الجهلُ غذاءُ الاستبداد

يقول الكواكبي: “لا يخفى على المستبد، مهما كان غبيًا، أن لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعيّة حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء”.([1]).

ما قاله الكواكبي يشهد له التاريخ، وللمستبدين منهجيةٌ محترفةٌ لمحاربة العلم:

أولًا: التنكيل بالعلماء

رغم أن المستبد يُخوِّفنا من الأعداء الخارجين، ويعتبر البلاد دائمًا في حالة حرب، إلا أنه لا يهتم ولا يخشى أعداء الخارج، بل أعداءهُ الحقيقيين هم العلماء المستنيرون المستقلون؛ لأن لديهم السلاح الأقوى: العلم، والأداة المؤثرة: الحجة، والرسالة الخطيرة: الثورة. فهؤلاء وحدهم من يرون قبح المستبد، ويفضحون سِرَّه، وينشرون جرائمه، ويُحرِّضون الناس ضده.

ولا يكتفي المستبد بالتنكيل بالعلماء حين يتدخلون في السياسة، بل يمنعُ كلَّ رأي يخالف رأيه، ويمنع كل فكرة تكشف جهله، فلا يسمح لعالم الدين أن يفتي بغير رأيه، ولا يسمح لعالم الاجتماع أن يكشف عورات المجتمع، ويفضح جرائم المستبد، ولا يسمح لعالم الاقتصاد أن يفضح الفساد!

بل مجرَّد التفاف الناس حول عالمٍ صالحٍ ومُصلح وقدوة يُقلِقُ الحاكم وأمنه؛ لأنه يخشى أن يكشف العالم عن حقيقة الاستبداد ويلتف الناس حوله في ثورة تعزله وتهدده.

يقول إقبال أحمد: “تخلط السطات بين أمن الدولة وأمنها هي؛ فتعتبر كل انتقاد/ اعتراض عليها هو تهديد للأمن الوطني. لذلك هذه السلطات لا تواجه مشكلات الدولة بقدر ما تواجه من ينشر هذه المشكلات ويُبرِزها للرأي العام، فتعتقل وتقتل من يفضح مشكلاتها”([2]).

إعلان

لذلك العلماء في كلِّ عصر واجهوا تنكيل المستبدين بالعزل والحبس والسجن والتعذيب والطرد. ومن أمثلة ذلك:

– عمرو المعصوم: كان أستاذًا لمعاوية بن يزيد بن معاوية، وحين تُوفي يزيد بايع الناس ابنه معاوية، فقال لأستاذه عمرو المعصوم: ماذا ترى؟ فقال: إما أن تعتدل أو تعتزل. فخرج معاوية وخطب في الناس: “إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحق، ثم تقلَّده أبي، وقد كان غير خليق به، ولا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم ولّوه من شئتم”. ثم نزل وأغلق الباب في وجههم وتخلَّى بالعبادة حتى مات. فوثب بنو أمية على أستاذه عمر المقصوص وقالوا: أنت أفسدته وعلَّمته. فدفنوه حيًا([3])!

– غيلان الدمشقي: وصل مُلك بني أمية ليد عادلة، عمر بن عبد العزيز، حيث أراد أن يغيِّر ما أفسدَه الأمويون، فدعى غيلان الدمشقي، وهو عالم من المعتزلة، وقال: “أعنِّي على ما أنا فيه أعانك الله”. فقال غيلان: “ولِّني بيع الخزائن ورد المظالم”. فولَّاه، فكان يوزع على الناس ممتلكات بني أمية وينادي عليها: “هَلُمُ على متاع الخونة، هَلُمُ إلى متاع الظلمة”. حتى كان فيما نادى عليه: جوارب مصنوعة من الحرير الناعم قيمتها ثلاثون ألف درهم. فقال غيلان: “هذا يأتكل والناس يموتون جوعًا”!

وسريعاً قُتل عمر بن عبد العزيز وعاد الحكم للأمويين، فقُبض على غيلان، وصلبوه وقطعوا يديه ورجليه، فظل يحرِّض الناس على بني أمية وهو على الصليب، فقال: “قاتلهم الله، كم من حق قد أماتوه، وكم من باطل قد أحيوه”، فأبكى الناس، فكسر بنو أمية فكَّه وقطعوا لسانه، فنزف حتى مات!([4])

– الجعد بن درهم: خطب خالد بن عبد الله القسري، والي الكوفة، على المنبر يوم عيد الأضحى وقال: “أيها الناس، ضحوا تقبَّل الله ضحاياكم، فإني مُضَحٍ بالجعد بن درهم”، ثم نزل وذبحه تحت المنبر!([5])

– ابن المقفع: كتب ابن المقفع كتاب (رسالة الصحابة) يقدِّم من خلاله نصائح واقتراحات للمنصور، فغضب المنصور وأمر بقتله، فقطعوا أعضائه عضوًا عضوًا، وألقوها في تنور من الزيت المغلي، وهو ينظر إلى أعضائه وهي تُقطع ثم تُحرق، حتى أُلقي كله في التنور([6]).

– إبراهيم الصائغ: يُروى أن إبراهيم الصائغ أتى أبا مسلم الخراساني فوعظه. فقال له أبو مسلم: “انصرف إلى منزلك، فقد عرفنا رأيك”. فرجع إبراهيم ثم تحنط وتكفَّن، وأتاه وهو في مجمع من الناس، فوعظه وكلَّمه بكلام شديد، فأمر أبو مسلم بقتله، فقُتل وطُرح في بئر([7]).

– الإمام/ أبو حنيفة: حين ثار زيد بن علي على هشام بن عبد الملك، أيَّد أبو حنيفة ثورة زيد، وقال عنه: “ضاهى خروجه خروج النبي في بدر”، ولم يستطع مشاركته في الثورة، لكنه دعمه بالمال، فأرسل إليه عشرة آلاف درهم.

فأراد والي الكوفة، ابن هبيرة، أن يشرك أبا حنيفة في جرائمه السياسية، فأمره أن يجعل خاتم الوالي في يده، ولا يُنفَّذ أمر إلا ويختم أبو حنيفة عليه، فرفض أبو حنيفة وقال: “لو أرادني أن أعد له أبواب مسجد، لم أدخل في ذلك، فكيف وهو يريد مني أن يُكتب دم رجل يُضرب عنقُه وأختم أنا على ذلك الكتاب”؟! فأمر بسجن أبي حنيفة وجلده!

ولم تنتهِ محنة أبي حنيفة، فحين ثار محمد بن عبد الله، المعروف بالنفس الزكية، على أبي جعفر المنصور، جهر أبو حنيفة بتأييد النفس الزكية، وأعلن ذلك أمام تلاميذه، وحرَّض جنود المنصور على التمرد، مما أثار استياء المنصور، فأراد أن يلعب نفس لعبة ابن هبيرة، وهي أن يشرك أبا حنيفة في جرائمه، حتى يراه الناس في صف الخليفة، فعرض على أبي حنيفة القضاء، فرفض، فأمر بسجنه وجلده، ومات أبو حنيفة بعد ذلك بأيام!([8]) 

– الإمام/ مالك: حين ثار محمد بن عبد الله، المعروف بالنفس الزكية، على أبي جعفر المنصور، حرض الإمام مالك الناس على الثورة والانضمام للنفس الزكية، فسألوه: قد كانت لنا بيعة لأبي جعفر المنصور؟ فقال: “إنما بايعتم مكرَهين، وليس للمكرَه بيعة”، فعرف أبو جعفر المنصور بقول مالك، فأمر بسجنه، وتعريته من ملابسه، وربط أطرافه حتى انخلع كتفه، وجلده!([9])

– والشاعر عماد الدين نسيمي عاقبته السلطة وحكمت عليه بالسلخ حيًّا أمام الجمهور، وفي الوقت الذي يقف فيه مجموعة من العلماء لتفنيد آرائه ومجادلته، كان من ينفذ العقوبة بارعًا، فاستطاع سلخ كل جلد الشاعر دون أن يمت، فرحل النسيمي مسلوخًا، وهو يحمل جلده على كتفه!([10])

– وعام 1932 في الاتحاد السوفيتي ألغى الحزب الشيوعي كل الجمعيات الأدبية، وأنشأ اتحاد الكتَّاب السوفيت، وعقد المؤتمر الأول عام 1934م حضره سبعمائة كاتب، لكنه حين جاء موعد المؤتمر الثاني عام 1954م كان خمسون كاتبًا فقط هم الأحياء، وتم تصفية باقي الكتَّاب وتخلص منهم السفاح ستالين!([11])

ومع كل حراك ثوري أو انتخابات مزورة تبدأ الشرطة احترازًا باعتقال مئات من المثقفين، وتتحفظ على الشيوخ المؤثرين، وتراقب وسائل الإعلام.

كل هذا الإرث أخصى عددًا غزيرًا من العلماء، وجعلهم ينافقون، أو يهربون، أو يصمتون، حتى سادت مقولة: “من الكياسة ترك السياسة”، وهو بالضبط ما يتمناه المستبد!

ثانيًا: حظر حرية الرأي

يقول د. ياسر ثابت: “القاعدة الاولى لدى الطغاة وفي عائلة الطغيان: المواطن يجب ألا يعرف شيئًا”([12]).

