطارده إلى الأبد.

وقال كايلي:”دخلت إلى المبنى عام 1999 مع رينيه (رويز) ونزلنا أسفل المنصّة. كانت الألواح الخشبية تفترش الأرض وكان المشهد مريعاً. كان الدم متجمداً بين ثنايا الألواح الخشبية، حيثُ أقمتَ الحفلات الموسيقية ذات مرّة… أُغلقت المنطقة لأربع سنوات. رأينا الثقوب التي أحدثتها البندقيات الآلية في الحوائط. هذا النوع من الأسلحة التي تستخدمها عندما تريد قتل الكثير من الناس بسرعة”.

لكنّ التحدي الذي واجه المحققين كان استغلال ملاحظاتهم على مسرح الجريمة ليشكّلوا رواية متماسكة عمّا حدث ليتسنّى لهم استخدامها في المحكمة.

تساءل كايلي: “بالقُرب من أحد المنازل التي حدثت فيها عمليات الإعدام الجماعية، وجدنا صناديق الذخيرة على بعد حوالي 30 متراً في الغابة. بالتالي فإنّهم قد أحضروا الذخيرة ووضعوا السلاح على الحامل وقتّلوا الناس، ثمّ ألقوا الصناديق في الغابات. لا يُمكنني ضمان أنّ ذلك ما قد حدث، لكنّ لماذا يُمكن أن توجد صناديق ذخيرة في منتصف العدم؟”.

بحلول نهاية 1996، تمّت عملية البحث وجرى تحليل حوالي 90% من مواقع الاحتجاز والإعدام. بدأت العمليات الأولى لاستخراج رفات الضحايا في العام ذاته – لكن سرعان ما سيتضح أن الجُثث قد نُقلت من المنطقة التي حدثت بها عمليات القتل.

قال رويز:”عندما استُخرج رفات ثلاثة من الجثث، كان واضحاً أن المناطق كانت مضطربة. حيثُ -حسب الشهادات- توقعنا أن نجد بضعة آلاف من الجثث في نهاية 1996، كان لدينا أقل من 500 جثّة. نُقلت الجثث، لا يعلم مكانها إلا الله. انتقلنا إلى مرحلة جديدة – أين الجُثث؟ أتذكر مقالاً نُشر في 1996 في جريدة Newsweek – بعنوان (مذبحة بلا جُثث)”.

بغيةً في حلّ المشكلة، طُلبت اللقطات الجوية من الحكومة الأمريكية، والتي يستحيل اكتشاف المواقع الثانوية للمقابر الجماعية – المناطق التي نُقلت إليها الجثث- دونها.

قال رويز: “بحلول نهاية أكتوبر [1995]، استأنف الجناة عملية جديدة، معادلةً في حجمها لعملية إعدام الأسرى، بهدف نقل الجُثث وتجريفها من الأرض ووضعها في الشاحنات واقتيادها إلى أماكن نائية تنتمي لمناطق الحروب، والتي تحتوي على الألغام… بحلول نهاية 1997، كان لدينا 29 مقبرة ثانوية… اعذرني على التعبير، لكننا وجدنا نفايات من الرفات البشرية”.

ثم شنّوا حرباً لإنكار أنّ الضحايا كانوا مدنيين كما أضاف رويز. وأوضح قائلاً” “عندما عرضت مادلين أولبرايت [السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة] صوراً للمقابر على راتكو ملاديتش [قائد الجيش الصربي البوسني]، أعترف أنها كانت مقابراً، لكن للجنود المسلمين الذين قُتلوا في المعارك وكان عليهم أن يدفنوهم لأسباب صحيّة. كانت المشكلة أننا عندما فتحنا المقابر وجدنا الضحايا مقيّدة أياديهم خلف ظهورهم”.

ذكر كايلي أيضاً محاولات الصرب البوسنيين ادعاء أن جلّ الضحايا كانوا من المقاتلين.

قال كايلي: “كان لدينا أدلة جنائية وقال الصرب أنهم كانوا من المقاتلين، لكنّ أيديهم كانت مقيّدة وبعضهم كان معصوب العينين. ليس جميعهم، ولكن غالبيتهم. كانت إحدى الجثث موضوعاً على نقّالة، على هذا الحال وجدنا الجثّة. كان يبدو جلياً أنه محارب، لكن محارب جريح. هذا ليس بشخصٍ تقتله وتُلقيه في مقبرة جماعية. إنّه شخص خاضع للحماية… كان هناك ثقب رصاصة في مؤخرة الرأس في كل الجماجم تقريباً، ليس جميعها بل أكثرها. يعلم الصرب ذلك، لكنّهم يرفضون القول”.

الاعتراف بالذنب

حسن جالو، النائب العام المعنيّ بحالات الإبادة الجماعية في رواندا.

بخلاف سريبرينيتسا، ركّز التحقيق في عمليات القتل الجماعية في رواندا على إفادات الشهود أكثر من شهادات الطب الشرعي، والذي زاد الأمر صعوبةً بدوره.

