النساء في حياة دانتي روسيتي وفنه

غالبًا ما يتم تقديم دانتي غابرييل روسيتي على أنه العضو المركزي الأكثر نفوذًا في جماعة ما قبل الرفائيلية. وقد عُرفت هذه الجماعة بالتجديد في أسلوب الرسم من خلال تمثيل نوع معين من النساء – النساء اللواتي يتميزن بسمات الوجه الزاوي، الفكين البارز، الأنف المستقيم، الشعر الضخم -على عكس النماذج الفيكتورية التي تشبه دمى الصين وجوه ناعمة صغيرة وشعر مصفف بعناية وكثرة مستحضرات التجميل خصوصًا أحمر الشفاه القاني، كانت تلك النساء شاذات إلى حدٍ ما في نظر العامة لصفاتهن الجسمانية القوية وطول القامة.

تأسست الجماعة في عام ١٨٤٧ من قبل روسيتي ومعاصريه، وليام هولمان هانت وچون ايڤرت ميليه، وابتعد فنانوها عن التقاليد الفنية المقبولة شعبيًا في ذلك الوقت، ووضعوا أسسًا للوحاتهم من خلال اللجوء للبساطة والرومانسية والكثير من الرموز الدينية وابتعدوا عن تصوير حياة الفقراء والمعذبين وأصبحت كل العذابات هي الخاصة بالحياة العاطفية فقط، وساعد روسيتي بشكل خاص على إطلاق المرحلة الرومانسية الثانية للحركة، وأصبح المُلهم الرئيسي لجيل ثاني من الفنانين والكتاب المتأثرين بالحركة؛ أبرزهم ويليام موريس وإدوارد بيرن جونز والتي ركزت أكثر على قصص الحب المأساوية. واستوحى روسيتي شغفه من علاقاته النسائية – بما في ذلك زوجته إليزابيث (ليزي) سيدال وفاني كورنفورث وجين موريس اللواتي تصدرن عددًا كبيرًا من أجمل أعماله باعتبارهن مثلث القوى المهيمن في حياته الخاصة.

ومن المفارقات أن فناني هذه الحركة كثيرًا ما كانوا يسعون للوصول إلى نماذج لأعمالهم الفنية، عبر اقترابهم من النساء الجميلات في الأماكن العامة وطلبوا منهم أن يشكلوا مواضيع لوحاتهم وأغلبهم من الطبقة الدنيا. كانت هذه النساء، في معظم الأحيان ينجذبن للإطراء وقبول عروضهم. وهن من غير المتعلمات وغير المقتدرات ماديًا غالبًا، ويقوم الرسامون بشراء ملابس لهن وحليًّا بمبالغ باهظة ويظهرن بعد ذلك في لوحاتهم كسيدات لا يمكن تمييزهن عن سيدات الطبقة الأرستقراطية، وكثيرًا ما أصبحن عشيقات أو زوجات لهؤلاء الفنانين. فمن الواضح أن قصة سندريلا تحققت كثيرًا في هذا العصر.

غابرييل تشارلز دانتي روسيتي، المعروف عمومًا باسم دانتي غابرييل روسيتي الإيطالي الأصل البريطاني الجنسية المولود عام ١٨٢٨ لأب لاجئ سياسي ويعمل باحثًا علميًا وأستاذًا لـ اللغة الانجليزية في لندن، وأم نصف إنجليزية ونصف إيطالية، وأخت صغرى أصبحت شاعرة مشهورة فيما بعد (كريستينا روسيتي). لم ينفصل روسيتي عن انتمائه الإيطالي وقام بالعديد من الترجمات للأعمال الأدبية الكبرى ومعظم أشعاره أيضًا كتبها بالايطالية. درس الرسم في أكاديمية ساس عام ١٨٤١ والتحق بالأكاديمية الملكية بحلول عام ١٨٤٧ وبدأت مواهبه في الشعر والرسم في الظهور من ذلك التاريخ، وبدا الشعر والموسيقى متداخلَين بشكل وثيق مع أعماله الفنية وكثيرًا ما كان يكتب سوناتات مرافقة للوحاته.