الحكومات المستبِدَّة تتعمد تجهيل الشعب، فلا تعلن عن أي إحصاءات دقيقة، ولا بحوث ميدانية، ولا ميزانيات الجهات السيادية، ولا الوثائق الرسمية التاريخية، ولا حجم ديونها الحقيقي، الخ.

ومثال ذلك الوثائق الرسمية لحروب مصر المعاصرة 1956 و1976 و1973 رغم مرور أكثر من 40 عامًا إلا أنها لم تُنشر، ودار الوثائق القومية الذي يمثل هوية وتاريخ الوطن فارغ من أيِّ وثيقة عسكرية أو هامة ذات قيمة في تاريخ هذا الوطن!

وحتى هذه اللحظة يقف أي باحث عن تاريخ وطنه أمام أقوال وشهادات غير موثقة، لذلك نجد قضايا جدالية بلا ترجيح حاسم حتى اليوم، في حين أن الوثائق الرسمية تحمل الحقيقة الحاسمة، مثلًا ما سر الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين؟

ومن أحرق القاهرة في 1952؟

وماذا حدث في اجتماعات مجلس قيادة الثورة في أزمة مارس 1954؟ لحل التناقض بين ادعاءات عبد الناصر ومحمد نجيب.

وماذا حدث في اجتماعات قادة الجيش قبيل يونيو 1967؟ لتحديد مسئوليات عبد الناصر وعامر.

وهل مات المشير عامر مسمومًا؟

وماذا سجلت الوثائق الرسمية للقاءات القادة في حرب 1973؟ لحل التناقض بين ادعاءات الشاذلي والسادات عن التعامل مع الثغرة.

وهل كان أشرف مروان عميل مصري أم إسرائيلي أم عميل مزدوج؟ ومن قتل أشرف مروان؟

وهل استخدم صلاح نصر وصفوت الشريف الفنانات للتجسس؟

وما هي بنود اتفاقية كامب ديفيد؟

ومن فتح السجون في ثورة يناير 2011؟

وما الوثائق التي اعتمد عليها السيسي للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية؟

كل هذه القضايا تحمل السلطة الإجابة عنها، لكنها تتعمّد تجهيل الشعب، وتركهم في الجهل يتجادلون بلا نهاية!

ومن المخزي أن تظل الوثائق المصرية محجوبة عنا، في حين الوثائق الرسمية الإسرائيلية منشورة ومتاحة للجميع، فنعرف تاريخنا من عدونا!

“إن أمة بلا وثائق صحيحة هى أمة بلا تاريخ يقوم على الحقائق، ومثل هذه الأمة تصبح ألعوبة بأجيالها فى أيدي أعدائها ودعاياتهم، وفى أيدي الشهادات غير الرسمية أو الجزئية”([13]).

ولا يكتفي المستبد بحجب المعلومات الرسمية الدقيقة، بل يمنع العلماء من مجرد إبداء الرأي، والتعبير عن أفكارهم، والدعوة لمعتقداتهم، فيحظر نشر وبيع وتداول الكتب المعارضة، فيمنع دور النشر من نشرها، ولو نُشرت، فهو يمنع المكتبات من بيعها، ولو باعتها، فهو يجرِّم تداولها، وكثيرًا ما تتم مداهمات الشرطة للبيوت، وأول ما يفتشون: المكتبة، فيصادرون كتبًا معارضة، ويسجنون صاحبها بتهمة: حيازة منشورات ممنوعة!

وقد خصصت الحكومات المستبدة شرطة خاصة لمتابعة الكتب الممنوعة، ويفتشون الكتب في المطارات والمعارض والمكتبات لمنعها! لذلك باتت تجارة الكتب السياسية المعارضة كتجارة المخدرات، يشوبها الحذر والتّكتم والتجسس!

يقول رجل الأعمال أحمد بهجت، صاحب قناة (دريم)، أول قناة فضائية خاصة: “لو جاءتني مكالمة تليفونية تأمرني: اغلق قناة (دريم)، ماذا سأفعل؟ سأغلق القناة فورًا”([14]).

ونتيجة ذلك لم يعد العلماء يهتمون بالوصول إلى الحقيقة، ولا دقة البحث، ولا المنهج العلمي، بل كل ما يخشاه: الموافقة الأمنية على نتيجة البحث, فإن وافق هوى الأمن، فلا مانع من النشر، بل تنشره الدولة نفسها وتقدِّمه في الإعلام، وتولِّيه القيادة الفكرية والإعلامية ليصبح لسان الحاكم. وإن لم يوافق هوى الأمن، فلن يرى البحث ولا الباحث نور النهار!

