“The Handmaid’s Tale” المرأة و”كابوس أورويل” المستمر
“The Handmaid’s tale” هو عمل فلسفي سوداوي كئيب من أربع مواسم، بطولة “إليزابيث موس” مقتبس عن رواية صدرت عام 1985 بنفس الاسم للكاتبة الكندية “مارغريت آتوود”.حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا على المستوى النقدي والجماهيري وحصد العديد من الجوائز المختلفة سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج وكذلك التمثيل.
الفكرة الرئيسية الذي يقدمها هذا العمل الفني هي رؤية ديستوبية قاسية لمستقبل العالم، في ظل تصاعد اليمين والحكم الثيوقراطي، حيث تتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أرض جلعاد (جلعاد في التوراة هي أرض خصبة سكنها بنو إسرائيل فأغرتهم، وفي سبيلها تخلوا عن الأرض التي منحها لهم الرب، وقد كانت تفيض عليهم لبنًا وعسلًا). وفي ظل هذا الحكم تنتهك حقوق النساء باسم الفاشية الدينية، بالإضافة لتبعات كارثة بيولوجية حدثت بسبب التلوث بالمواد الكيميائية والأشعة النووية، أدت الى تخفيض معدل الإنجاب حيث انتشر العقم وأصبحت النساء الذين يمتلكن قدرة على الإنجاب عملة نادرة.
سنتحدَّث في هذا المقال عن أحوال المرأة في دولة جلعاد (رؤية مارغريت آتوود التنبؤية) أو عن أفعال ماضية حدثت، وحسبها قد تحدث في المستقبل، تندرج رؤية الكاتبة مع رؤية أورويل ضمن التشاؤم المتوعّد و الدَّوري “انتظر فقط، وسترى”، فما هو مرعب حقًا في المستقبل القريب الذي تخيلته الكاتبة ليس الخراب، أو الحرب، أو القمع، ليس الدم المنتشر في شوارع جلعاد، ولا الجثث المدلاة كدمى يوميًا، بل يكمن الرعب في أن هذا الكابوس قد عشناه من قبل ويصلح أيضًا لأيامنا المقبلة.
هل العالم فعلا على المحك ونحن ذاهبون الى الهاوية؟
نساء جلعاد
لا شيء في كتابي لم يحدث من قبل، لم أتحدث أبدًا عن شيء لم يفعله البشر بالفعل في مكان ما وفي زمان ما.
-مارغريت آتوود
يسلِّط المسلسل الضوء على حقوق المرأة بشكل كامل، ويعد عمل مميز للمهتمين بالقضايا النسوية، كما ينقل لقطات شديدة القسوة تظهر الجو الخانق والمسيطر التي تعيشه النساء.قالت لي صديقة تعليقًا على الحلقات الأولى من المسلسل“لم أستطع أن أكمله، المشاهد مرعبة، المسلسل مميز لكن يدخلني في أزمة…”
ترى جلعاد الجمال ترف ومن المحرمات، فلا لوحات فنية ، ولا موسيقى، ولا أدب، وحتى التنوع اللوني في الملابس ممنوع، فعلى النساء أن يرتدين إحدى أربعة ألوان لا أكثر وفقًا لوضعهن الاجتماعي في الدولة.
حيث تنقسم النساء في جلعاد الى عدة فئات:
أولاً: زوجات القادة التي ترتدين اللون الأزرق والفيروزي “تشبهًا بمريم العذراء”.
ثانياً: الأَمة ذات الرداء الأحمر “لون الخصوبة”ومهمتها إنجاب الأطفال للقادة، عبر طقس ديني تم استحداثه من قبل رجال السلطة الحاكمة، حيث تجري عملية جنسية ميكانيكية بين القائد والخادمة في وجود الزوجة. فتبدأ المراسم بتلاوة آيات من الكتاب المقدس “عندما رأت راحيل أنها لم تنمح يعقوب البنين، قالت له، أعطني طفلًا، أو ستشهد موتي، وقالت أمسك جاريتي، اقذف ماءك بداخلها، بين ركبتيّ سيتكون طفلك، وستهبني أطفالًا من خلالها”، تنحني الزوجة والجارية أمام القائد وهو يتلو الآيات، ثمّ تستلقي الجارية وتنظر إلى “السماء” بين ساقي الزوجة، تتحد المرأتان لتصيرا جسدا واحدا، والطفل حديث الولادة يؤخذ من الخادمة للعائلة الجديدة فتنتقل الخادمة الى منزل جديد وهكذا.
ثالثا: خادمات المنازل يدعون “مارثا” (سُمّين تيمنا بـ مرثا في الكتاب المُقدس) يرتدين الأخضر والزيتي.
