الجسر الطويل والمكلف الذي يجب على الأدوية المرور به قبل أن يُسمح لها أن تُستخدم كعلاج آمن!

الأبحاث الدوائية - ما خلف الكواليس

هل خطر لكم من قبل كيف تختبر الأدوية قبل نزولها للصيدليات والمستشفيات؟ هل سألتم أنفسكم كم يكلف استخراج وصناعة واختبار دواء واحد فقط من بين العديد من الأدوية؟ هل تعرفون كم سنةً يجب أن يخضع دواء واحد للاختبار قبل أن يصل لاستخدامه للعلاج؟

جدول توضيحي لمراحل البحث والدراسات الدوائية ابتداءً من اكتشافه حتى الموافقة عليه

 يوجد العديد من الخطوات بكثير من التفاصيل أثناء رحلة الدواء في معامل المختبرات والمستشفيات وسأذكر هذه المراحل بإيجاز؛ حتى يتسنى لنا الحديث عن كل خطوة بإسهاب. يبدأ الدواء رحلته باكتشافه من قبل علماء أو أطباء واستخلاصه من مصدره، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة الاكتشاف والتطوير (Discovery and Development) وتستمر هذه المرحلة خمس سنوات تقريبًا، بعد أن تنتهي مرحلة الاكتشاف والاستخلاص للحصول على الدواء خام من دون أي شوائب، ننتقل للمرحلة التالية وهي مرحلة ما قبل الدراسات السريرية (Pre-Clinical Studies) فيها يتم اختبار الدواء على الخلايا المجردة والحيوانات في المختبرات وتستغرق المرحلة مدة سنة أو سنتين، وأخيرًا نصل للمرحلة الأكثر أهمية في رحلة الدواء وهي مرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies) والتي تستغرق عادة ثماني سنوات، حيث يتم في هذه المرحلة اختبار الدواء على البشر بمراحل مختلفة، تعتمد كل مرحلة على سبب إنشاء هذه المرحلة وعدد المتطوعين الذين يجب أن يشاركوا بهذه المرحلة، وعندما يمر الدواء بنجاح في كل هذه المراحل، تقر منظمة الغذاء والدواء (FDA) بأن الدواء آمن وجاهز ليتم استخدامه في علاج المرض المراد، حيث يستغرق اكتشاف واختبار دواء ليكون بالإمكان العلاج به بشكل قانوني خمس عشرة سنة ومليارات الدولارات وآلاف المتطوعين والمشاركين والأطباء والمراكز والمستشفيات والتقارير والدراسات المستمرة، فالأمر أكثر تعقيدًا مما تتوقعون.

 

مرحلة الاكتشاف والتطوير (Discover and Development): وتستغرق هذه المرحلة خمس سنوات تقريبًا

 الاكتشاف، كيف يتم اكتشاف الأدوية؟

 يوجد عدة طرق وأساليب لاكتشاف التأثيرات العلاجية للمركبات الكيميائية، وسأذكر خمسة منها:

إعلان

 الطريقة الأولى: علم الأدوية الكلاسيكي (Classical Pharmacology): تكتشف الأدوية بهذه الطريقة عن طريق استخلاص مركب كيميائي واحد من نبات معين ثم البدء في البحث عن دوره العلاجي والتأثيرات التي يحدثها في الجسم، من خلال القيام بعدة دراسات على الحيوانات والخلايا المجردة والبشر أيضًا، وبعد أن يثبت أن المركب له تاثير علاجي ظاهر وحقيقي، يبدأ الباحثون في دراسة طريقة عمل الدواء عن طريق اكتشاف المستقبل البروتيني الذي يرتبط فيه الدواء ليبدأ تأثيره العلاجي، وهكذا يكون بإمكانهم فهم كيفية عمل الدواء في محاربة هذا المرض. [1]

الطريقة الثانية: تسمى علم الأدوية العكسي (Reverse Pharmacology): وهي عكس طريقة علم الأدوية الكلاسيكي تمامًا، حيث أولًا يتم طرح المرض المراد علاجه والبحث عن المستقبل البروتيني المساهم في هذا المرض والذي يجب أن يرتبط فيه الدواء (من خلال عدة دراسات أقيمت مسبقًا أثبتت أن هذا المستقبل البروتيني يساهم في المرض)، ومن خلال هذه المعلومات يتم البحث عن هذا المركب من ضمن آلاف المركبات التي تم استخراجها واستخلاصها مسبقًا عن طريق غربلة عالية الدقة لكثير من المركبات (High Throughput Screening) وتتم هذه العملية عن طريق صناعة نسخ كثيرة من البروتين المراد استهدافه ووضعه في طبق خاص لزراعة البروتين ثم يوضع في سائل البروتين أنواعًا مختلفة من المركبات المراد اختبارها فبتدأ هذه المركبات بالارتباط بهذا البروتين، سترتبط العديد من المركبات بهذا البروتين ولكن بنسب مختلفة وقوة مختلفة وبدقة مختلفة، يتم تحديد المركب الأفضل بينها، عن طريق قدرة المركب على الارتباط بقوة بهذا البروتين ولوقت طويل وأيضًا عدم ارتباطه ببروتينات أخرى؛ لأن ارتباطه ببروتينات أخرى سيسبب أعراضًا جانبية ثقيلة للدواء وهذا سيزيد من احتمالية فشل الدواء في تخطي الدراسات السريرية وبالتالي عدم الموافقة عليه وخسارة الكثير من المال والوقت، وهي تعتبر الطريقة الحديثة في اكتشاف الأدوية. [1]

 ولكن أثببت الدراسات والأرقام الإحصائية أن معظم الأدوية المتواجدة حاليًا في الصيدليات والمستشفيات اكتشفت عن طريق علم الأدوية الكلاسيكي مثل دواء الديجوكسين (Digoxin) المستخدم في علاج مرض الفشل القلبي ودواء المورفين (Morphine) الذي يستخدم كمخدر ومسكن قوي، لذلك الطريقة الأولى هي الأشهر حتى الآن.

الأدوية

توضح الصورة الفرق بين علم الأدوية الكلاسيكي وعلم الأدوية العكسي

الطريقة الثالثة: أحيانًا يتم اكتشاف تأثير علاجي جديد لدواء كان يستخدم لعلاج مرض آخر، من خلال مراقبة هذا الدواء بعد سنوات طويلة من استخدامه كعلاج، مثل: دواء (Amitriptyline) الذي يستخدم في علاج الاكتئاب ولكن وجد أيضًا أنه يستطيع تخفيف آلام صداع الشقيقة بطريقة فعالة. ودواء الأسبرين (Aspirin) واسمه العلمي: (Acetylsalicylic Acid)؛ الذي كان يستخدم سابقًا كمسكن آلام ومضاد التهاب ولكن وجد لاحقًا أن له دورًا مهمًا في منع التجلطات القلبية والسكتة القلبية. وأيضًا دواء مينوكسيديل (Minoxidil) الذي كان يستخدم سابقًا لعلاج ضغط الدم المرتفع، ولكن وجد لاحقًا أنه يعالج الصلع ويحفز نمو شعر الرأس فأصبح يستخدم لعلاج الصلع.[1]

الطريقة الرابعة: اختراع بعض التقنيات الجديدة المستخدمة في العلاج، مثل: طريقة العلاج الاختصاصي (Targeted Therapy) تستخدم هذه الطريقة في علاج مرض السرطان بأقل الأعراض الجانبية الممكنة وليتم استخدامه عوضًا عن العلاج الكيميائي الذي يهدد موت المريض قبل موت المرض نفسه؛ حيث يتم إدخال الدواء الكيمياوي نفسه في كبسولات دهنية يوجد على سطحها مستقبلات بروتينية ترتبط بسطح الخلية السرطانية فقط وتؤثر في خلية السرطان فقط وتقتلها من دون التأثير على خلايا الجسم الأخرى وقتلها.

