الصراع الحضاري في فكر مالك بن نبي
تعرفتُ على فكر مالك بن نبي منذ المرحلة الثانوية، وحرصتُ على قراءة كلِّ أعماله، كما هي عادتي مع المؤلفين الذين أهتمّ بكتاباتهم، لم أتفاعل مع بعضِ ترجمات مؤلفاته ولغتِها المتخشبة، التبس عليّ فهمُ شيء منها، ما اضطرني لإعادة مطالعة بعضها لاحقًا.كتابُ “الظاهرة القرآنية” أولُ كتاب قرأتُه لمالك، أشعرتني ترجمتُه العربية بالإحباط، لم أخرج منه بخارطة أفكار واضحة، على الرغم من أني أعدتُ مطالعتَه أكثر من مرة، رجعتُ إليه لاحقًا بعد مطالعة أعمال بن نبي الأخرى فاتضح رأيُه في تفسير الوحي، لم أرَ أنه أتى بجديد، ماعدا صياغة الفكرة بيانيًا، وفي غير ذلك لا تقرأ ما يخرج فيه على تفسير المتكلمين للوحي. تأثرتُ بمالك عند قراءة أعماله، وغادرتُه لاحقًا مثلما غادرتُ غيرَه، لحظة بلغ عقلي رشدَه واستقلالَه، ونضج تفكيري النقدي.
على الرغم من أن لغتَه كانت الفرنسية، وعاش في باريس سنوات طويلة من حياته، غير أن مالك بن نبي لم يوظِّف فلسفةَ التاريخ وعلومَ الإنسان والمجتمع الحديثة في دراساته لمشكلات الحضارة إلا بشكل محدود. لم يكن مستوى استيعابه لها ومهارتُه في توظيفها وتطبيقاتها بمستوى مواطنه محمد أركون، لاختلافِ كلٍّ منهما في سياق تكوينه العلمي، وموقفِ كلٍّ منهما من الحضارة الحديثة وأسسها الفلسفية ومكاسبها المعرفية، وطريقةِ تعريف كلٌّ منهما للأصالة والهوية والدين والعقيدة.
وقع فكرُ مالك بن نبي أسيرًا لآماله وطموحاته الواسعة بسعة مواجع أهله وآلام وطنه، لذلك تستمع في كتاباته أصداءَ لوعة استعمار الجزائر وكفاحَ شعبها في حرب التحرير.كتاباتُ مالك بن نبي تنبض بالغيرة على وطنه الجزائر، هاجسُها تحريرُه من الاستعمار الفرنسي، والشغفُ باسترداد كرامته المهدورة، وإحياءُ لغته العربية، والدفاعُ عن هويته من الاستلاب، وحمايةُ دينه وثقافته الإسلامية. الاستعمار يفرض لغتَه، وثقافته، وهويته، فرنسا المحتلة فرضت على بن نبي وأهله في الجزائر لغتها وهويتها، وثقافتها الفرانكفونية، فأصابه وقومه ذعرُ ضياع الهوية.كلُّ هوية مذعورةٌ تنفجر، انفجارُ الهوية يعمل في اتجاهين: أحدهما ايجابي والآخر سلبي. ايجابيٌ بوصفه طاقةٌ متّقدة تتحول إلى وقود للمقاومة والثورة والتحرير، وسلبيٌ بوصفه يعمل على تصلّب الهوية وانغلاقها بصرامة. الهويةُ المغلقة لا تطيق ما لا ينتمي إليها، حتى مكاسب العلوم والمعارف الحديثة المنجزة خارج فضائها تستفزّها وترتاب وتحذر منها، وفي أغلب الأحيان ترفضها، وإن اضطرت إليها لا تقبلها إلا بعسر ومشقّة وتردّد، وربما يقودها ذلك إلى صراع مع المختلِف في الهوية والمعتقد والثقافة.
