نساءٌ مفقوداتٌ من حقبة التنوير.

في الوقت الذي اندلعت فيه الثورات السياسية وازداد التفكير بحقوق الإنسان واتسعت البحوث العلمية؛ وأُعطي المنطق أهمية كبيرة.. بدأت أفكار جديدة بالانطلاق، وكانت الأسماء التالية الأكثر تذكرًا من عصر التنوير: لوك، نيوتن، فولتير، كانط.. جميعها تعود لرجال. 

إيميلي دو شاتليه كانت إحدى النساء الرائدات. حيث اتخذت من الأرستقراطية -التي وصلتها بالطبقة الراقية في المجتمع- طريقةً للانخراط بشكل يومي في مناظرات فلسفية، بالإضافة إلى أنّها وظّفت ذكاءها الحادّ وقدراتها في الرياضيات لاختبار صحة الأفكار الجديدة وإقناع أبناء بلدها بأنّ نظرية نيوتن حول الجاذبية صحيحةومع ذلك لم تكن شالتيه المرأة الوحيدة التي كان لها تأثير في الثورة العلمية عبر الزمن.
إليكنّ بعض النساء الجريئات من عصر التنوير:

ماري باولز لافوازييه (١٧٥٨١٨٣٦)

ماري باولز لافوازييه والتي كانت تبلغ من العمر١٣عامًا فقط عندما تزوّجت المحامي الفرنسي الثري أنطوان لافوازييه. حيث بدأت فورًا بتعلّم اللغة الإنجليزية كوسيط علمي لتتمكن من ممارسة شغفها في الحياة: الكيمياء. وبعدها بفترة وجيزة ترأست إحدى أهم صالونات التجميل في باريس والذي كان يستضيف زوارًا أمثال؛ بنجامين فرانكلين وجيمس واط.، واستطاعت أن تقنع الممولين بالاستثمار بمشروع زوجها معتمدة على العقل بدلًا من الجمال. “إنها حقًا جميلةكما أشار المليونير تاباكو من فيرجينيا، مضيفًا “ولكن تبعًا لسلوكها فهي تعتقد أنّ نقاط قوتها تتمثّل في مدى فهمها وليس في شخصها.”

قام أنطوان لافوازييه بتكوين شهرته من خلال تعريفه للأكسجين، واستطاعت زوجته بالمقابلوهي خبيرة في التحدث باللغة الإنجليزيةبالتفاوض مع جوزيف بريسليو الذي كان قد اكتشف الغاز نفسه ولكن بإعطائه اسمًا آخر. لم تكن ماري مجرّد متحدثة مفوّهة، بل كانت أيضًا على اطلاع تام بآخر المستجدات في مجال النظريات. حيث شملت شروحاتها المهمة ضمن ترجماتها المنشورة لمختلف الكتب والمقالات.

إعلان

كانت أيضًا فنانة موهوبة، فبينما كان زوجها يحتفل بالتعديل الكيميائي ضمن كتابها الثوري، كانت شروحاتها المدققة ما أتاح الفرصة للكيميائيين من كل أنحاء العالم بتكرار ما قام به.

كارولين هرشل (١٧٥٠١٨٤٨)

يمكن للنساء أن يكنّ أسوأ عدوّ لأنفسهنّ.
“أ
نا لاشيء، لم أنجز في حياتي شيئًا يذكر.” هكذا عبّرت عالمة الفلك كارولين هرشل آسفةً. لقد ساهم هذا الاستبعاد النفسي في دفعها نحو غموض التاريخ، ومع ذلك فقد كانت المرأة الأولى التي اكتشفت مذنّبًا، حيث كانت معروفةً جدًا لدرجة أن قام الملك جورج الثالث بمكافأتها بدخل علميّ. حتى والدتها حاولت إعاقة تقدّم مسيرتها المهنية رغبة منها بإبقائها بالمنزل للغسل والتنظيف. وفي النهاية استطاعت هرشل التخلص من استعباد عائلتها لها في بلدها الأصلي، هانوفر، لتنضمّ بذلك لأخيها ويليام المعروف باكتشافه كوكب أورانوس والذي كان حينها يقطن في انجلترا. حيث قام بجعلها تتعاون معه في مشروعه الفلكي.

ليلة وراء ليلة قاما معًا بتسجيل الملاحظات التي رصداها بالتليسكوب، حتى في الليالي الباردة لدرجة أن يتجمّد الحبر وتتصدع المرآة المعدنية. حيث كانت تقوم بإجراء الحسابات لتحويل الأرقام على القرص إلى مواقع على الخريطة. ويعود الفضل لها بتحديث دليل النجوم الرئيسي لبريطانيا. مستقلّةً عن أخيها، قامت بتعريف عدة مذنبات جديدة. على الأقل سمحت لنفسها لدقائق نادرة بعيدًا عن كبت أخيها.