في بداياته لم يُقابل فن روسيتي بالترحاب والإطراء بل بالانتقادات السلبية الكثيرة لاختلاف أسلوبه عن المعتاد، ومرّ بفترات عصيبة نفسيًا بعد رفض العديد من المعارض نشر لوحاته التي بدأها بلوحة (طفولة العذراء) متأثرًا بعصر النهضة والعصور الوسطى. وعرض عملين في عام ١٨٤٩ ولم يُقابلا أيضًا بالتشجيع.

التقى في نفس العام بزوجته المستقبلية إليزابيث سيدال والتي انضمت أيضًا لجماعة ما قبل الرفائيلية؛ إذ كانت رسامة مبتدئة حينها. وتزوّجا في عام ١٨٦٠ ثم انخرط قليلًا في مجلة Pre-Raphaelite The Germ الخاصة بالجماعة والتي بدأت إصدار أول أعدادها عام ١٨٥٠ ولاقت رواجًا، حتى إنها كانت تعرض بالمعهد الوطني في بريطانيا جنبًا إلى جنب مع موسوعات الفن بدءًا من يناير ١٨٦٢ بعدما كانت تُتداول سرًّا.

إعلان

اهتمام بعض النقاد الفنيين المشهورين بأعمال روسيتي مثل چون روسكين وادوارد كولي كان له دور أساسي في جذب اهتمام الجمهور واسترداد روسيتي لثقته في نفسه وفي فنه وتمكن من نشر خمس رسوم توضيحية في مجلة أكسفورد وكامبردج وساهم أيضًا في عمل الجداريات الزجاجية المبهرة لمتحف أكسفورد ١٨٥٧، والتقى وقتها بالزوجين وليام وچين موريس والتي ستصبح عشيقة روسيتي لعقود كما سنوضح لاحقًا. وبحلول عام ١٨٦١ صار روسيتي من أقوى المترجمين في أوروبا بعدما نُشرت ترجماته للشعراء الإيطاليين المبكرين.

بالرغم من معاناته من منتصف ١٨٦٠ من مشكلة في العين والأرق الذي صاحبه حتى مماته وظهور علامات جنون العظمة والاضطراب النفسي عليه، إلا أنه، في أكتوبر ١٨٦٩، أخرج نعش زوجته لاسترداد قصائده التي دفنها معاها ونُشرت في عام١٨٧٠. انهارت صحته في ١٨٧٢ وحاول الانتحار وفشل وتخلى عن معظم صداقاته القديمة. أمضى فترات طويلة مع جين وويليام موريس. نُشرت طبعة جديدة من قصائده مع السوناتات عام ١٨٨١. وتوفي في بيرتنغتون- كينت على البحر ١٨٨٢.
روسيتي من أندر من امتلك المواهب الثلاثة؛ النثر والشعر والرسم على نفس القدر من البراعة والإتقان، وانتشرت رسومه على المطبوعات والمنسوجات والزجاج الملون بصورة كبيرة.

ولا يمكننا الحديث عن روسيتي إلا والمدرسة الرمزية ملاصقة لسيرته الذاتية والتي تعني ترميز الأشياء من خلال اللون، وترميز الوضعية للحالة أيضًا وظهور الرموز الصغيرة والكبيرة في اللوحات والتي في معظمها رموز دينية أو أسطورية، وظهرت جلية في خلال لوحة (بياتريس المباركة)؛ وهي لوحة تذكارية رسمها بعد وفاة زوجته وكان هدفه الاحتواء الرمزي لوفاة بياتريس. في اللوحة، ترى لحظة صعود بياتريس إلى السماء. وكان لكل لون استعمله روسيتي معناه الواضح في الترميز؛ أي توصيل المعنى والحس دون المثالية في النقل.

لا يمكننا التغاضي عن هوس روسيتي باللون الأخضر ودرجاته واستخدامه في كل لوحاته تقريبًا، حيث كان يقوم بوضع جرار وقوارير اللون الأخضر حول سريره أثناء النوم باستمرار، وله جملة شهيرة إزاء هذا الأمر  يقول فيها: (أنا أتنفس الأخضر ليلاً لتخضوضر لوحاتي في الصباح مثل العشب النامي على قبر حبيبتي)، يقصد هنا زوجته المتوفاة.

