هل بإمكانك التكيف بنجاح مع العيش في بلدٍ جديد؟

دراسة جديدة تكشف لنا العوامل التي قد تتنبأ بمدى تكيف الأشخاص مع الحياة في بلد جديد، وأي الدول أسهل في التكيف معها.

في عام 2008 عشتُ في مدينة فاس بالمغرب بينما كنت أدير برنامجًا للدراسة في الخارج للطلاب الأمريكيين، وقد كانت هذه المرة الخامسة لي في هذا البلد، وكنت أتحدث الفرنسية إلى حدٍ ما، لذا فقد شعرت بالارتياح للعيش والعمل هناك.

بعد وصولي بفترةٍ قصيرة انتقل زوجٌ من اليابانيين في منتصف العمر إلى البناية التي أسكن بها، وكانوا قد جاءوا إلى فاس من أجل التطوع لمدة سنة في عيادةٍ تُقدّم الخدمات للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، لقد كانت هذه مرتهم الأولى في المغرب، وهم يتحدثون الإنجليزية قليلًا ولا يفهمون لا العربية ولا الفرنسية.

أتذكر حين كنتُ أظن أن هؤلاء الناس اللطفاء سيصبحون تعيسين، لن يتمكنوا من التأقلم، فإما أنهم سيعودون أدراجهم إلى وطنهم مبكرًا أو أنهم سيندمون على قرارهم بالبقاء لمدة سنة”.

وبعد مرور شهرين اضطررت للاعتراف بأنني كنت مخطئًا تمامًا بشأن هذين الزوجين، فقد تكيفوا بشكل جيد مع الحياة في المغرب، والحق يُقال؛ أعتقد حتى أنهم قد تكيفوا بشكل أفضل مما فعلت.

عندما يقوم الناس بترتيباتٍ للدراسة أو العمل في بلدٍ أجنبي فهل يكون من الممكن أن نتنبأ مقدمًا بأيٍ من المقيمين سيتكيف بنجاح مع تلك البيئة الجديدة وأيهم لن يفعل؟

إعلان

وما نقصده بالمقيم هنا هو الشخص الذي يعيش ويعمل في بلدٍ أجنبي لفترة طويلة، كطلبة التبادل الدولي على سبيل المثال، بينما لا يُعتبر السُياح من هذه الفئة.

لقد قام العديد من علماء النفس وغيرهم بدراسة عملية التكيف لسنواتٍ عدة، وذلك بعد وقتٍ قصير من انطلاق هيئة السلام عام 1961، وعادةً ما يتم تعريف الإقامة الناجحة على أنها “التكيف نفسيًا (الشعور الجيد) واجتماعيًا (السلوك الجيد)”.

غالبًا ما درست الدراسات المبكرة تأثير عوامل الشخصية والمعرفة الثقافية على قدرة الفرد على التغلب على الصدمة الثقافية والتي تُعتبر توترًا مما هو غير مألوف، وحتى وقتٍ قريب لم يتطرق الباحثون لدراسة تأثير المعايير الاجتماعية على جودة حياة المقيمين.

يمكن لأي شخص قد اعتاد السفر والتنقل معرفة أن المعايير الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في تشكيل خبرات المسافر، فليس من السهل دائمًا أن تتعلم وتلتزم بالمعايير المحلية التي تحكم السلوك، وخاصةً السلوك العام.

تخيل معي سيدة صغيرة قد نشأت في جنوب كاليفورنيا؛ ربما تفكر بأنه ما من شيءٍ خاطئ في السير في الشارع بملابس قصيرة، ولكن في بعض البلدان قد تتعرض تلك السيدة التي تسير بملابس قصيرة في الشارع لعقوبات اجتماعية، فقد انتهكت بسلوكها هذا المعايير الاجتماعية المحلية.

في مارس 2019 نشر عالم النفس نيكولاس جيرايرت “Nicolas Geeraert” من جامعة إسيكس هو وزملاؤه تقريرٍ بمجلة العلوم النفسية، وقد درس هذا البحث تأثير المعايير الاجتماعية وسمات الشخصية على تكيف المقيمين.

حيث افترض جيرايرت وزملاؤه أن المقيمين سيواجهون صعوبة أكبر في التكيف مع البلد المضيف الذي لديه معايير وقواعد صارمة، فتلك البلاد الصارمة ثقافيًا لديها قواعد قوية فيما يتعلق بالسلوك المناسب وقدر أقل من التسامح مع من يحيد عن معاييرها، بينما نجد بلدانًا أخرى متساهلة ثقافيًا وتكون القواعد فيها أضعف وأكثر مرونة ولديها قدر أعلى من التسامح مع من يكسر قواعدها.