قال النائب العام، جالو: “تخوّف الناس من الشهادة لذا كان علينا إيجاد آليات خاصة للحماية… كان بعض الشهود من المتواطئين، وبعضهم كانوا من العاملين التابعين للمؤسسة ممن شهِدوا ضد زملائهم. واجهنا أزمة في الأمان\ عرقلتنا مسألة الأمان. حصلنا على آلاف من الشهود”.

في كلٍ من رواندا وسربرنیتسا، كان التخطيط المنهجيّ لأعمال القتل مُثبتاً بالأدلة، مما أعطى مؤشرات واضحة للنيابة العامة على أنّ عليهم حسبان الحالات في إطار الإبادة الجماعية.

“نُفذت عمليات القتل بنيّة القضاء على طائفة بعينها. كانت الأهداف تتمثل في التوتسي. على سبيل المثال، فتشت قوات الجيش مع ميليشيات الحزب الحاكم عن المنتمين للتوتسي في حواجز الطرق في أرجاء البلاد. كان على كل منّ تخطى الحاجز – ولا مفرّ لك من تخطيهم لأنهم انتشروا في كل مكان- أن يُظهر بطاقة الهوية. في هذا الوقت، كانت [بطاقات الهوية] تحمل علامة تشير إلى الأصل العرقيّ. قال جالو:” إن كُنت أحد أفراد طائفة التوتسي، فسوف تُقتل. إن قلت أنك لا تمتلك بطاقة، فسوف تُقتل أيضاً”. اعتمدت الأمم المتحدة عام 1948 اتفاقية منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها. بعد 5 سنوات، وقعت مهمة تنفيذه على عاتق أعضاء النيابة العامة في محاكمات الأمم المتحدة الخاصة المنعقدة بشأن رواندا ويوغوسلافيا السابقة للمرة الأولى. 

قال ماركو أتيلا هور، المؤرخ في جامعة كينغستون في بريطانيا والذي عمل لمدة قصيرة في نيابة محكمة لاهاي أنّ إثبات وقوع المجزرة لا يتعلق فقط بعدد الضحايا.

قال هور: “إن تأملت التعريف القانوني الدولي للإبادة الجماعية، فإنّه لا يحصُر أنواع الجريمة في القتل، بل إعاقة طائر داخل سِربه أيضاً. وعليه فإنه يُمكنك نظرياً أن ترتكب جريمة دون قتل أحدٍ إن أصبت كل الأشخاص البالغين في مجموعة ما بالعُقم. لذا فإنّ الإبادة الجماعية لا تتعلق بالأرقام، بل بإضمار النيّة لإبادة طائفة ما”.

قال المدّعي العام كايلي أنّه على الرغم قتل الخمير الحُمر في كمبوديا أكثر من 1.8 مليون شخصاً خلال 3 سنوات في سبعينيات القرن الماضي، لم تُعدّ فعلتهم إبادة جماعية لأنّ الضحايا قُتلوا لأسباب سياسية وليست عرقية أو عنصرية أو قومية.

أضاف: “يجب أن يكون الهدف طائفة عرقية أو عنصرية أو دينية. حدث ذلك معنا [في سريبرينيتسا]. كان جميعهم من البوسنيين المسلمين. كنّا نعلم أنّ البوشناق في البوسنة لم يُقتلوا في سريبرينيتسا، لكننا نعلم ونؤمن أنّ ذلك كان إبادة لطائفة السكان البوشناق في سريبرينيتسا -من الرجال- نظراً للنظام الأبويّ الذي يتسم به السكان حيثُ يعتمد النساء على الرجال”.

قال المدّعي العام السابق في محكمة لاهاي جيفري نيس، والذي تولّى القضية المرفوعة ضد سلوبودان ميلوسيفيتش بين عاميّ 1998 و2006، أنّ المعضلة الكبرى في إثبات الإبادة الجماعية تكمُن في إظهار أنّ المدّعى عليه يحقّ له محو طائفة عرقية برمّتها.

أوضح نيس قائلاً: “لا يتحدث المدّعى عليهم عادة علانيةً عمّا يخططون لفعله”. واجهنا ذلك في قضية ميلوسيفيتش، فهو -إن حسبنا أنّه قال شيئاً- لم يقل أي ما يتعلق بنيّته. لذا كان عليك استنتاج نيّته من أفعاله. كان من الشاق إثبات ذلك”.

القتل الممنهج

جيوفري نيس، المدّعي العام السابق لمحكمة لاهاي

وفقاً لما قالته كايلي، كانت الطبيعة الممنهجة لجرائم القتل في سريبرينيتسا عاملاً ضرورياً في إثبات وقوع الإبادة الجماعية.

أوضح كايلي:”لقد كان القتل أكثر منهجيةً في سريبرينيتسا من غيره [في البوسنة والهرسك خلال الحرب]. لا أدّعي أن الأحداث في الأماكن الأخرى لم تكُن مُخططة، لكنّ يُمكننا إثبات العديد من الخطط عبر المحادثات المسرّبة عن الجيش الصربي البوسني، والتي كشفت عن عدةٍ مواقع بها مجموعات من الأسرى اُقتيدوا إلى ساحات الإعدام. لم تكُن آلية مكثفة للقتل كتِلك ملموسة في مناطق أخرى في البلاد”.