نستعرض اليوم بضع لوحات لأهم ثلاث نساء في حياته:

(إليزابيث سيدال)

دخلت إليزابيث سيدال _وهي شاعرة طموحة ورسامة_ في دائرة ما قبل الرفائيلية في حوالي عام ١٨٤٩. عملت كموديل لعدة فنانين من المجموعة، أشهرها النموذج لجميلة جون إيفريت ميليه الشهيرة بـ أوفيليا.
ثم أصبحت موديل رئيسي للوحات روسيتي من عام ١٨٥١. كانت إليزابيث خجولة ومتحفظة وهي بنت الطبقة الفقيرة التي لم تتلقَّ تعليمًا كافيًا، وكثيرًا ما كانت مريضة، إذ تدهورت صحتها من منتصف إلى أواخر الخمسينات. وبعد تردد كبير، تزوجها روسيتي في عام١٨٦٠. وفي العام التالي ولدت طفلًا ميتًا وفي ١٨٦٢ ماتت منتحرة إثر جرعة زائدة من الأفيون كما ذكرنا نتيجة لمعاناتها من الاكتئاب الحاد. دفن الزوج الحزين كل قصائده مع زوجته. لكن وجهها سيخلد في لوحاته.

نستكشف هنا لوحة (Beata Beatrix-1863)

هي اللوحة التي ترمز إلى حبه لها، بالإضافة إلى مئات الرسوم الأولية لها، التي أنتجها روسيتي خلال حياتهما القصيرة والمأساوية معًا. بدأ روسيتي لوحة بياتريس المباركة عام ١٨٦٣ بعد وفاة زوجته. تُظهِر اللوحة الفصل الأخير من قصيدة دانتي أليغييري (الحياة الجديدة). حيث تمثل سيدال الشخصية الأنثوية بياتريس بورتينار. روسيتي هنا يربط بين قصتي الحب، واحدة بين بياتريس ودانتي، وأخرى بين إليزابيث سيدال وروسيتي، من خلال الرمزية، وتحديدًا زواجهما القصير.

قصة دانتي وبياتريس: كانت بياتريس بورتيناري من فلورنسا وابنة أحد المصرفيين الأثرياء، والمحبوبة الأشهر للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري. معظم ما نعرفه عنها يأتي من أعمال دانتي. وفقًا للكاتب، كانت علاقتهما تجسيدًا للرومانسية والحب العذري، والذي غالبًا ما يكون سرًا ودون مقابل ويعتبر شكلًا منزهًا للغاية للإعجاب بشخص ما. ولكن من خلال معايير العصر الحديث، كانت العلاقة غير موجودة تقنيًا. قال أنه التقى بها مرتين فقط طوال حياته: في المرة الأولى عندما كان دانتي يبلغ من العمر تسع سنوات فقط، لكن ذلك لم يمنعه من الوقوع في حبها. في المرة الثانية والأخيرة، بعد ثماني سنوات في أحد الشوارع، بالكاد يتبادلان التحية المتواضعة في الشارع الفلورنسي. لكن الصورة المحيرة لبياتريس حملها خيال دانتي على مر السنين، ألهمت الكاتب لخلق أعماله الأكثر أهمية. حيث تمتلئ نصوص سيرته الذاتية La Vita Nuova برسائل حب لها، واختتم الكوميديا الإلهية بآية حداد لوفاتها، حيث تظهر كروح سماوية ترشده خلال رحلته إلى الحياة الآخرة. ويشير إليها بوصف “مخلصي” مجسدًا بسبب مشاعره النبيلة كمثال لما هو إلهي كامل.

في الحياة الحقيقية، تزوجت بياتريس من مصر في في عام ١٢٨٧، وكان لدانتي أيضًا أسرة. بعد ثلاث سنوات من زواجها ماتت في سن الرابعة والعشرين بعد معاناة مع الاضطرابات النفسية والمشاكل الزوجية. لذلك فإن قصة سيدال وروسيتي قريبة مما حدث مع دانتي وبياتريس وبذلك وجد روسيتي ضالته الرمزية في رسم هذه اللوحة بتلك الرموز.

