زيلينسكي كوميدي صهيوني يجرّ بلاده نحو الخراب: 

بعيدا عن اللِّجان المركزية للتنظيمات الحزبية التي تحدث عنها لينين وعن الأحزاب ذات القواعد الجماهيرية العريضة التي دافع عنها تروتسكي، تأتينا الليبرالية اليوم بنموذج حكم ساذج وغبي، دافعة زيلينسكي، ذاك الممثل الكوميدي الذي لا يفقه في السياسة حرفًا واحدًا، نحو قصر الرئاسة، قارعة بذلك طبول حربٍ لن يقدر الشعب الأوكراني على مجابهتها.

زيلينسكي، ممثل إسرائيلي ورئيس لم ينتظم يوما صلب حزب

بينما تشتدّ وتيرة حرب قد تؤتي على العالم برمّته، تقرع طبول تأليه زيلينسكي تحت طائلة التبعية للمعسكر الغربي وبمعيّة ماكنة الإعلام الأمريكي والتمويل الأجنبي، فيظهر في صورة بطل ثوري يواجه رصاص العدو بصدر عارٍ. تمثّل هذه الصورة التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم والتي تستعملها الصحف والمجلات دفاعا عن هذا الرئيس أداة لحرب معلوماتية وإعلامية لا تقلّ خطورة عن الصراع الميداني، إذ لا تنفك تلمّع صورة الصهيوني الموالي لأوروبا وأمريكا ولقراراتها الجائرة واللا منطقية وتروّج لبطولاته الوهمية. 

برز فولوديمير أوليكساندروفيتش زيلينسكي، الأوكراني اليهودي المتحصل على شهادة في القانون من جامعة كريفي ريه للاقتصاد والمزاول لمهنة التمثيل، في بادئ الأمر في مسلسل “خادم الشعب” الذي ظلّ يبث من عام 2015  إلى عام 2019، لاعبًا دور أستاذ التاريخ الذي قرّر ذات يوم الانخراط في دواليب الدولة من خلال الترشح للانتخابات الرئاسية والسعي لردع الفساد وإيقاف النزاعات.

بخطابات شعبوية مبسطة وبصور هوليوودية آسرة، نجح زيلينسكي المدعوم ماليا من قبل الملياردير الإسرائيلي  إيهور كولومويسكي في الحفاظ على هذه الصورة الخيالية حتى بعد تركه للمسلسل، فشارك في الانتخابات الرئاسية سنة 2019، وقد أعلن عن ذلك قبل 4 أشهر فقط من موعدها. واجه  الرئيس الأوكراني السابق حينها بيترو بوروشينكو ترشح زيلينسكي بالقول إنه يريد أن يذكّر الجميع أن الأمر لا يتعلّق بمزحة وأنها انتخابات تتعلق بمنصب القائد الأعلى، لكن دون جدوى، فقد فاز هذا الممثل بكرسي الرئاسة بنسبة 73.2٪. 

اتجه هذا الرئيس منذ أولى فترات حكمه نحو الغرب الذي وعده بمساعدته في تحقيق السلام في المنطقة والانتصار له أمام جاره الروسي، فترك اتفاقيات مينسك التي عملت على إيقاف القتال في دونباس وانتظر الدعم الأوروبي/الأمريكي الذي كان ينتظره. 

لم تكن لهذا البطل الكرتوني أيّة صلة بالسياسة من قبل ولئن اكتفى بدخول عوالمها من أبواب الدراما والتلفزيون، فقد كذّب الزمن أولى وعوده الانتخابية ليعيش الأوكرانيّون بطش الحرب وقبح الفساد. 

طلب الإنضمام إلى حلف الناتو: قرار زيلينسكي الذي سيدفع ثمنه الشعب الأوكراني 

ظلّ الصراع الروسي الأوكراني صراعا قديما-جديدا، يخفت صوته فترة ليعود أشدّ قوّة ودمارًا وظلت الأوضاع غير مستقرة منذ سنة 2014، مما دفع الشعب إلى انتخاب رئيس- ممثل وعد بإنهاء هذا الخلاف. لكن الرئيس الأوكراني منعدم التجربة لم يفِ بوعوده إذ طلب انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، متجاهلا أنه يهدد بطلبه هذا الحدود الروسية ويجعلها فريسة سهلة للغول الأمريكي. وقد أجرت أوكرانيا مع حلف الناتو خلال العام الماضي فقط سبع مناورات مشتركة، كان من شأنها استفزاز الدب الروسي وتقريب الخطر من أراضيه. 

ابتزّت هذه المسألة فلاديمير بوتين، ذاك القومي المتطرف الحالم بردّ أمجاد روسيا السابقة، فجاء الرد يوم 24 فبراير. ضربت روسيا أنظمة الدفاع الأوكرانية خلال ساعات قليلة وواصلت التقدم نحو العاصمة كييف تحت تهديدات الغرب التي لا تسمن ولا تغني عن جوع بل ووضع قوات الردع النووي في حالة تأهب واستعداد. أدخلت هذه المعطيات العالم في حالة فزع جعلته يسمع دوّيّ مدافع الحرب العالمية الثالثة ويقرأ أنباء سقوط جرحى من الجهتين. كما قرّبت الألم من دول الشمال، لتساويها مع دول الهامش وتفضح إنسانية “أوروبية” كاذبة ومنافقة. 

بطل هذه الحرب يلغي متابعته للرؤساء على تويتر

في ظل أزمة عالمية تهدد فيها روسيا بردّ نووي وتتوعد فيها أمريكا بعقوبات اقتصادية مجحفة وتعود فيها الصين الشعبية لمساندة رفيقتها الأبدية، يعود زيلينسكي من التراجيديا إلى الكوميديا فيرد على دموية الحرب بإلغاء متابعته لرؤساء الدول على منصة تويتر ثم ينزل للشارع، مجسدا صورة المنقذ الكرتوني ومشيرا ضمنيا إلى ضرورة التنظم وخوض التجارب السياسية والحزبية إن لم نرد رئيسا يواجه الحروب والصراعات الدولية الكبرى بتدوينات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي. 

قد لا تعتبر الحروب أكثر دروس التاريخ نفعًا وأقلّها بطشا وقبحا لكن لهذه الحرب اليوم أن تعلّمنا درسين اثنين، أولهما أن العودة إلى التنظيمات الحزبية ضرورة حتمية وثانيهما أن التعويل على المعسكر الغربي وعلى المراكز الرأسمالية الإمبريالية ضرب من ضروب الغباء والركض نحو الهلاك.