صفقة القرن: تكريس للصراع الشرق أوسطي
إن صفقة القرن التي طال انتظارها والتي أعلنها دونالد ترامب بحضور بنيامين نتنياهو في جو صاخب يوم الثلاثاء، هي خطة من نسخ خيال أمريكي-إسرائيلي ليس من شأنها أن تسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بالعمل على الكيفية التي يمكنهم بها أن يعيشوا معاً في سلام ومساواة وكرامة.
من غير المرجح أن يؤدي هذا إلى أي نوع من المفاوضات إلى نتائج محمودة، لأن الفلسطينيين يائسين إزاء سلسلة التحركات الأحادية من جانب الولايات المتحدة والتي قوضت عقوداً من الإجماع الدولي حول كيفية حل الصراع الأكثر استعصاءً على الحل في العالم ــ والذي يشتمل على وضع القدس، شرعنة المستوطنات الإسرائيلية ومسألة اللاجئين الفلسطينيين.
كما تتجاهل الصفقة عدداً لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة، وبنود اتفاقية أوسلو عام 1993، ومبادرة السلام العربية عام 2002، والفكرة الأساسية التي تؤكد أن الفلسطينيين، مثلهم في ذلك كمثل الإسرائيليين، لديهم الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
صحيح أن فريق ترامب استخدم مصطلح “الدولة” الفلسطينية بدلاً من مفهومه المقصود بقدر أكبر، إلا أن ما أسماه بالدولة لا تمتاز الا باستقلال ذاتي محدود، إن صح التعبير، هناك إصرار امريكي مستمر لإخضاع الفلسطينيين للمطالب الإسرائيلية تحت جغرافية مجتزأة منزوعة السلاح تسمى “الدولة” الفلسطينية، وبسهولة من الناحية النظرية يمكن السيطرة عليها، خصوصًا وأنها تفتقر إلى أي رأي حول حدودها الواضحة ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية، إلى جانب نزع سلاح حماس في قطاع غزة ونزع أي تأثير من القوة قد تعلنه.
لقد منحت الولايات المتحدة الامريكية الآن موافقتها على ضم إسرائيل لوادي الأردن، الذي يشكل 30% من الضفة الغربية، كما أعطت الضوء الأخضر لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات التي بنيت بشكل غير قانوني منذ حرب ال1967، والتي تضم الآن 600 ألف يهودي إسرائيلي. وإن إدّعاء “إسرائيل” بتجميد المستوطنات القائمة (ولو أنها في المناطق المخصصة للفلسطينيين فقط) لمدة أربع سنوات تتضاءل أهميتها مقارنة بالاعتراف بهذا المبدأ الأساسي.
وبشأن القدس، أعلن ترامب على الذي نقل بشكل مثير للجدل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، عن نواياه بجعله عاصمة حصرية للإسرائيليين، مقترحًا على الفلسطينيين عاصمة افتراضية خارج الجدار الأمني الإسرائيلي في أبو ديس.
والواقع أن الإشارة إلى مسألة اللاجئين الفلسطينيين شديدة الحساسية في الخطة الأميركية بشكل يشبه “الحل العادل والمتفق عليه” الذي دعت إليه جامعة الدول العربية في السنوات الأخيرة، والذي يتسم بالغموض بحيث يكفي لاستيعاب العديد من الاحتمالات، بما في ذلك “العودة” الرمزية.
وقد أشاد التحليل أكثر التحاليل الإيجابية لنهج ترامب ــ وخاصة في الولايات المتحدة و”إسرائيل” ــ بالصفقة باعتبارها “إعادة صياغة” الصراع، أو “تحول نموذجي” ربما يكون مرحب به.
ولكن إذا كان هذا، كما حذر ترامب، “قد يكون الفرصة الأخيرة للفلسطينيين”، فسوف يتبين لنا أنه يشكل نقطة تحول غير مبشرّة. حتى أن أحد الخبراء شبه تبعات الصفقة المحتملة بعواقب إعلان بلفور عام 1917 في بريطانيا، والذي تعهد بإنشاء “وطن قومي يهودي” في فلسطين، عندما كان السكان الأصليين يشكلون 94%، دون المساس “بالحقوق المدنية والدينية لجماعاتها غير اليهودية القائمة”.
ومن غير الواضح ما سيحدث بعد ذلك، لكن نتنياهو سيمضي الأسبوع المقبل في قراره الوزاري حول ضم وادي الاردن من جانب واحد، وهو أول رئيس وزراء اسرائيلي يواجه اتهامات بالفساد. وإذا حدث هذا فسوف يشكل تحدياً دبلوماسياً خطيراً وفوريا لبقية العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا (بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي)، لأنه هذا كله غير قانوني بموجب القانون الدولي.
وتشكل اتفاقية ترامب مصدر إزعاج بالنسبة للأردن المجاورة، التي وقعت على معاهدة السلام مع “إسرائيل” عام 1994 فقط لأن هناك عملية سلام إسرائيلية فلسطينية قائمة. وقد أصبح هذا الأمر غير محبوب شعبيًا على نحو متزايد في المملكة الهاشمية في الآونة الأخيرة.
ويذكر أن كل من الإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين وعُمان أرسلت سفراءها إلى مراسم البيت الأبيض يوم الثّلاثاء (بالرّغم من غياب المملكة العربيّة السّعوديّة بشكل واضح)، وهذه الدول الخليجية تساهم بحد كبير في استثمار 50 مليار دولار في الدولة الفلسطينيّة المستقبليّة إن تم تطبيقها رغم الدعم العربي الشعبي للفلسطينيين الذي يحاول تقييد الأنظمة الاستبدادية من مجاراة الخطة أو السعي إلى “التطبيع” الصريح لعلاقاتها شبه السرية مع الاحتلال الاسرائيلي.
المصلحة الذاتية للإحتلال الاسرائيلي تتمثل أيضًا في دعم ضم وادي الأردن بحكم القانون والاستمرار في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الكاملة، ما سيعمل على إدامة الصراع والحفاظ على ما يوصف غالباً بـ”واقع الدولة الواحدة” اليهودية، وهذا يهدد بدفعها، إن لم يكن قد حصل بالفعل، إلى المزيد من التحول إلى نسخة شرق أوسطية من جنوب أفريقيا في عصر الفصل العنصري، شعبان في نفس الجغرافيا لا يتمتعان بحقوق متساوية، وبأنظمة قانونية عادلة، وبفرص متكافئة.
للمفارقة، لقد تحرر الفلسطينيون الشباب بشكل كبير من وهم إرث أوسلو، وما زال محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، يعمل كمقاول أمني فعّال “لإسرائيل”، وفب ظل ذلك، فالخطة الأمريكية من شأنها أن تواصل الادعاء بوجهة النظر القائلة بأن هذا الحل الوحيد هو السعي للحصول على حقوق متساوية للعرب واليهود في دولة ديمقراطية واحدة بين البحر الأبيض المتوسط والأردن، برغم أن لا أحد لديه استراتيجية قابلة للتطبيق عن بُعد لتحقيق فعلي هذا الهدف.
وقد رد عباس بالفعل على الخطة بالتهديد بتعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه هدد مرات لا تحصى من قبل. إن الماضي، كما كان دوماً، يشكل أهمية كبرى. ولا يمكن تجاهلها فحسب، كان من الواجب على ترامب ونتنياهو أن يقضيا مزيدا من الوقت لدراسة التاريخ الذي لا يمكن استطلاعه على عجل بل بالوقوف على الاستنتاج الدقيق الذي توصل إليه المؤرخ الفلسطيني الأميركي رشيد خالدي في كتاب نشره هذا الأسبوع: “هناك الآن شعبان في فلسطين، بصرف النظر عن الكيفية التي ظهرها بها إلى حيز الوجود، ولا يمكن حل الصراع بينهما طالما أن وجود الآخر القومي ينكره الآخر، لا يوجد حل مستدام، ما عدا الفكرة غير المتوقعة والمتمثلة في إبادة أحد الأطراف أو طرده من قبل الآخر”.
نرشح لك: إسرائيل الأخرى “أولى الفرص الضائعة لتفادى نكبة الشعب الفلسطيني”
مصدر الترجمة