ما لا تعرفه عن الأميرات، ودوائرهن المفرغة

دوائر >>ما لا تعرفه عن الأميرات<< المفرغة لسعداء الدعاس..

عن المستبعدين في هذه الأرض، عن الآخر الذي ننظر إليه من بعيدٍ مُكتفين بتعاطفٍ زائلٍ، وكلماتٍ نُدرك أنّها أشدّ حدّةً من سيوفِ الأعداء، عن الصّغار وحدهم، بعوالمهم المُؤلمة التي لا تتسقُ مع أحلامهم وأعمارهم، تصدر في القاهرة مجموعة “ما لا تعرفه عن الأميرات” للروائيّة والناقدة الكويتية سعداء الدعاس عن مؤسسة تحيا مصر الإعلامية.

سعداء الدعاس

تتكون المجموعة القصصيّة من 12قصة، تتسم بالتعدُّدِ اللُّغوي، وسلاسة السرد؛ فالكاتبة تعرف شخوصها جيدًا لذلك اختارت بعنايةٍ ما يناسبهم من أدواتٍ سرديّة تتلائم وحجم معاناتهم.
تتميز المجموعة القصصيّة “ما لا تَعرفه عن الأميرات” كونها مجموعة قصصية تسردُ بدقّةٍ شديدةٍ مُعاناةَ الصغار هنا وهناك رغم أنها كُتبت عنهم مع أنها ليست لهم. تؤكد الكاتبة على أن كل طفل في العالم يعاني بشكلٍ أو بآخر، ولكنهم ورغم صغرهم فضّلوا المواجهة في حدود قُدُراتِهم، فأحدهم واجه قصفًا، وأحدهم واجه قهرًا، وآخر واجه قدرًا، وهناك من قابل عنفًا، ومنهم من وقفت إنسانيته في مواجهةٍ غير متكافئةٍ مع عُنصريّةٍ بغيضةٍ، صحيحٌ أنّ شخوص المجموعة اختلفت أعمارهن إلا أن البطولة كانت للأميرات الصغيرات كونهنّ الأكثر معاناةً وإحساسًا على درجةٍ عاليةٍ بالمسؤليّة حيثُ تقودهُنّ معاناتهنّ تلك إلى نهايات أغلبها دائرية؛ لتعبر عن استمرار الأزمة وعلى تزايد سوء الأوضاع بحكم عمليات الفرز الاجتماعي الناتج عن عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية.
تنوّع حضور الراوي على مستوى السرد بين أنا وهو ونحن؛ للتأكيد على وحدة الموضوع حتى وإن تعدد الراوة فالمعاناة واحدة.

يحضر المسرح بمفرداته وبقوةٍ في النصوص ليثري العمل وليمنحه بهاءً وقدسيةً وروحًا مثلما يفعل على خشبته.
كذلك العالم الإفتراضي الذي فرض نفسه على النصوص مثلما فعل في الواقع فلم يعد افتراضيًا بل إنه احتل دورًا رئيسًا كما الأبطال.

إضافةً إلى ولائِها الأول للحدث، فمن الجيّد أن نمتلك لغةً مناسبةً نعبِّر عمّا  في القصة من أحداث ولكن ماذا لو جرّدنا القصة من اللغة هل سيظل حدثًا؟

إن أهم ما يميّز المجموعة القصصية هنا و في كتابات سعداء الدعاس بشكل عامٍ، هو التعبير الجيد عن الأحداث بما يُناسبها من أدواتٍ دون إسهاب، بحيث لا تجدُ كلمةً في غير موضعها، ولا كلمة لا حاجة لها.
وبخصوص الصراع فصراعات شخصياتها ماهي إلا صراعٌ لوطنٍ من أجل الحياة، حيث وقعت شخصياتها في مواجهات غير متكافئةٍ مع الجهل والعوز والتعصب والعنصرية، ورغم عدم عدالة المواجهة ورغم صغر أعمار شخوصها إلّا أنهن جميعهن حاولن حتى وإن باءت معظم هذه المحاولات بالفشل المهم أنهن لم يستسلمن.

إعلان

ما لا تعرفه عن الأميرات

في قصة “ما لا تعرفه عن الأميرات”، رغم المحاولات المتكررة الممزوجة بمكرٍ يتسقُ وسنّها الصغير “ألعبُ معها وألاعبها، أتحايل عليها وأحايلها”، إلا أنها حتى وبعد اقتناصها الحذاء ذهبت الأميرة لحفلها من دون حذاء.
كذلك أكدت الكاتبة على أن ذاكرة الأطفال لا تنسى حدثًا كما يعتقد الكبار حين يسهبون في أحاديثهم متيقينين أنهم لا يدركون فتبين ذلك على لسان بطلتها: “أنا مبسوطة إنو أهلي كلن ماتوا، ما ضل حدا منن وحده مثل ما إمي وأبي بدن بالضبط. أنا بس حزينة على نادين بقيت بلا أصدقاء، ولا بوط”.
وكأنها استسلمت للموت ووقعت في قبضته بإرادةٍ تامة امتثالًا لرغبة الأب والأم.

أوفيليا البدرشين

أما قصة “أوفيليا البدرشين” فيحمل عدة مفارقاتٍ وإسقاطاتٍ، بداية من الأسماء ورموزها ودلالاتها مرورًا برفض الجدة حضور العرض المسرحي (المسخرة) وانصرافها لمتابعة حلاوة روح.
ولكن الأعمق من مباشرة المفارقات هو الإسقاط المتمثل في حكم الجدة على الممثلة التي رأت صورتها في البروشور، هي لا تعرف ممثلةَ العرض المسرحي، لكنها تعرف روح بطلة الفيلم، لذلك فأنها أصدرت حكمها على الممثلة هذه من منطلق حكمها على روح بطلة الفيلم، لكنها لا يمكن أن تعترف أمام حفيدتها بذلك فالكبار دائمًا ما يتهرّبون مما يمتلكونه من صلاحيات.
كذلك فرح هنا ومحاولاتها لتهدئة وإقناع الممثلة المغمورة وامتصاص غضبها بمحبة؛ ما هو إلا إنقاذ لنفسها لضمان استمرار العروض وإلا ستكون تنازلاتها المتمثلة في تلبية خدماتٍ مجانية للست أميرة من وجهة نظر الأم مجانيةً بالفعل، فلا مسرح من دون عروضٍ، ولا قصر ثقافةٍ من دون أنشطة.

المشهد الأخير

وفي قصة “المشهد الأخير”، يقعُ الكتاب في مواجهة السلاح ولأننا كما قال سعد الله ونوس: “مازلنا محكومينَ بالأمل” فإن كتاب (شبانا) التقطته صغيرة أخرى لتؤكد أنه لن يكون المشهد الأخير فالمحاولات لم تنتهي بعد، والستار لم يُسدل حتى الآن.

الذين أرغب في قتلتهم

وفي قصة “الذين أرغب في قتلتهم”، شهد شاهد من أهلها حتى وإن كان الشاهد من مزرعةٍ نائيةٍ بتكساس يتشابه والضحايا الصغار في الأحلام والآلآم. ولأن الدّاعين إلى الحرب لا يذهبون للمعركة فإنهم يزجون بضحايا هناك ليبيدوا الضحايا هنا.

ومثلما حاولت شخوص القصص السابقة الدفاع عن أحلامهن بما يمتلكن من حيلٍ دفاعية فهنا أيضًا لم يستسلم الصغيران حتى وإن كان سلاحهما الوحيد دمية.

أسرار الحارس السادس

وفي قصة “أسرار الحارس السادس” رغم أن النهاية كانت مُرضية للقارئ إلا أنها أكدت على أن كل شيء نعجز عن تفسيره نلصقه بخرافة فإن عجزت هذه الخرافة عن الصمود أمام العلم فلا حرج من اللجوء لعالم دين حتى وإن كانت أمور طبية استنادًا لمقولة “علقها في رقبة عالم واخرج منها سالم” فالهروب من تحمل المسؤلية وعدم إعمال العقل والبحث عن حلولٍ مريحةٍ وسهلةٍ دائمًا ما يضعنا في قبضة المزيفين. إضافةً للتأكيد على أن ليس كل شيء كما نعتقد، فمثلما لا يتصيد المُفترس فريسته ما لم تقوده هي ذلك فإن الآخر لا يلمح عيوبنا طالما لم نظهِرها له”.

يوم الحساب

أما قصة “يوم الحساب” فصدمةٌ حقيقة لكل من يتخيل أن الخليج يفيض كله بترولًا ورغدًا، فالمجتمع الخليجي مجتمع مثل باقي المجتمعات طبقاتٌ هرمية بينها فجوةٌ كبيرة لا يستهان بها، طبقةٌ تضم منيرة وأسرتها وصديقاتها، وطبقة تضم الفنانة ومن في مثل مستواها وشهرتها، وبين الطبقتين طبقاتٌ أخرى، لكننا لا نرى إلا ما نرغب في رؤيته.

لعبة الموت

وفي “لعبة الموت” زواج القاصرات من شيوخٍ عجائز صورةٌ مكررةٌ لدرجة أننا من كثرة تكرارها أصبحنا نألفها ولكن دائرية الحدث جاءت لتؤكد أننا لا نتعلم من تجارب الآخر حتى وإن لمسنا الآلامهم فالصغيرة التي قتلها الجهل ترغب أختها في خوض نفس المعركة “أريد أن أبقى مع أختي، أريد أن ألعب لعبتها”.
اعتدنا على ذلك أن نكون أي آخر غير أن نكون أنفسنا خاصة وإن كان الآخر الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، افعلي مثل أختك، كن مثل أخيك، تواجدنا الدائم بمقارنات مع أشقائنا جعلنا بمرور الوقت لا نتنظر تلك المقارنات فحتى وإن توقفت سنعيد تكرارها نحن لأننا اعتدنا عليها، المهم أن أكون مثل أختي.

متلازمة حديقة الحيوان

وفي قصة “متلازمة حديقة الحيوان” يقول شكسبير “ما الدنيا إلّا مسرح كبير “ويؤكد الراوي أن الدنيا ماهي إلا غابةٌ مفتوحة، فمثلما تدعي حيوانات الحديقة الترويض يدعي البشر التهذيب، فالاثنان ماهما إلا كاذبان، فأسد الغابة مثله مثل أسد الحديقة كلاهما يشتهي اللحم، والإنسان والحيوان ينتميان لنفس النوع حتى وإن ترقى الإنسان فما زالت تقوده حيوانيته.
ولأن الحيوانات متفاوتة في درجة افتراسها فكذلك الإنسان.

“رأيتهم مجموعة من القوارض، تلتهم فطورها اليومي، تعبث بالأجهزة الذكية، وتنشر الطاعون في كل موقع تزوره”.

فالقوارض تخرّب المواقع البشرية والبشر يخربون المواقع الإفتراضية.

الشتاء الرابع عشر

وفي قصة “الشتاء الرابع عشر” تتحالف الطبيعة مع العدو ليتأزم الوضع أكثر فيقع الوطن فريسة، لا يتبقى منها سوى الأناشيد” لأجده في نهاية المطاف مجرد خيمة باردة كتابوت”.

رحلة

وفي قصة “رحلة” فقدت البطلة الأمل في تحقيق نهاية سعيدةٍ تليق بصبرها تمثلت في ضربة قاضية على لسان الأم “بأمر من المحكمة، تم سحب جنسيتنا”.
ولأن الابنة لا تستطيع مواجهة من تسبب في فقد أملها، وجّهت غضبها للأم “منذ متى أصبحت الأمهات شريرات هكذا؟” وكأنها تقول لو لم ترفض أمي ذهابي حين تورمت عيني لكان لي أن….

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: شيماء مصطفى

تدقيق لغوي: رنا داود

تدقيق علمي: دينا سعد

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا