كيف يعمل الدماغ الكيميائي حين يتداخل أحد الأدوية السرطانية مع إشارات الدماغ

الدماغ الكيميائي هو مصطلح يُطلَق على التغيرات والضبابية الإدراكية التي يتسبب بها علاج السرطان.

يمكن أن يكون الدماغ الكيميائي مثيرًا للجدل، و كما أن له أعراضًا جانبيةً لملايين الأشخاص الذين يعالَجون من مرض السرطان؛ فهو يسبب فقدانًا للذاكرة، وصعوبةً في التركيز، وتشويشًا كاملًا للعقل، وترتبط هذه الأعراض مع العلاج وليس المرض بحد ذاته. على الرغم من أن الآثار المعرفية عادة ما تتلاشى بعد انتهاء العلاج الكيماوي، ولكن بعض الأشخاص يبقى التشويش العقلي مستمرًا لديهم لسنوات وحتى لعقود، وقد تساءل الأطباء والباحثون عن السبب. والآن اقتَرحت دراسةٌ حديثة إجابة في حالة عقار واحد من العلاج كيميائي، يمكن لخلايا الدماغ، والتي يطلق عليها الخلايا الدبقية الصغيرة، تنظيم الدماغ الكيميائي عن طريق تعطيل الخلايا الأخرى التي تساعد في الحفاظ على نظام اتصال الدماغ.

وقالت ميشيل مونجي، أخصائية الأورام العصبية للأطفال وعلم الأعصاب في جامعة ستانفورد في بالو ألتو في كاليفورنيا: “لا أستطيع أن أخبركم كم عدد الأشخاص الذين أراهم ينظرون إلي عندما أشرح لهم عن (الدماغ الكيميائي) قائلين: إننا نعيش مع هذا الأمر منذ عشر سنوات، واعتقدنا أننا مجانين”. إلى الآن لا يزال سؤال لماذا يضعف الإدراك على المدى الطويل بعد العلاج الكيماوي غامضًا. في دراسة حديثة أجريت من قبل الطبيب النفسي سان سشيغان في معهد أمستردام للسرطان، تخلُص إلى أن العلاج الكيماوي يؤثر على 16% من الناجين من مرض السرطان بعد ستة أشهر من العلاج.

بدأت مونجي في البحث عن الآثار الإدراكية لعلاج السرطان في بداية 2000، وقد بدأت في الإشعاع، وهو علاج يمكن أن يكون مجهدًا بشكل أكبر من العلاج الكيماوي، ونشرت مع زملائها ورقة علمية عام 2003 مقترحةً أن الإشعاع يؤثر على نوع من الخلايا الدماغية- وهي الخلايا الدبقية- والتي تحمي الدماغ من الالتهاب، تمامًا مثل الخلايا المناعية الموجودة في الدم، تصبح الخلايا الدبقية- والتي تشكل ما لا يقل عن 10% من خلايا الدماغ- نشيطة خلال الإصابة أو العدوى.

تشير أعراض الاضطراب الإدراكي المرتبط بالعلاج الكيماوي إلى وجود اختلالات في المايلين، الغمد الدهني المحيط حول الألياف العصبية التي تساعد على نقل الإشارات العصبية. قبل أكثر من عشر سنوات، ذكر مارك نويل عالم أحياء الخلايا الجذعية في جامعة روشستر في نيويورك وزملاؤه، أن خلايا الدماغ التي تسمى الخلايا الأولية للنواة (OPCs) والتي تساعد على تكوين المايلين، كانت حساسة أيضًا وبشكل كبير للعلاج الكيماوي، ولكن العمل في وقت لاحق أشار إلى أن (OPCs) يمكن إعادة تكاثرها بشكل سريع في الدماغ السليم، وبقيت أثار العلاج الكيماوي لمدًى طويل على خلايا (OPCs) غامضة.

بدأت مونجي الدراسة الجديدة منذ حوالي سبع سنوات. في البداية، اختبرت هي وزملاؤها عينات من أنسجة الدماغ المخزنة من الأطفال والبالغين الذين توفوا من أنواع مختلفة من مرض السرطان، ومجموعة التحكم من المرضى الذين توفوا من شيء آخر، وقد حصل البعض على مجموعة من أدوية العلاج الكيماوي والبعض الآخر لم يتلق العلاج. انخفضت خلايا (OPCs) بشكل ملحوظ في الأشخاص الذين يحصلون على العلاج؛ ولكن فقط في المادة البيضاء بالدماغ، وهي منطقة في الدماغ تحتوي على الكثير من الميالين. ركز الباحثون على نوع معين من أدوية العلاج الكيماوي وهو الميثوتريكسات، الذي يعد مرتبطًا بشكل خاص بمشاكل الإدراك على المدى الطويل.

إعلان

أراد فريق مونجي تأكيد نتائج الأنسجة المتبرع بها، والتي أتيحت لهم من قبل عائلات طفلين: الطفل الأول بعمر الثلاث سنوات، والذي يُعالج من السرطان بجرعات كبيرة من الميثوتريكسات؛ والطفل الثاني بعمر العشر سنوات، والذي تقدم مرض السرطان لديه بشكل كبير بحيث لم يكن هناك وقت كثير لعلاجه. وكان الطفل الذي تلقى الميثوتريكسات في الجرعة الأخيرة قبل أكثر من شهر من وفاته مصابًا أيضًا بمرض مشابه لخلايا (OPCs) في المادة البيضاء، ولكن الطفل الآخر لم يكن مصابًا به.

وبعد ذلك، قام العلماء بخلق دماغ كيماوي ناتج عن الميثوتركسات لفئران. حصلت الفئران على نفس العلاج الكيماوي الذي تلقاه الطفل الأول بعمر الثالثة، وتم تعديله ليناسب حجمها الصغير. و قالت مونجي بأنّه ظهر على الفئران ضعف في الانتباه بشكل كبير ومدى قصير للذاكرة، وقد حصل لها نفس الانخفاض في المادة البيضاء لخلايا (OPCs). وبعد دراسة الأعضاء لمدة ستة أشهر من انتهاء العلاج الكيميائي، ويعد هذا وقتًا طويلًا في حياة الفأر، أضافت مونجي بأن الباحثين قد رأوا غشاء المايلين وكان رقيقًا، وهو الذي سيسبب تعطيلًا في إشارات الدماغ.

السؤال المهم لمونجي هو: هل كان العلاج الكيماوي يقتل خلايا (OPCs) مباشرة أم يخلق بيئة معادية لها؟ ولإجابة هذا السؤال، قام فريقها بزرع خلايا (OPCs) سليمة في أدمغة الفئران المعالجة مسبقًا بالميثوتريكسات. وقالت مونجي أن الخلايا أظهرت نفس الخلل في التنظيم، إن الدماغ عادة يجدد خلايا (OPCs) عند الحاجة ولكن ليس بالنسبة للفأر، إذن يوجد شيء ما في بيئة الدماغ يسبب اضمحلال الخلايا واختفائها.

في النهاية وصلت القصة إلى الخلايا الدبقية الصغيرة التي كانت مونجي تبحث عنها أكثر من 15 سنة، وكشفت تجارب إضافية على خلايا الدماغ أن الميثوتريكسات تعمل على تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة في المادة البيضاء بالدماغ، وتسبب سلسلة من التأثيرات، وفي النهاية تستنزف خلايا (OPCs). ولأن الكثير من المركبات التي تستزف الخلايا الدبقية الصغيرة تكون في التجارب السريرية للسرطان وغيرها من المؤشرات، كان العلماء قادرين على اختبار أحد هذه المركبات على الحيوانات المصابة بالسرطان، ووجدوا أن استنزاف الخلايا الدبقية كان نشطًا، فقد عادت خلايا (OPCs) والمايلين إلى الحد الطبيعي، وأنقذت الذاكرة قصيرة المدى. وهذا يعني أن الخلايا الدبقية ممكن أن تكون خلف الدماغ الكيميائي لهذا الدواء المعين.

قال سشاغين بأن الباحثين قاموا بعمل رائع في المحاولة للنظر لهذه الواقعة من زوايا مختلفة. فعلى سبيل المثال، أن النتائج التي ظهرت في أنسجة الدماغ كانت صحيحة ومطابقة في الفئران، وأضاف قائلًا أن نشاط الخلايا الدبقية يبدو مهمًا. ولكن سشاغين الذي درس تأثيرات العديد من الأدوية على أدمغة الفئران يؤكد أيضًا بأن هذه النتائج تقتصر على علاج الميثوتريكسات، ويمكن أن تؤدي أدوية العلاج الكيميائي إلى مشاكل إدراكية بطرق مختلفة، ويمكن أن تؤثر الجرعة وتوقيتها على تأثيرات أدوية الدماغ.

تقول مونجي أنه يوجد هناك الكثير من العمل قبل البدء بتجربة سريرية لأي مضادّ محتمل للدماغ الكيميائي. وسؤالنا هنا: ما هي المدة التي يجب استخدام أيّ دواء فيها؟ وما هي الآليات الجزيئية التي تدفع خلايا الدماغ للتصرف بهذا الشكل؟

ولكن مونجي وأصدقاؤها يأملون أنهم يعملون في الاتجاه الصحيح بعد سنوات كثيرة من المحاولة.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: حنين الجهني

تدقيق لغوي: تسنيم محمد غالي

تدقيق علمي: ضحى حمد

اترك تعليقا