افترض فريق جيرايرت كذلك أن المقيمين الذين نشأوا في ثقافة صارمة سيجدون سهولة في التكيف مع الحياة في البلد الأجنبي، فمن المحتمل أن هؤلاء الناس يمتلكون جهاز استشعار حساس للمعايير الاجتماعية، والذي يُمكّنهم من اكتشاف المعايير المحلية ومدى قوتها، فيراقبون بذلك تصرفاتهم ويُعدّلونها ويكيّفونها وفقًا للمعايير المحلية عند الضرورة.

وأخيرًا افترض الفريق أن التأثير السلبي للتشدد الثقافي سيكون أقل قوةً بالنسبة للأفراد الذين يتمتعون بالتقبل (لأنهم يرغبون في الاندماج مع الآخرين والتعاون معهم) والذين يتسمون بالتواضع والأمانة (لأنهم لا يتوقعون معاملة خاصة ولا يميلون لانتهاك القواعد).

وللتحقق من صحة هذه الفرضيات قام جيرايرت وفريقه بتقييم 889 من طلاب الثانوية على مدار ثمانية عشر شهرًا، حيث شارك جميع الطلاب في برنامج للتبادل الدولي، وكانوا يعيشون مع عائلة مضيفة والتحقوا بالمدرسة الثانوية المحلية.

أكمل الطلاب مجموعة من الاستبيانات مرتين خلال تلك الفترة، مرة قبل بداية البرنامج ومرة أخرى في منتصف البرنامج بعد مرور 8-10 شهرًا، حيث تقيس تلك الاستبيانات مستوى التكيف الاجتماعي والتكيف النفسي بالإضافة إلى سمات الشخصية الستة (التواضع- الأمانة، الانفعالية، الانبساطية، التقبل، يقظة الضمير، الانفتاح على الخبرة).

وقد شاركت في هذه الدراسة ثلاثٌ وعشرون دولة ممن أرسلوا واستضافوا الطلاب، وقد أثبتت دراسة مبكرة أن بعض تلك الدول صارمة ثقافيًا (ماليزيا والهند على سبيل المثال) بينما بعضها الآخر متساهلة ثقافيًا (المجر والبرازيل)، في حين تُعد دولٌ أخرى صارمة إلى حدٍ ما (مثل اليابان والصين) أو متساهلة إلى حدٍ ما (نيوزيلاندا والولايات المتحدة).

وبعد تحليل البيانات اتضح لفريق العمل ما يلي:

  1. بشكل عام فإن المقيمين في دول متساهلة ثقافيًا يتكيفون بنجاح أكثر من المقيمين في دول صارمة ثقافيًا.
  2. المقيمون الذين نشأوا في دول صارمة ثقافيًا يتكيفون بنجاح أكثر من المقيمين الذين نشأوا في دول متساهلة ثقافيًا.
  3. العلاقة السلبية بين الصرامة الثقافية للدولة المضيفة وبين تكيف المقيمين تكون أقل بالنسبة لمن يتسمون بالتقبل والتواضع والأمانة.

يمكن القول باختصار أن هذه الدراسة تُقدم دليلًا على أن العوامل الثقافية وكذلك الشخصية قد تساعد في التنبؤ بأيٍ من المقيمين سيتكيف مع الحياة والعمل في بلدٍ أجنبي.

هل تذكُر تنبؤي الخاطئ بشأن الزوجين اليابانيين في فاس؟ لقد فشلت في الأخذ بالاعتبار بعض العوامل المحتملة ذات الصلة أثناء تنبؤي هذا.

أولًا: لقد نشأ الزوجين اليابانيين في ثقافة صارمة المعايير، وبذلك فربما قد تكوّن لديهم جهاز استشعار فعّال للمعايير الاجتماعية مما ساعدهم على اكتشاف المعايير المحلية بالمغرب والتكيف معها.

ثانيًا: فقد علمتُ أن جيراني اليابانيين كانوا يتمتعون بقدر كبير من التقبل والتواضع والأمانة، فلم تكن لديهم أدنى رغبة في التشكيك بالمعايير الاجتماعية المحلية أو انتهاكها، حتى تلك التي اختفوا معها بشكل خاص، وإنما أرادوا بدلًا من ذلك التأقلم مع الآخرين، ولم يتوقعوا من الآخرين معاملة خاصة أو وسائل تكيف خاصة لهم.

هل بإمكانك التكيف بنجاح مع العيش في بلدٍ جديد؟ إن الأمر يعتمد جزئيًا على المكان الذي تذهب إليه، والمكان الذي أتيت منه، وكذلك نمط الشخصية الخاص بك..

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: سلمى الحبشي

اترك تعليقا