هــل أملك جسدي؟

تنطوي قرارات السنوات الجديدة غالبًا على تغيير شكل أجسامنا.

كتبت في السنة الماضية مقالة قصيرة للحديث حول إيماننا بشعورنا بأنّنا أفضل وسنكون أفضل إذا كانت أجسامنا بصحة أفضل. فأصبحت ملكية أجسامنا في الثقافة البصرية والافتراضية أحد حجج الكمال الرئيسية.

ويُعتقد على نطاق واسع أنّنا في كثير من الأحيان لا ندرك صحة هذا الأمر أو إلى أي مدى يعتبر مفاجئًا وتحويليًا حتى يلفت انتباهنا شخصًا ما إليه. ففكرة أجسامنا هي أجسادنا هي جديدة.

وتوضح لنا قرارات السنة الجديدة بوضوح كبير ما نقدره وما يهمنا، فهذه هي الأهداف التي حددناها لأنفسنا نعتقد أنّها ذات قيمة وأن امتلاكها أمر مهم بالنسبة لنا. وتُظهِر أهم القرارات المتخَذة في العام الجديد 2019 مرة أخرى هذا التركيز، فالمراكز الثلاثة الأولى تهدف إلى تحويل الجسم:

1- اتباع حمية غذائية أو تناول طعام صحي (71٪).

2- ممارسة التمارين الرياضية أكثر (65٪).

إعلان

3- فقدان الوزن (54٪).

التاليان لا يرتبطان بالجسم.

4- توفير أكثر وإنفاق أقل (32٪).

5- تعلم مهارة أو هواية جديدة (26٪).

يعتبر الهدف الرابع براغماتيًا كونه عن توفير المال، والذي يُعتقد أنه سيكون اختيار أكثر من ثلث الناس في عصر التقشف. أما الخامس الذي يشمل ربع الناس فهو عن تحسين قدراتنا. فتحسين القدرات وتعلم مهارات جديدة هو أثر لطريقة التفكير قديمًا.

لقد كنّا نفكر بأنفسنا من “الداخل” من حيث الشخصية والقدرات، وليس من “الخارج”. فالطريقة التي كنّا نظهر بها لم تكن تعكسنا فعليًا. فتحسين الذات لم يكن بتحسين الجسم بل بتحسين العقل أو الروح أي كان التغيير داخليًا. فكان يعني لتكون أفضل أن تعرف أكثر أو أن تمتلك شخصية أفضل أو أن تقوم بفعل ما هو أفضل. وسواء كنّا أثقل بمقدار نصف حجر أو لم نكن، فتغيير أنفسنا للأفضل من خلال تعلم لغةٍ جديدة، أو بكوننا أكثر لطفًا، أو بقضاء المزيد من الوقت مع أصدقائنا أو أطفالنا، أو بالتطوع في قضية نبيلة كان تغييرًا بسيطًا.

فلقد أصبح النجاح في وقتنا الحاضر هو النجاح في المظهر، والاعتراف بالعنصر الأخلاقي من هذه الناحية هو أمر مهم لفهم ما يجري حولنا.

إن الجمال المثالي يتغير من وقت لآخر، وهو يغير في طريقة تفكيرنا في أنفسنا بطرق أساسية ومذهلة.

فالمنهج الأخلاقي للأفضلية وأثره على أن تكون جدير بالذكر او لا تستحق ذلك ليس وليد الصدفة. فعندما يتعلق الأمر بإصدار أحكام حول ما هو الأحسن والأفضل أو الأسوء والأفشل، فالأخلاق هي جوهر الأنسان وهي في غاية الأهمية وفي كثير من الأحيان لا نرى مدى جمالها إلّا عندما نبتعد عنها وحينها ندرك أهمية حاجتنا اليها.

وعندما يتم الإشارة إلى ذلك، فإن رد الفعل غالبًا يكون بقول “ولكن بالطبع!” فأخلاقنا هي التي تمنعنا عن القيام بتصرفات خارجة عن مبادئنا الأخلاقية، فالشعور بالذنب ومشاعر الحياء والخجل التي تظهر على أجسادنا وملامحنا هي مؤشرات على كيفية احترامنا وتقديرنا لذاتنا وجوهرنا الداخليّ الذي يجب النظر إليه والاعتزاز به.

في الثقافة البصرية والافتراضية نعكس ما في داخلنا على الشكل الخارجي فنحن نسعى لتغيير أنفسنا عن طريق تغيير أجسادنا. فستصبح بنية أجسامنا قويةً وصحيةً إذا عملنا كل ما بوسعنا للحفاظ عليها، ومن خلال اتباع نظام غذائي متكامل، والجري، ورفع الأثقال، والتسلح بالمرونة والصلابة والجاذبية، سوف نحصل على ما نريد وسوف تكون المكافأة كبيرة ومهمة، ولن نكون فقط أخف وزنًا او أقل حجمًا ولكن سنكون الأجمل والأفضل بين الناس.

وفي منطق الجمال المثالي، سنحصل على حياة جيدة وعلاقات أفضل ووظائف أفضل وحياة صحية وسعيدة. ولكن هذا المنطق معيبًا. فأهمية الجسم والاهتمام به ليس غريبًا في الثقافة البصرية والافتراضية، فنحن كائناتٌ تتجسد. ومن السيء أيضًا إهمال أجسادنا باعتقادنا أنّنا مجرد عقولٍ وأشباحٍ آلية، بدلًا من أن نعيد تأهيل أجسامنا. ولكن بالتأكيد لا يجب أن يكون الاهتمام بالجسد هو الشيء الأفضل والوحيد، لأنه إن حدث ذلك فسوف نفشل ولن نكون سعداء أبدًا ولن نحصل على حياة جيدة ومثالية.

نحن بحاجةٍ لرفض الاهتمام المبالغ في الجمال، وكثرة ادّعاءاته، ونحن بحاجة ماسة إلى رؤية أنفسنا كما هي من غير أيّة مبالغة وتزييف، ننظر إلى ما هو موجود ولا نطلب المزيد فكما قلت سابقًا نحن بحاجة الى رؤية الجمال على حقيقته من غير تزييف.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: نانسي ورنا حجازي

تدقيق لغوي: بتول سعادة وأبرار وهدان

تدقيق علمي: بتول سعادة

اترك تعليقا