مالك بن نبي من ضحايا الحرمان من الهوية، يرى القارئ الفطن جروحَ الاستعمار الفرنسي للجزائر نازفةً في كتاباته، ترتسمُ في أعماله صورُ مقاومة مواطنيه للاستعمار. شيء من كتاباته يمثّل الخلفيةَ النظرية للمقاومة الجزائرية في حرب التحرير. قرّاؤه تترسخ في ضمائرهم أشواقُ الهوية، ويتّقد في مشاعرهم الحنينُ للماضي، وأحلامُ استرداد زمان الانتصارات والأمجاد في العصر الإسلامي الأول، وما تلاه في “عصر الموحدين”، لأن ابنَ نبي يرى سقوطَ دولة الموحدين نهايةَ الدورة التاريخية لحضارة الإسلام. عقيب محاضرة ألقاها ماسينيون في باريس أشار فيها إلى وجود الحركة الوهابية بالحجاز فقط، أوضح له مالك بن نبي،كما جاء في مذكراته: “لقد أكدت في حضوره أن الوهابية ليست ظاهرة عربية بل ظاهرة أسلامية. وأضفت بأنها مسألة شبيهة بالبروتستانتية في المسيحية، علاوة على أني أنا شخصيًا وهابي”[1].
كتاباتُه تغذّيها عواطفُه وغيرته وشهامته المشتعلة على وطنه وأوطان المسلمين. الكتابةُ المسكونة بالمقاومة والثورة والتحرير تتّقدُ بالحماس، كلّما اتقد الحماسُ خمد العقل، وتراجع التفكيرُ النقدي. العواطفُ المتقدة لا تفكّر، العقلُ يحتاجُ الهدوءَ وتبريد العواطف حين يفكّر بعمق. لا يتمكن العقلُ من حماية نفسه في لهيب العواطف إذا استعرت.كلُّ كتابة تتغذّى على العاطفة وحدها لا تبصر الواقعَ بوضوح، وتعجز عن الغوص في طبقاته المتشعبة.
برعَ مالكُ بصياغة معادلات تنطوي على تجريد يعكس البنيةَ الذهنية لتكوين مهندس، واستطاع بمهارة نحتَ معجمه الاصطلاحي الخاص. وتميزِ بموهبة صياغة المفاهيم وتركيبها بما يشبه المعادلات الرياضية. أسهمت دراستُه وهو يتخصّص في الهندسة الكهربائية بمدرسة اللاسلكي بباريس ببناء عقليته رياضيًا، كما جاء في مذكراته: “ودخل من خلالها إلى مناخ الكم والكيف حيث يخضع كل شيء إلى المقياس الدقيق، ويتسم فيه الفرد أول ما يتسم بميزات الضبط والملاحظة”. ويصف ولعَه بالرياضيات بقوله: ”وكانت مادة الرياضيات تمارس عليّ نوعًا من السحر الأخّاذ الذي يستبد بي كاملًا، فتجدني ألقى في المعادلات والصيغ نوعًا من الشعر الآسر أعظم مما أجد في الأبيات”[2].
قدّم مالك بن نبي تفسيرًا للتخلف والانحطاط في عالَم الإسلام في سلسلة “مشكلات الحضارة”، فصاغ معادلةَ الحضارة من عناصر: “الإنسان، والتراب، والوقت”. ورسمَ مراحلَ الدورة الحضارية هكذا: “مرحلة الروح، ومرحلة العقل، ومرحلة الغريزة”، في المرحلة الأخيرة يدخل المجتمع نفقَ الانحطاط، ويمسى: “مكبلًا بذهان السهولة والاستحالة، فلا يستطيع فعل شيء”. يؤرخ مالك لنهاية مرحلة الروح بحرب صفين، وبسقوط الموحدين تنتهي مرحلةُ العقل وتبدأ مرحلةُ الغريزة. في رأيه بلغت حضارةُ الإسلام دورتَها الكاملة عند مجتمع الموحدين، وعند سقوطهم انحدرت إلى مرحلة انحطاطها.