الطريقة الخامسة: طريقة صناعة مركب الدواء كله في المختبر، وهذا يتم عن طريق الحصول على مركبات كيميائية مشهورة ومتوفرة في الجسم مثل بروتينات الجسم المتواجدة داخل الحمض النووي (DNA) البيورين (Purine) حيث يقومون بالتعديل عليه بإضافة وإزالة ذرات مختلفة ليصبح مناسبًا ليرتبط بالبروتينات المساهمة في المرض، ومن الأدوية التي صنعت بهذه الطريقة؛ أدوية مثبطات بروتين بيتا (Beta Blockers) يستخدم هذا الدواء في علاج ضعف عضلة القلب وضغط الدم المرتفع وأيضًا دواء السميتيدين (Cimetidine) وعائلته, يستخدم في علاج حموضة وقرحة المعدة، وأدوية محفزات بروتين بيتا 2 (Beta2 Agonist) الذي يستخدم كموسع للقصبات الهوائية لعلاج مرض الربو (Asthma) والانسداد الرئوي المزمن (COPD). ولاقت هذه الطريقة نجاحًا باهرًا وكبيرًا وهي السبب في التعدد الكبير لبعض الأدوية التي لديها طريقة علاج واحدة مثل أدوية علاج الكوليسترول الستاتين (Statins) وأدوية علاج صداع الشقيقة (Triptans) إضافة للأدوية المذكورة سابقًا. [1]

وفي مرحلة التطوير (Development) يتم التعديل على تركيب المركب الكيميائي حسب النتائج المستخرجة من الأبحاث التي ستذكر لاحقًا في مرحلة ما قبل الدراسات السريرية,  ليناسب المركب الشكل الدوائي الحقيقي ويقوم بعمله كدواء آمن من خلال علم يسمى: (SA- Structural Activity Relationship) وهذا يعني تناسب شكل الدواء مع وظيفته.

يوضح المخطط الآتي مراحل اكتشاف الدواء وتطويره المستمر ليناسب معايير الآمان والفعالية للأدوية. [1]

 

مرحلة ما قبل الدراسات السريرية (Pre-Clinical Studies):

وتستغرق سنتين تقريبًا

تهتم هذه المرحلة بشكل خاص باختبار الدواء على الخلايا المجردة (In Vitro) أو الحيوانات (In Vivo) بهدف دراسة خصائص الدواء المختلفة مثل خصائصه الكيميائية من ناحية تأثيره على الجسم ويسمى هذا العلم الديناميكية الدوائية (Pharmacodynamics) وأيضًا لتحديد تأثير الجسم على الدواء ويسمى علم التحريك الدوائي (Pharmacokinetics)، حيث يدرس هذا العلم تأثير الجسم على الدواء من ناحية الامتصاص (Absorption) أي امتصاص الجسم للدواء، مثل: امتصاص المعدة والأمعاء للدواء الذي يؤخذ بالفم أو دراسة امتصاص الأوعية الدموية والأنسجة للدواء المعطى؛ كحقن، ومن ثم دراسة توزيعه على أعضاء وخلايا الجسم المختلفة (Distribution) بشكل يناسب النتيجة العلاجية المتوقعة للدواء ثم عملياته الأيضية (Metabolism) في الكبد والكليتين. وتهدف العملية الأيضية لتفكيك الدواء والتخلص منه، وأخيرًا الكيفية التي يتم من خلالها التخلص من الدواء خارج الجسم (Excretion) أي عن طريق الجهاز البولي أو العرق أو الجهاز الهضمي [2] ودراسة أعراضه الجانبية (Toxicology). 

ويقوم الباحثون أيضًا بدراسة النتيجة العلاجية المتوقعة منه وكيفية عمله في الجسم (Mechanism Of Action) والجرعة الأمثل والأكثر أمانًا، والطريقة الأفضل لإعطاء الدواء؛ أي هل يجب إعطاءه عن طريق الفم أم الحقن؟ ويتم أيضًا اختبار طرق جديدة لإعطاء الدواء، مثل: التحاميل أو الحقن العضلية أو حقن تحت الجلد ودراسة فعاليتها في علاج المرض. إضافة للأعراض الجانبية وكيف يتغير تأثيره عند إعطاءه لأشخاص مختلفين من ناحية الجنس والعمر والحالة الصحية والعرق. أيضًا دراسة تفاعله مع الأدوية الأخرى والحالات الصحية المختلفة، وهل هو فعال ويتفوق على الدواء القديم الذي يعالج المرض المراد علاجه.[2]

حديثًا أصبح بالإمكان دراسة الخصائص الدوائية من خلال الحاسوب عن طريق برامج حاسوبية تقوم بمشابهة عمل أجهزة أجسام الحيوانات والخلايا المجردة ويسمى (In SilicoAssays).

 مرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies):

مقر منظمة الغذاء والدواء في أمريكا FDA

 الآن بدأت المرحلة الأطول والأكثر أهمية في كل هذه العملية وهي مرحلة الدراسات السريرية التي يتم فيها اختبار الدواء على البشر في مراحل فرعية مختلفة، وعادة تحتوي هذه المرحلة على أربعة مراحل فرعية سنشرح كل واحدة منها ونذكر هدفها والمدة التي تستغرقها بالتفصيل.

تحتوي هذه المرحلة على بروتوكولات خاصة لكل مرحلة فرعية تحدد المعايير التي يجب أن يتوافق معها المشاركون في هذه الدراسة، مثلًا: أن يكونوا بحالة صحية جيدة أو حالة صحية معينة أو أن يكون المشارك ذكرًا أو أنثى أو أن يكون من عرق معين أو عمر معين وهذا كله يتحدد من خلال نوع الدواء المراد اختباره. والمرحلة الفرعية التي يمر بها الدواء حاليًا.. وتذكر البروتوكولات أيضًا هدف كل مرحلة فرعية إضافةً للأوقات التي يجب إعطاء الدواء فيها وجرعته ولمن من المشاركين، ويذكر أيضًا عدد المشاركين في كل مرحلة فرعية والمدة الزمنية المتوقعة التي تستغرقها كل مرحلة.[5]

تنقسم الدراسات السريرية لأنواع عديدة، وكل نوع يعتمد على هدف الدراسة:

  • دراسات الوقاية: هذا النوع من الدراسات يختبر دواءًا جديدًا أو فيتامينات جديدة، أو أسلوب حياة جديد لمنع الإصابة بمرض معين أو للوقاية من الإصابة مجددًا بمرض معين، مثل السرطان.
  • دراسات الفحص المتقدم: تستخدم هذه الدراسات في فحص وجود مرض معين في الأشخاص بشكل مبكر جدًا قبل حتى ظهور الأعراض، حيث التشخيص المبكر للمرض يقلل من شدة أعراض المرض ودرجة فتكه.
  • دراسات التشخيص: تدرس هذه الدراسات طرق جديدة ومبتكرة في تشخيص أمراض معينة بحيث تكون فعالة وأكثر دقة من الطرق القديمة.
  • الدراسات العلاجية: يعتبر هذا النوع الأكثر شهرة واستخدامًا من بين كل أنواع الدراسات الأخرى حيث يتم اختبار دواء جديد واعد في علاج بعض الأمراض.
  • الدراسات الجينية: يقوم هذا النوع بدراسة علاقة جينات معينة في جسم الإنسان بأمراض معينة وإمكانية استغلال هذه العلاقة في علاج المرض أو منعه والحد منه.
  • دراسات تحسين أسلوب حياة المرضى: تقوم هذه الدراسات بدراسة واختبار أساليب حياتية جديدة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة كالقلب والسكري والضغط أو بعض الإعاقات؛ بهدف تخفيف أعراض المرض وإبطاء تقدمه وتوفير حياة أسهل لهؤلاء المرضى.
  • الدراسات الوبائية: تستخدم لدراسة مدى تفشي مرض معين بين مجموعة من الأشخاص وعلى ماذا يعتمد انتشاره، مثلًا: هل يوثر الجنس، العمر، الحالة الاقتصادية، الحالة الصحية، والمتغيرات المختلفة الأخرى؟[5]

 

المراحل الفرعية لمرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies):

عادة تستغرق هذه المرحلة ثماني سنوات من المرحلة الفرعية الأولى حتى الثالثة ومرحلة الموافقة على الدواء من قبل منظمة الغذاء والدواء (FDA) وتستمر للأبد من المرحلة الفرعية الرابعة.

