روحُ الله الخميني بين التقديس والتدنيس

يعتبرُ “روح الله الخميني” أحدَ أبرز الشخصيات السياسيّة والاجتماعيّة في التاريخ الإيرانيّ المعاصر، وقد صنفته مجلة “التايم” الأمريكيّة الشهيرة كأهمّ رجلٌ في العالم عام 1979م، ولكن اللّافت ما صادفتُهُ في أثناء بحثي هذا من تضاربٍ كبير في الأقوال، ومبالغاتٍ عظيمة، في القدح تارةً أو في المدح تارةً، وتنافر الأحاديث بين مؤيدٍ يقدِّسُ شخصَه البشريّ، ومعارضٍ يلعن إنسانيته وينكره عن بني البشر، بل وصفه البعض “بإبليس العصر” الذي بدَّلَ على الناس دينهم، وطغت البصمة المذهبيّة على كتبه العلمية، وأظهرَ الكره الشديد والحنق على من خالفهم في الأفكار.

وامتدّت نيران المذهبيّة تنهش في نسيج وحدة الدول الإسلامية، وسيطرة مشروع المدِّ الشيعيّ على العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها من الدول المستهدفة في مشروع النهضة الصفويّ الجديد.

وكان لا بدَّ من أن تنعكس سخونة هذه الأحداث على الأُطر السياسية والاقتصادية، ولكن ما ذهلني أن يصل الصراع إلى أقلام المؤرخين والباحثين وأساتذة الجامعات الذين طغت نزعاتهم الأيديولوجيّة في معظم الأحيان على الهدف الرئيس من العمل العلمي والمُنتَج الحضاريّ الذي يساعد في بناء المستقبل، ويحثُّ على الفهم العميق لثنائية الأحداث التاريخية، ولكن ما حصل كان العكس تمامًا، فأصبح الغرض الأساس كسبَ أرضيةٍ جديدة في هذه الحرب الفكرية بين الأطراف المتنازعة على جثة إمبراطورية هامدة حكمت العالم فيما مضى، وأصرَّ الكثير منهم على نقل الصراع إلى ثنايا الكتب وحبر الأقلام وإن جاء ذلك على حساب أجيال المستقبل وعلى حساب قيم العلم العليا.

تمحورت حياة “روح الله موسوي الخميني” في جوانب عدة يمكن حصر معظمها في ثلاثة محاور رئيسة.

النشأة والحياة الأسريّة والخلفية العلميّة:

يرجع نَسَب الخميني إلى مدينة ” خُمين” التي استقرت أُسرته فيها بعد هجرتهم من الهند إلى النجف ومنها إلى إيران، ويعود مسقط رأس هذه الأسرة إلى قرية ” كنترو” شمال الهند، وكان جده “أحمد موسوى الهندي” أحد علماء الشيعة المشهورين في عصره، فولد روح الله الخميني في ١٣٢٠ هجرياً بالتحديد يوم ٢١ سبتمبر ١٩٠٢ واسمه الكامل “روح الله بن مصطفى بن أحمد موسوى”، ويُعَد الخميني أحد أصحاب العمامات السوداء، حيث يُرجع البعض نَسب الخميني إلى الإمام السابع عند الشيعة الجعفرية الإثني عشرية “الإمام موسى الكاظم” .

إعلان

قُتل السيد مصطفى موسوي والد الخميني على يد جماعة من قُطّاع الطُرق، ليتربى إثر ذلك على يد والدته السيدة “هاجر” وتحت رعاية السيدة “صاحبه خانم” أخت السيد مصطفى موسوي التي تأثر بها الخميني في صغره تأثرًا شديدًا، إذ لقّنته منذ نعومة أظافره الأفكار الشيعية وقضية (المظلومية) التي تتبناها الأمة الشيعية.

وتلقى تعليمه الأول في مسقط رأسه في مدينة خُمين تحت رعاية السيدتين حتى بلغ الخامسة عشر من العمر، وكان وقتها قد فقد كلتاهما، وظلَّ بعدها لأربعة أعوام عاكفًا على مقدِّمات العلوم الأساسية، فتلقى في هذه الفترة اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول حتى وصل إلى عامه التاسع عشر حيث آثر الرحيل عن مسقط رأسه.

وفي مطلع عام ١٣٣٩ هجري ١٩٢١ ميلادي التحقَ الخميني بالحوزة العلمية في مدينة “أراك” وبقي فيها مدة عامٍ واحد، ثم رحل منها ليستفيض في دراسة العلوم الفقهية الشيعية في مدينة “قُم” لما لها من مكانه علمية وعقائدية كبيرة بين عموم الشيعة، واهتمَّ الخميني بالعلوم الأساسية مثل الرياضيات والهيئة والفلسفة وبالعلوم الشرعية، وحرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي على يد “آية الله ميرزا محمد علي شاه آبادي”.

بدأ الخميني التدريس وهو في السابعة والعشرين من عمره، بعد سبع سنوات من سفره إلى قُم، ودرّس بحوث الفلسفة الإسلامية وأصول الفقه الشيعي والأخلاق، ومنذ بداية حياته كأحد رجالات الحوزة العلمية لقُم؛ بدأَ يُحَمّل الغرب مسؤولية سوء أحوال البلاد، وتبنّى موقفًا معاديًا للعلمانية، وناهضَ الكثير من الأفكار التي كانت رائجة في عصره وخصوصًا الشيوعية الماركسية التي كانت تعتبر أكبر القوى الفكرية المؤثرة في المنطقة، والتي استفحلت في إيران بواسطة الذراع السياسي المتمثل في حزب (توده) المدعوم من الاتّحاد السوفييتي وصاحب التأثير القوي على الشارع الإيراني.

وفي مطلع العام ١٩٢٩م عقد قران روح الله الخميني على ابنة “آية الله الحاج ميرزا محمد الثقفي الطهراني” السيدة “خديجة ثقفي”.

وأنجبَ منها سبعة أولاد، ثلاثة ذكور وأربع إناث وهم (مصطفى – أحمد – علي – صديقة – فريدة – سعيدة – لطيفة).

كان لولدِه “مصطفى” دور بارز في تحريك الأحداث، وتمحور هذا الدور في تجميع قوى المعارضة للسياسات الپهلوية التي جعلت الكلمة الأولى في السياسة الإيرانية تخرج من لندن وواشنطن وتُنَفّذ في طهران، فكان دوره التنسيق بين هذه القوى المعارضة بمختلف انتماءاتها من القوميين والشيوعيين والوطنيين والإسلاميين، وتأجيج الشارع ضد الشاه، ونقل الأخبار، والمساعدة في تنظيم عمليات طباعة الصحف المعارضة والممنوعة والمنشورات، فكان حلقة الوصل بين المراجع الشيعية وقادة الأحزاب.

حيث أن هذه الكتلة المعارضة كانت تعمل في تناغم واضح ومثّلت خطرًا حقيقيًا على المصالح الأجنبية في إيران وعلى نظام الشاه محمد رضا پهلوي ولكن هذه الكتلة افتقرت إلى هذا التناغم عقب الانقلاب على حكومة مصدق الوطنية على خلفية تنفيذ عملية أجاكس التي كانت ذريعة للفتنة بين أطياف الشعب المتحد وكان ثاني من ألقى خطبة مباركة الانقلاب هو شريك مصدق الاستراتيجي لسنوات والذي خان حليفه بل وكفره والتكفير هو سلاح رجال الدين في إيران الذي لا ينضب عقب تدخل كيرمت روزفلت في إنجاح هذه العملية وهو ” آيه الله كاشاني “.

