رحيق العالم: تلصص من الباب الخلفي على خمسة كتاب

لا يكتفي المترجم والقاص أحمد أبو الخير في كتابه “رحيق العالم” الصادر هذا العام عن منشورات دار الربيع بالترجمة، بل اختار في مقدمة كتابه أن يبدأ باحثًا في “الجذور التاريخية لمفهوم الحوار” ليبحر القارئ معه نحو إشكاليات متعددة لا حصر لها في كيفية بدء الحوار، فهل هذا الحوار بدأ بين الرب والملائكة؟ أم أن البداية كانت مع خلق آدم؟ أم يكون التأريخ الحق بدايةً من غواية إبليس لآدم؟

ولا يكتفي أحمد أبو الخير أيضًا بهذا المعنى للحوار، بل يضيف إليه بعدًا آخر هو الحوار المعنوي الذي حاول الإنسان صنعه من محاولات الاتصال بالبيئة فأقام حوارًا ضمنيًا مع عناصر طبيعتها.

الكتاب من خلال ترجمته يتلصص على خمسة كتاب من الباب الخلفي، في محاولة منه لمعرفة الدهاليز العقلية التي أنتجت أرفع آدابهم وأعظم فنونهم، وهذا الرابط المشترك الذي يربط بسلاسة بين الشخصيات الخمسة.

فجاءت أول هذه الحوارات مع الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار حيث يعمل المترجم على الاقتراب من المناطق الحميمية التي لم تتحدث عنها في مذكراتها، عن العادات المشهورة لها عند بدء الكتابة، هل هي طوال الوقت مع سارتر؟

في ثاني الحوارات تأتي كاتبة القصص والروايات والمترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية “ليديا ديفيس” التي تبين أن للترجمة استراجيات عديدة، لها نظريات حداثية معاصرة وأخرى سحيقة، لنعرف منها ما هي انطباعات مترجمة تترجم عن الفرنسية؟ وربما اختارها المترجم والقاص أحمد أبو الخير ليبث من خلالها أفكاره هو وآراءه هو في الترجمة لنرى من خلالهما معًا ما سر العلاقة بين النص والمترجم؟

إعلان

أما في ثالث الحوارات يمد المترجم جسرًا آخر داخل روح “فلاديمير نابوكوف” المخضرم، المحفوف بكم لا بأس به من النرجسية البادية عليه في كافة لقاءاته الصحفية، ليطرح علينا آراءه التي تغرد خارج السرب ونعرف رأيه المغاير في روائيين مشهورين اجتمع أغلب الناس على الإشادة بهم.

الشخصية الرابعة في هذا الكتاب كانت شخصية “ترومان كابوتي” الخجولة بعض الشيء، لكن كما يظن المترجم أن طاقة الخجل هذه إذا تم تقشيرها سوف تظهر عقلية نقدية تنظر إلى الأمور بحياد شديد. يتذكر “كابوتي” في هذا الحوار فترات طفولته التي لم يبتعد عنها ولم تبتعد عنه في ظني، وعن حبه الشديد للنبيذ الذي اعتاد عليه منذ سن صغيرة، وطوقه للحديث والثرثرة.

ثم ينتهي هذا الرحيق بشخصية “وودي آلن” واحد من أكثر المواطنين واسعي الانتشار ورغم ذلك يصعب اعتباره اجتماعيًا، حيث أنه خجول في تعارفه على الآخرين، يتحدث عن الكوميديا باعتبارها نوع من التأقلم مع الحياة حتى ولو على المدى القصير، فهو يرى أن الكوميديا أشبه ما تكون بالتخدير المستمر لحساسيتك حتى تتمكن من الحصول عليها بألم أقل.

“رحيق العالم” يستخلص لنا رحيق الكتابة وطقوسها؛ في محاولة جديدة لاستيضاح المكنون الخفي عند خمسة شخصيات عالمية، وإظهار مناطق ربما تكون غامضة، غير واضحة المعالم عند القارئ العربي، وهو دعوة نادرة لمشاهدة مطبخ الكاتب، ومعرفة الوصفات السحرية التي تستخدمها الشخصيات الخمسة في كتابتها، النكهات التي يضيفها أحدهم على لوحته فتخرج لنا كما تخرج.

قد يعجبك أيضًا: رواية سنترال بارك.. العيش من جديد بعد مصيبة كبرى

إعلان

اترك تعليقا