كان مالك بن نبي دقيقًا في توصيف “القابلية للاستعمار”، التي تحدّث عنها في كتاب “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”، وأشار إليها في أعماله الأخرى. يرى بن نبي أن القابلية للخضوع للمستعمِر في “محور طنجة جاكارتا” مقابل “محور موسكو واشنطن”، هي العامل الأساسي لقبول الاستعمار وتمكّنه واستمراره. في هذه القابلية تكمن مشكلةُ الإنسان المستعمَر، بوصفها توفر أرضيةً مجتمعية واستعدادًا للاستعمار، استعدادُ مَنْ أدمن التقليدَ والانقيادَ والخضوع. في إشارة دالة لمعاناته يكشف بن نبي موقفَ المجتمع منه ومن أمثاله المناهضين للاستعمار، إذ يقول: “العقلية الأهلية والقابلية للاستعمار هما دومًا أفضل وسائل الادارة الاستعمارية ضدي، وضد أي أحد يسوقه سوء حظه ليطلع على اللعبة بوضوح”[3].
لم يخرج بن نبي كثيرًا على رأي ابن خلدون في تقليد المغلوب وولعه بالاقتداء بالغالب. لا أظنُ “القابلية للاستعمار” بعيدةً عن القول: “إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”، الذي شرح أسبابَه ابنُ خلدون بقوله: “والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدًا تعتقد الكمال في مَنْ غلبها وانقادت إليه، إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتّصل لها اعتقادًا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبّهت به، وذلك هو الاقتداء أو لما تراه والله أعلم من أنّ غلب الغالب لها ليس بعصبيّة ولا قوّة بأس، وإنّما هو بما انتحله من العوائد والمذاهب، تغالط أيضًا بذلك عن الغلب، وهذا راجع للأوّل ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله. وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائمًا، وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم، وانظر إلى كلّ قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زيّ الحامية وجند السّلطان في الأكثر لأنّهم الغالبون لهم، حتّى أنّه إذا كانت أمّة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنّك تجدهم يتشبّهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم، حتّى في رسم التّماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، حتّى لقد يستشعر من ذلك النّاظر بعين الحكمة أنّه من علامات الاستيلاء والأمر للَّه. وتأمّل في هذا سرّ قولهم العامّة على دين الملك فإنّه من بابه، إذ الملك غالب لمن تحت يده والرّعيّة مقتدون به، لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم والمتعلّمين بمعلّميهم. والله العليم الحكيم وبه سبحانه وتعالى التّوفيق”[4].
ركّزَ مالك على العوامل التربوية والثقافية والمدنية في بناء الحضارة، إلا أن أكثر معادلاته لا تخلو من مثالية تحلم بتمنيات لا يمكنها التحقّقُ في واقع المسلمين، وأحيانًا تتورط بتعميم يختفي فيه التمايزُ الواضح داخل “محور طنجة جاكارتا”، ذلك المحور المتنوّع بلغاته وثقافاته وإثنياته، وميراثه الحضاري قبل الإسلام، والمتعدّد بهوياته. يرى الإنسانُ التمايزَ بين الإسلام الأندونيسي والإسلام العربي والإسلام التركي والإسلام الايراني والإسلام الأندلسي، وغير ذلك من تمثلات الإسلام في المجتمعات المعتنِقة له، بل يرى التمايزَ بين إسلام بدوي وإسلام ريفي وإسلام حضري في مجتمع واحد. المشتركُ الإسلامي واحدٌ، غير أن الإسلامَ بوصفه تدينًا وثقافة تتنوّع تعبيراتُه في المجتمعات على وفق السياقات التاريخية للهوية القومية للمجتمع ولغته وثقافته وحضارته ونوع ديانته ونمط تدينه قبل الإسلام[5].
لا يخفي بن نبي تفاؤله، وهو يراهن على مواقف زعماء كجمال عبد الناصر وغيره في “حركة عدم الانحياز”، وإغواء خطاباتهم المولعة بإنتاج بروبغاندا دعائية لمشاريع أصداؤها صاخبة في وسائل الإعلام، إلا أنها لم تجد حضورًا فاعلًا يومًا ما على الأرض. “فكرة كمنويلث إسلامي”[6] يحاكي فيها مالك “مؤتمر باندونغ”[7] لحركة عدم الانحياز، ولبث يراهن عليها كلَّ حياته. استفز الاخوانَ المسلمين موقفُ مالك بن نبي واهتمامُه بدعوة جمال عبد الناصر لعدم الانحياز، وربما كان ذلك أحدَ أسباب عدم حماسهم لفكره.
