الفضاء العامّ الإلكتروني: نقطة نور لقضايا المرأة
دائمًا ما تكون حقوق المرأة هي الموضوع غير المُلِحّ في الاستجابة له خاصّة وسط المطالبات العديدة بالكثير من القضايا في المجتمع، فنجد الكلّ يعلّق شمّاعته بأنّه ليس وقت الانسياق إلى تمكين المرأة أو إعطائها كافّة حقوقها، لأنّ لدينا العديد من الأمور الأهمّ في الشأن العامّ.
ولا أنكر أنّ أغلبنا انساق إلى هذا التّيار في بداية مشواره في العمل العامّ إلى أنْ وصل إلى النّضج الكافي ليدرك أنّ حقوق المرأة أصيلة وملحّة، وتمشي جنبًا إلى جنب مع باقي القضايا الهامّة. أمّا باقي المجتمع فإن اعترف بحقوق المرأة فإمّا أنّه يعترف بها من سياق مجتمعه أو من سياق أفكاره ومبادئه، وفي كلا الحالتين تكون حقوقًا منقوصة، ولا تجد المرأة نصيرًا ومدافعًا إلا قلّة قليلة تؤمن بتحرّرها من السّلطة الذكوريّة التي تحصرها في أدوار مُقولَبة ومكرّرة.
في الأيام السّابقة، دار جدالٌ واسعٌ على وسائل التواصل الاجتماعي يمسّ حرّيّة المرأة ومدى تماسّها مع تحكّمات الزّوج، فوجدنا فِرقًا تدافع عن شرقيّة الرّجُل ووجوب تدخّله في حياة زوجته بالمنع عن كلّ ما يراه تجاوزًا في حقّ ذكوريّته، وعلى المقابل وجدنا فِرقًا تدافع عن أحقّيّة المرأة في عمل ما يحلو لها طالما أنّ ذلك لا يمسّ شرقيّة وذكوريّة المجتمع، على عكس الرّجُل الذي بيده مفاتيح “الصّح والغلط”. وكانت هناك قلّة قليلة -وأنا منهم- نرى أنّ المرأة كيان مستقلّ، من حقّها العيش في المجتمع بالصورة التي ترضيها وتعمل العمل الذي تحبّه، وتكون لها شخصيّتها المستقلّة بعيدًا عن تحكّمات زوجها الشرقيّة والتي تبيح له في كثير من الأحيان ما لا تبيحه للمرأة لمجرّد أنّه رجُل.
انزوى الفريق الأخير يدافع ويبرّر ويخوض النّقاشات والسّجالات ويتلقّى الإهانات لمجرّد مناداته باستقلاليّة قرار المرأة، وكأنّهم بذلك يخوضون في عرض المجتمع وأنّهم سيجعلونه مجتمعًا بلا شرف! وكالعادة، في مثل هذه النقاشات التي يحاول المجتمع إغلاقها بمنتهى السّرعة تحت مسمى العادات والتقاليد لكي لا يهتزّ عرش الذكوريّة، وجدنا الكثير مدافعين عن الوضع ومهاجمينَ تدخُّلِنا في حياة الآخرين الشخصيّة وازدواجيّتنا المزعومة.
ومن جانبي، أرى أنّه بمرور الوقت وبفتح مثل هذه النّقاشات يحدث تطوّرٌ فكريّ بالعقل الجمعيّ، هذا التطوّر الذي طالني وطال فئة كبيرة من المدافعين عن حقوق المرأة، حيث إنّنا قد ولدنا من رحم هذا المجتمع بشرقيته و ذكوريته، وعانى أغلبنا، وإن لم يكن كلّنا، من ذلك الأمر حيث ولدنا مشبعين بمثل هذه الأفكار إلى أن وجدنا طريقنا للتطوّر والتنوير عن طريق نقاشات وقراءات وسجالات عدّة، ومثل هذه النّقاشات أعتبرها نقطة ضوء وسط كل ما يحدث للمرأة في مجتمعنا، حيث إنّها تزلزل الأفكار الرّجعيّة وتخلخلها واحدة واحدة لكي ترى شعاع النور، فنجد الأفكار البسيطة تأخذ مساحتها لكي تتبلور وتنضج بالتنقيح المستمرّ والتي من الممكن، مع الوقت، أن تغدو أكبر من مجرّد أفكار وتصبح من أولويات البعض للعمل عليها.
فلا نقلّل من شأن مثل هذه النقاشات، فلولاها لظللنا في ركود، وعلى الرّغم من الانتقادات الموجّهة للفضاء العامّ الإلكترونيّ، إلا أنني أعتبره نقطة نور للمرأة في مجتمعنا الذكوريّ من أجل دعم دورها ونشر الأفكار التقدّميّة، التي تساعدها على الحصول على حقوقها.
نرشح لك: ما هو عصر التنوير؟