في الحديث عن الأفلام | سامح هواري

كيف يمكننا الحديث عن العالم، عن اختبارنا له ومروره من خلالنا؟ فالرفاق يجلسون معًا ويقابل كلُ منهم الآخر، فتخرج الأصوات وتهتز الحناجر، وتتشكّل الصور وتثار الانفعالات، تقف تلك الكلمات على سطح شيء ما أعمق، وتشير لشيء ما في الخلف، لتلك الخبرة الرائعة والمأساوية، خبرة أن نوجد في العالم. والآن، ومن ثقب لص، لننظر لتلك الخبرة وهذه الكلمات، وعلاقة كلًا منهما بالآخر، ونقيم الوضع. حسنًا، تلك مهمة صعبة، تحتاج لعقول أكثر مثابرة واستنارة، ولذلك، سأهبط درجة للأسفل، لعالم أقل أهمية يمكنني من خلاله اختبار أفكاري بقدرة أكبر على التجريب بدون أن أبدو جاهلًا للغاية، سأهبط لتلك النسح المشوهة والمجتزئة من العالم، الأفلام، هذه إذا محاولة لاستكشاف طبيعة الحديث عن الأفلام في مقابل اختبارنا لها، وعلاقة الأولى بالثانية.

***

ولأنه لابدّ من نقطة للبدء، سأبدأ بتقسيم طبقي للأشياء، ربما يوجد الشكل الأوّل للحديث عن الأفلام على المقهى في الفواصل بين مباريات الكرة والحديث عنها، وربما في فواصل الراحة حول ورك ستيشن في العمل. في هذا السياق يدور الحديث حول زوج من التعبيرات، تحفة وزبالة، يغلّف كلا التعبيرين عدّة ظواهر مصاحبة عند اختبار العمل الفني، مثلًا يصاحب الأول شعور ما يغمر الجسد كاستجابة لتلك الخبرة، وأنّ كل نشاطات الوعي تختفي في الخلفية بحيث تستغرق تلك التجربة الوعي في معظم الوقت، وأنّ شيء ما غامض يبقى من العمل، متعلقًا في خلفية الدماغ؛ صورة شعورية ضبابية تحمل داخلها تلك الخبرة المرتبطة بذلك العمل بالتحديد، ما ينجح به العمل الفني التحفة يفشل به العمل الفني الزبالة، فلا يحقّق أي من هذه الظواهر. يظهر هنا سمات نموذج لغوي ما، يحاول هذا النموذج أن يفسّر تلك الظواهر محاولًا إيجاد تبريرات لمصاحبتها للعمل الفني التحفة، ونفيها عن الآخر، فيتبع عدة سبل تميل لتقسيم العمل لعناصر عدة، هناك القصة أو السيناريو، وهناك التمثيل، وهناك الموسيقى، والعناصر الأخرى كالتصوير والصوت والتي تضم تحت ذلك المسمّى الغامض الذي يدعى الإخراج.

