تفسير الأحلام في العصر الحديث بين فرويد وإدلر

وسط ضجيج الشعوب والعديد من التفسيرات المقدسة للأحلام، ظهرت في العصر الحديث في أوروبا نظريتان في علم النفس أحدثتا دويًا هزّ العالم والأوساط العلمية، هما للعالمان النفسيان: فرويد وإدلر الّذان ابعتدا عن التفسيرات المبهمة والغيبية؛ ليتوافقا مع العصر، وقاما بإحصائيات وتجارب تمس باطن الإنسان.

ورغم آراءهم التي لا يستهان بها؛ سأسعي لتبسيط وشرح رأيهم عن الأحلام فقط.

  • فرويد “١٨٥٦-١٩٣٩م”

سيغموند فرويد هو: طبيب نمساوي، ويعتبر مؤسس علم التحليل النفسي، وأول من أطلق مصطلح “العقل الباطن” ويري أنهُ المحرك الرئيس للأنسان وأن العقل الواعي تأثيره ضعيف علي السلوك البشري.

صنف فرويد الإنسان إلي ثلاث ذوات :-

١- الذات الحيوانية:-

هي لاشعورية، وتدفعها الغرائز، ولا تعرف قيم أو قوانين أو أديان إنما تريد أن تتلذذ دون شروط أو قيود، وهي دافع الإنسان نحو التصرفات الحيوانية، وأطلق عليها “الليبدو”.

٢- الذات البشرية:-

هي شعورية وواعية، لكنها يغلب عليها المكر والنفاق والمراوغة، فهي تبتعد عن التحرش مثلًا لأنها تخشي الاحتقار الاجتماعي أو القانون أو الرب أو رد فعل الناس وعندما يتوافر لها الظروف المناسبه ستدفع الإنسان كالثور الهائج خلف الغايات الحيوانية.

إعلان

٣- الأنا أو الذات المثالية:-

هي تقف حاجزًا وفاصلًا بين الشعور واللاشعور، وتراقب الذات البشرية، ولكن مشكلتها أنها ضعيفة للغاية، فتغلبها انفجارات الذات الحيوانية بسبب الكبت؛ ومن هنا تظهر نزعة “التبرير”، ويطلق الناس علي الأنا اسم “الضمير”.

وهذا كان مدخل مبسط لفهم وجهة نظر فرويد حول الإنسان، وعند فرويد يتم إرجاع كل شئ إلي الجنس باستناده علي عقدة أوديب وهي مفهوم أنشأه سيجموند فرويد واستوحاه من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويغير عليها من أبيه فيكرهه، وهي المقابلة لعقدة إليكترا عند الأنثى، وفي نظرية التحليل النفسي يدل مصطلح عقدة أوديب على المشاعر والأفكار والأحاسيس الجنسية التي تبقى مكبوتة في العقل الباطن للطفل تجاه أمه وهكذا مع البنت.

ويري فرويد أن الأحلام لا تأتي مباشرة وواضحة إلا نادرًا؛ وذلك بسبب تأثير الضمير علي الأنسان وقت النوم بشكل لاشعوري، ويبدأ العقل في تشوية وترميز الأحلام؛ لمحاولة الهروب من رقابة الضمير علي الذات الحيوانية في الحلم. وتختلف الاحلام باختلاف الأعمار فكلما زاد العمر ازدادت رمزية الأحلام، وبذلك بين رمزية الحلم والعمر علاقة طردية.

ويقول فرويد عن معني بعض الأمور الرمزية:- “كل الأشياء المستطيلة مثل العصا وجذور الأشجار والمظلات والخناجر والسكاكين وما يدل علي الذكورة مثل: ربطة العنق تدل كلها في الحلم علي العضو الذكري.

أما العلب الصغيرة والصناديق والقبعات وما يدل علي الأنوثة، تدل كلها علي عضو الأنثي.

أنما الكابوس صورة من صور العتاب والتأنيب من الضمير، وما دامت هناك ذات مثالية وذات حيوانية؛ فسيكون دائمًا هناك أحلامًا للذة وأحلامًا للألم.