التقط قراءٌ نابهون، ممن ابتعدوا عن التنظيم الحركي في الإسلام السياسي، ما أنجزه مالكُ بن نبي ببناء أرضية نظرية للصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، فانطلقوا منها لصياغة رؤية للمقاومة المعرفية لعلوم وآداب وفنون الغرب، فأعلنوا عن محليتها ونسبيتها، وتنكّروا للمشترَك الإنساني فيها خارجَ الزمان والمكان، وتجاهلوا أبعادَها الكونية خارجَ السياقات الحضارية الخاصة. انطلق مشروعُ إسلامية المعرفة من الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب،وشكّلت مُسلَمة هذا الصراع أرضية لذلك. وفي ضوئها تأسّس: “المعهد العالمي للفكر الإسلامي”، وغيرُه من مؤسّسات ومراكز دراسات وجامعات في مختلف البلدان، غايتُها إعادة إنتاج العلوم والمعارف والآداب والفنون البشرية في إطار المعتقَد والهوية. رصدت مراكزُ الدراسات هذه والجامعات مبالغ وفيرة، وعقدت عشرات المؤتمرات والندوات، وأصدرت آلاف المطبوعات بمختلف اللغات، غير أنها أخفقت في إنجاز أي شيء من وعودها. مضى نصفُ قرن ضاعت فيه الفرصُ والأموالُ والجهود، ولم نقرأ شيئًا ذا قيمة ينجح في الاختبارات العلمية الجادة، ويفرض نفسَه في الحقل العلمي ويحقّق مثالَه في الواقع. ما يسمى بـ : أسلمة علم النفس، وأسلمة علم الاجتماع، وأسلمة الأنثروبولوجيا، وأسلمة علم الاقتصاد، وأسلمة علم التاريخ، وأسلمة الأدب، وأسلمة الفن، كلُّ ذلك مازال في طور أحلام تعكس تمنيات هي أقرب للأوهام من كونها محاولات جادة في البحث العلمي.
لا يمكن عزلُ فكر المفكّر عن الواقع الذي كان يعيشه، أيُّ مفكر يتعرض للظلم والاضطهاد والإهانة لا يستطيع التحكمَ بانفعالاته وغضبه. مضافًا إلى شعور مالك بن نبي بجرح استعمار الجزائر، تعرّض مالكُ أيضًا للجوع والحرمان من فرصة عمل تليق به في باريس ووطنه الجزائر، فاضطر في بعض الأوقات للعمل بمهن خدمية شاقة.كان بن نبي عزيزَ النفس شديدَ الشعور بالكرامة، عزةُ نفسه وكرامتُه أعجزت عقلُه من كبت انفعالاتِ مشاعره وغضبه في بعض المواضع من كتاباته. أحيانًا جاءت أحكامُه إثر غضبه بسبب خلافات شخصية،كما حدث بينه والشيخ العربي التبسي بالجزائر، الذي يصفه بالشيخ الأزهري الزيتوني.كتب مالك بن نبي في سياق عرضه لسبب هذا الخلاف يقول: “ومن يومها أصبحت استفظع ثقافة الأزهر والزيتونة التي تقتل الضمائر والأرواح، واعتبرها أسوأ كارثة يمكن أن تهدد العالم الإسلامي. وحتى يعيش الإسلام أو يُبعَث من جديد في الضمائر، يجب تخليصه مما يسمى اليوم الثقافة الإسلامية. هذه الثقافة التي تلوث الأرواح، وتذل الطبائع، وتضعف الضمائر، وتخنث الفضائل. وعندي اليوم هذه القناعة أكثر من أي وقت مضى. وليس من قبيل الصدفة أن رجلًا كحسن البنا ليس في تكوينه شيء يدين به للأزهر أو للزيتونة”[8]. ليت مالك بن نبي حيًا ليرى مصائر رهانه على حسن البنا، وكيف فشلت دعوته وأفشلت بناء الدولة عندما تمكنت من السلطة في عدة بلدان. تلوح في كتابات مالك بن نبي بصمةُ لاهوت التحرير. لاهوتُ التحرير يرى العنفَ مكونًا أساسيًا لماهية الدين، لاهوتُ التحرير نسخةٌ أخرى للإسلام السياسي. لا تطابقَ بين رؤيةِ لاهوت الحرية لله والإنسان والعالَم ورؤيةِ لاهوت التحرير.