كان أحد أهم العوامل التي أثبتت وقوع الإبادة الجماعية في رواندا هو اعتراف بعض المشتبه بهم بذنبهم، كما أوضح جالو.

وأضاف:”اعترف العديد بذنبهم. بدايةً من رئيس الوزراء، رئيس الحكومة المؤقتة الذي اعترف بالإبادة الجماعية. تبِعه ثمانية أو تسعة آخرين. أسقطنا بعض التهم عنهم إلا الإبادة الجماعية. كان الشيء الوحيد الذي رفضوا الاعتراف به هو الاعتداء الجنسي، ولو أنّه كان منتشراً”.

في يوغوسلافيا السابقة، أرشدت اعترافات بعض المدعى عليهم بذنبهم المحققين إلى دليل جديد كذلك.

قال رويز:”بفضل [المدّعى عليه] درازن إرديموفيتش [كرواتيّ حارب في صفوف الجيش البوسني الصربي]، حللنا وأدركنا ما حدث في مركز بليتشا الثقافي…

لا أعتقد أننا كنّا سنتمكن من إيجاد هذا الموقع من دونه. لم ينجُ أحد، لذا لم يكُن لدينا شهود. لن يقرّ أي من سكان البلد أن بذلك”.

إرث المحكمتين

انعقاد المحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغوسلافيا السابقة. Photo: ICTY.
انعقاد المحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغوسلافيا السابقة. Photo: ICTY.

 

أدانت المحكمة الجنائية الدولية المنعقدة بشأن يوغوسلافيا السابقة 14 شخصاً بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم أخرى في سريبرينيتسا كنتيجةٍ للتحقيقات واسعة النطاق وبالغة التعقيد التي اُجريت. لا زال كل من القائدان السياسيان والعسكريان رادوفان كاراديتش و راتكو ملاديتش في الجيش البوسني الصربي قيد المحاكمة، بينما توفي الزعيم اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش قبل النطق بالحكم ضده وتبرئة الجنرال البوسني الصربي. في هذه الأثناء، أدانت المحكمة الجنائية الدولية المعنية برواندا 61 شخصاً بتهمة الإبادة الجماعية.

قال المؤرخ هور أنّ كلا من المحكمتين قد أصدرت أحكاماً تاريخية.

“أظنّ أن مهمّة محكمة رواندا كانت أسهل، كان إثبات الإبادة الجماعية أسهل وكان عدد القتلى أكبر. لقد أدانوا ضباطاً ذوي رتب عليا وكانوا أكثر نجاحاً. ومع ذلك، لقد تعاملوا مع نظام مهزوم وتعاملت محكمة لاهاي مع الأنظمة الحاكمة في صربيا وجمهورية صربيسكا وكرواتيا، وكان ذلك أصعب”. 

أشار جالو إلى أنّه كان من المقرّر تعليق كلا المحكمتين خلال السنتين المقبلتين، فإن موروثاتهم لها أهمية قصوى في التعامل مع الجرائم التي ستُرتكب في الصراعات المستقبلية.

وقال:“بوسعِنا أن نلاحظ أنّ المسئولين رفيعي المستوى الذين حُوكموا قد أفلتوا من العقوبة من قبل. كانت تلك المحاكمتين مهمتين بالنسبة لفقه القانون الجنائية الدولية. أخيراً، أعطت نجاحاتنا وإخفاقاتنا دروساً للمحاكم المحلية عمّا يجب فعله وتجنبه”.

على حدّ قول جالو، هناك نقطة هامّة أخرى، وهي أنّ الإبادة الجماعية في رواندا لم تُنكر – وهي الدولة التي سنّت قانوناً يحظر الإنكار. ظلّت الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا مع ذلك مسألة خلافية حادة بين الصرب والبوسنة.

قال نيس، المدّعي العام السابق في محكمة لاهاي أنّه يبقى أن نُدرك الدروس التي يجب تعلّمها من الحقائق المُثبتة خلال المحكمتين.

وأضاف:”حددنا مستوى الأدلة المطلوب لإثبات الإبادة الجماعية. استعرضنا كيفية حدوث ذلك، وكيفية العمل على إيقاف هذه الجرائم، أوالحدّ منها أو تثبيط المجرمين. ويبقى السؤال، هل سيتّعظ الناس من ذلك؟ لا أعلم إن كانوا سيفعلون، لأنهم لم يفعلوا حتى الآن”.

“إن فعلوا، لم نكُن لنعيش سريبرينيتسا أو رواندا أو كمبوديا… لكنّ الوعي بهذا مهمّ حال قرر الجنس البشري استغلال ذكائه الباهر في إيقاف ما لطالما ارتكبه”.

المصدر: 

إعلان

اترك تعليقا