وفي فترة المنفى برز دور مصطفى الخميني بقوة أكبر حيث كان هو المسؤول عن إرسال وإنتاج الشرائط المسجلة الصوتية الخميني التي كان يلقي فيها خطب تحريضية ضد الشاه ويتحدث فيها عن علاقات مشبوهة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .

قامت القوات الحكومية بإلقاء القبض على آيه الله مصطفى الخميني وبعد احتجازه والفراغ من التحقيق معه تم إطلاق سراحه ونفيه على نفس طريق والده إلى تركيا ومنها إلى العراق ولكنه لم يصل مثل أبيه إلى عاصمة الأضواء .

في ٢٣ من أكتوبر عام ١٩٧٧ في مدينة النجف في العراق أُعلن عن وفاة نجل الخميني السيد مصطفى في ظروف غامضة، خاصة وأنه كان في ذلك الوقت محتجز في في قسم للشرطة وذكرت بعض المصادر أن جهاز الشرطة السرية وجهاز السافاك كانا حاضرين للتحقيق معه وأن السبب الرئيسي لوفاته هو تحت وطأة التعذيب الوحشي لهذه الأجهزة التي كانت تلقي بالناس أحياء في بحيرة ساوه

وتولى دفة توجيه المعارضة المذهبية بعد واقعة الوفاة الغامضة لمصطفى الخميني أخوه السيد أحمد الخميني والذي توفى متأثرًا بأزمة قلبية في عام ١٩٩٥

أما علي الخميني توفي وهو إبن الأربعة اعوام كما توفيت سعيدة ولطيفة في طفولتهم.

وتزوجت فريدة بالدكتور البروجردي وصديقة بآيه الله إشراقي وبعد هذا الحد لم يكن لأسرة الخميني دور فعال في السياسة الثيوقراطية التي انتهجتها الحكومة الإيرانية بعد الثورة بل وصل وصف البعض إلى حد الإقصاء بعد وفاة أحمد الخميني الذي كان ذراعه اليمنى في سنوات الثورة الأولى

في دولة اعتمدت على عقيدة ولاية الفقيه في بناء دستورها والتي أعد الخميني أحياء هذه العقيدة من طيات الكتب المنسية منذ قرون وبلورها وجهزها لتناسب حكم جماعته آثرت الدولة أن لا تخرج الخميني أو أسرته من إطار الرمزية لا أكثر .

فترة الصراع مع النظام الشاهنشاهي قبل وبعد المنفى :

في عام ١٩٤٣ وأثناء تأليف كتاب ” كشف الأسرار ” للخميني بدأت أولى مراحل الصدام الفعلي مع السلطة حيث انتقد فيه مؤسس الدولة الپهلوية “رضاه شاه پهلوي” وصف سياساته بالهادمة للقيم الإسلامية واستعرض فيه العنف الذي مارسه ضد الحوزة العلمية ورجال الدين ونشره لمظاهر التغريب حيث كان رضا شاه معجب بالعسكرية الألمانية وكان رضا شاه ذي خلفية عسكرية فلم يكن بطبيعة الحال يعير اهتمام للقوى المدنية بل انصب تركيزه على إخماد القلاقل التي فتكت بعضد الدولة وشوهت النسيج الاجتماعي للمجتمع الإيراني الذي هو هش في الأساس وركز على محاولة بناء دولة من الصفر وإيقاف فكرة الانفصال التي تبنتها الجماعات العرقية المختلفة كالأكراد والتركمان على سبيل المثال لا الحصر وخصيصًا في المناطق النائية شمال البلاد .

وفي نفس الفترة قدم الخميني نقد لاذع للمثقفين وأصحاب الأفكار المختلفة واليساريين ووصفهم بالملاحدة وهاجم الأفكار الغربية التي انتشرت في المجتمع والشيوعية وغيرها من المختلفين .

وأردف في كتابه عن تصوره عن الدولة الإسلامية ووجوب إقامتها ونظرية ولاية الفقيه التي تخالف أساس العقيدة الشيعيّة.