ونتج عن ذلك أيضًا أن آثر كثير من الباحثين السلامة، ولم يقحموا أنفسهم في الموضوعات الملغومة، والخلافات الصادمة، بل يرتع آلاف الباحثين في قضايا تافهة وهامشية وسطحية ومكررة، فترى مئات الكتب الدينية عن عذاب القبر وعلامات الساعة ونقائض الضوء، وترى مئات الكتب الاجتماعية تناقش التغيرات الاجتماعية على الشعب الأمريكي والأوروبي، ولا تُشِر للمواطن العربي؛ لأنه لا يمكن إجراء استطلاعات رأي حرة، وجمع بيانات دقيقة وأبحاث محايدة على هذا الشعب! وترى كتب التاريخ تغوص في الماضي السحيق ولا تشير بكلمة عن الحاضر المعاصَر!

وقد أصبحت الكتب المتداولة والأكثر مبيعًا هي الروايات الهابطة، ومجلات الموضة والأزياء، وأخبار الرياضة، وفضائح الفنانات! هذا ما تبقى من العلم والثقافة!

كما نتج عن ذلك تغييب الشعب وتهميشه كليّةً، وتجهيله عن عمد، فلم يعد الشعب واعيًا ولا مدركًا حقيقة وتفاصيل ما يدور حوله، فلك أن تتصور شعبًا يجد أمامه وفرةً من الأموال والهبات والخدمات المجانية، فلا شك سيشكر الحاكم ويشهد بعدله، لكنه لا يعلم أن وراء هذه الأموال ديونٌ بفوائدَ عالية سيتكلفها لاحقًا.

ونتج عن ذلك أيضًا رواج الشائعات؛ فحين تتكتم الجهات الرسمية على الحقيقة، فلا يتبقى للشعب غير تسريبات يكشفها صحفي هنا، ومسؤول سابق هناك، وساعٍ سمع كلمة، وتكهنات وانطباعات تنتشر بين العامة.

يقول د. مصطفى حجازي: “تُفرض على الإنتاج العلمي في العلوم الإنسانية قيود كثيرة وخطوط حمراء متزايدة، حيث يُمنع على الباحثين من تناول المشكلات الاجتماعية المتفاقمة والحديث عنها، كأن بحثها فضيحة! وهكذا يُدفع الباحثون إلى التلهي بقضايا جانبية ثانوية، وتضيع جهود جيل بأكمله من الباحثين الذين يقتصرون على تناول القشور والتفاهات التي تملأ مجلات البحث الأكاديمي، ولا تُستخدم لغير أغراض الترقية، وإذا حدث أن تمكَّن بحث من الإفلات من هذه التحكمات، فإن الرقابة له بالمرصاد على مستوى النشر والتوزيع، حيث تُفرض على المؤلف والناشر قيود كبيرة، مما يؤدي إلى موت هذا الإبداع في صناديق المستودعات، ولهذا يعاني العالم العربي من انخفاض عدد الكتب الأدبية والفنية في العلوم الإنسانية بشكل صارخ عن المستويات العالمية”([15]).

ويقول محمد الغزالي: “وعندي أن فساد العلم والأدب لدى المسلمين أخيرًا يرجع إلى وطأة الحكم المستبد وزيادة توغله، ورغبته في إقصاء كل ما يعوق ظلمه ويكفكف غلواءه”([16]).

ويقول الكواكبي: “لمّا كان ضبطُ أخلاق الطبقات العليا من الناس أهم الأمور، أطلقت الأمم الحرة حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات مستثنيةً القذف فقط، ورأت أن تحمل مضرَّة الفوضى في ذلك خير التحديد؛ لأنَّه لا مانع للحُكّام أنْ يجعلوا الشعرة من التقييد سلسلة من حديد، ويخنقون بها عدوَّتهم الطبيعة، أي الحريّة. وقد حمى القرآن قاعدة الإطلاق بقوله الكريم: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾([17])([18]).

ثالثًا: قَلِّد تَسْلَم

كل هذه التخوفات والتحذيرات التي يبنيها الاستبداد تزرع الجبن في نفوس الشعب، فلا يجرؤ على التفكير المستقل، والتعبير عن آرائه، وتحمل مسؤولية فكره، وإبداع أفكار جديدة، بل يخلق شعبًا مقلِّدًا، يكتفي باتباع السائد، ويرمي المسؤولية على أحد يسير خلفه، فكما نتَّبع الحاكم ونحن صُمٌ بكمٌ عميٌ، كذلك نتَّبع الشيخ ونحن صم بكم، وكذلك نتبع الغرب المتفوق ونحن صم بكم، وكذلك نتبع السلف ونحن صم بكم، المهم أن الاتباع والتقليد والترديد آمن وغير مكلِّف.

وانظر لمثال صغير لكنه ذو دلالة، في أكتوبر 1980 أثناء افتتاح نفق الشهيد أحمد حمدي، قال المذيع عبد الوهاب محمود: “يتقدم الآن السيد الرئيس المؤمن/ محمد أنور السادات لافتتاح (نَفَق) الشهيد أحمد حمدي”، ثم تَقدَّم السادات وقال: “بسم الله، وباسم الشعب، أعلن افتتاح (نُفُق) الشهيد أحمد حمدي”.

