لا مستقبل لاتفاقية أفغانستان ما لم تستوعب حقوق المرأة
خاضت حكومة الولايات المتحدة -على مدار الأسبوعين الماضيين- مفاوضات سلام مع طالبان، تدخلت الولايات المتحدة وقواتها الحليفة منذ 17 عام خلت في أفغانستان للإطاحة بحكم طالبان، ودعم إجراء انتخاب ديمقراطي للحكومة، جاءت مفاوضات السلام هذه المرة أفضل بمراحل من مثيلاتها خلال هذا الصراع؛ ورغم هذا واجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها مشكلتان غاية في الخطورة؛ أولهما: لم تشمل المفاوضات الحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة الرئيس أشرف غاني، ثانيهما: أنّهم فشلوا في إدراج حتى امرأة واحدة.
الوضع حتى الآن
يمكن لمفاوضات السلام أن تأخذ أكثر من شكل؛ فتغطي في أبسط صورها وقف إطلاق النار وتقسيم الأقاليم، مع ذلك ذهبوا بها إلى أبعد من هذا لتستوعب أسباب الصراع وتمهد الطريق لإيجاد حلول دائمة، بالإضافة إلى مناقشات غير رسمية واسعة النطاق قبل توقيع أي اتفاق رسمي.
انتزعت طالبان الحكم من أفغانستان عام 1996 ومنعت النساء من ارتياد المدارس، كما حرمتهنَّ من أبسط حقوقهنَّ، كذا بسطت طالبان أجنحتها ملاذًا آمنًا للمسؤولين عن الهجمات ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر لعام 2001.
لذلك فالولايات المتحدة حريصة على سحب قوات طالبان المتبقية، لكنّها تريد ضمان التزام من طالبان أنّ أفغانستان لن تستمر كونها وكرًا لجماعات إرهابية تخطط لشن هجوم ضد الولايات المتحدة.
أظهرت التقارير الأخيرة أنَّ 56% من الأقاليم الأفغانية تقع تحت سيطرة الحكومة الأفغانية، وهو ما يعادل 65% من معدل سكانها، في حين أنَّ 15% من الأقاليم في قبضة جماعة طالبان، و 29% لا تزال متنازعٌ عليها.
غالبًا ما تكون مفاوضات السلام محفوفة بالتوتر حول من يُسمح به للانضمام إلى طاولة المفاوضات، حتى الآن رفضت طالبان السماح لحكومة أفغانستان بالمشاركة في المفاوضات الحالية، يُطلع كبير المفاوضين الأمريكيين -زلماي خليل زاد- الحكومة الأفغانية على التقدم المحرز في المفاوضات في مختلف دول الخليج.
يتعرض خالد زيد للضغط من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب للدفع بالمفاوضات وعقدها، لكن استبعاد الحكومة يمثل مشكلة بالغة، قد يكون هذا إشارة لفشل محتمل للمفاوضات في نهاية مطافها، مما يجعل الحكومة تبدو أضعف مما هي عليه، أو تمهد الطريق للعودة إلى الحكم الديني المتشدد لأفغانستان.
غالبًا ما يكون من المغري لوسطاء السلطة إعطاء أولوية لمشاركة الجماعات المسلحة في مفاوضات السلام، الشيء الأكثر أهمية هو ضمان مشاركة أوسع للمجتمع المدني.
أظهرت الأبحاث المعنية بدراسة اتفاقيات السلام منذ الحرب الباردة أنَّ مشاركة المجتمع المدني تقلل نسبة احتمال فشل الاتفاقية إلى 64%، حيث تعتبر مشاركة المجتمع المدني سببًا رئيسيًا في جعل عملية السلام أكثر شرعية، بالإضافة إلى أنَّها تضمن مراعاة مخاوف المجتمع المدني وعدم تلقي حاملي السلاح تشجيع إيجابي من خلال احتكار المزايا المتفاوض عليها في الاتفاقية.
ما موقع المرأة بين هذا كله؟
غضبت النساء الأفغانيات جراء استبعادهن من مفاوضات السلام، حيث أصدرت مجموعة حقوق المرأة الرائدة في البلاد -الشبكة النسائية الأفغانية- بيانًا يدعو إلى “المشاركة الكاملة والهادفة والمتساوية للمرأة” في المفاوضات.
لا تزال الحياة بالنسبة للمرأة في أفغانستان صعبة؛ إذ ذكر الاستطلاع الأخير لرويترز أنَّ أفغانستان تعتبر ثاني أخطر دولة بالنسبة للمرأة، بعد أن كانت الأولى في الترتيب منذ خمس سنوات مضت، ما زالت البلاد تحتل المرتبة الأولى في العنف ضد المرأة والتمييز وتدني الرعاية الصحية، على الرغم من إحراز تقدم ملحوظ في السنوات السبعة عشر الماضية.
تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنَّ عدم المساواة بين الجنسين تراجع بمقدار 10% بين عامي 2005 و2017.
قوَّت المرأة الأفغانية من وجودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال جهودها المبذولة لتحسين وضعها واحترام حقوقها؛ فتمكنت الفتيات من الالتحاق بالمدارس وأصبحت النساء عضوات في البرلمان، وتقلدت منصب المحافظ وعملت بالشرطة.
تضمّن دستور أفغانستان لعام 2004 مادة طُبقت بشق الأنفس وتنص على المساواة بين الجنسين، وتطالب طالبان بإنشاء دستور جديد، ومن المرجح عدم الموافقة على هذا الحكم.
أظهرت الأبحاث المستندة على بيانات كمية ونوعية واسعة أن الطريقة التي يعامل بها أي بلد نساءه هي أفضل مؤشر على استقراره، هذا مؤشر أفضل من الثروة أو الهوية العرقية والدينية أو الديمقراطية.
كما نعلم أن مشاركة المرأة في عمليات السلام تجعل النتائج أكثر فعالية، فمن المرجح أن تستمر عمليات السلام بنسبة 35% لمدة 15 عامًا على الأقل إذا كانت النساء على طاولة المفاوضات، أو تتمتع بوضع مراقب، أو تشارك في المشاورات أو اللجان الشاملة أو ورش العمل لحل المشكلات.
يمكن للنساء التفاوض مع طالبان
ومع ذلك، فإن الرجال وأفراد المجتمع الدولي يعتقدون غالبًا أن الكفاح الذي تواجهه المرأة الأفغانية يعني أنها ليست في وضع يسمح لها بالتفاوض مع طالبان الذكورية.
لكن النساء الأفغانيات مثل بالواشا حسن يعملن لسنوات لتحقيق السلام مع طالبان، تجلس حسن في المجلس الأعلى للسلام في البلاد وتشهد بعينها كيف تفاوضت النساء في جميع أنحاء البلاد بالفعل مع قادة طالبان المحليين، وتقول “المجتمع الدولي يفشل في تقدير ما حققناه معًا والتقدم الذي أحرزناه حتى الآن”.
كما عقدت ورشة عمل في عام 2010 مع النساء عبر المجتمعات المحلية، من بينهن امرأة تفاوضت لإبقاء مدرسة البنات المحلية مفتوحة بالقول إن الفتيات المتعلمات يمكن أن يُحسنَّ في الدراسات الإسلامية، بما في ذلك تعلم قراءة القرآن، كما ضمنت لمحاوريها في طالبان أن يتم تخصيص مكان للصلاة في المدرسة بشكل فعلي للنساء والفتيات فقط.
وشرحت امرأة أخرى كيف تفاوضت هي وآخرون على إطلاق الرهائن المحتجزين لدى قائد طالبان المحلي، وناشدت القيم الإسلامية للحياة والعدالة، وأقنعت الخاطفين بأن الرهينة محتجز ظلمًا.
اتفاقيات دولية
تم تدوين أهمية مشاركة المرأة في السلام والأمن الدوليين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1325 قبل 20 عامًا تقريبًا لدى تسعة وسبعون بلدًا، بما في ذلك أفغانستان، خطط عمل وطنية لتوجيه تنفيذ القرار وقرارات مجلس الأمن السبعة اللاحقة بشأن المرأة والسلام والأمن.
في أكتوبر 2017 أصبحت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تصدر قانون المرأة والسلام والأمن، وقعه الرئيس ترامب نفسه.
تم تفعيل هذا القرار بشكل صريح لضمان قيام الولايات المتحدة بتعزيز المشاركة الفعالة للمرأة في عمليات الوساطة والتفاوض التي تسعى إلى منع النزاعات العنيفة أو تخفيفها أو حلها “في جميع أنحاء العالم”.
وقد حثّ أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون حكومة ترامب على ضمان مشاركة المرأة الأفغانية في مفاوضات السلام، لكن حتى الآن لم يحتجّ أحد بالقانون الجديد.
هناك القليل ممن لا يأملون في تحقيق السلام لأفغانستان، ولكن كما تقول بالوشا حسن: يجب أن تشمل المفاوضات النساء “لحماية حقوقنا وأيضًا لضمان استمرار السلام”.