رابعا: العمات اللواتي يرتدين اللون البني، وهن المسؤولات عن ترويض الإماء وتحضيرهن للذهاب لبيوت القادة، لإتمام وظيفتهن المقدسة (الخضوع للاغتصاب). تتمتَّع رئيسة العمات بسلطة كبيرة وولاء أيديولوجي منقطع النظير، حيث جسدت الدور “آن داود” وتألقت فيه.
في قوانين جلعاد تُمنَع النساء من العمل، الدراسة، التملك، قيادة السيارة.. وحتى القراءة، وكل من تخالف القوانين الخاصة من مختلف النساء تنفى إلى معسكرات قاسية تعمل فيها بتنظيف النفايات النووية حتى الموت.
شهد مسلسل The Handmaid’s Tale تنوعًا كبيرًا جدًا في الشخصيات النسائية، وخصوصًا في فئة الخادمات، من الخاضعة، الشجاعة والمترددة، ظهر ذلك على وجوه اختلطت فيها كمية مشاعر معقدة أفرزها كلّ موقف، كما نلاحظ التحول في شخصية “أوفريد”بطلت القصة التي سُلبت منها حياتها الطبيعية، وأجبرت على العيش كخادمة، فنتيجة الشر التي تعرضت له وشاهدته، ومقارنة حياتها الحالية مع السابقة، زرع فيها رغبة مقاومة هذه المنظومة.
انتظر فقط، وسترى
في عام 2018، نشر المؤرخ الألماني فيليب بلوم كتابًا بعنوان “ما الأمور التي على المحك؟ وهو كتاب قاتم للغاية يتناول الكارثة المناخية الوشيكة. في الجملة الأخيرة من الكتاب، يقدم بلوم إجابته المكونة من كلمة واحدة على السؤال الموجود في العنوان: “ما الأمور التي على المحك؟ كل شيء.”
يأتي متشائمو المستقبل في أشكال مختلفة، وينبثقون من نقاط متنوعة على الطيف الأيديولوجي، لكنهم يشتركون في رؤيتهم أنّ ما يلمع في الأفق ليس عالمًا مثاليًا، بل كارثةٌ مُضنية يمكن فهم التشاؤم المتوعّد على أنّه مرآة عاكسة لتفكيرٍ طوباوي، فإذا بدا له أننا على خير ما يرام في الوقت الحالي، فالأمر مجرد ازدهار مؤقت.هذا الهاجس أيضا مرتبط ببعد نفسي، ببساطة “الخوف من المجهول”.
يقدِّم المتشائم الدوري المؤرخ الألماني أوزوالد شبنغلر في كتابه “تدهور الحضارة الغربية” (The Decline of the West) الصادر عام 1918، نموذجًا للتشائم حيث وصف شبنغلر الحضارات بأنها كائنات حيّة تنمو وتصل إلى مرحلة البلوغ والشباب ومن ثمّ تذبل وتتلاشى، مثلها في ذلك مثل الحيوانات والنباتات، فتبنى حضارة أخرى على أنقاض الأولى والتي قد تكون أسوء من سابقاتها. وقد نكون نحن قريبين من نهاية حضارتنا الحالية.
يشعر الإنسان اليوم بالتشاؤم بشأن مجموعة كبيرة من الأمور، كالاكتظاظ السكاني، والاحتباس الحراري العالمي وويلات الليبرالية الجديدة، والإزالة المتسارعة للغابات، وانقراض الأنواع، وعدم المساواة المتزايد، وصعود الشعوبية اليمينية المتطرفة، والهجرة الجماعية، ووباء الاكتئاب وسيطرة الروبوتات على العالم، أو ربما مجرد السّأم النهائي الذي ينتظرنا جميعًا عند نهاية التاريخ. لا يعتبر التشاؤم خاطئًا من الناحية الواقعية، بل إنّ أضراره قد تكون وخيمة كونه يقوّض ثقتنا في قدرتنا على إحراز المزيد من التقدّم. إنّ أفضل بُرهانٍ على إمكانية التقدّم هو أنّه قد تحقّق في الماضي.
إنّ مفهوم التقدّم نفسه -أي التحسين المستمرّ للحالة الإنسانية- قد أتى نتيجةً أولئك المفكّرين من بين أوائل الأشخاص الذين عزّزوا فكرة أن المشاكل الإنسانية قابلة للحل، وأنّنا لسنا مُدانون بالبؤس وسوء الحظ، بل ما علينا فعله هو الكفاح المستمر لمنع حدوث عالم كالذي أضهره المسلسل وهي الرسالة الجوهرية التي يجب أن تصل للمشاهد، لم يكن التقدم المذهل الذي حدث في الماضي القريب، نتيجة ضرورةٍ تاريخيّة، بل كان مجهودًا وكفاحًا إنسانيّين، حرّك التاريخ ووصل إلى أفضل العوالم المتاحة حتى اللحظة.