هنا أُسقط في يدي المذيع، فكل الناس تقول: (نَفَق)، وقالها وسمعها مئات المرات: (نَفَق)، لكن الرئيس قالها: (نُفُق)، إذن فلنقلد الرئيس، وإن كان صوابًا فقد نجونا، وإن كان خطأً، فلن يعاقبني أحد، فأمسك المذيع بالميكروفون وقال: “وهكذا سيداتي آنساتي سادتي افتتح السيد الرئيس المؤمن/ محمد أنور السادات، بطل الحرب و السلام في آنٍ معًا، (نُفُق) الشهيد أحمد حمدي”([19])!

ولأن المقلِّد جاهل، فرغم ذلك – أو قل: بسبب ذلك – هو متعصبٌ لما يردده!

يقول محمد الغزالي: “إن عقول المستبدين لا تعرف مبدأ التفاهم ولا تطيق الأخذ والرد للوصول إلى الحق. ويكاد لا ينبعث صوت للخير حتى يلاحقه سوط من الإرهاب يطلب إما إخراسه وإما قتله.

وعندما فرض هذا الاستبداد نفسه على الأديان فيما بعد وضع مبدأ: من قال لشيخه: لِمَ؟ فقد حُرِمَ بركته!

إذن كيف تسير الأمور؟

تسير بالأوامر العسكرية الجافة تصدر من شخص خُلُقُه الوهم إلى اشخاص لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا لغيرهم نقدًا ولا ردًا”([20])!

ويقول د. مصطفى حجازي: “رجال الدين ينتجون نماذج من البشر مسلوبة المرجعية الذاتية، وبالتالي جاهزة للانقياد للاستبداد السياسي والديني”([21]).

ويقول عادل مصطفى: “الفكر حر بحكم التعريف. والفكر غير الحر ليس فكرًا، بل هو كـ(المربع المستدير)؛ تناقض ذاتي”([22]).

رابعًا: اختفاء العالِم القدوة

هذا الكبت والحظر والاضطهاد جعل الكُتَّاب والمثقفين ودور النشر يعزفون عن هذه المخاطر، فالعالِم الحقيقي المخلص الشجاع قد اختفى أو طُرد أو قُتل، وبقي فقط أنصاف العلماء، ومروجو العلم الزائف، ومؤيدو الرئيس، وهؤلاء فقط من تروج لهم الدولة، فلا يجد المواطن أحدًا يُطلق عليه لقب (عالم) غير هؤلاء أنصاف العلماء المهرجون المنافقون، فاختفت هيبة العلماء، وزالت سلطة العلم، وانتهى الشغف للمعرفة!

وأوضح مثال على ذلك دور الإفتاء؛ فرغم أنها هي الجهة الرسمية للإفتاء، ورغم أن شيوخها متخصصون، إلا أن وقوفهم أحيانًا خلف الرئيس ليبرروا أفعاله، ويدفعوا عن جرائمه يكشف للشعب أنهم خانوا علمهم، وباعوا ضمائرهم، وأن قلمهم ليس حرًا في يدهم، لذلك تسقط كل فتاواهم، فحتى لو أصدروا ألف فتوى علمية وصحيحة ومنطقية، سيظل الشعب يرتاب من نواياهم، ويشكك في دوافعهم، ويتجرأ على إنكارها، ويردد الشعب: هذه فتاوى صادرة من علماء السلطان! ويكفي هذا الاتهام لرد الفتوى من بابها دون الاستماع إليها، وبذلك فالعلماء أنفسهم أضروا ما تبقى من علمهم، وأهانوا هيبة العلم، وخانوا حُرمة الفتوى!

يقول د. محمد عمارة: “إذا كانت الحكمة الشعبية تقول: “من يأكل عيش الكافر يحارب بسيفه”، فإنها تعلمنا لماذا يحارب هذا النفر من أشباه العلماء بسيوف الظلمة والمستبدين”([23]).

ولا يكتفي المستبد باختفاء العلماء القدوة المعاصرين، بل يطمس سيرة كل عالم وبطل سابق، يمكن أن يقتدي الشعب ببطولاته ومسيرته، لذلك حين استولى الأمويون على الخلافة كانوا يسبون عليَّا على المنابر، وتوارثوا هذه العادة الفجة حتى منعها عمر بن عبد العزيز.

يقول أبو الفداء إسماعيل: “كان خلفاء بني أمية يسبون عليًّا، من السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة، إلى آخر أيام سليمان بن عبد الملك، فلما وُلِّي عمر، أبطل ذلك”([24])!

وقد نهى عبد الملك بن مروان عن ذكر سيرة عمر بن الخطاب، وقال: “فإنه إزراء على الولاة، ومفسدة للرعية”([25])!

ومحى عبد الناصر سيرة محمد نجيب من كتب التاريخ وأحداث ثورة يوليو!

ومحى السادات ومبارك سيرة وصورة واسم الفريق الشاذلي تمامًا من كل احتفالات حرب أكتوبر 1973!

خامسًا: لا رغبة في العلم

في عهد الاستبداد مهما درست وحلَّلت وفهمت، لن تستطيع أن تعلن رأيك وتنشر فكرك، ولو استطعت أن تنشر علمك، فليس لصوتك صدى ولا مفعول، فإن كل جهود العلماء وكتبهم ومدارسهم يستطيع أي جندي أن يدوسها ببيادته وسلاحه في لحظة.

وأشهر مثال على الصراع بين القلم والسلاح يظهر في الانتخابات؛ فإن المعارضة رغم مطاردات الشرطة، ومحاربة الإعلام، وقلة الموارد، إلا أنهم يستعينون بعلماء ومتخصصين، ويضعون برنامجًا انتخابيًا دقيقًا في الزراعة والصناعة والسياحة والصحة والاقتصاد، الخ، ويدرسون العملية الانتخابية بتفحص وتمحيص، ويراجعون تاريخ الانتخابات السابقة في الدول المناظرة، ويدرسون الواقع الاجتماعي، ويفحصون سلوك المواطنين النفسي، ويجتهدون في إقناع المواطنين فردًا فردًا، لكن يقابل كل هذا الجهد الفكري المضني، عسكري أمن يقف أمام لجنة انتخابية ليمنع الناخبين، أو نائب يوزع زيت وسكر على الفقراء لينتخبه الآلاف في لحظات، أو مكالمة من جهة سيادية تجبر أصحاب المصانع أن يجبروا عمالهم على التصويت لرأي محدد، أو تُزور النتيجة بمكالمة تليفون، وينتصر السلاح والمال وينكسر القلم!

هذا العجز ينفِّر الناس عن العلم والتعلّم والثقافة، فينظرون للعلم باعتباره رفاهية فكرية وفراغ مفكرين، فهجروا المكتبات وتركوا العلماء!

والمثال الدرامي الفج لذلك حدث مع د. محمد السيد سعيد الذي أعدَّ دراسة وافية عن الإصلاح السياسي في مصر، وحين التقى بمبارك، حدَّثه عن ضرورة البدء الفوري في إصلاح سياسي ودستوري ينقذ البلاد، لكن تجاهله مبارك، ولم ييأس المثقف الصبور فذهب إليه عقب الجلسة ليسلِّمه الدراسة التي أجهدته ليخرج البلاد من مواتها السياسي، وكان يمكن لمبارك أن يأخذ منه الأوراق ويعطيها لمساعديه ليرموها في الطريق، لكن مبارك اختار أن يضع بصمته الخاصة فقال له بصلف الديكتاتور: “الأوراق دي تحطها..”، ثم سكت وأضاف: “في جيبك”، ليضحك من حوله من خفة ظل الرئيس، ويتركون د. محمد السيد وحده يجفف عرقه، ويلم كرامته من الأرض، ويلف ورقه ليرميه بيده في أقرب زبالة([26])!

ما قيمة علم السياسة في وطن بلا ديمقراطية سياسية أو تداول للسلطة؟!

ما قيمة علم الاجتماع في وطن ممنوع فيه أي بحث اجتماعي أو ميداني، وغير متاح أي بيانات رسمية موثقة؟!

ما قيمة علم الفلسفة إن حُجبت حرية التعبير؟!

ما قيمة علم الهندسة والفلك والجيولوجي إن لم تهتم الحكومة بالبحث العلمي وتوفر إمكانيات علمية؟!

وقد قام المعز لدين الله الفاطمي بمشهدٍ رمزي يلخص القضية، فالمعز كان يدَّعي أنه من نسل النبي، وفي ذلك رفعة ومكانة أدبية عظيمة، لكنه حين دخل القاهرة، سأله الناس عن حسبه ونسبه، وإلى من ينتسب من أهل البيت؟ فسَلَّ سيفه وقال: “هذا نسبي”، ثم نثر عليهم الذهب وقال: “هذا حسبي”. فقالوا: سمعنا وأطعنا!([27])

فهو يعرف جيدًا أن السيف أصدق إنباءً من الكتاب، لذلك لم يسلك طريق المكانة العلمية والأدبية والتاريخية، بل لجأ مباشرة للقوتين الحاسمتين: السيف والذهب!

يقول أ.د. إمام عبد الفتاح إمام: “إذا اختفت الحرية اختفى العقل، إذ ما قيمة العقل إذا لم يكن في استطاعتي أن أسترشد به؟! إذا كان لابد لي من السير في اتجاه واحد، هو الذي يرسمه الحاكم، فماذا يمكن للعقل أن يفعل؟!

الواقع أن الحرية والعقل وجهان لعملة واحدة، ولهذا فإن الله القادر عندما خلق الإنسان العاقل خلقه حرًا في اللحظة نفسها، وللسبب نفسه. ولهذا فإنه يسهل عليك جدًا أن تفهم سر العالم اللا معقول الذي نعيش فيه، والسبب في وجود التيارات اللا عقلية في حياتنا، وألوان الخرافة المتنوعة التي تحكم ثقافتنا وتراثنا. السبب واحد: حكم الطاغية”([28]).

سادسًا: إهمال البحث العلمي

لا يهتم المستبد إلا باستقراره على الحكم وبقاءه أطول مدة ممكنة، وما دون ذلك لا يعنيه كثيرًا. والبحث العلمي لا يقترب بأي درجة من هدف المستبد، لذلك لا يوليه أي عناية، ويبقي فقط مؤسسات البحث العلمي، لتجميل مظهره أمام العالم.

لذلك ليس غريبًا أن نجد ميزانية البحث العلمي في الموازنة العامة لا تتخطى 1%!

ولذلك نجد مرتبات أساتذة الجامعات من أدنى المرتبات في الدولة، ولم تعد الدرجات العلمية الرفيعة مرجوة ولا مستهدفة! على عكس الالتحاق بالعسكرية، الذي يُدِر دخلًا متميزًا، فباتت وظيفة مستهدفة ومطمعًا! وكثيرون يُعرض عليهم هذه المناصب الرفيعة علميًا ويرفضونها بحثًا عن وظيفة أكثر دخلًا!

يقول د. مصطفى حجازي: “الداخلية والمخابرات هما المجال الوحيد الذي يُصرف عليه بسخاء ويجد الاهتمام والرعاية التامة في البلاد العربية”([29]).

سابعًا: التعليم الجامعي يُخرِّج تقنيين لا علماء

أصبحت المدارس والجامعات لا تهتم ولا تحترم العلوم الأدبية، الأخلاقية، الدينية، التاريخية، السياسية، القانونية، الفلسفية، هذه العلوم التي تحث صاحبها على اتباع الحق، وتساعده على التمييز بين الحسن والقبيح، الحلال والحرام، وتفهمه حقوقه وواجبات الحاكم، كل هذه العلوم لا تلقى اهتمامًا، وتسلطت الأضواء على العلم التقني فقط، فخرَّجت الجامعات تقنيين محترفين في مهنتهم فقط، فالمهندس يعرف جيدًا كيف ينشيء جهازًا، لكن فيم يُستخدم هذا الجهاز؟ هل ينقذ أرواحًا أم يقتل أبرياءً؟ لا يهمه، ولا يشغله، وليست قضيته!

يقول جورج أورويل: “كلمة العلم تشير لدلالتين:

  • إما مجموع العلوم الدقيقه كالكيمياء والفيزياء والهندسة، إلخ.
  • أو طريقة التفكير أو منهجية دراسة المسائل، التي تحصد نتائج واقعية يمكن التحقق منها بالتحليل المنطقي النقدي.

أغلبنا يتصور أن العالم سيصبح أفضل إذا أداره العلماء والأكاديميين المختصين لأنهم يعرفون أكثر .. هل هذا صحيح؟

المجتمع العلمي الألماني مثلًا لم يجابه بأي شكل ديكتاتورية هتلر، بل كرَّسوا حياتهم لإنتاج طائرات وقاذفات صواريخ ساعدت في تدوير آلة الحرب الألمانية.

خلاف ذلك هو ما جرى للأدباء الألمان حين عارضوا وانتقدوا فحاربتهم الدولة.

الفيزيائيون الذين أتوا من شتى أرجاء العالم، لينتجوا في سرية وخبث قنبلة ذرية، هم أفضل تمثيل لتلك الحقيقة المؤكدة.

إذن العلم بهذه الطريقة لم يكن خيرًا للبشرية وإنما أضرها”([30]).

ويقول ممدوح عدوان: “الغرق في الجوانب التقنية ينسينا ما الذي نقوم به، فنحن نفكر بضغط الزر أكثر مما نفكر في ما يفعله الزر، هكذا نفعل حين نقصف مدنًا آهلة بسكانها، وحين نرتكب أو ننفذ أو نساعد على تنفيذ مجازر جماعية، وهكذا نفعل حين نمارس التعذيب، نغافل أنفسنا بالادّعاء أننا لا نتحمل المسؤولية، نحن نتجنب كوننا أصحاب القرار ونحيل المسؤولية إلى صاحب القرار، (كنت أقوم بعملي فقط، لم أفعل إلا ما طُلب مني)”([31]).

مثال: الطبيب في سجون التعذيب

الشرطة حين تعذِّب أحدًا، تخشى أن يموت أثناء التعذيب، ليس خوفًا على حياته، بل ليذوق أكبر قدر من العذاب، لذلك يحضر حفلات التعذيب طبيب، كل دوره أن يحافظ على حياة المتهم ليعود للتعذيب مرة بعد مرة، وأحيانًا كان الطبيب – لأنه خبير بالتشريح الجسدي – يقترح أماكن محددة أكثر حساسية للتعذيب ليزداد المتّهم ألمًا، وأحيانًا يقترح الطبيب (المحترف) وسائل كيميائية حديثة للتعذيب، وبعد انتهاء عملية التعذيب سواء بموت الضحية أو لا، يكتب الطبيب تقريرًا محترفًا عن سبب الوفاة، يظهر من خلاله أن الضحية مات موتة طبيعية!

هنا الطبيب فعلًا محترف، ومتقن لعمله، ومتفوق في تخصصه، لكن هل هذه صورة الطبيب التي نريدها؟!([32])

في أوروجواي قامت كلية الشرطة بتدريب طلابها على فنون ومهارات تعذيب المعتقلين، وكان هذا مادة علمية مقررة على الطلاب. بل الأكثر جنونًا أن التدريب كان عمليًا؛ وقد أحضرت الكلية معتقلين بالفعل ليتدرب عليهم الطلاب ويتمكنوا من إيذائهم بأحدث وأبرع الطرق الممكنة!

ولم يشغل أحد باله من أين يأتي هؤلاء المعتقلين المعذَّبين سوى لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان التي كشفت أن المعتقلين كانوا يأتون من سجون العاصمة خصيصًا لهذا التدريب، ويحضر التدريب طبيب ذو رتبة عسكرية مسؤول عن إفاقة المعتقلين إن فقدوا الوعي حتى يستمر التدريب ولا يتوقف([33])!


[1]. (طبائع الاستبداد) ص43

[2]. (حيونة الإنسان) ص171

[3]. (تاريخ مختصر الدول) ص١٩٠

[4]. (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) ص231

[5]. (البداية والنهاية) ج13 ص199. يقول د. عبد الحليم محمود: “هل قُتل الجعد من أجل عقيدته؟ لقد كان يقول بالجبر، وفي ذلك خير شفيع له عند بني أمية. إنّنا حقًا لنشك في أن الحامل لهشام بن عبد الملك، الخليفة الأموي، على قتل جعد كان العقيدة، ويغلب الظن أن الحامل على ذلك إنما هو السياسة قاتلها الله” (التفكير الفلسفي في الإسلام) ج1 ص192

[6]. (البداية والنهاية) ج10 ص102، (ضحى الإسلام) ص186-212

[7]. (الطبقات الكبرى) ج7 ص262

[8]. (أبو حنيفة .. حياته وعصره – آراؤه وفقهه) ص37-64

[9]. (تاريخ الطبري) ج7 ص560، (الكامل في التاريخ) ج5 ص111، (تاريخ الخلفاء) ص194

[10]. (حيونة الإنسان) ص71

[11]. (الإسلام بين الشرق والغرب) ص156

[12]. (صناعة الطاغية) ص325

[13]. هل حقًا خدعنا السوريين 1973؟، جريدة المصري اليوم، 13/11/2012

[14]. الفضائيات والدولة: 8 سنوات من حروب الهوا – الحلقة الأولى، جريدة المصري اليوم، 20/7/2010

[15]. (الإنسان المهدور) ص173

[16]. (الإسلام والاستبداد السياسي) 208

[17]. البقرة: 282

[18]. (حيونة الإنسان) ص84

[19]. يسري فوده، شيخوخة دولة عبد الناصر الإعلامية 1-4، جريدة الشروق، 2/11/2015

[20]. (الإسلام والاستبداد السياسي) ص104

[21]. (الإنسان المهدور) ص171

[22]. (فقه الديمقراطية) ص38

[23]. (ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف) ص23

[24]. (المختصر في أخبار البشر) ج1 ص201

[25]. (البداية والنهاية) ج12 ص390

[26]. بلال فضل، المحنة المصرية، جريدة الشروق، 13/10/2013

[27]. البداية والنهاية) ج11 ص267، (تاريخ مصر في العصور الوسطى) ص228

[28]. (الطاغية) ص294

[29]. (الإنسان المهدور) ص171

[30].

[31]. (حيونة الإنسان) ص94

[32]. (حيونة الإنسان) ص74

[33]. (ذاكرة القهر) ص252

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

اترك تعليقا