  • إدلر “١٨٧٠-١٩٣٥م” 

ألفريد إدلر هو: طبيب نمساوي، ومؤسس علم النفس الفردي ويطلق عليه احيانًا علم النفس الإدلري، وكان تلميذًا لفرويد ويعمل معه من عام ١٩٠٢ إلي ١٩١١م، حتي اختلف معهُ وقال: أن الشهوة الجنسية ليست بتلك الأهمية التي تحدث عنها فرويد.

وفي الفترة ما بين عامي 1919 و1934م أسّس إدلر مراكز توجيه الطفولة في فيينا.

جاء في كتابات إدلر: “أن كل فرد يمر بتجربة يعاني فيها إحساسًا بالنقص”، ويؤمن إدلر بأن كل فرد يجاهد؛ من أجل التغلب على مثل هذه الأحاسيس وفقًا لأهداف محددة.

ويرى إدلر أن الشعور بالنقص هو المحرك الذي يبدأ منذ الطفولة، عندما يشعر الطفل بالإهانة أو الضعف، وسيكون هذا النقص سببًا في دفعه أو شده، لكنه يشعر بالنقص فيشعر أنه ليس إنسانًا عاديًا فلا تسير حياته كالإنسان العادي.

فأصبح داخل الإنسان ذاتان هما: الشعور بالنقص وحب الشهرة، والقوة والمجد الذي يسعى لهما الشاعر بالنقص.

وهو يري أن لكل فرد أيضًا طريقة في محاولته لتحقيق تلك الأهداف، وقد استخدم إدلر مصطلح “أسلوب الحياة” وهو يقصد به أهداف الفرد والطرق التي يتبعها لتحقيق تلك الأهداف.

ويدعي كذلك بأن أسلوب الحياة يصبح راسخًا ببلوغ الفرد سنّ الرابعة أو الخامسة، ويعتقد بأن شخصية الفرد ومفهومه للعالم هما انعكاس لأسلوب حياته.

الأحلام عند إدلر

هي عبارة عن تحقيق نقص يواجه الإنسان في الحياة، فقد يحلم فتى بأنه جذاب وبطل مُخلّص ويطير ويقذف النيران علي الأعداء؛ فهو بذلك يحب أن يكون ذو مكانة عالية ومنزله رفيعة، أي أن الأحلام علاقتها عكسية بالواقع.

ومن الممكن أن نضرب مثالًا برواية “فارس بلا وجود” للأديب الإيطالي “إيتالو كالفينو” وافتراض شخصية عسكرية في العصور الوسطي، وبطل الرواية جندي خيالي ومثالي من فرسان جيش الملك الفرنسي “شارلمان” يدعى “إجيلولفو “، يتسم بالقوة والمعرفة والدقة وبالمهارات الحربية المتميزة، وليس موجودًا بشكل ماديٍ إنما مجرد ملابس عسكرية ودرع وخوذة يتحركان ويتكلمان لكن لا أحد بهما؛ ورغم ذلك يقهر الأعداء من الجيش التركي وتُعجب به النساء الجميلات الأقوياء. 

أو نضرب مثالًا ببعض أحلام الشعوب الضعيفة المهزومة مثل: المهدي المنتظر أو الزعيم المخَلص للأمة، أو مجموعة من الأحلام الشعبية مثل: ألف ليلة وليلة.

أي أن الإنسان كلما ضعف في شيء يكثر حلمه به.

وبالنسبة لأحلام الجنس، فهو يري أنها ترمز لحب السيطرة علي الغير حتي وإن كان الحلم أن المرأة تحت الرجل؛ فهي بذلك تسيطر عليه وتجعله يطيع أوامرها، أي أنها تخضع لهُ في سبيل خضوعه لها وحاجته إليها.

  • النهاية 

من الطبيعي أن نجد إدلر متمسكًا بمفهومه وكذلك فرويد، رغم تعرض النظريتان لنقدٍ شديد؛ لكن لا أحد ينكر أهميتهم فمن الممكن أن نخلط بين النظريتين في تفسير الأحلام؛ لأنه ليس لتفسير كل الأحلام دلالة علي النقص، وليست تفسيراتها كلها تدل على الجنس، ولو تم التعميم سيحدث التباسًا شديدًا في تفسير الأحلام أو فهم سلوك الفرد وفكره من أحلامه.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: ألبير يوسف

تدقيق لغوي: ياسمين الشريف

اترك تعليقا