التغلب على مخاوف أنماط التعلق لخلق حب دائم
يوجد ثلاثة أساليب فعالة للتغلب على مخاوف التعلق
جوان مُحاسبة جميلة تبلغ من العمر 56 عامًا، مُتزوجة لكنها عاشت وحيدة بلا جنس لمدة 10 سنوات، انتهى كلُ شيءٍ عندما وجدت رسائل مُنبهة على هاتف زوجها كشفت أولًا عن مشاعرهِ الكاذبة وغِشه ومن ثم خيانتهِ لها.
ومن حُسن حظّها أنها رمت بنفسها إلى العمل، وقضت عقدًا في تكريس جهودها لتأسيس عملها الخاص في المُحاسبة.
وعلى الرغم من نجاحها فقد عانت من الوحدة، لذا قامت بمواعدة شخصين للتعارف، لكنّها شعرت بخيبة أمل كبيرة لأنها بالكاد تمكّنت من مواعدتهم، كانت علاقاتها عشوائيّة دون تفكير مما أدى بها إلى تخريب حياتها العاطفية دون وعيّ منها، سنتحقق من جوان لاحقًا.
الأنماط الأربعة لعلاقات البالغين
إذن ما هو نمط التعلق؟ نمط التعلق هو الطريقة التي نقترب بها من العلاقات أو نتجنبها.
إن فهم وتجاوز نمط التعلق الخاص بك وإدراكك لهذه الأمور في الأشخاص الذين تواعدهم هما مفتاحان مُهمّان لإنشاء علاقة حب دائمة.
سنُلقي نظرة في هذا المنشور على أربعة أنواع من أنماط التعلق عند البالغين ثم نوصي بثلاث طرق للتغلب عليهم في علاقات الحب.
تستند أنماط التعلق في مرحلة البلوغ إلى حد كبير على علاقات الطفولة مع الآباء أو مُقدمي الرعاية الأساسيين [1].
وبناءًا على عمل أينسورث مع الأطفال [2]، وسّع هازان وشافر [3] نموذج التعلق ليشمل البالغين وعلاقاتهم الرومانسية، حيث قاموا بتحديد أربعة أنواع من التعلق الخاصة بالبالغين: القلِق المُضطرب، الرافض المُتجنب، الخائف المُتجنب، والتعلق الآمن، في حين أن البعض يشكك في أهمية أنماط التعلق إلَّا أن الإطار يمكن أن يكون مُفيدًا.
نمط القلِق المُضطرب أو نمط “يجب أن أتقرب إليك! ”
إذا كانت تربيتك يتضمنها شيء من الرعاية مُختلطة بشكل متقطِّع بالإهمال، فغالبًا ما يؤدي ذلك إلى نمط القلِق المُضطرب؛ أي تميل إلى الرغبة والحاجة إلى التّقرّب، وعندما تتحرك مشاعرك تجري اتجاه شريكك حرفيًا ومجازيًا.
يحتاج الأشخاص القلقون المُضطربون ليكونوا مع من يحبون وقتًا كبيرًا، فهم يحتاجون باستمرار إلى الاهتمام والطمأنينة ويخشون الرفض أو الإهمال، كما أنهم يميلون إلى تحليل دقائق ما يقوله أو يفعله محبوبهم، ويتصورون أنهم إذا تمكنوا من معرفته فقط، فبذلك يحصلون على الأمان والترابط والعناية التي يحتاجونها بشدة، فهم محرومون ويتوقون إلى الحُب، وغالبًا ما يتطلعون إلى شريكهم لإنقاذهم أو تكميلهم.
على الرغم من أن الأشخاص القلقين المُضطربين يبحثون عن الأمان من خلال التشبث بعلاقاتهم إلا أنهم غالبًا ما يبتعدون عن شركائهم، وقد يتّخذُ هذا شكل الغضب إزاء عدم الحصول على الوقت الكافي أو الاهتمام، أو التذمر بسبب الإهمال أو عدم التقدير، أو المطالبة بمزيدٍ من الوقت والتقرب والحميمية، أو الشعور بالاستياء والغضب والإحباط إزاء الشعور بالإهمال، وغالبًا ما يشعرون بأنهم مُهمَلون عندما يتصرف شريكهم باستقلالية أو عندما يقضي وقتًا بمفرده.
نمط التعلق الرافض المُتجنب أو نمط “لستُ بحاجة إليك!”
إذا كانت تربيتك يتضمنُها هجر أو إهمال مُطوَّل أو مُستمر أو شيء مثل فرط الآباء (الآباء الهليكوبتر)، فقد يؤدي ذلك إلى نمط الرافض المُتجنب، أي أن تميل إلى تجنب التقارب أو الحميمية، وعندما تتحرك مشاعرك تفِرُ هاربًا من شريكك حرفيًا ومجازيًا.
يميل الأفراد الذين يتصفون بنمط التعلق الرافض المُتجنب إلى الابتعاد وعدم الالتزام، ويتصرفون وكأنهم ليسوا بحاجة إلى المودة أو الحميمية، فهم يتمتعون بقدرٍ هائلٍ من الاكتفاء الذاتي ويميلون إلى الابتعاد عن شريكهم عاطفيًا، وغالبًا ما يركزون على أنفسهم وعلى احتياجاتهم الخاصة؛ لاستكمال عملهم أو تلبية حاجتهم الخاصة لراحتهم الجسدية بدلًا من الاهتمام بشريكهم، كما أنهم يتجنبون إجراء محادثات أو تفاعل ذو مغزى.
كان لدى جوان هذا النمط من التعلق، حيث كان والديْها مُدمنيّ عمل، وباتّباع هذا النموذج اللاواعي الداخلي في زواجها، كانت تميل إلى تجنب العلاقة الحميمة الجسدية والعاطفية.
مزيج بين نمط القلق المُضطرب ونمط الرافض المُتجنب: يُشعل رقصة بين اثنين
غالبًا ما يتواعد أو يتزوج الأشخاص الذين يتصفون بنمط القلق المُضطرب بالأشخاص الذين يتصفون بنمط الرافض المُتجنب، والتي يمكن أن تؤدي إلى إثارة مشاعر بعضهم الآخر باستمرار.
الشخص الذي يتصف بنمط القلق المُضطرب، وغالبًا ما يكون امرأة، تشعر باستمرار أنها مُهملة أو مهجورة، لأن شريكها بعيد ولا يُشاركها نفسه أو لا يُشاركها في مشاعره، فتشغلُ نفسها بالتفكير في العلاقة وتحليلها من أجل “إصلاحها”.
و من ناحيةٍ أخرى يشعر الشخص الذي يتصف بنمط الرافض المُتجنب بأنه غارقٌ باستمرار بمطالب الاهتمام، ويعتقد أنه لا يستطيع أبدًا جعل شريكه سعيدًا، لذلك فهو يتراجع أكثر، ومن ثم تشعر شريكته بمزيد من الإهمال والرُّعب من الخسارة، لذلك هي تتمسَّك، وتُلِح بشكل متواصل، وكثيرًا ما تُحلّل كل شيء، ويتفاقم الأمر لأن يدفع كلّ منهما الآخرَ باستمرار إلى نقطة التَّعاسة الكُبرى، ضع هذه النتيجة المُحتملة في اعتبارك عند اختيار شريك.
نمط الخائف المُتجنب أو التعلق الخائف أو نمط “يجب أن تكون لي، لكنني لا أريدك حقًا!”
النوع الثالث هو نمط التعلق الخائف المُتجنب، غالبًا ما ينتج هذا النوع عن التربية التي تتضمنها إساءة وعُنف و/أو حياة خارجة عن السيطرة أو حياة عائلية فوضوية، تخلق تجارب الطفولة المؤلمة خوفًا من التجاهل وهو شعور بوجود خطر في التعلق، والأسلوب الناتج هو تذبذب بين أن تكون مُتلهفًا ومُتجنبًا بشدة، الأشخاص الذين يتصفون بنمط التعلق الخائف لديهم كِلا النوعين من الخوف.
يميل الشخص الذي يتصف بنمط التعلق الخائف إلى العيش في حالة متناقضة، حيث يجد صعوبة في تقبُّل التقارب، ولكن لا يمكنه العيش بعيدًا عن شريكه، ويميل إلى أن تكون تصرفاته غير متوقعة ومليئة بالدراما مع كثير من التقلبات.
يشعر الأشخاص الذين لديهم نمط الخائف أنهم بحاجة إلى التحليل، والمُلاحقة، والتشبث بمن يحبون لتلبية احتياجاتهم، ولكن عندما يحققون فترة من الحميمية غالبًا ما يشعرون بأنهم مُحاصرون وخائفين وقد ينسحبون بعيدًا، كما أنهم لا يملكون نموذجًا داخليًا أو استراتيجية صحية للحب الدائم، وقد ينتهي بهم الأمر إلى الدخول بعلاقات مسيئة.
نمط التعلق الآمن
التربية الجيدة مع التنشئة المنتظمة والدعم المستمر والتشجيع في مرحلة الطفولة تؤدي إلى نمط التعلق الآمن، يميل الأشخاص البالغين الذين يتصفون بنمط التعلق الآمن إلى علاقات أكثر صحة، كما يرى الأطفال الذين لديهم تعلق آمن أن آبائهم هم قاعدة رعاية آمنة تدعمهم، حيث أنهم يسمحون لهم بالخروج والاستقلال واستكشاف تجارب جديدة، ويتمتع الشخص البالغ الذي لديه نمط التعلق الآمن بعلاقة مماثلة مع من يُحب، حيث أن كلاهما يشعر بالأمان والاتصال، في حين يمكن لكل منهما التحرك بحرية وتحقيق أحلامه.
يُعتبر البالغون الذين يتصفون بالتعلق الآمن متاحون ويمكن الاعتماد عليهم باستمرار، فضلًا عن العناية والتشجيع في علاقات الحب، كما أنهم يقدمون الدعم والراحة والإلهام عندما يواجه شريكهم عقبات أو إزعاج، حيث يذهبون بأنفسهم إلى شريكهم من أجل الراحة والدعم والمساعدة عندما يواجهون مشاكل، كما وتميل علاقاتهم إلى أن تكون صادقة ومفتوحة وواضحة وغير متناقضة وصحيّة.
يستطيع الشخص البالغ الذي يتصف بنمط التعلق الآمن مُساعدة شريكه الذي يتصف بنمط تعلق أكثر صعوبة، حيث يمكنه مُساعدته في تطوير القدرة على الحصول على إحساس أكثر أمانًا وثباتًا بالتعلق.
المواعدة الناجحة: سيدي/سيدتي: نمط التعلق الآمن هو ما تبحث عنه!
إنه لمِن السهل كثيرًا إنشاء علاقة صحية وآمنة عند المواعدة مع شخص يتسم بنمط التعلق الآمن، كما أن لديه انعكاس ذاتي صحي وعلى استعداد للتطوير والعمل على نفسه لأجل علاقة مثالية.
سيتعلقان ببعضهما عند هذه النقطة ويتحدثان بشكل واضح ومباشر ويحلان الأمر، بالإضافة إلى ذلك، إن التطابق المثالي يلبّي الاحتياجات الأساسية، نظرًا لوجود توافق فكري وعاطفي وجسدي واجتماعي اقتصادي، بالإضافة إلى وجود بعض من التناغم.
كيف تغلَّبت جوان على نمط التعلق الذي دمرها نفسيًا؟
اعترفت جوان أخيرًا بالهزيمة وطلبت المساعدة من أحد المدربِِين، في البداية علِمَت أنها طورت دون وعي نمط الرافض المُتجنب وأن اختياراتها للحُب قد تأثرت بذلك، واعترفت بأنها لم تكن شخصًا باردًا حقًا بل كانت خائفة، وتوقعت أن تُهمَل وتُترَك.
وأشار مُدربها إلى أنه حتى ملفها وصورتها الشخصية على مواقع التعارف عبر الإنترنت يعكس أسلوبها المُتجنب، على سبيل المثال: لم ترتدي جوان فستانًا لإظهار مدى جاذبيتها، إذ كانت صورتها -التي تعد أساسية للغاية للفت انتباه الطرف الآخر- صورة تقليدية وهي ترتدي قميصًا رماديًا غير مناسب، كما أنها لم تكن تنظر حتى إلى الكاميرا، ونتيجة لذلك حصلت جوان على فرص قليلة جدًا من الرجال، وحتى عندما حصلت، كانت مُقتضبة وموجزة في ردودها ولم تتحدث عن مشاعرها ورغباتها واحتياجاتها، ولا داعي للقول فهي لم تواعد أحدًا على مواقع التعارف عبر الإنترنت.
وعلى مدار عام تغيرت كل هذه العوامل الخارجية، ولكن العمل الداخلي كان أكثر فعالية في تحول جوان، وهي الآن متزوجة من جديد وسعيدة جدًا.