ماري سوميرفيل (١٧٨٠١٨٧٢)

ليس لجميع العلماء من النساء سفينة سميت باسمهن، ولكن ولمدة 20 عامًا، استطاعت ماري سوميرفيل نقل البضائع بين ليفربول، كانتون وكالكوتا. كانت فكرتها منقولة عن التمثال الرخامي التذكاري والذي كان يمتلكه أبناء الجمعية الملكية. وعلى الرغم من الاحتفال بهاملكة للعلومإلا أنّ حياتها الحقيقية لم تسمح بأن تطأ أقدامها الأروقة المقدسة. عندما نشرت مقالتها عن المغناطيسية وضوء الشمس في صحيفةمعاملات فلسفية”  قام زوجها بقراءتها نيابة عنها.

ظهرت كلمة عالم لأول مرة مطبوعة في الاستعراض الأكثر مبيعًا لكتاب سوميرفيل (في صدد علوم الفيزياء)، والذي وحّد ونشر آخر أحداث الأبحاث العلمية. وعلى الرغم من حظره عن الجامعات والجمعيات العلمية والمختبرات، فقد أصبحت أشهر كاتبة علمية في انجلترا الفيكتورية. حيث تمّ إصدار الطبعة التاسعة لكتابها.

لقد قامت بجهود جبارة لتستطيع الانتهاء من العمل على كتابها والاعتناء بأفراد عائلتها بالوقت ذاته. فقد عبّرت عن استيائها من الضغوطات الاجتماعية التي تحول دون بذل النساء أقصى إمكانياتهن. “بمقدور الرجل أن يقضي وقته كاملاً تلبيةً لنداء العمل.” وتابعت قائلة: 

أما المرأة فلا يسمح لها بهكذا عذر.”

آن كونواي (١٦٣١٧٩)

توفي غوتفريد لايبنيتس وهو يؤكد أنه قام بضرب منافسه اسحق نيوتن خلال السباق لاكتشافه الرياضيات، ولكنه أقرّ دور المرأة الأجنبية، والتي تدعى آن كونواي. حيث قام بمدح ذكائها على العلن، مشيرًا إلى التقارب الشديد بين آرائه وآرائها.

قامت كونواي وكنوع من الاستفادة من ثروة زوجها وغيابه الدائم بتحويل قصرها البعيد في الأرياف إلى محطة لتحريك القوى العقلية والذي جذب أبرز المفكرين البريطانيين. حيث حوّلت بعض أجزاء القصر، وبشكل شبه دائم، إلى بيت للزوار. مستمتعين ليس فقط بكرم ضيافتها بل وأيضًا بفرصة بحث آخر الموضوعات العلمية.

كان هنري مور، وهو فيلسوف في جامعة كامبريدج موضع ثقتها على مدى حياتها وإن أمكن القول حبيبها. والذي قام بقطع معاهدة لهذه الأنثى العبقرية والتي، بحسب قوله:

لم تتفوق فقط على بنات جنسها بل وأيضًا على أبناء الجنس الآخر.”

عانت آن كونواي طوال حياتها من صداع شلّ حركتها، حيث تكفّل مختصّ بجراحة الأدمغة من جامعة أكسفورد يدعى توماس ويليز والذي قام بدمج أعراض مرضها بدراسته الرائدة حول الأمراض العصبية. كان الألم المزمن كابوسًا يوميًا يراود كونواي. وبحسب الرؤية الديكارتية السائدة بالإضافة إلى الإلهام الفلسفي فإنّ العقل والمادة يعملان بشكل منفصل. ومع ذلك يبقى الجسد والروح شيئًا واحدًا، مدللةً بقولها:

كيف لا، ولماذا شعرت باليأس الشديد عندما أصبت بعلة جسدية.”

مارغريت كافندش (١٧٧٦١٨٣١)

ثورية وطموحة وصريحة هي مارغريت كافندش والتي يقال أنها أول عالمة نسويه. -حيث ثارت ضد القيود التي تحدد حياة النساء من خلال تأليفها كتابًا تلو الآخر. ورغم ذلك فقد تقبّلت وجهة نظر أرسطو بأنّ النساء ولدنَ مختلفات. حيث رأى أرسطو أنّ الرجال محظوظون لامتلاكهم عقولًا جافة؛ أي أنهم يفكرون بطريقة عقلانية ومنطقية، النساء من جهة أخرى فيعانين من امتلاك أدمغة باردة ورطبة مما يشكل لهنّ كل تلك المشاعر الندية.

كان لأرسطو أيضًا أثره على عناصر أخرى من فلسفتها. فقد نادت بأحد ألأشكال المتطرفة للمذهب الذري، حيث يتكون العالم فيه من أربعة أنواع من الذرات، بالتماشي مع عناصر أرسطو الأربعة، وهي؛ المربع كرمز للأرض، والدائرة كرمز للماء، والذرة الطويلة كرمز للهواء، وآخرها الشكل الحاد كرمز للنار.

كان لكافندش موقع ذو امتيازات، والذي مكنها من الترويج لهذه الأفكار في كتبها. حيث تزوجت من أحد أكثر الرجال نفوذًا في البلاد، دوق مدينة نيوكاسيل، والذي قام بتمويل أعمالها ليتم نشر نسخ منها بأعداد كبيرة. ليس ذلك فحسب بل كان مبتهجًا بترؤسها طاولة العشاء ومناقشتها أعظم العقول الأوروبية في ذلك الوقت.

صوفي جيرمان (١٧٧٦١٨٣١).

عندما اكتشف والد صوفي جيرمان هوسها بالرياضيات قام بمصادرة شموعها وأضرم النار بغرفتها. وبعد أن كشف أمرها وفي صباح أحد الأيام عندما كانت مستغرقةً في نوم عميق على مكتبها وملتفة ببطانيتها والحبر متجمد في قنينته ما كان له إلا أن يستسلم.

تم منع جيرمان من الدخول إلى مدرسة العلوم التطبيقية البوليفية الثورية، وتسلم هوية الطالب الذي كان قد غادر، حيث أخذ ملاحظاته من المحاضرة وقدم عملاً باسمه. ولم تتأثر إلا عندما طالب أستاذ بالالتقاء بهذا العالم الشاب الذي تحسنت أعماله فجأة بشكل كبير. لحسن الحظ لها (وللرياضيات)، كان مستنيرًا بما يكفي لتشجيعها أكثر.

مجبرةً على العمل بالمنزل بفعل الكتب، أصبحت مذهولة بنظرية الأرقام. حيث قامت، مدعيةً أنها رجل، باستجماع قواها طلبا للنصيحة من خبراء أوروبيين في القيادة أمثال؛ كارل غاوس، والمعروف بنظرية التوزيع الطبيعي. وبعد ثلاث سنوات من المراسلات كان غاوس منذهلًا من اكتشافه لحقيقة أنها أنثى وتفاخرًا بتشريفه الصغير لرفقائه. وبعد عدة سنوات من البحوث المطولة حول مرونة الصفائح الأرضية واهتزازها، أصبحت المرأة الأولى التي تفوز بجائزة من الأكاديمية الملكية الفرنسية.

ماري سيبيلا ميريان (١٦٤٧١٧١٧)

كانت ماري سيبيلا ميريان بالخمسينات من عمرها وكانت تتمتع بصحة جيدة عندما أبحرت إلى أمريكا الجنوبية. حيث أمضت ماري سنتين من عمرها في دراسة الحياة البرية، بالإضافة إلى ست أنواع من النباتات، وتسع أنواع من الفراشات. وقد تمت تسمية اثننتين من الخنافس باسمها.

كانت طفلة في ألمانيا، تدربت على يدي والدها الفنان الذي قام بتعليمها جميع المهارات اللازمة لصنع النقوش بالألوان الكاملة. لاحقًا قامت بتأسيس تجارة قائمة فقط على النساء، لإنتاج الأنسجة بألوان الزهور.كان كتابها الأول عن اليسروع والذي يشكل موضوعًا ذو أهمية اقتصادية عظيمة؛ وذلك لأن ألمانيا آنذاك أرادت إخراج الصين من السوق عن طريق إيجاد بديل رخيص عن دودة القز.

بعد عشرين عامًا من هجرها لزوجها، انتقلت ميريان إلى المجتمع الديني. حيث درست هناك اللغة اللاتينية وعلم الحشرات. وبعدها استقرت في اميستردام داعمة نفسها ماليًا عن طريق تقديم توضيحات الكتب المدرسية العلمية. وأخيرًا ادخرت المال الكافي لتحقيق حلمها بالسفر عبر المحيط الأطلسي.

ولتعويض تكاليف الرحلة، قامت بالاحتفاظ ببعض التماسيح والسحالي والأفاعي والاعتناء بها لبيعها لهواة الجمع الأثرياء. وقد قامت خلال فترة رحلتها بمراقبة دقيقة للعادات ودورات حياة الحشرات، وكان نظام التصنيف الذي ابتكرته لا يزال يحظى بالإعجاب حتى اليوم.

مساهمة شذى صلاح من الأردن

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا