الأخلاق في السياسة (مترجم)
مدى ملاءمة الأخلاق للسياسة، هو ما يبحث به ماسيمو بيجليوتشي كاتب هذه المقالة من خلال تاريخ السياسة.
يتداول كثيرٌ من السياسيين بتصريحاتهم أهمية السمعة والفضيلة والأخلاق وفعل الشيء الصحيح، لكن إذا نظرت إلى ما يمارسونه بالفعل بدلًا من مجرّد الاستماع إلى ما يقولونه، فغالبًا سترى أنّ مايقال على ألسنتهم لا يعكس سلوكهم المليء بالكذب والغشّ والعجرفة والذي يودي بهم إلى الدخول في حروبٍ تجلب البؤس لعددٍ لا يُحصى من الناس.
قد تعتقد أنني كنت أتحدّث عن السياسة الحالية في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو ربّما روسيا، إلّا أنني في الواقع كنت أشير إلى عصر النهضة في أوروبا؛ فقد كان وقتًا فيه الباباوات _ أعلى قدوةٍ في العالم المسيحي (بعد يسوع نفسه بالطبع)_ يُعِدُّون أحيانًا الدروع ويشنّون المعارك -مع أن ذلك لم يكن لزيادة قوّتهم أو ملء محافظهم أو كلا الأمرين-.
نشأة السياسة الواقعية
يمكنك أن تدرك أنّ الفجوة ما بين الكلمات والأفعال لم تكن ضيّقةً كثيرًا في القرون الخمسة الماضية، وقد أثار هذا التناقض الصارخ في السياسة بين النظرية والممارسة إعجاب دبلوماسيٍّ فلورنسيٍّ لامعٍ يُدعى «نيكولا ميكيافيلي – Niccolò Machiavelli 1469 – 1527» لدرجة أنّه كتب كتابه الشهير «الأمير – The prince» حيث يقدّم المشورة لرجال الدولة على أساس تقييمٍ صريحٍ للحقائق السياسية بدلاً من التخيّلات المثالية والوَرعة.
كان لدى مكيافيلي العديد من التجارب التي ألهمت رؤاه؛ فكان لقاؤه مع «سيزار بورجيا – César de Borja» والذي اعتبره مكيافيلي في فترةٍ من فترات حياته أفضل أملٍ لإيطاليا في التحالف ضدّ الغزاة الفرنسيين والإسبان -ولكن ذلك لم يحدث-.
في عام 1503 التقى مكيافيلي ببورجيا للمرة الثانية في سياق بعثةٍ دبلوماسية؛ خلال اللقاء تعلّم عدّة أمورٍ عن طريقة عمل بورجيا. في مرحلة ما؛ واجه بورجيا مشاكل مع بعض النبلاء في بلدةٍ قريبةٍ تديرها عائلة «أورسيني – Orsini»، الذين لم يكونوا سعداء جدًا بخطط بورجيا للتوسّع الإقليمي. دُعيَت العائلة من قبل بورجيا إلى مدينة «سينيجاليا Senigallia» بزعم إجراء محادثات سلام والتوصّل إلى اتفاقٍ مناسب بالمثل، ولكن بمجرّد أن وطأت أقدامهم داخل المكان حتى جرى القبض عليهم وإعدامهم (دبلوماسية الطراز الإيطالي) حوالي 1500م، ووقعت حادثة إدراكٍ أخرى في مدينة «تشيزينا – Cesena» التي يحتلّها بورجيا، وهي منطقةٌ بحاجة إلى “تهدئة للأوضاع”.
سأترك مكيافيلي يروي القصة:
قام بورجيا بتعيين ريميرو دي أوركو، و كان رجلا قاسيًا غير منطقي، وقد منحه بورجيا السيطرة الكاملة. في وقتٍ قصيرٍ وحّد دي أوركو المنطقة، لكن بمجرّد أن وجد بورجيا ذريعة؛ قام بقطع رأس دي أوركو ثم عُرضت جثّته في الصباح في ساحة تشيزينا مع لوحٍ خشبيٍّ وسكيٍ يقطر دمًا بجانبه. شراسة المشهد تركت الناس سعداء ومصدومين (من كتاب “الأمير”).
في البداية؛ كان لدى بورجيا أتباعًا يقومون بعمله القذر؛ بما أنّ أعماله من شأنها أن تغضب الناس، ولكن بما أنّ الأمير يحتاج إلى دعمٍ شعبي؛ فقد وجد بعد ذلك عذرًا لإعدام أتباعه، وبالتالي امتصاص غضب الناس وإعطاءهم ما يريدون.
لا عجب أنّ «برتراند راسل Bertrand Russell» قد وصف الأمير بأنّه “كتيّب لأفراد العصابات”، كما صرّح «تيم باركس – Tim Parks» في مقدمة للكتاب طبعة «بينجوين Penguin»: “كان كتاب مكيافيلي الصغير هذا تهديدًا دائمًا، يُذكّر الناس بأن السلطة دائمًا ما تكون في متناول اليد، ودائمًا ما تكون مسألة ما يمكن الاستيلاء عليه بالقوة أو الغدر، ودائمًا، على الرغم من كلّ الاحتجاجات التي تدلّ على عكس ذلك؛ كانت الشاغل الأساس لأيّ حاكم”.
كان مكيافيلي أولّ كاتبٍ حديثٍ يُفكّر بشكلٍ منهجيٍّ فيما يُسمّى بالسياسة الواقعية أو “الواقعية السياسية”، ومنذ ذلك الحين، شهدت الواقعية السياسية عددًا من التطوّرات، وجمعت مجموعة تثير الإعجاب من المؤيّدين.
يمكن القول إنّ الفيلسوف المبكّر الأكثر نفوذًا في هذا السياق كان «توماس هوبز – Thomas Hobbse» الذي أوضح في كتابه «لويثان – Leviathan» أو “الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة” (1651) الحاجة إلى حاكمٍ قويٍّ من أجل تجنّب الحالة الفطرية للعنف والتي -وفقًا لهوبز- كانت ستتكشف فينا قطعًا. هذه الحالة التي وصفها بأنّها “حرب من الجميع على الجميع”:
“في مثل هذه الحالة لا يوجد مكانٌ للصناعة؛ لأنّ ثمارها غير مؤكدة، وبالتالي لا توجد ثقافةٌ للأرض ولا ملاحةٌ ولا استخدامٌ لسلعٍ يمكن استيرادها عن طريق البحر، لا يوجد بناء سلعي، ولا أدوات لنقل وإزالة مثل هذه الأشياء التي تتطلّب الكثير من القوة، لا معرفةٌ لوجه الأرض، ولا حسابٌ للوقت، لا فنون ولا رسائل ولا مجتمع، وأسوأ ما في الأمر: الخوف المستمرّ وخطر الموت العنيف، وحياة الإنسان؛ المنعزل، والفقير، والبغيض، والوحشي، والقصير”.
من الذي لن يتخلّى عن بعض الحريّات هنا وهناك لتجنّب ذلك؟ من بين ممارسي الميكافيلية -كما يمكن للمرء أن يسمي هذا النهج- هم من رجال الدولة المعاصرين والحديثين؛ من الكاردينال الفرنسي «ريتشيليو Richelieu» «من الفرسان الثلاثة الشهيرين- Thre Musketeers»، إلى الملك البروسي فريدريك العظيم، من الإيطالي كاميلو بينسو من كافور، إلى بروسي آخر، أوتو فون بسمارك، وصولًا إلى ماو تسي تونغ وشارل ديغول وهنري كيسنجر.
طريقة سقراطية
ومع ذلك، هناك طريقةٌ أخرى للنظر في العلاقة بين الأخلاق والسياسة، دون الحاجة إلى قبول نفاق باباوات عصر النهضة والسياسيين المعاصرين. قد طرحها سقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، وتتوقّف على شخصية رجل الدولة الطامح.