مالكُ بن نبي من أكثرِ مفكري الإسلام اهتمامًا بتشريح مشكلات الحضارة. أحدُ مداخله الأساسية لتفسير هذه المشكلات الصراعُ الحضاري بين الشرق والغرب، وكأنه يستأنف مقولةَ الشاعر الإنجليزي “روديارد كبلنغ” في نهاية القرن التاسع عشر: ”الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا”. عندما يتأمل الباحثُ كتاباتِ مالك بن نبي يجدها تجعل القارئَ العادي أكثرَ استعدادًا لقبولِ تصنيفِ العالَم إلى فسطاطين لن يلتقيا أبدًا، وربطِ كلّ مشكلات الواقع بعوامل خارجية.
لا أريدُ أن أنفي جرائمَ الاستعمار الشنيعة، ولا أتجاهلُ إبادتَه للسكان الأصليين في الأمريكتين واستراليا، واسترقاقَه للأفارقة وغيرهم، ونهبَه لثروات البلدان المستعمَرة، وما تركه من مآسٍ في بلادنا. لا إنسانيةَ لدى الاستعمار بكلِّ أشكاله، الاستعمارُ يعكسُ أبشعَ صور موت الضمير الأخلاقي في العصر الحديث. انتهاكُ الاستعمار لكرامة مالك بن نبي الشخصية، وجروحُ هويته وأهله في الجزائر، أوقعَ فكرَه في أسر المعتقَد والهوية، ووضعَ ذهنَه داخل إطار مغلَق لم يستطع التحررَ منه. انحباسُ الذهن في أفق المعتقَد والهوية يعجزه عن التفكير العلمي بحرية. الصراع الحضاري تحوّل إلى أداة تفسيرية لمختلف المشكلات، وصارت تبرئةُ الذات ذريعةً لتجاهل العوامل الداخلية للتخلّف.كان ومازال التفسيرُ التآمري أداةً لتشخيص عوامل الفشل في بلادنا للأيديولوجيات اليسارية والقومية والدينية، وذريعةً لتجاهل العوامل المجتمعية، مضافًا إلى عمل التفسير التآمري على تجذير كراهية المختلف.
[1] بن نبي، مالك، العفن: مذكرات، ترجمة: نور الدين خندوي، ص 100، ط1، 2007، الجزائر.
[2] بن نبي، مالك، العفن: مذكرات، ترجمة: نور الدين خندوي، ص 50، ط1، 2007، الجزائر.
[3] بن نبي، مالك، العفن: مذكرات، مصدر سابق، ص 149.
[4] ابن خلدون، الفصل 23 من المقدمة.
[5] راجع سلسلة: الإسلام واحدًا ومتعددًا، صدر منها عن دار الطليعة ببيروت نحو 20 كتابًا بإشراف: د. عبد المجيد الشرفي.
[6] “فكرة كمنويلث إسلامي” أحد مؤلفات مالك بن نبي.
[7] “مؤتمر باندونغ” انعقد في مدينة باندونغ الاندونيسية بتاريخ 24 أبريل 1955، شاركت فيه وفود 29 دولة أفريقية وآسيوية، وانطلقت منه حركة عدم الانحياز.
[8] بن نبي، مالك، العفن: مذكرات، مصدر سابق، ص 155-156.