حمامة حمراء؛ تبدو الحمامة، وهي الرمز المثالي للحب، بمثابة رسول الموت، وتحمل في منقارها الخشخاش الأبيض الذي يمثل إشارة إلى الأفيون. فوق الحمامة يمينًا تظهر ساعة شمسية تشير إلى رقم تسعة مرتبطًا بموت بياتريس في لا ڤيتا نوڤا، التي وقعت في الساعة التاسعة من التاسع من يونيو١٢٩٠. الجو المزاجي الضبابي العام لـ اللوحة يخلقان هالة تشبه حول رأس بياتريس والتعبير على وجهها يظهر التجلي الروحي المفاجئ وكأنها في غيبوبة. في الخلف تختفي صورة قاتمة للجسر في ضوء متوهج. وقد تم تحديد هذا كجسر بلاكفرايرز في لندن، الذي عاش بجانبه سيدال وروسيتي أثناء زواجهما. وفي الخلف يظهر دانتي أليغييري بهيئته المعتادة بغطاء الرأس على اليمين، وبياتريس الحقيقية في اليسار محاطة بأوراق خريفية متساقطة من الشجرة خلفها باديًا عليها مظاهر الحزن والانكسار.
يقول النقاد  إن لوحة روسيتي تحتفل بالحب والوفاء في أكثر أشكاله جمالاً، وقد حقق هدفه في الاحتواء الرمزي لـ فعل صـعود كلٍّ من بياتريس وإليزابيث إلى السماء وأن حياة دانتي أليغييري ودانتي روسيتي جميلة في الكتابة والفن فقط رغم تراچيديتها في الحياة الحقيقية.

رسم روسيتي اليزابيث في لوحات شهيرة أخرى بعد أعوام عديدة من رحيلها منها:

(The Roman Widow-1874)

(La Ghirlandata-1873)

(A Sea–Spell-1877)

A Sea–Spell

(A Vision Of Fiammetta-1860)

دائمًا ما جسدها بشعرها الأحمر المميز تعزف على آلة وترية وهو ما كانت ليزي تطمح إليه، فقد كانت شغوفة بتعلم عزف الموسيقي. يحيطها الورد وطائر صغير أو أشخاص بأجنحة في هيئة الملائكة الرمزية.

(چين موريس)

جليسة هذه اللوحة هي جين موريس، زوجة ويليام موريس والتي عرفت بأنها سيدة ذات حنكة ولباقة في الأوساط الأدبية والفنية وتبنت تسويق مجلة جماعة ما قبل الرفائيلية ونجحت في ذلك وساهمت في إقامة العديد من المعارض الفنية لكبار الرسامين في لندن وباريس وروما. شهرتها الأكبر ارتبطت بروسيتي حيث كانت الموديل المفضل له في الكثير من لوحاته وعلاقة الحب الغير مشروعة معه لسنوات طويلة. كانت چين قد دخلت حياة روسيتي لأول مرة في عام١٨٥٧. إلا أنهما لم يتبادلا مشاعر الحب حتى عام ١٨٦٥، أي بعد ثلاث سنوات من وفاة سيدال.

بحلول عام ١٨٧٠ كانت علاقة الحب بين روسيتي وجين موريس واضحة للجميع، حتى إلى ويليام موريس. لكن كان من الواضح أن لا أحد من الثلاثة أراد حدوث فضيحة عامة. قام ويليام موريس باستئجار منزل مشترك مع روسيتي وغادر إلى أيسلندا لإجراء الأبحاث، بينما عاشت جين وروسيتي هناك مع أطفالهما.

لكن چين سرعان ما أحست بخيبة أمل كبرى بعد معرفتها بإدمان روسيتي للمورفين والكحول ومحاولته الانتحار أثناء عيشهما معًا، ومع ذلك من بين جميع أعماله، كانت جين هي التي تركت أبرز علامة في فن روسيتي وكانت إلهام فترة حياته الأكثر إنتاجًا.