للحكم على أيّ من هذه العناصر بالجودة أو السوء لابد من وجود صورة مثالية ما يقاس عليها، صورة يمكن ردّها لوصف لغوي ما، العنصر؛ أرض مشتركة بين جماعة المتحدّثين ليستندوا عليها ويمكن إرجاعها لوصف لغوي ما يُشرَح في قواعد تحاول أن تكون محدّدة مما يتكوّن العنصر الجيد، القصة أو السيناريو على سبيل المثال، يمكن إيجاد شكل أولى لهذا النموذج عند أرسطو في كتابه فن الشعر، يحاول الفيلسوف أن يصل للعنصر الجوهري في الشعر (القصصي)، ويجيب أنها المحاكاة والهارموني، إعادة بناء الطبيعة في العمل الفني بشكل ما / هارموني ما بين أجزاء العمل بحيث يثير هذا الشكل في المتلقّي الشفقة على البطل والخوف من مصيره، ومن هنا تظهر العنصر الأهم في القصيدة، الحبكة، كيف يتم بناء الأحداث داخل القصيدة، كيف تتتكشف الأجزاء تدريجيًا، حدث عقب حدث حتى تلتحم في كلٍ واحد، ويتابع الفيلسوف التقسيم فيوضح أجزاء الحبكة، البداية والوسط والنهاية، ولحظة الانقلاب التي تكتشف فيها الشخصيات الحقيقة، يد القدر الخفية والحتمية، ولهذا النموذج يمكن رد الصورة المثالية الخفية التي تقاس عليها السيناريوهات، لتقييم سيناريو الفيلم سنتحدث عن مدى قيمة كل جزء في البناء الكلي، من منهم أطول من اللازم، مدى جودة تقديم الشخصيات في فصل البداية، وكيف تأجّج الصراع في الوسط حتى لحظة الانقلاب، الذروة، البلوت تويست، وكيف لملمت النهاية الخطوط وأجابت عن الأسئلة، وما مصير الأسئلة غير المجابة وكيف تركت القارئ في حيرة من أمر الشخصيات ومصائرهم، وعلى مثال السيناريو نجد التمثيل أيضًا، ولو أنه أكثر غموضًا، ولكن يستخدم بشكل دائم مرجعية الواقع، لأيّ مدى استطاعت الشخصيات أن تماثل ما نشاهده من أشخاص في العالم، أو أن نضع صفة مثل الصدق ونقيس عليها الأداء التمثيلي، أو أنّ تقييم الإخراج بناءً على جماليات الصورة، والتي ترجع في الأغلب لتقييم عناصر تماثل وتوزيع لوني متّسق في الصورة. من خلال هذه الأشكال والأسئلة المعيارية نحاول تفسير ما شعرنا به أثناء اختبار عالم الفيلم، هذا الاطار الذي نضع به الفيلم هو إطار قاسي بعض الشيء، يحجب عنا احتمالات، وينغص من تجارب مشاهدة ما يحيد عن الاجابات المثالية لهذه الأسئلة.

نستطيع لمس اجحاف هذا النموذج عندما نتعرّض لتجربة مشاهدة تغمرنا بفوران من تلك المشاعر الغامضة، ولكنها مع ذلك لا تجيب عن الأسئلة بالأعلى باجابات نرضى عنها، هذه الأفلام تسأل أسئلة مختلفة، وبالتالي تحتاج نموذج مختلف من الحديث عنها، بشكل شخصي أتذكّر جيدًا حنقي على مشاهدة فيلم «تاكسي درايفر» للمرة الأولى، على المشاهد الكثيرة التي لا معنى لها في البناء القصصي لعالم الفيلم، وبشكل واعي وغير واعي حاولت الإجابة عن الأسئلة التقليدية، الحبكة، تصاعد الأحداث، البداية والصراع والنهاية، ولو أنّ الفصل الأخير في الفيلم يشبه النموذج التقليدي ويقدّم إجابة مرضية عن الأسئلة. وما يسبق هذا الفصل هو مشاهد لا تنتهي من التحديق في المدينة تنعكس على عيون تتأجّج بالغضب، وقد تركت الفيلم غاضبًا من الملل واللامنطق، ولكن في هذا اليوم شيء ما علق بمؤخرة رأسي ولم يفارقها حتى الآن، أحساس غامض بعالم الفيلم علق في جزء أبعد من الذاكرة، وشيء آخر تغير في العالم أمامي، شعور زائد به، عضو جديد نبت في رأسي يتفاعل مع العالم بشكل مختلف، هنا، وبعد مشاهدة عدة مراجعات للفيلم، اكتشفت نوع جديد من الأفلام، وانقسم العالم الفيلمي أمامي قسمين، قسم الحبكة وقسم دراسة الشخصية، وتمر السنوات واتعرض للمزيد من الأفلام، لأحاسيس بالعالم تتلاحم وتبتعد عن بعضها، أرى الآن أنه من الإجحاف ضمها جميعها تحت نفس الصنف، نفس النوع أو النوعين من التفاعل مع الفن والعالم.

إعلان

رغبة الانسان في ردّ الأشياء لجوهر واحد لا تعرف الرحمة، ولكن في مكان منعزل أرى فيتجنشتاين يحلّل العالم فيسخر من هذه النزعة، من الرغبة الدموية في اختزال الأشياء لصورة واحدة، جوهر واحد يفسّر كل شيء، من بحث الانسان عن الخلاصة، في هذا المكان يمكنني رؤية بيرجمان يؤسّس قواعده الخاصة، يهدّ العالم ويبنيه كما شاء، وبجانبه أنطونيوني، يتقاطع معه ويبتعد عنه، يسأل أسئلة مختلفة تمامًا تتطلّب نوع مختلف تمامًا من الحديث، والقائمة تطول لتشمل العديد من المخرجين العظام، كلٌ منهم يؤسّس لعبته الخاصة، طريقته في السؤال التي تتطلب نوع محدّد من الحديث.

***

يمكننا أن نسأل هنا سؤال مهم، وربما يكون ساذج، في كل ما سبق وفي غيره أين يوجد الفن؟ ما المشترك بين أفلام هيتشكوك وأفلام بيرجمان، أو بين أفلام لارس فون تريير وأفلام سبايك جونز؟ إنّ ما تتشاركه كل تلك النماذج هو تلك الخبرة التي تغمر المتلقّي، وهذه الخبرة المزعومة، هذه الكلمة التي تغلّف الحدث، لا تغلّف حدثًا واحدًا إنّما مجال واسع وصعب التحديد من الأحداث، مفهوم الخبرة لا هو واضح ولا محدّد، ذلك الشيء الذي يغمر المتلقّي ويترك عليه الأثر لا يمكن أن يكون شيء واحد، بنية واحدة من العلاقات دوائر تتقاطع ربما، وتقترب وتبتعد وتضيق وتتّسع، وتتناقض وتتكامل، مثلًا، أستطيع الجزم أنه على مستوى ما تتلاقي أفلام بيرجمان وتاركوفسكي، نوع الشيء الذي يغمرني في كلاهما متشابه، إحساس متقارب بالعالم الفيلمي أثناء المشاهدة، وإحساس بالعالم الخارجي متشابه ينمو على أثر المشاهدة، وكأنّ خلايا الدماغ تتلقّى تدريب مشابه بعد الانخراط في التجربتين. ولكني مع ذلك لا أستطيع القول أنّ شيئًا ما جوهري يجمع أعمال الاثنين، فهناك تنافر أيضّا، شيء ما أكثر صوفية في سينما تاركوفسكي، يظهر في تأمًلاته للطبيعة وإيقاعها وعلاقة الأشخاص بها أكثر مما يظهر في حوار شخصياته، بينما الوجوه في سينما بيرجمان تعكس شيئًا آخر بعيد عن سينما الأول، ربما إحساس بالسجن الكوني، بعصيان المعنى على التكشّف، بالتراجيديا الأبدية التي يدور بها الانسان.

في النهاية هل يمكن تحديد الطبيعة النهائية لهذه الخبرة؟، تلك مهمة صعبة، في محاضراته عن الاستيطيقا يقارن فيتجنشتاين بين ما يدعوه باللعبة اللغوية وبين العمل الفني، فحسب رؤيته لا يوجد بنية محددة للغة، لس هناك شكل/جوهر واحد يمكن ارجاعها له، فيشبّهها بالألعاب، ما المشترك بين جميع الألعاب؟ بين الشطرنج وكرة القدم، وكرة القدم والتنس، والتنس وطفل يلعب كرة السلّة وحيدًا؛ لا شيء جوهري يضمّ هذه النماذج؛ فقط تشابهات عائلية، دوائر تتقاطع وتتصادم، تتنوّع العلاقات فيها بشكل عصي على الردّ لجوهر واحد، يشبه الابن الأب من زاوية ما، رابطة سببية ما تجمعه بالأب، ومن زاوية أخرى يشبه الجار في سلوك ما، رابطة ثقافية أخرى، ربما كذلك العمل الفني، عائلة كبيرة من النشاط البشري التي لا تحمل جوهر محدّد، فقط تشابهات عائلية، وما تشترك فيه اللوحة والقطعة الموسيقية مع مسرحية هاملت؟ ثمة شعور متقارب بينهما، كيف استقبل هاملت مقتل أوفيليا؟ وهناك أيضًا قدر من الاختلاف، شيء ما أكثر غضبًا في اللوحة وأكثر ندمًا في الموسيقى. ما يضم بيرجمان وتاركوفسكي وهيتشكوك وسبايك جونز هي تشابهات عائلية، دوائر متقاطعة بدون نقطة مشتركة بين الجميع، وبالتالي كذلك تكون الخبرة المستجيبة لتلقي الأعمال الفنية، ألعاب عديدة في مجال البصر يختبرها الانسان من خلال طرق مختلفة، كل صانع أفلام يلعب لعبته الخاصة، والتي قد تتقارب أو تبتعد عن نماذج ألعاب أخرى.