كان سقراط معروفًا باسم “الذبابة” المزعجة لأثينا القديمة، وكان يهدف دائمًا أن يُظهر للناس أنّهم لا يعرفون حقًّا ما الذي يتحدّثون عنه عندما يتعلّق الأمر بمفاهيم حاسمةٍ مثل العدالة كما هو موضّح في «جمهورية أفلاطون -Plato’s Republic» أو التقوى كما هو الحال في محاورة «أوطيفرون – Euthyphro». لكنّ جانبًا رئيسًا آخر من أنشطة سقراط يظهر من مصادر أقلّ تقديرًا، على سبيل المثال؛ يقدّم «زينوفون – Xenophon» في كتابه «ممورابيليا – Memorabilia» (370 قبل الميلاد) حدثين اثنين يقوم فيهما سقراط بتقديم المشورة بشأن مهنة سياسية -ضد أو لصالح؛ اعتمادًا على من يتحدث إليه-.
في إحدى المناسبات؛ التقى سقراط «جلوكون Glaucon» الصغير شقيق أفلاطون الأكبر. كان جلوكن عازمًا على امتهان السياسة، ويعتقد أنّه يعرف ما يستتبعه ذلك، ومع أن سقراط كان يبدو معجبًا به على نحوٍ كاف، إلّا أنّه كعادته دائمًا ما يبدأ في استجواب محاوره:
_حسنًا، جولوكن، من المؤكّد أنّك تسعى لنيل الشرف، أليس من الجليّ أنّ عليك إذًا أن تفيد مدينتك؟
_ بالتأكيد.
_ صلِّ بأن لا تكون خاملًا، ثم؛ أخبرنا كيف تقترح بدء خدماتك للدولة…
إلا أنّ جولوكن ظلّ صامتًا على ما يبدو أنّه كان يفكّر لأول مرة في كيفيّة البدء (التذكارات، 3.6.3-4).
في وقتٍ ما أخبر جولوكن سقراط إنّه سيكون بإمكان أثينا زيادة إيراداتها من خلال شن الحرب. يجيب سقراط على هذا:
“_من أجل توجيهها لمن ستقاتله؛ من الضروري معرفة قوّة مدينة أثينا وقوة العدو كذلك؛ بحيث إذا كانت المدينة أقوى؛ يمكن للمرء أن يحثّها على خوض الحرب، ولكن إذا كانت أضعف من العدو؛ فقد يُلزمها باتباع الحذر.
_ أنت على حق.
_ أولاً؛ أخبرنا بالقوة البحرية والعسكرية لمدينتنا، ثم قوة أعدائها.
_لا، بالطبع لا أستطيع أن أخبرك من رأسي” (3.6.8.).
يسأل سقراط عمّا إذا كان لدى جولوكن تقديرٌ جيّدٌ للمدّة التي ستستغرقها احتياطيات الحبوب؛ لأنّ هذه ضرورية لإطعام المدينة. ردّ جولوكن أنّ هذه المهمة ساحقة للغاية، ولم يشعر بالرغبة في تنفيذها. عند هذه النقطة يوبِّخ سقراط جلوكون، ويُذَكّره أنّه إذا رغب المرء في تولّي مسؤولية الأسرة؛ فحسبٌ عليه أن يهتم بنوع التفاصيل التي قد أهملها جولوكن حتّى الآن فيما يتعلّن بشؤون الدولة. يجيب جولوكن:
“_حسنًا، يمكنني أن أفعل شيئًا لأسرة العمّ إذا كان يستمع إليّ فقط.
_ ماذا؟ ذلك لا يقنع حتّى عمك، ومع ذلك تفترض أنّك ستكون قادرًا على إقناع جميع الأثينيين، بما في ذلك عمك، بالاستماع إليك؟ انتبه من ألّا يؤدّي طموحك الجريء إلّا إلى السقوط! ألا ترى مدى خطورة قول أو فعل ما لا تفهمه؟” (3.6.15–16).
يبدو أنّ هذا الحوار أدّى الغرض؛ فقد أرجأ لجلوكون حلمه في أن يصبح رجل دولة. في الواقع؛ لم يصبح أبدًا واحدًا، بدلاً من ذلك قاتل ببسالةٍ في معركة «ميغارا، Megara» في ذروة الحرب البيلوبونيزية مع إسبرطة في عام (424) قبل الميلاد، وهو العام الذي أعقب هذه المحادثة، وأصبح فيما بعد موسيقيًّا كفئًا، كما يشهد سقراط في الجمهورية.