وبغض النظر عن شهرته، فلم يستطع روسيتي التعامل مع النقد بشكل جيد. ولتجنب ذلك، توقف عن عرض أعماله الفنية في المعارض العامة منذ أواخر الستينيات. وعلل ذلك بخوفه من أن علاقته مع چين ستصبح علنية وأن اسمها سوف يلطخ، في هذه الفترة كان يعاني من انهيار عصبي شديد. نتيجة لذلك، حاول الانتحار عن طريق نفس المخدر الذي انتحرت به زوجته. لكنه حتى بعد تعافيه عانى من استخدام المورفين وشرب الخمور بشكل مفرط لعلاج أرقه وألامه.

خلال الفترة التي عاشها مع چين دخل في الانهيار الثاني عام ١٨٧٧ وأصبح من الواضح أنه لا يمكن أن يكون لهم مستقبل معًا. وتحولت العلاقة من الحب إلى التعاطف المتبادل.

حزن چين بدا واضحًا في اللوحات التي استمر روسيتي برسمها وأشهر لوحاته لها هي حلم اليقظة التي رسمها قبيل وفاته ١٨٨٢ بعامين بينما كانت صحته العقلية والجسدية في حالة تدهور خطير لكن جذوة الموهبة لم تخمد بعد.

قد يعجبك أيضًا

نستكشف هنا لوحة (The day dream-1880)

تظهر چين برداء أخضر حريري فضفاض تتدفق طياته برشاقة لأسفل، جالسة بين أغصان شجرة الجميز المجنحة فوقها وحولها وكأن الشجرة تحتضنها أو كما لو أنها كانت تخرج من الشجرة نفسها، تمتزج أوراق الشجرة التي تربط هذا الموضوع والمناطق المحيطة بها بصريًا. هي مغمورة في أحلام يومها، وتحول نظرتها بعينين شاردتين إلى شيء غير مرئي بعنقها الأنحف من بين نماذج روسيتي وشعرها البني الكثيف تحمل غصن زهر العسل، وترمز هذه الزهرة ذات الرائحة العطرة إلى روابط الحب لدى الڤيكتوريين، وقد يكون روسيتي قد أدرجها هنا كمرجع دقيق للعلاقة بينه وبين چين وكتب روسيتي قصيدة تحمل الاسم نفسه والتي تنتهي بـ: (حتى الآن على كتابها المهمل مثلي تسيل قطرات الزهر الحلو المنسي من يدها الرقيقة). تصوير امرأة شابة وأنيقة في جلستها المحاطة بالفروع الشبيهة بلون ردائها قد يشير لمكان اللقاء السري. لم يكن روسيتي راضيًا تمامًا في البداية عن اللوحة وقام بالعديد من التنقيحات عليها. وكتب إلى موريس يعتذر عن نسخ أقدام امرأة أخرى بدلًا من قدميها.

وهذه أمثلة للوحات ظهرت بها چين موريس

(Pia de’ Tolomei-1868)

(Proserpine -1874)

(La Donna della Finestra -1879)

ملحوظة هامة: محتوى اللوحات التي تتضمن النماذج من النساء المؤثرات في حياة روسيتي لا تربطه علاقة بهن بالضرورة، إذ أن اللوحات تحمل قصصًا أخرى بعضها مرتبط برموز دينية أو أساطير يونانية وللتفرقة بينهن ذات الشعر البني هي چين موريس، الشعر الأحمر الناري إليزابيث سيدال، الشعر الماهوجني أو النحاسي فاني كونفورث، العيون البريئة كريستينا روسيتي، والشعر الذهبي اليكسيا ويلدينج التي عملت كموديل للوحتين.

(فاني كورنفورث)

اسمها الأصلي (سارة كوكس) وتم تغييره بعد ذلك لظروف العمل، وهي من الطبقة العاملة الريفية. قابلت روسيتي في عام ١٨٥٨، وجلست كموديل له في العام التالي، وفي النهاية أصبحت مديرة منزله وعشيقته حتى نهاية حياته. من المثير للاهتمام، كملاحظة جانبية، أن هذه  ذات الأصول المتدنّية انتهى بها المطاف في علاقة مع أشهر فناني أوروبا حينها، جمالها غير تقليدي من خلال المعايير الفيكتورية، الشعر الماهوجني الحر، بدلاً من المصفف والعنق القوي الشفاه النضرة اعتبرها روسيتي كعلامة تجارية للحياة الجنسية الفخمة.

