مترجم: المثلية الجنسية مُجرد اختيار صعب أم طبيعة جينية؟
يقول مِئات الآلاف مِن المثليين بأنهم لَم يَختاروا ما هم عَليه، لم يختاروا أن يخاطروا بِكَونِهم سَيُضرَبون وسيُنبَذون، ولَم يَختاروا بأن يُقاطَعوا من قِبَل أَهاليهم ومعارِفهم، لَم يختاروا بأن يُوجَدوا في مُجتَمعٍ يُقَرّر لهم ما يستحقّون من حقوق، وما الوظائف التي سيعملون بها وأين سيعيشون؟ وهل سيتزوجون؟ هل سيتبنون أطفالًا ويربونهم؟ أم لا يَحقُ لهم هذا؟
أليست مهزلةً؟!
ليس علينا في الحقيقة أن نجعل المثليين يكافحون ليُظهروا عدم تدخّلهم في اختياراتهم، بينما نَحن مُغايروا الجنس نستطيع إثبات ذلك بسهولة متاحة اجتماعيًا.
غالبًا ما أتساءَل كيف كان الوضع إذا واجه أشخاص ذو مناصب مهمة تهديدات فيما يخص ميولهم الجندري مقابل منصبهم مثل ريك سانتوروم -المرشح الجمهوري الأمريكي السابق في الحزب الجمهوري- على سبيل المثال مثل أن يواجه إغراءَه بأن يكون في علاقة عاطفية مع رجلٍ ثم يرفض ذلك أو يقبله؟ الأمر نفسه مع المرشح الجمهوري للرئاسة: الدكتور بن كارسون، أكلّ ما في الأمر هو خيار؟
فإني أتخيّل الوقت الذي يفكّر فيه هؤلاء الأشخاص فيما إذا كانوا سيثارون جنسيًا بسبب مداعبة رجلٍ أو بلمسة امرأة، أكلّ هذه قرارات شخصية سهلة؟
فلنضع السخرية جانبًا؛ لأننا في الحقيقة لا نملك تفاعلاتِ جهازنا العصبيّ اللاإرادي الذي يتحكم في وظائف الجسم اللاإرادية مثل: مُعَدّل ضربات القلب، والإثارة الجنسية. وبالنسبة للدّين هكذا جعل اللَّه الأشياء تعمل، فمن أنت لاستجواب عمله؟ ولسوء الحظّ، سُمح منذُ فترة طويلة بالتحيز لإنكار دور الدماغ في تحديد هويتنا.
“عندما كان جدّي صبيًا صفعه معلموه على يده كُلما كتب؛ لأنه كان يستخدم يده اليسرى في الكتابة والتعاليم الدينية” وقد وَرد في الكتاب المقدّس: “اليسار هو جانب الشيطان فكانت يد الله هي اليُمنى المجيدة فيرسل المبارَكين إلى يمينه والملعونين إلى يساره”. وعندما قرّر جدي استخدام يده اليُسرى أعْلن بذلك ولاءه للشيّطان باختياره، وحسبما قرّر المعلمون قاموا بربط يده اليسرى لإجباره على استخدام اليُمنى في الكتابة، وورد بحديث العائلة أنه عانى من مشاكل عصبية في وقت لاحق.
لو عدنا إلى ذلك الوقت قليلًا، ماذا لو عرف المعلمون أنّ العسر والكتابة باليد اليسار تتحدّد قبل الولادة كما أثبت العلم مؤخراً فكيف سيشعرون عندما يُواجِهوا حقيقة أنّ الله الذي ظنّوا أنّه يكره اليسار -بمعتقداتهم الخاصة- خلق طفلاً أعسرًا يكتب باليد اليسرى؟ هل سيضربون الأطفال ويقيّدونهم لكونهم وجدوا أنفسهم بهذه الطريقة التي صنعتهم بها الطبيعة؟
فقد أثبت العلم انتصاره في هذه الحالة على الخرافات فيما يخص مستخدمي اليد اليُسرى ، ووجدوا أصحاب الخرافة أنفسهم مُجبَرين على قبول أن مستخدمي اليد اليُسرى ليس لديهم خيار آخر ، وما زلنا لا نعرف كيف يحدث ذلك أيضًا، فالعلماء لا يجدون الآن سوى صلة بين جينات PCSK6 والبدانة مثلاً، ولكن لا يوجد شخص واعٍ من أيّ أمة ينكر بعد الآن أنّ كونه سلميًّا هو نتيجة للبيولوجيا، فليس كلّ شيء هو من اختيار الشخص .
كما تمّ رفض الكثير من الأشخاص لكونهم يستخدمون اليد اليسرى في ذلك الوقت، كذلك يتم رفض المثليين الآن، دعنا ننظر إلى ما يقوله العلم: تُشارك مئات الأنواع من الحيوانات في السلوك المثلي مثل (البجع، الفيلة، البيسون، القرود)، فعلى سبيل المثال حوالي 8% من الكِباش يُظهِرون تفضيلهم الجنسيّ للذكور منهم. وقد اكتشف باحثون في جامعة أوريجون للصحة والعلوم أنّ مجموعةً من الخلايا تُسمّى النواة ثنائية البعد الجنسية وثنائية الأضداد تكون أكبر مرّتين في الكباش التي تفضّل النّعاج مقارنة مع تلك التي تفضّل الكباش الأخرى.
وكذلك هناك اختلافات وراثية بين المثليين ومغايري الجنس بحسب عدد مايو 2015 من مجلة (Psychological Medicine)، فهنالك ارتباط وثيق بين التوجّه الجنسي للمثليين والجينات، ووُجدت ارتباطات أخرى بين الكروموسوم الثماني pericentromeric والكروموسوم Xq28 بكثير من الدراسات.