توضح الصورة تفاصيل المراحل الفرعية المختلفة للدراسات السريرية

  • المرحلة الفرعية الأولى (Phase 1):

يتم الوصول لهذه المرحلة بعد أن توصل الباحثون بالفعل إلى وجود فائدة علاجية فعالة من هذا الدواء وبناءً على هذه النتائج تبدأ مرحلة الدراسات السريرية، وعادة ما يكون عدد المشاركين في هذه المرحلة صغيرًا جداً حيث يكون عددهم خمسة عشر أو ثلاثون شخصًا فقط ويكونون أصحاء من دون أي أمراض, وحيث أن الدواء لم يدرس من ناحية تأثيره على جسم الإنسان، يتم في هذه المرحلة دراسة تاثيره على جسم الإنسان ووظائفه المختلفة ويتم دراسة الديناميكية الدوائية (Pharmacodynamics) والحركة الدوائية (Pharmacokinetic) إضافةً إلى مراقبة الدواء وآثاره على الجسم ومراقبة ظهور أي أعراض جانبية خطيرة أو مهدِدة؛ ويبدأ الأطباء في هذه المرحلة في تحديد الجرعة المناسبة والآمنة من هذا الدواء, حيث يتم إعطاء المشاركين جرعة قليلة من الدواء في البداية ثم تزداد الجرعة الدوائية في كل مرة حتى تظهر أعراضًا جانبية، فيتم تسجيل هذه الجرعة بالجرعة القصوى الآمنة والتي لا يجب تجاوزها (Maximum Dose)، ويتم تحديد أيضًا عدد جرعات الدواء اليومية (Frequency) التي يجب أن تعطى للحفاظ على مستوى مناسب من الدواء في الجسم للعمل ضد المرض.[4]

  • المرحلة الفرعية الثانية (Phase 2):

يستمر الأطباء في هذه المرحلة بدراسة التأثير الدوائي على جسم الإنسان وحساب الجرعة المناسبة والآمنة ومراقبة الأعراض الجانبية ولكن باستخدام عدد أكبر من الناس ويصل عادة عددهم للمئات، وعادة ما يتم مقارنة الدواء الجديد الذي يتم اختباره بالدواء المستخدم حاليًا للعلاج؛ لدراسة فعاليتهما ولتحديد إذا كان للدواء الجديد نتائج علاجية أفضل وأكثر فاعلية من الدواء الحالي. وأيضًا تستخدم هذه المرحلة لدراسة تأثير الدواء على فئات مختلفة من الناس بحالات صحية وأجناس وأعراض مختلفة، وللتأكد بشكل إضافي من أن الدواء آمن ويتم التأكد أيضًا من الجرعات المناسبة للعلاج وعدد مرات إعطاء الدواء في اليوم.[5]

وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الدواء حيث تفشل معظم الأدوية في هذه المرحلة وتتوقف الدراسات عليها، وهذا ما حصل مع شركة (AstraZeneca) حيث أوقفت الشركة الدراسات السريرية للقاح فيروس كورونا (Covid-19) في المرحلة الفرعية الثانية بشكل مؤقت؛ وذلك بسبب ظهور أعراض جانبية خطيرة للقاح على أحد المشاركين في الدراسة في سبتمر عام 2020. وستقوم الشركة بدراسة هذه الحالة وتحليلها بشكل سريع وتحديد ما إذا كان للقاح يد في ظهور هذا العرض الخطير في المشارك أم أن هناك سبب آخر، لإعادة استئناف الدراسة مجددًا.

ومن المثير أن العديد من شركات الأدوية العملاقة تعمل حاليًا على إيجاد لقاح للمرض وقد وصلت بالفعل لمراحل متقدمة من البحث، حيث وصلت شركة (Sanofi) للمرحلة الفرعية الأولى والثانية، بينما شركة (Pfizer) تخوض المرحلة الفرعية الثانية والثالثة، وما تزال الشركات التالية في المرحلة الفرعية الأولى، وهي شركة (Johnson&Johnson)، وشركة (Novavax)، وشركة (Merk)، بينما استطاعت شركة (Moderna) بالفعل الوصول للمرحلة الفرعية الثالثة من الدراسات السريرية على لقاح فيروس كورونا.