عندما بدأت في العمل في منزله، كتب روسيتي إلى أخيه ويليام يخبره: “إنه يجرب ضربات جديدة في عمله بالفرشاة (في الزيت) أكثر مرونة وأقل سمكًا مما كانت عليه في رسوماته المائية التي بدأها في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر. ويعترف له أنّ لا رغبة له أمام تلك الفاتنة (فاني) إلا في رسمها وفيها”. لذلك لوحة “Bocca Baciata” (الفم المقبل) التي سنتحدث عنها هي اللوحة التي بدأت كل شيء.

ولكن غالبًا ما يتم التغاضي عن فاني كورنفورث كسيدة مهمة في حياة روسيتي، نظرًا لحقيقة أنها لم تكن سيدة فكتورية من طبقة النبلاء وكان البعض ينعتها بالعاهرة. لكن روسيتي كان دائم الدفاع عنها والإجلال من شأنها والاعتماد عليها واعتبرها الصداقة الحقيقية الوحيدة في حياته.

فاني المقربة عاشت وعانت معه ومع زوجته سيدال كل الاضطرابات والخلافات التي مروا بها ونهاية زواجهما المأساوية ومرت معه بكل فترات انهياره وانتعاشه وشهرته وانحسار الأضواء عنه. ومذكراتها كانت من أصدق ما روي عن روسيتي وأنصفته كثيرًا وذكرت فيها إن أجمل جمل الغزل التي سمعتها هي ترحاب روسيتي بها في كل لقاء جمعهما قائلًا: “ما كل هذا البهاء يا فاني”.

فاني هي أكثر نموذج اعتاد روسيتي إلباسها المجوهرات الثمينة التي عشق اقتناءها وصمم الكثير منها ونفذها كبار صناع المجوهرات في أوروبا واستخدم في رسمها أجرأ ألوانه وأكثرها إشراقًا.

نسكتشف هنا لوحة (Bocca Baciata-1859)

يصور روسيتي هنا عشيقته فاني كورنفورث وهي تنظر إلى المشاهد أو ربما في تأملها الخاص في المرآة. يمثل الحاضن الحسي جمالًا مثاليًا، في حين استخدم الفنان عناصر زخرفية فخمة تدعو إلى الاستمتاع البصري. وكتب على ظهر هذه اللوحة جملة من رواية للكاتب الإيطالي الشهير في القرن الرابع عشر چيوڤاني بوكاتشيو يقول فيها: (الفم الذي قُبِّلَ لا يفقد نضارته؛ بل يجدد نفسه كما يفعل القمر).

لوحة فاني الملهمة أكثر حسية وإغراءً بدأ بها روسيتي مرحلة جديدة في فنه، فصاعدًا ابتعد روسيتي عن الموضوعات المرتبطة بالعصور الوسطى والأخلاقيات واتجه إلى عالم أكثر حسية يحتفي بجمال المرأة والمجوهرات ومظاهر الترف، بالتركيز على الزخرفة والجمال من أجل الجمال لا من أجل السرد المعنوي.

تحدق كونفورت -عشيقة الفنان- بالمشاهد بذهول وربما بصورتها في المرآة حيث سطح اللوحة هو سطح المرآة الذي تحول الى نافذة على عالم آخر من رؤى ومشاعر داخلية. لكن سهولة الاستنتاج المباشر الذي يتوصل إليه مشاهد اللوحة ليست من طبيعة الرمزية خصوصًا عند فنان مثل روسيتي، فبينما يؤكد على الطبيعة المثيرة للمرأة بشعرها النحاسي  المنثور وقميصها المفتوح عند الصدر وعقدها الذهبي إضافة لجلستها وملامحها التي تجعلها تبدو وكأنها تستمع بنفاذ صبر وبراءة ممزوجة بإثارة وتحدٍ إلى شريك لا نراه، فإنه من جهة أخرى يحاول إرباك استنتاج المشاهد بإضافة أشكال أخرى تشير إلى الطهارة والعفة كالورود التي تحمل واحدة منها بين أصابعها تحيط برأسها وتتدلى من شعرها، التفاحة على يسارها ربما رمزية الإغواء في قصة حواء والسقوط

