مولد دولة وموت نظام

كان مولد دولة ” الولايات المتحدة الأمريكية ” فى شهر سبتمبر عام 1783 قد تم الإعلان عنه خلال إجتماع عقد بقصر فرساي فى فرنسا بحضور الملك الفرنسي لويس السادس عشر، وملك بريطانيا جورج الثالث، فى وجود مندوب عن ملك أسبانيا.
ففي هذا الإجتماع، تم الاعلإن عن إنتهاء حرب الاستقلال الأمريكية، وانضمام 13 مستعمرة بريطانية تحت لواء جديد لدولة تم تسميتها بـ الولايات المتحدة الأمريكية.
والجدير بالذكر، أن تلك المستعمرات الأوروبية الأصل، والتى أسمت نفسها بالولايات، لم تكن تضم من السكان ما يزيد عن خمسة مليون نسمة، وكان تعداد سكان أكبر مدنها (فيلادلفيا) لا يزيد عن 40 ألف نسمة.
وفى ذلك اليوم التاريخى من شهر سبتمبر، وافقت بريطانيا على الطلب الذى تقدم به شخصيا بنيامين فرانكلين لسفير بريطانيا بباريس، والذي بمقتضاه اعترفت بريطانيا بخسارتها الحرب، وباستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن الامبراطورية البريطانية، لكن ظلت الدولة الجديدة هشة، تضم بعض الأراضى المتفرقة فى أرجاء القارة الأمريكية، فاجتهد مؤسسي الدولة الجديدة لإصدار دستور لحكم البلاد وفق نظام فيدرالي جمهوري : “الجمهورية الأمريكية”، ولم يكتمل ذلك الدستور إلا بعد أربع سنوات، أما أول رئيس جمهورية، فلم ينتخب إلا عام 1789، وكان جورج واشنطن.
كان العداء بين بريطانيا وفرنسا شديدا منذ قرون مضت، وقد خسرت فرنسا بعض المعارك عبر التاريخ في القارة الأمريكية، مثل خسارة الأراضي الفرنسية التى استعمرتها بريطانيا وحولتها إلى دولة كندا. لذلك، عكفت الدولة الفرنسية على محاربة بريطانيا فى أمريكا فدعمت ومولت التجمعات التى قادت حرب الاستقلال ضد بريطانيا، حتى انتصرت.
وعودة لإجتماع فرساي في سبتمبر 1783، كان الملك لويس السادس عشر، لا يبلغ من العمر سوى 28 عاما، ولكنه كان مدركا لمغزى هذا الإجتماع الذي كرس انتصار حلفاء فرنسا فى حرب الاستقلال، فكان سعيدًا بإعلان قيام الدولة الأمريكية في الوقت الذي كان ملك إنجلترا يعيد ترتيب أوراقه للحصول على مستعمرات بديلة في مختلف بقاع العالم، وبصفة خاصة على كامل شبه الجزيرة الهندية، لمنع التواجد الفرنسي بها، وقد كان. فهل كان الملك الشاب يدرك نتائج هذا الانتصار؟
كانت التكلفة المالية والعسكرية للدعم الفرنسي لنشأة الدولة الأمريكية المستقلة باهظة، أدت إلى الاهتزاز المالي للمملكة الفرنسية، فقد كانت حرب بالوكالة، أحد أطراف التوكيل لا يمثل إلا جماعات مشتتة من رعاة البقر الغير منظمين، في حين أن الطرف الذى يتحمل عبء التنظيم وتكلفته يمثل دولة قوية، لكنه لا يحارب حربا مباشرة، أدى هذا الدعم إلى وفاة العديد من كبار القادة العسكريين الفرنسيين، وأدت إلى خراب خزانة الدولة الفرنسية.
لتلك الأسباب، ولمحاولة علاج الموقف الداخلي، اضطر الملك لويس السادس عشر إلى دعوة لإجتماع طارىء لأجهزة الدولة الفرنسية عام 1789. وكان الهدف من الإجتماع تشريع نظام ضريبي جديد لعلاج خزانة الدولة وأحوالها المالية، فكان هذا الإجتماع هو أول مسمار فى نعش المملكة الفرنسية، فكانت تبعات الإجتماع الذي رفضت أثناء انعقاده كل طلبات الملك، قيام الثورة الفرنسية خلال شهرين فقط من بدء الإجتماع، ثم كانت تبعات الثورة الدرامية إعدام الملك لويس السادس عشر بالمقصلة يوم 21 يناير عام 1793.
ورغم محاولات عودة النظام الملكي فيما بعد، خاصة بعد حكم الامبراطور نابليون بونابارت، فقد انتهت تلك المحاولات عام 1848 بخلع الملك لويس فيليب الأول وإعادة النظام الجمهورى باسم الجمهورية الثانية.
هكذا كانت لولادة الدولة الأمريكية الجديدة نتائج أدت لنهاية الدولة الفرنسية بنظامها الملكي، فكانت مثل القشة التى قسمت ظهر البعير.
وهكذا يكون التاريخ مليئ بالعبر والدروس لمن اعتبر.

إعلان

اترك تعليقا