قارن هذه الحادثة بحادثة أخرى وقعت بعد سنوات لـ «خارميدس – Charmides» ابن جولوكن:
“_ رؤية أنّ جولوكن كان رجلاً محترمًا وأكثر قدرة بكثيرٍ من السياسيين في ذلك الوقت؛ الذين تملّصوا من التحدّث في مجلس النوّاب أو أن يكون لهم دورٌ سياسي. قال سقراط: أخبرني يا خارميدس، ما رأيك في رجلٍ كان قادرًا على تحقيق نصرٍ في المباريات العظيمة وبالتالي الفوز بشرفٍ لنفسه وزيادة شهرة بلاده في العالم اليوناني، ومع ذلك رفض المنافسة؟
_ سأفكر بأنه شخص رعديد وجبان بالطبع”.
لكن سرعان ما أدرك خارميدس من الاستياء الظاهر أنّ سقراط يتحدّث عنه فيما يتعلّق بالسياسة، وينصب له الفخ السقراطي المعتاد: “لا ترفض مواجهة هذا الواجب إذًا: اجتهد بجدية أكبر للاهتمام بنفسك، ولا تهمل الشؤون العامة إذا كانت لديك القدرة على تحسينها”. لكن في هذه الحالة بالذات، لم تسر الأمور على ما يرام؛ التحق خارميدس بالسياسة، لكن كان من سوء حظّه أن يخدم أثينا تحت قيادة ثلاثين طاغيةٍ عُيِّنوا من قِبَل إسبارطيين بعد الهزيمة التي ألحقتها إسبرطة بأثينا في الحرب.
مات خارميدس في معركة «مونيخيا-Munichia» عام 403 قبل الميلاد. هذا يؤكّد نقطة تمّ تقديرها بعد عدة قرونٍ من قبل مكيافيلي: رجل الدولة يحتاج إلى المهارة، ولكن أيضًا الحظ. كان سيزار بورجيا ماهرًا للغاية، على الأقل وفقًا لمعايير مكيافيلي، لكن في النهاية نفد حظه؛ فإنّ أقوى مؤيديه والده البابا الإسكندر قد مات قبل أن يتمكّن الاثنان من إحراز تقدّمٍ كافٍ في متابعة مشاريعهما.
كان سقراط يصرّ على مكوّنٍ ثالثٍ إلى جانب المهارة والحظ: الفضيلة. يصبح هذا الإصرار واضحًا جدًا في مسار الألقيبيادس الأوّل (الذي يُنسب عمومًا إلى أفلاطون، على الرغم من بعض الشكوك حول تأليفه).
كان ألقيبياديس صديقًا وطالبًا لسقراط، وأراد بشدة أن يكون عشيقه -على الأقل وفقًا للخطاب الذي ألقاه في ندوة أفلاطون-. في وقت الحوار في “ألقيبياديس الأول”؛ كان يبلغ من العمر عشرين عامًا، وسيمًا، وغنيًا، وجذابًا، ومليئًا بالثقة بالنفس. أراد ألقيبياديس إحداث فرقٍ في العالم؛ لذلك ذهب إلى سقراط للحصول على المشورة حول أفضل السبل لاتباع طريق الفضيلة، ولكن في سياق المحادثة أصبح من الواضح بشكلٍ متزايدٍ أن ألقيبياديس كان مهتمًّا أكثر بالمجد والتعظيم الذاتي. في وقتٍ ما لاحقًا قام سقراط بتشخيص مشكلته بعبارات صريحة:
“ثم للأسف، ألقيبياديس، يا لها من حالة تعاني منها! أتردّد في تسميتها، لكن بما أننا وحدنا، يجب أن تُقال: أنت مقترن بالحماقة والجهل؛ لأقصى حد حيث تتهمك الحِجة وتتهم أنت نفسك، وهذا ما يجعلك تقفز إلى شؤون المدينة قبل أن تتعلّم”. (ألقيبياديس I.26).