هنا يتم التعبير عن فكرة خاصة هي فكرة الفنان بإطار شمولي من الجمال والعاطفة الإنسانية. ومثل هذه الطريقة في العمل هي ما يميز روسيتي، وقد انتقلت إلى رسامين آخرين مثل غوستاف كوربيه الذي رسم عشيقته هو الآخر على هدى لوحات روسيتي.

ترتدي فاني ثيابًا سوداء مزينة بتفاصيل ذهبية، في حين أن الملابس الداخلية البيضاء تخدعك ببراعة. عنقها طويل وممتلئ، يميل رأسها قليلًا، شفتاها نضرتان مغلقتان، عيونها تتسم العمق، إنها ممتلئة، حسية، قوية، لا تمتلك أي شيء من جمال سيدال الرقيق الحزين، شعرها المتموج بلون نحاسي غني ودافئ يتجلى بشكل جميل مع الزخارف البرتقالية والحلي الذهبية حول عنقها وبشعرها زادت اللوحة توهجًا. قال روسيتي في مذكراته عن شعرها: (هذا الشعر البري الذي يتدفق ويتدفق على ما يبدو لا نهاية له، جاهز للالتفاف حول عنق ضحاياه. الشعر هو تاج جمال المرأة.. هذه جملة خاطئة. الشعر ليس التاج، ولكن السلاح، على استعداد لإغواء رجل، وعلى استعداد لخنقه في بضع ثوان).

أكثر ما يميز هذه اللوحة هي الألوان وأزهار القطيفة التي تزين الخلفية. إنها زهور الولادة في شهر أكتوبر، وهي مناسبة لأن لونها البرتقالي يتطابق مع لون الأوراق المتساقطة، وفي اللغة الڤيكتورية هي الزهور التي ينظر إليها على أنها رمز للحب وألم الغيرة الممتع. ومع ذلك ترمز الوردة البيضاء في شعرها إلى البراءة وغالبًا ما وضعها الڤيكتوريين في لوحات العروس العذراء.
فاني هي نموذج لوحاته الاكثر جمالًا وإغراءً وحسية، مثل:

(Lady Lilith-1866-68)

(Aurelia 1863–1873)

(The twig-1865)

خاتمة

الشخصيات النسائية “ليزي، فاني، وجين” تركن تأثيرًا لا يمحى على عمل روسيتي الأدبي والفني. ومكنته من تقديم صورة أكثر إشراقًا وأكثر واقعية للحب والعواطف البشرية. في اتزانها واضطرابها، استقامتها ونزواتها.

وأخيرًا فقد برر روسيتي كون أعناق نساء لوحاته الطويلة -سواء هؤلاء الثلاثة أو الأخريات في لوحاته- بأنها ترمز للكبرياء والاعتداد بالنفس والتمنع والشفاه النضرة المرتفعة للإغواء وأن السيدات العصيات على الانقياد في العلاقات أيًا ما كان نوعها هن الأكثر إغراء واشتهاء وجدارة بالحب.

تلك العبارة تذكرنا بقول شاعرنا الرومانسي نزار قباني:
أحلى الشفاه التي تعصي ..
وأسوأها
تلك الشفاه التي دومًا تقول: بلى

المصادر
١- rossettiarchive
٢- Stunner: The Fall and Rise of Fanny Cornforth,by Kirsty Stonell Walker
٣- مدارس التصوير الزيتي ،د أسامة الفقي، مكتبة الأنجلو المصرية،٢٠١٦.
٤- Dante Gabriel Rossetti google ِARTS
٥- 10 Artworks By Dante Gabriel Rossetti You Should Know
٦- Symbolism in Beata Beatrix by Dante Gabriel Rossetti

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نها العمراني

تدقيق لغوي: ضحى حمد

اترك تعليقا