ولا نزال نستطيع أن نرمي كل من: البيولوجيا، الكيمياء العصبية، والكروموسومات جانبًا وننظر إلى حقائق أكثر أهمية.
إنّ الغالبية العظمى من المثليين يعرفون أنهم وُلدوا شواذًا، ويشير عدد كبير منهم إلى أنهم كانوا يمارسون الجنس مع أشخاص من نفس جنسهم عندما كانوا في المدرسة الإعدادية وقبل أن يعرفوا أنّ المثلية الجنسية شيء منبوذ. انتقِل إلى YouTube وابحث عن “قصّتي القادمة” واستمع إلى عدد قليل من الأشخاص الذين عُذبوا بسبب نشاطهم وميولهم الجنسي وأخبروا الأصدقاء والعائلة وقابلوهم إما بالحب أو الاحتقار.
إنّ كثيرًا من مغايري الجنس الذين يصرّون على أن المثلية الجنسية خيارٌ اعتمدوا في ذلك على بعض جمل الإنجيل الذي مرّ عليه 2000 عام، ومعظم هؤلاء لم يقرأوه من الأساس!
وقد كتبتُ قبل ذلك عن المسيحيين الذين يختارون ويقررون أيًّا من الجمل جديرة بالغضب، فعلى سبيل المثال تمّت الإشارة إلى المثلية الجنسية كخطيئة في نفس الموضع الذي ذُكرت فيه الثرثرة والتكبر والحماقة…الخ وكلّ هؤلاء يستحقون الموت كما ذُكِر.
فلماذا لا تُعطى المثلية الجنسية الأهمية نفسها التي تُعطى للخطايا الأخرى -فعلى سبيل المثال: تعتبر المرأة التي تزور الكنيسة يوم الأحد بالجواهر مذنبة- أي يتمّ ذكر الأمور البسيطة بشكل أكبر من المثلية.
وكلّ ذلك يقودنا إلى زواج المثليين، وهو موضوع أحدث بعض الجدل والسخرية من قِبل أولئك الذين يحاربون المثلية الجنسية فيدّعي المعارضون الذين لا يتحدثون في الدين في قاعة المحكمة أنه بمجرد أن يصبح زواج المثليين شرعيًا ومتاحًا؛ فإنّ أشخاصًا مثل: سانتوروم وكارسون في المثال الذي سبق أن ذكرناه سيتخلون عن عائلاتهم، ويصبحون مدمنين للمخدرات، ويتوقفون عن ممارسة هواياتهم الطبيعية.
فمن الخداع اعتقاد المجتمع أنّ من حقّه أن يملي على الأفراد إذا كان باستطاعهم الزواج أم لا، فالسؤال لا يقف فقط عند ما تقرّره المحكمة بأحقية الزواج أو عدمه بل القضية الحقيقية والكبرى هي وضع هذه القضية أمام المحكمة من الأساس.
السياسيون، القضاة، الناخبون، أنا وأنت لا أحد منا لديه الحق الأخلاقي في أن يقرر عن أيّ شخص بالغ، في حين أنه لا توجد مصلحة اجتماعية حقيقية من ذلك.
معظم معارضي المثلية يدينون باعتذار جماعيّ يقرون فيه بعدم الاحترام والتجاهل الذي اقترفوه لرغبات الأزواج المثليين في الزواج واستغراقهم عقودًا في ذلك، ويجب أن يؤمنوا دوماً بأنه يجب أن يكون لدينهم مساهمة في هذا الأمر كالنظر في النصوص الدينية بطريقة مرنة أكثر .
ويجب على معارضي زواج الشواذ أن يتراجعوا عن رأيهم بأنّ كون المرء مثليًا هو خيار؛ لأنه تبين أنه ضدّ كلّ الأدلة والعلم والمنطق، بخلاف ذلك عليهم مواجهة أن يكون الله وحشًا يعذّب الناس لكونه هو الذي صنعهم، أو أنّ الإنجيل – مع تناقضاته التي لا نهاية لها- لم يُسلّم العصي للسحرة احتفالًا بالعبودية والإبادة.
هنالك الكثير من الخيارات الدينية فليس عليهم بعد ذلك أن يتذمروا من قمعهم دينيًا لأنهم قد يضطرون إلى إقامة حفل زواج مثلي. هناك حلّ بسيط للمسيحيين وللطوائف الدينية الأخرى؛ إذا أرادوا رفض تقديم خدمات لزفاف المثليين أو لمثليي الجنس فعليهم أن يطبّقوا دينهم ويرفعوا الخدمات عن كلّ آثم يتمّ التعرّف عليه في كتبهم المقدسة، وإلا فإنهم يستخدمون الإيمان كواجهة للتطرف العنيف.
فإنّ كنت لا تريد خبز كعكة لعرس مثلي الجنس فـ ” لا كعك للزيجات الثانية من المطلقات” (متى 5:32).
“أو لحفلات الزفاف حيث يسكر الناس” (بطرس الأولى 4-5).
“أو المآدب التي فشل فيها المضيفون في دعوة الفقراء ، الشُلل ، العُرج، العُمي” (لوقا 14: 13).
“أو للنساء اللواتي صلّين في مراسم دينية دون أن تُغطىٰ رؤوسهن”(رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس ١١: ٦).
وبعبارة أخرى يجب على هؤلاء الخبازين إغلاق أعمالهم التجارية؛ لأنهم خاطئون بنص الكتب المقدسة الخاصة بهم، أو يمكنهم الاعتراف بنفاقهم -الذي يذكره الكتاب المقدس مرارًا وتكرارًا على أنه خطيئة كبيرة وأنهم لن يحصلوا على أية كعكة من خبازوا الكعك .
تدقيق لغوي: ياسمين الشريف.