لكن ألقيبياديس لم يستمع إلى معلّمه وتبع دوافعه بدلًا من ذلك. نتج عن هذا واحدة من أكثر سلاسل الكوارث السياسية إثارةً للدهشة في جميع العصور القديمة، وقد كان له دورٌ رئيسٌ في الهزيمة الأثينية في «الحرب البيلوبونيزية – Peloponisian War» والتي انتهت بموت ألقيبياديس على يد عملاء فارسيين يتصرّفون نيابةً عن إسبرطة.
أروي هذه الحكاية الدنيئة بأكملها بوصفها جزءًا من الصورة الأكبر المتعلّقة بالأخلاق والسياسة في كتابي الجديد (كيف تكون جيدًا _ ما الذي يمكن أن يعلمنا إياه سقراط عن فن العيش الجيد – الكتب الأساسية، 2022).
طريق شيشرون الثالث
بينما جادل مكيافيلي بأنّ المهارة والحظ، وليس الفضيلة، يصنعان قائدًا جيدًا؛ يراهن سقراط بكلّ شيءٍ على الفضيلة. قد يقول المدافع الروماني ورجل الدولة والفيلسوف ماركوس «توليوس شيشرون – Marcus Tullius Cicero» إنّهما حصلا على جزءٍ فقط من الصورة: القائد الجيد لا يحتاج فقط إلى شخصيةٍ جيدة، ولكنّه يحتاج أيضًا إلى أن يكون قادرًا على التعامل بشكلٍ عملي مع المواقف المعقّدة من خلال المقايضات والتنازلات. لهذا السبب انتقد شيشرون صديقه «كاتو الأصغر Marcus Porcius Cato Uticensis» وهو رواقي فاضل، متزمتٌ وصلبٌ تسبّب في النهاية في دمارٍ أكثر للجمهورية الرومانية. يقول شيشرون؛ “أمّا بالنسبة لصديقنا كاتو؛ فأنت لا تحبّه أكثر مني، ولكن بعد كلّ شيء، مع وجود أصفى النوايا والإخلاص المطلق، إلّا أنّه في بعض الأحيان يضرّ بالجمهورية. يتحدّث ويُصوِّت كما لو كان في جمهورية أفلاطون، وليس في حثالة رومولوس” (رسائل إلى أتيكوس، 2.1.8 – Lettres To Atticus). الحقيقة هي أننا جميعًا نعيش في “حثالة رومولوس”_ (المؤسس الأسطوري لروما). يدرك القادة الجيّدون أنّ أتباعهم مَعيبون، ويتصرّفون وفقًا لذلك -دون الذهاب إلى أقصى حدود سيزار بورجيا-.
عرف شيشرون ما كان يتحدّث عنه؛ لأنّه كافح طوال حياته لإنقاذ الجمهورية الرومانية. لقد غيّر ولاءاته السياسية وأهدافه قصيرة المدى من أجل إبقاء عينيه دائمًا على الجائزة النهائية، وقد فعل ذلك أثناء محاولته الحفاظ على نزاهته الشخصية والتزاماته الفلسفية. في النهاية فشل في إنقاذ الجمهورية؛ ربّما لأنّ الجمهورية لم تعد نموذجًا مستدامًا وكان عليها أن تفسح المجال للإمبراطورية بكونها مسألة ضرورةٍ تاريخية، أو ربّما لأنّ الكثير ممن حوله تصرّفوا بطريقةٍ ميكافيلية، ووضعوا تعطّشهم للسلطة والمجد قبل الصالح العام، وقد كان بمقدروهم أن يفلتوا من عواقب سلوكهم لأنّ الشعب الروماني قد تخلّى عن مطالبة قادته على الأقلّ بمحاولة التصرّف بفضيلةٍ كما يدّعون دائمًا.
الكاتب: ماسيمو بيجليوتشي 2022
أستاذ الفلسفة في كلية مدينة نيويورك. تشمل كتبه كيف تكون رواقيًا (الكتب الأساسية) والسعي وراء الشخصية (الكتب الأساسية).
المصدر:
https://philosophynow.org/issues/153/Ethics_in_Politics