على الجانب الآخر من دائرة الخبرة الفنية، هناك دائرة الحديث عنها، محاولات توصيفها واخضاعها للتوصيف وتقييم مدى جودتها، الآن نحن نملك ثلاثة عوالم، ثلاثة دوائر كبار تضمّ عددًا لا نهائيًا من الدوائر المتقاطعة والمتنافرة، الأولى هي العالم الخارجي هذا الفضاء الواسع والمخيف المزدحم بالأشياء وحركتها وهنا – بالنسبة لنا كمشاهدين – تقع الأفلام، وهناك الخبرة الداخلية؛ العالم الداخلي والمخيف للفرد، ما يتمثّل في هذا الكيان الهش من العالم، وذلك الأثر المنحوت فيه ولا يتلاشى، والتي تصطدم به الأفلام، والدائرة الأخيرة هي دائرة اللغة، الناصية التي يتقابل عندها الأفراد في محاولات الالتقاء والتواصل، أستطيع ملاحظة نوع من التدهور هنا، بين كل عالم والآخر، شيء ما يفقد في كل قفزة، أشياء كبيرة تتلاشى كتضحية لقيام عالم جديد من رماد ما سبق، فلتر ما يضعه العالم الجديد على ما يستقبله من العالم القديم، يبتذل العالم الداخلي العالم الخارجي الساقط عليه، وتبتذل اللغة العالم الداخلي في محاولة فهمه. عندما أشاهد تاركوفسكي يغمرني شيء ما ضخم، أحاول التحدّث لأصدقائي عنه فأجدني لا أفعل شيء سوى ابتذاله، وعندما أنعته بأعظم الأفلام، أجدني أضعه مع مجموعة أخرى كبيرة قد لا تشبهه على الاطلاق، وأظن أنّه هنا يوجد نوع من الظلم، ونوع من ضيق الأفق الواجب إدراكه.

رغبة الانسان في ردّ الأشياء لجوهر واحد لا تعرف الرحمة، أرى الآن النماذج التي نتناولها فأدرك إجحافها، إجبار الأفلام على اللعب بقواعد تريد اللعب بعيدًا عنها، ندور وندور حول تقييم تقمص الممثّل، وقدرة السيناريو على المجيء بالجديد، وجمال الصورة والتكوين، وما الذي ننساه؟ نوع الخبرة الذي يحاول الفيلم أن ينقلها لنا، أي إحساس بالعالم يتركه فينا، أي جسد شعوري يريد أن يلبسنا إياه، بينما يصنع النموذج الأول من الحديث ناصية مشتركة لنا جميعًا للحديث والمشاركة، وربما يكون في حالات ليست قليلة يقول شيء ما متضمن عن العمل، ولكنه كنموذج مسيطر على طريقة الحديث عن الأفلام أراه يحجب العديد من الاحتمالات، ويفقد الكثير من الخبرات الرائعة رونقها، ويعمي المشاهد عن طرق لرؤية العالم أكثر رحابة، كأنه يحجب عنه طرق للتنفس بشكل أفضل.

***

كيف لي أن أتحدث عما يحدث في الداخل، أفتح عيناي على العالم فأشعر به يغمرني، وأنظر لصديقي الواقف بجانبي، أرى نظرة تشبه نظرتي، وتيه يحاوطه كتيهي، فأفترض فيه شيء من نفس الشعور الغامض. وتخرج مني الكلمات عبثية تحاول وصف ما أشعر به، تحاول إرساء أرض نقف عليها سويًا، ألعب على افتراضي الأساسي، أننا نشبه بعضنا إلى حد ما، ونفس ما أحاول فعله يحاول هو أيضًا أن يفعله، فتطفو أصواتنا في الفضاء كرموز لما يحدث داخليًا، لعلنا نحدث اتصال ما، نأكّد لأنفسنا أننا رفقة، عضو ينتمي لهذا العالم المفرود أمامنا.

في قاعة السينما لا يختلف الأمر كثيرًا، فالعمل الفني يغمرنا، فنتبادل النظرات ونحاول أن نصيغ ما نشعر به من خلال الكلمات، يمكن أن نطلق عليه فينومينولوجيا الفيلم، ما يقع في المجال المشترك بين العالم وأدمغتنا، أو تجربة الوعي بها؛ نشاط يشترك فيه أطراف عدة، حدوده ربما تكون حدود الثقافة والطبيعة والإمكانات الدماغية البشرية.

في النظر إلى العالم، وفي تفاعلنا اليومي معه، نتذبذب بين موقفين، الأوّل الموقف الذاتي، نرى الأشياء من منظورنا الداخلي فقط، اللون والطعم والرائحة، والآخر هو الموقف الموضوعي، نتحرّر من ذاتيتنا لتكوين موقف أعم عن العالم، فنرى أنفسنا كجزء ضئيل من العالم. وفي الأول لا يوجد سوى الإحساس الخام بالعالم، بسعادتنا وآلامنا، وباردتنا ورغباتنا، وفي الثاني نضع هذه الاحاسيس كمثال واحد ضمن أمثلة عديدة في العالم، فنرى من خلالها ما هو عام وعالمي.

عند مشاهدة الأفلام، والفن بشكل عام، نستطيع الجمع بين الموقفين في نفس اللحظة، بين الذاتي، الإحساس الخام الذي يغمرنا به العالم، وبين الموضوعي، ما هو عام وعالمي في التجربة البشرية، في العاطفة الإنسانية، وفي العلاقة بيننا وبين العالم، وبيننا وبين أنفسنا، يتجلّى سحر الوجود وقسوته، في الصفة الوحيدة الجوهرية التي أراها به، التناقض، والتوتّر بين قدرتنا على الالمام به، على مد أيدينا للكواكب والنجوم، واحساسنا الداخلي بأهميتنا، بضرورة وجودنا لاختبار العالم، وبين ادراك موضعنا في العالم وضآلتنا داخله، وعدم أهميتنا بالنسبة له. وهذا التوتّر الذي يخلقه وجودنا، يتمثل بأفضل شكل ممكن في الأعمال الفنية العظيمة، فنجد أنفسنا بلا شيء سوى إدراك عام وغامض لهذا التناقض.

إذا أردنا الحديث عن الأفلام، لابدّ لنا من الحديث عن التجربة الشعورية التي تغمرنا، ولكي يتم ذلك لابدّ لنا من الحديث عن التناقض، ولكني أظن أنّ أفضل ما يمكننا أن نفعله أمام هذا الوحش هو أن نشير إليه لا أن نتحدّث عنه.

يقول فتجنشتاين أن ما لا يمكن الحديث عنه يجب الصمت عنه، ولكني أثق دائمًا في حوار جيد، حوار جيد لا يجب أن يدور حول معنى محدّد، حوار جيد هو نشاط انساني يريد تحقيق اتصال ما على مستويات قد تتسع لتضم المعنى الوصفي أو تتجاوزه في سبيل شيء أكثر أصالة، اتصال على المستوى الروحي، فأثق دائمًا أنه ما لا يمكن الحديث عنه يمكن على الأقل مقاربته شعريًا، أن يكون الحوار تجربة شعرية وروحية أكثر من كونه مهتم بتقديم أسباب لما يعتمل داخلنا.

إعلان

اترك تعليقا