  • المرحلة الفرعية الثالثة (Phase 3):

يستمر العمل في هذه المرحلة مثل المرحلة الأولى والثانية ولكن على نطاق أكبر وأعمق وأكثر دقة؛ حيث يشترك الآلاف من الناس في أماكن ومراكز ومستشفيات مختلفة، كما يشرف على هذه المرحلة الكثير من الباحثين والأطباء، ويتم إعادة تدقيق الدواء واختبار فعاليته ودرجة أمانه ومناسبة الجرعات العلاجية والأعراض الجانبية مجددًا ولكن مع عدد أكبر من المشاركين. ويبدأ العلم الإحصائي بالدخول بشكل أعمق في هذه المرحلة حيث يتم توزيع المشاركين لثلاث مجموعات، ستأخذ المجموعة الأولى الدواء الجديد الذي يتم اختباره حاليًا والمجموعة الثانية ستأخذ الدواء المستخدم حاليًا في العلاج والمجموعة الثالثة ستعطى حبوبًا خالية من أي دواء –دواء وهمي- (Placebo) ولا يتم إخبار أي مشارك بنوع الدواء الذي يأخذه أو في أي مجموعة ينتمي لمنع الانحياز والتأثير الوهمي للدواء، ويتم دراسة نتائج هذه المجموعات التي أخذت الأنواع المختلفة من الدواء لتحديد الفعالية العلاجية للدواء الجديد وقدرته على المرور للمرحلة الفرعية الرابعة ونجاح الدواء في هذه المرحلة تعني أنه سيتم الموافقة عليه من قبل منظمة الغذاء والدواء (FDA) وتبدأ الشركات بتصنيع الدواء وبيعه للمستشفيات والصيدليات. [5]،[4]

  • المرحلة الفرعية الرابعة (Phase 4):

تبدأ هذه المرحلة بعد موافقة منظمة الغذاء والدواء (FDA) على إنتاج الدواء وبيعه للصيدليات والمستشفيات والبدء بالعلاج به بشكل قانوني؛ حيث تدرس هذه المرحلة تأثير الدواء على المدى البعيد على المرضى واحتمالية تواجد أي أعراض جانبية تظهر فقط بعد فترة طويلة من استخدام الدواء أو أعراض جانبية تصيب مجموعة محددة من الأشخاص بحالة صحية معينة أو عرق معين أو عمر معين. وعادة ما يشارك الآلاف من الأشخاص في هذه المرحلة وتعتمد نتائج الدراسة على التغذية الراجعة التي يجمعها الصيدلاني والطبيب من المرضى الذين يأخذون الدواء.[4]

 

أسئلة وإجابات:

  • من المسؤولون عن الإشراف على الدراسات السريرية؟

المسؤولون عن  الإشراف على هذه الدراسات هم الباحثون في هذه الدراسة وعادة ما يكونون مجموعة من الأطباء والممرضين والصيادلة والعاملين في المجال الصحي بحيث يدرسون النتائج ويجمعونها في تقارير لإرسالها لمنظمة الغذاء والدواء (FDA).

  • من الذي يمول هذه الأبحاث المكلفة؟

من المعروف أن تكلفة الدراسة الواحدة لدواء واحد قد تصل إلى 2 مليار دولار كحد أقصى و160 مليون دولار كحد أدنى. وعادة ما تقوم شركات الأدوية الكبيرة الخاصة بتمويل هذه الدراسات مثل: شركة GSK  وAstraZeneca  وBayer  وPfizer  وSanofi، وغيرها من الشركات الكبيرة، إضافةً لمعاهد ومنظمات صحية كبيرة مثل معهد الصحة الوطنية.

(NIH) – (National Institute Of Health).

  • من يدير الدراسات السريرية وينظمها؟

 يجب على المشرفين على الدراسة إرسال طلب إنشاء دراسات سريرية  قبل البدء بها لمنظمة الغذاء والدواء (FDA) لتبحث المنظمة في الطلب وتوافق على إجراء الدراسة السريرية، وتطلب أيضًا إرسال جميع التقارير والنتائج المستخلصة من هذه الدراسات لموقع (ClinicalTrials.gov) لمنع إعادة إجراء الدراسة نفسها أكثر من مرة. [5]

  • من المسؤول عن الحفاظ على حقوق المشاركين وحمايتهم؟

تبحث منظمة (IRB) – (Institutional Review Board) في سلامة المشاركين في هذه الأبحاث وحقوقهم الصحية والنفسية والمادية، وتتأكد بأن الدراسة تسير كما هو متفق عليه في البروتوكول وكما جاء بالعقد الذي وقع عليه المشارك مع الشركة المقيمة للدراسة. وتبحث أيضًا في معاملة الباحثين والمشرفين على البحث مع المشاركين من الناحية الأخلاقية والصحية الكاملة. [5]

  • من يستطيعون المشاركة في الأبحاث السريرية ؟

يوضح البروتوكول الخاص بجدول الأبحاث السريرية, الأشخاص الذين يستطيعون المشاركة, حيث يحتوي هذا البروتوكول على معلومات توضح صفات المشاركين المطلوبة من ناحية الجنس والحالة الصحية والعرق والعمر وصفات أخرى, كما ويوضح أيضًا صفات الأشخاص الممنوعين من المشاركة مثل المرأة الحامل أو أشخاص بحالة صحية معينة قد يشكل الدواء خطرًا حقيقيًا عليهم.

  • أمور يجب أخذها بعين الاعتبار كمشارك في الأبحاث السريرية !

الدواء الذي يتم البحث فيه في الدراسة السريرية ما زال مجهولًا والكثير من تأثيراته وأعراضه الجانبية مجهولة أيضًا وقد يشكل المشاركة في الدراسة خطر على صحة المشارك ولا يمكن ضمان سلامة المشاركين بنسبة 100%,  وسيتعرض المشاركون للعديد من الفحوصات الطبية المختلفة على مدى طول الدراسة لاستخلاص النتائج وهذا قد يزعج البعض, وللمشاركين الحق في الخروج من الدراسة في أي وقت يريدونه ولا يستوجب عليهم إكمال المشاركة في حال لم يرغبوا، ولا تستطيع الشركة إرغامهم على ذلك والذي يتابع هذه الحقوق هي منظمة (IRB) المذكورة في الأعلى, وكل هذه المعلومات والتحذيرات تذكر في نص العقد الذي يوقعه المشارك مع شركة البحث .

الأدوية

  • هل سيظهر اسمي أو تظهر حالتي الصحية بوصفي مشاركًا في البحث؟

لا، لن يتم ذكر اسم المشارك أو حالته الطبية في الأبحاث التي ستنشر وإنما سيذكر عدد المشاركين والنتائج المستخلصة من دون ذكر أي معلومات شخصية أو أسماء تدل على المشاركين.

  • لماذا يشارك الناس في الدراسات السريرية؟

قد يصاب بعض الأشخاص بمرض لا علاج له حتى الآن فيتطوعون للمشاركة في هذه الدراسات التي تعنى بإيجاد علاج لمرضهم على أمل أن يحصلوا على العلاج,،ويشارك البعض الآخر؛ بسبب إصابتهم بمرض فشلت الطرق العلاجية والأدوية التقليدية في علاجه وبمشاركتهم فإنهم يساعدون في ايجاد علاج جديد لمرضهم. وهناك الكثير من الأشخاص الأصحاء الذين يشاركون في الأبحاث السريرية بهدف أن يكونوا أعضاءً فعالين في المجتمع لدعم ودفع العلم للأمام.[4]

وهكذا وصلنا لنهاية مقالنا عن الدراسات والأبحاث العلمية التي تقام على الأدوية قبل البدء بتصنيعها وبيعها في السوق، والأمر أكثر تعقيدًا مما يعتقده الكثيرون.

نرشح لك: الطب البديل.. عن بائعي الهواء في قوارير

إعلان

مصدر 1-Drug Discovery 2-Pre-Clinical Trials 3-NIH Clinical Trials
بواسطة 4-NCCN Clinical Trials 5-FDA Clinical Trials 6-Journal Of Clinical Medecine
فريق الإعداد

إعداد: أريج أبوهنية

تدقيق لغوي: حسن أحمد

ترجمة: أريج أبوهنية

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا