التنميط الإجتماعي الدعائي في الإعلانات التجارية العربية
مدى خطورة ما يتمّ غرسه في التصورات النمطية من خلال الإعلانات التجارية تم استغلاله من الشركات الاستهلاكية بطريقة بشعة غير مدركة .
فجُلَّ ما قد يَشغل بال المرأة العربية “المصوَّرة” دعائياً هو كمية تعقيم بلاط البيت وكمية بياض قميص الزوج و مسابقات أبيض عباية و أفضل منتج يقضي على البقع وطرقها الابداعية بالتفنن بوصفات الطهي لجذب الزوج بعدم الخروج من المنزل، لكن الأخطر من ذلك هو تقبُّل هذه الدعايات واعتبارها تعبير عن الواقع العربي وتمثيلاً له وتبريراً للاستغلال القذر من قبل الشركات التجارية .
حتى لو جسَّدت هذه الإعلانات التجارية واقعاً تعيشه المرأة العربية اليوم، مُمثَّلاً بحياتها التي تنحصر في البيت وتنظيفه والعناية بأفراد الأسرة الآخرين إلغاءً وطمساً ومحواً لحياتها الشخصية أو تعليمها أو عملها أو ما تطمح به من أحلام كأيّ إنسان آخر، و بجعل حياتها هي الاهتمام بحياة الآخرين، فإنَّ هؤلاء يبرِّرون ذلك بأنَّها تقوم بمهمة عظيمة وهي التربية كأعظم وأفضل من أيّ مهمة قد تقومها في خارج المنزل، علماً بأنَّ التربية تقع على الأب والأم ولا يتمّ تسليط أيّ ضوء على تربية الأب للأبناء.
إنَّ محاولة التغيير للمساواة في الدول العربية تسير بتطوُّرٍ بطيئ لكنَّه موجود وبوادره ملموسة، فلا يمكن السكوت على هذه الاستغلالات التجارية كما يجب وقفه قانونياً لأنَّه معزِّز لأهم بوادر الرجعية والتخلَّف الإجتماعي في الأوساط العربية.
وأنَّ هذا بلا شك يعتبر من التسليع للمرأة بشكل من الأشكال، إذا أدركنا أنَّها وقعت ضحية الاستغلال الاستهلاكي التجاري، فماذا لو أصبحت هذه الإعلانات التجارية تحت الرقابة الحكومية الخاصة بدولة هذا الإعلان من حيث محايدتها والرسالة المرجوة منها؟
إنَّ وضع المرأة العربية الآن _ بالنسبة لاستحقاقها لكثيرٍ من الحقوق التي كانت مسلوبة _ في تطوُّرٍ واضح في الأوساط العربية، ومثل هذه الإعلانات لا تزيد إلا من التوغُّل في إهانتها والاسهام في تراجع مكانتها ومساعيها في اثبات نفسها بمجتمع بطريركي عربي. وإنً سيادة هذه الصور النمطية ووصولها لدرجة الوصم الملتصق على المرأة أدى إلى تحديد دورها ومكانتها المقيَّدة فإذا خالفت هذا الدور المرسوم وخرجت عن الطريق تعاقَب وتصبح منبوذة أو ملامة، وهذا الأمر لا يرتبط فقط في الوطن العربي بل يمتد تاريخياً وعالمياً سواء اختص التنميط بالمرأة أو لبعض الفئات في المجتمع عرقياً أو جنسياً أو دينياً في جميع الثقافات والمجتمعات على اختلاف تقدُّمها وازدهارها .
إذا ألقينا الضوء على الدعايات الإعلانية الأمريكية في عام 1964 فإنَّ دعايات مساحيق الغسيل تشبه دعايات الوطن العربي الأن فهذه صور شركة عالمية لمساحيق غسيل الملابس في ذلك الوقت .
الصورة إعلان لشركة عالمية أمريكية لمساحيق الغسيل في بداياتها تضع صورة امرأة حصلت على أنظف غسيل في البلدة، وإذا أمعنا النظر نرى خلف الملابس المعلقة رجل يؤشِّر على تلك الملابس بيده وينظر لزوجته معاتباً لها على تقصيرها في تنظيف الملابس، فإنَّ هذه الصورة شبيهة في دعايات الوطن العربي الآن لكن الفرق هو أنَّك لن تجد هذه الدعايات في الولايات المتحدة الآن كما كانت في السابق فإن التصاق اعلانات منتجات المنزل بالمرأة أصبح طفيف فقد أصبح من المألوف هذه الأيام رؤية رجل يمثل الوجه الاعلامي لتلك المنتجات، وهذه بعض الصور التي تُبيِّن الفرق الزمني للدعايات في الولايات المتحدة الآن .
تم التركيز في الاعلان الأخير على الجانب الإبداعي أكثر من أيّ جانب، ولم يتم التركيز على دور نمطي إجتماعي محدد، وهذه هي الإعلانات التي نطمح لتواجدها في المحطات العربية لأنَّها من بين العوامل الأساسية والمهمة في تعديل الأنماط المتكرِّرة ذهنياً واجتماعياً في عقول الأفراد فتتقبَّلها جميع الفئات العمرية لسهولة فهمها وهنا تكمن خطورتها، فلكي نستطيع المضي في طريق مساواة اجتماعية عادلة بين جميع الفئات في المجتمع يجب عدم التركيز على هذه الأنماط والصور السلبية وتعزيزها … قد تكون أوّل خطوة في ذلك هي إخضاع هذه الإعلانات التجارية للرقابة الحكومية للتأكُّد من عدم تركيزها على صورٍ سلبية قد تعزِّز أيّ نوع من أنواع التمييز العنصري أو الجنسي أو العرقي.
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى للكاتب، نرشح لك
الفلسفة معركة ضد الخرافة وتحرّر من الوعي الشقي
قراءة في كتاب …” صدمة التربية: فكر جديد عن الأطفال “
إلى أين يذهب انبهار المرات الأولى ؟!