وهنا أقام الخميني فكره على غرار التلمود اليهودي الذي اتخذ منه الحاخامات اليهود أساسًا لمخالفة تعاليم اليهودية في قيام دولة لهم في عصر الشتات وقبل ظهور مسيحهم المنتظر بمخالفة واضحة لتعاليم العهد القديم وأن الخميني سار على نهج مشابه لليهود لإقامة دولة للشيعة في عصر الغيبة المشابه لعصر الشتات لينتهج فكر صهيوني شيعي جديد وهو يسير على خطى هيرتزل ليعلن عن قيام دولة إسرائيل الشيعية .

بعد أن وافق الشاه على مشروع لائحة مجالس الأقاليم والمدن في عام ١٩٦٢ والتي نصت على حذف شرط إسلام المرشحين واستبدال القسم على القرآن الكريم هذا الأمر الذي أثار حفيظة الحوزة العلمية وعلماء الدين؛ لما له من حساسية خاصة في المجتمعات الريفية الذي كان هذا الأمر غريباً عليها ، ظهر الخميني مواجهاً لقرار الشاه بل حرّض في خطبه الساخطة على هذا القرار مشعلاً لمشاعر المسلمين ومداعبًا لعواطفهم وقام بإرسال الخطابات المحركة للشارع الإيراني والتي كانت نتيجتها مظاهرات حاشدة في عدة مدن إيرانية على رأسها قم وطهران واستمرت لعدة أيام انتهت بممارسة محمد رضا شاه عادته في التراجع عن قرارته وتم إلغاء اللائحة كأول انتصار للمعارضة الدينية في عهد الشاه

وفي عام ١٩٦٣ هاجمت قوات الأمن المدرسة الفيضية في قم كاعتداء واضح على السلطة الدينية المقدسة منذ العهد الصفوي في إيران وتحول هذا الهجوم إلى مادة يتناولها الخميني في خطابته كلما أراد أن يحرك مشاعر علماء ومرتادي الحوزات في قم وكافة المدن .

وفي ٣ يونيو ١٩٦٣ الموافق للعاشر من محرم ١٣٨٣ ألقى الخميني خطبة حماسية واستغل ماله من قدرة عالية على الحديث وإشعال مشاعر الجموع، واستغل أيضًا ما لهذا اليوم من قدسية عظيمة لدى الشيعة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه وتحدث فيها عن علاقات مشبوهة تجمع بين إسرائيل ومحمد رضا شاه والمصالح المشتركة بينهم وعقد مقارنة بين الخليفة الأموي يزيد بن معاوية و الشاه الإيراني.

فكان لها صدى واسع في كافة البلاد وخرجت مظاهرات حاشدة في كلٍّ من قم وطهران وغيرها من المدن ضمت كافة أطياف المجتمع وقدرها البعض بمئة ألف وبالغ البعض الآخر بوصفها بعدة مائات من الآلاف لتمر من أمام قصر الشاه في العاصمة الإيرانية طهران تحمل هتافات “مرگ بر شاه” الموت للشاه.

قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على الخميني في الساعات الأولى من فجر اليوم التالي من منزله بقم وتم إرساله إلى طهران تحديا معسكر ” عشرات آباد ” لمباشرة التحقيقات معه بشأن هذه الخطبة ليتسرب بعدها خبر إلقاء القبض على الخميني إلى الشارع الإيراني الذي انتفض في واقعة أثّرت في تاريخ إيران في يوم الخامس من يونيو بعد يوم واحد من القبض على الخميني خرجت مظاهرات حاشدة في جميع المدن الإيرانية تطالب بحرية الخميني والتي حدثت بينها وبين قوات الأمن أحداث عنف شديدة.

حدثت مواجهت في مدن طهران ،قم ،شيراز ،مشهد ووارمين وواجه الجيش المتظاهرين بالدبابات ورجال المظلات وأطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين بهدف القتل، وفي مدينة وارمين واجه القروين الحكومة واكتسبت هذه المدينة شهرة أثناء هذه الأحداث وفي طهران قامت الجماهير بمهاجمة مراكز الشرطة والوزارات ومكاتب السافاك وكان رد الفعل عنيفًا من كلا الطرفين ولكن الحكومة المركزية تفجأت بردة فعل الجماهير مما دفعها لإعلان الأحكام العرفية وفرض حظر التجوال من العاشرة مساءً إلى الخامسة صباحًا وتفاوتت أرقام الضحايا بين الآلاف وعشرات الآلاف ، وألقت قوات الأمن القبض على عدد كبير من ذوي الخلفيات السياسية وصل عددهم قرابة ٣٠٠ شخصية بارزة، وبالرغم من سيطرة قوات الأمن على الوضع إلا أن هذه الواقعة كان لها أثر كبير في الشارع الإيراني واعتبرها بعض المؤرخين أول مسمار يدق في نعش الشاه فتحول النزاع مع القوى الأجنبية وأصبح النزاع مع شخص الشاه نفسه وسميت هذه التظاهرات في الإعلام والكلاسيكيات التاريخية أحداث “١٥ خرداد ” .

بعد ما لاقته تظاهرات” ١٥ خرداد ” من صدى واسع في الإعلام العالمي وضع الشاه ونظامه في حرج دولي وبالرغم من السيطرة على الوضع أطلق سراح الخميني وتم نفيه إلى خارج إيران وعدم السماح له بدخول أراضيها، فأتجه الخميني إلى تركيا حيث قضى أحد عشر شهرًا وفي ٢٤ أكتوبر عام ١٩٦٥ اتّجه إلى العراق وتحديدًا إلى النجف حيث يمكنه استكمال مسيرته في الحوزة العلمية والتي وجد فيها أرضًا خصبة من الشيعة المتدينين الذين يسمعون له ولمنهجه الجديد في الحكومة الإسلامية في عصر غيبة الإمام و نظرية قيادة الأمة الشيعية بالفقيه العالم والمعروفة بنظرية ولاية الفقيه

وهذا ما تحدث عنه الخميني طوال فترة المنفى عن تأسيس حكومة عقائدية ذات صوت واحد واللعب على وتيرة تسارع الأحداث بين الشاه والأحزاب اليسارية والقومية التي بدأت في سنوات الشاه الأخيرة تنفذ هجمات مسلحة في المناطق النائية والبعيدة عن الإمدادات كفدائين خلق الشيوعية ومجاهدي خلق وفدائيين إسلام الراديكالية الدينية.

واستمر في دعوته لضرورة إقامة حكومة إسلامية في إيران طيلة الثلاثة عشر عام التي قضاها في النجف محملاً الحكومة الأمريكية وإسرائيل سبب الفساد المستشري في البلاد حتى انتقل إلى الكويت بصحبة مرافقيه، لكن الكويت بطلب من الشاه رفضت دخوله إلى أراضيها فطلب العودة للعراق وحسب رواية المؤيدين للخميني أن العراق رفض لكن يرى البعض الآخر أن العراق وافق على طلبه لكن رفض دخول اليزدي الذي كان يحمل جواز السفر الأمريكي في فترة مقاطعة اميريكية عراقية وفي نفس الوقت الذي كان الخميني يلعن فيه أمريكا كان مرافقيه يحملون الجنسية الأمريكية .

وبعد رفض العراق لعودة الخميني تشاور مع ابنه أحمد الخميني وقرر الذهاب إلى فرنسا قبل أشهر قليلة من الإطاحة بنظام الشاه، ففي يوم٦ أكتوبر عام ١٩٧٨ استقر على الذهاب إلى فرنسا في اليوم التالي ونزل في منزل أحد الرعايا الإيرانيين في منطقة ” نوڤل لو شاتو ” في ضواحي العاصمة باريس مصطحبًا معه أبو الحسن بني صدر الذي أصبح أول رئيس لإيران .

قيام الثورة وتغيّر نظام الحكم :

على أعقاب وفاة نجل الخميني آيه الله مصطفى الخميني في أكتوبر ١٩٧٧ وهذه الواقعة التي شابها شبها كبيرة حول وفاته متأثراً تحت وطأة التعذيب الأمر الذي حاول الإسلاميون في مدينة قم بلورته وتصدير الغضب للشارع الإيراني الذي كان يغلي في الأساس بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها اقتصاديًا بالرغم من مختلف مظاهر الترف التي ينعم بها البلاط الپهلوي، إضافة إلى واقعة الحفل الذي أقيم احتفالاً بذكرى مرور ٢٥٠٠ عام على الإمبراطورية الإيرانية والتي وجّه الشاه خطابه فيها إلى كورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الفارسية ” نم يا كورش الكبير فها أنا أحرس إيران ” في الوقت الذي كان فيه النظام الشاهنشاهي يلفظ أنفاسه الأخيرة .

في التاسع من يناير عام ١٩٧٨ وردًّا على مقالة نشرت لذم في شخص الخميني الذي أصبح بطلاً شعبيًا منذ أحداث ١٥ خرداد، لتنشب ثورة في مدينة قم قتل في أحداثها العشرات من طلاب الحوزات العلمية وتنهض مرة أخرى بعد أيام وتنتشر في وقت قياسي في المدن الإيرانية تحديداً قم ، طهران ، يزد ، تبريز .، شيراز ، أصفهان وجهرام .

وبالرغم من إعلان النظام للأحكام العرفية ومحاولة تكرار فرض السيطرة بالعنف والقمع ضد الجماهير الغاضبة، إلا أن عوامل المعادلة بدأت تتغير خارجيًا وبدأت الدول الغربية في سحب البساط من تحت أقدام الشاه.

وصل الخميني والمقربين منه إلى اتفاق واضح مع الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد عدة جلسات جمعت بين الخميني ورمزي كلارك وزير العدل الأسبق للولايات المتحدة أثناء تواجد الخميني في باريس كما تحدث العديد من رموز النظام الإيراني الجديد مثل رفسنجاني وبهشتي وبازرگان وغيرهم من أفراد الزمرة الحاكمة علانية للإذاعة والصحف أن محادثات تمت بين الولايات المتحدة وبين رموز الثورة الإسلامية في إيران .

ليترك الحليف الأقوى لأمريكا في المنطقة يعاني السرطان والعزل والطرد والإذلال في خطبته التي ألقاها عقب عزل الحكومة وقادة السافاك على رئسهم الجنرال نصيري ليظهر في آخر أيامه بمظهر الضعيف، وتعين شابور بختيار الذي كان له باع طويل في النضال الوطني حيث كان وزيراً في حكومة مصدق وقضى من عمره سنين داخل سجون النظام الإيراني السابق والوعد بتحسين الأوضاع الاجتماعية وفرض مساحة واسعة لحرية التعبير وإخراج المعتقلين السياسيين.

وفي خطاب مهين للشاه الذي كان يصف الخميني -بدون التصريح باسمه – بالكلب منذ أشهر قليلة تغير الوضع وانقلبت كفة الموازين الخارجية أصبح ضعيفاً بعد خسارة مرشح الحزب الجمهوري وفوز مرشح الحزب الديموقراطي بانتخابات الرئاسة الأمريكية ومعرفة الحزب المسبقة بمئات الملايين التي أنفقها الشاه على حملة الحزب الجمهوري الانتخابية، ومع محاولة إثبات مزاعم الحزب الديموقراطي للجماهير الأمريكية حول سعيها للحريات أجبر الشاه على أن يغير جلده ويحاول أن يظهر بمظهر الإصلاحي الوسطي ولكنه فشل وظهر بمظهر الضعيف الخائف .

وفي ١٦ من يناير ١٩٧٩ عقب إعلان الخميني مجلس قيادة الثورة ونية تشكيل حكومة جديدة للثورة ترك الشاه الأراضي الإيرانية للمرة الثانية هاربًا بحجة المرض والعلاج وترك ثلاثة آمال معلقة للعودة إلى الوطن مرة أخرى وهي الرهان على نجاح شابور بختيار في السيطرة على الوضع والتفاوض مع المعارضة ، والثاني هو جنرالات الجيش الأوفياء له أن يتدخلوا ويعيدوه إلى سدة الحكم مرة أخرى كما فعلوا مع حكومة مصدق، الثالث وهو التدخل الخارجي وخصوصً الأمريكيّ لحليفها القديم في المنطقة في ظل وجود قرابة الخمسين ألف مستشار أمريكي كانوا يتقاضون مليارات الدولارات سنوياً وجيش قوامه ٦٠٠ ألف مقاتل وعتاد عسكري يعد من الأقوى في المنطقة بأسرها

وكان أول من ترك الشاه يسقط هو حليفه الأمريكي لعدة أسباب أهمها؛ أن السرطان كان قد فتك بجسده وقرب أجله أصبح أمرًا واقعًا، وأن الشاه في سنواته الأخيرة بدأ يحاول الخروج -ولو جزئيًا- من الوصاية الأمريكية التي فرضها على نفسه بالإضافة إلى وعود أنصار الثورة الإسلامية في إيران ببناء علاقات تعاون مع الولايات المتحدة.

مع فشل الجنرالات في الجيش الإيراني بمواجهة أمواج المعارضة الجارفة وفشل شابور بختيار في تهدئة الأوضاع ورفض الخميني الأصوات التي نادت لإفساح المجال لشابور بخيار من أجل محاولة تغير الأوضاع دون إسقاط أركان الدولة.

وفي أول أيام يناير بعد طلب الجماهير المحتشدة فتح المطارات وافقت الحكومة تحت ضغط الجموع ووصل الخميني إلى طهران بعد ١٤ عام قضاها في المنفى وهو على مشارف الثمانين من عمره وأعلن عن الحكومة الجديدة وسط الجموع التي استقلبه بكل حفاوة وتكريم كرمز للبطولة والوفاء بالعهد والتي قُدّرت بمليوني شخص، وبالغت بعض المصادر بوصفهم من أربعة إلى ستة ملايين شخص ليعلن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخامس من يناير سنة ١٩٧٩.

وبعد مرور أكثر من أربعين عام على نجاح ثورة الخميني والتي ضحى من أجلها الشعب الإيراني بسنوات طويلة من الكفاح ضد الشاه والنظام الپهلوي ووضع أحلامه وآماله في شخص الخميني ليعيد لإيران مجدها القديم ومواردها المنهوبة فهل نجح في ذلك؟

المصادر العربية والمترجمة للعربية :

١ الإمام الخميني سيرة ومسيرة – إعداد مكتب الإمام الخامنئي سوريا – الطبعة الأولى ربيع ثاني ١٤٢٧ حزيران ٢٠٠٦.

٢ كتاب ثورة الخميني الثورة البائسة دكتور موسى الموسوي.

٣ الثورة الإيرانية الجذور الايدلوجية – دكتور إبراهيم الدسوقي شتا طبعة ١٩٨٨ القاهرة.

٤ الهوية الإيرانية – أستاذ دكتور يحيى داوود عباسي ٢٠٢١ دار كتبنا الطبعة الأولى.

٥ الثورة الإيرانية في إيران الأسباب والمقدمات – صادق زيبا كلام.

المصادر الفارسية :

تاريخ معاصر إيران – مكتبة اللغات الشرقية جامعة عين شمس.

ساواك – تقي تجاري راد – مكتبة اللغات الشرقية جامعة عين شمس.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: عمر المختار

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

اترك تعليقا