مَرضهُ العقلي ليس السَبب

حادثة فلوريدا - تُفنِد البُحوث الصِلة بين العُنف والمَرَض العقلي..

حَدثت مرةً أُخرى منذ عِدة أيام، فقد أطلَق رجلٌ مسلَح النار على مَدرسة ثَانوية في فلُوريدا مُخلِفاً وراءهُ سبعةَ عشر ضَحية والعديد من الإصابات الخَطِرة. وعَرضَت نشرات الأخبار فيديوهات مألوفة لإجراءات إخلاء الطلاب من المدرسة بصفٍ واحد، وللأعمال الدَوريّة التي قَامت بِها فِرَق القُوات الخَاصَة بِرُدهات المدرسَةِ وصفوفِها، ولِمقابلات أُجرِيت مع مَن نَجا من الطلاب وأهالِيهم. ثم بعدَ انتِشار صُور الجَاني طُرِح السؤال المُعتاد “لماذا ارتكَبَ الجرِيمة؟” فتَسرَع العديد بِالإجابة بأَن القاتل مُختل عقليًا.

ولاحظَت العائِلة التي كان يمكُثُ معها الجاني بعد وفاةِ والِدتِه ظُهور عَلامات الاكتئاب عليه، بيدِ أنّ لا شيء مِنها يُشير إلى أنَهُ كان قادِرًا على ارتِكاب هذا العَمل الوحشيّ حسبما جَاء في صحيفِة نيويورك تايمز. ونشرت صحيفة واشنطون بوست قصة الجاني تحت عنوان “المُتهم بإطلاق النار في فلوريدا نيكولاس كروز – الأسلحة والاكتِئاب وحياة تملؤها المتاعِب.” وكما غَرّد رئيس الولايات المتحدة “هُنالِك العديد مِن الدَلائِل على أنّ الجَاني كان مُضطرِبًا عقليًا” وحَثّ على ضرورة إبلاغ السُلطات عند وجود دلالات كهذه. ومن الواضِح من اقتراحه أنّ مَرضَ الجاني العقلِيّ يقِفُ وراء ارتكابِه الجريمة. ولكن، هل تسير الأمور فعليًا هكذا؟

إن الصِّلة المُفترَضة بين المرض العقلي والعُنف راسِخة بثقافتنا وبذلك فالقصّة أعلاه لا تحتاج إلا لاقتراح أنّ الجاني كان مُكتئِبًا بُغية إيجاد تفسِير واضِح لما حَدث. إلّا أنّ الأبحاث تكشِف قصة مُختلِفة تمامًا، فعلى الأرجَح يَكون الأشخاص المُصابون بالأمراض العقلية ضحايا وليس مرتكبي العنف. فيزداد احتِمال كون المُصابين باضطرابات عقلية شديدة مثل انفصام الشخصية واضطراب ثنائي القطب والذُهان ضحايا لجرائِم العُنف بمعدّل مرَتين ونِصف على عامة الناس. وكما أنه لِيتسنّى تفادي جريمة قتلٍ مُرتكِبُها مُصاب بالفصام سيلزم احتجاز 35.000 مريض مُعرّض لِخطَر العُنف، ومع هذا فإنّ الصِلة لا تَزال مُستمِرة. وإلى جانب ذلك فقد تَبيّن من دِراسة استقصائية أجريت بعد الحادِثة أن 46% من الأمريكان يعتَقِدون أن المصابين بالأمراض العقلية أكثر خطورة من عامة الناس.

إنّ الصورة النمطية لِصلة العنف بالمرض العقلي غير دقيقة وخَطيرة، فكُلّ قِصة توحي بوجود هذه الصِلة تزيد من اعتِبار المَرض العَقلي وصمة عار مما يُقلِل احتمال التِماس المريض المُساعدة. وعلاوة على ذلك فإنها تضرّ عامة الناس لإيصالها رسالة ضمنية بأنه شيء مُخيف، وتَعزِل المُصابين وتمنَعُهُم من فُرصِة التَعافي بالاندِماج مع المُجتمع المُحيط. وختامًا، فإن هذه الصِلة تجعل التخلّص من المأزِق سهلًا جِدًا، فإذا كُنا سنُلقي باللوم على المَرضِ العقلي للجَاني فليس عَلينا التنقيب بِتاريخه كثيرًا لإيجاد الإشارات التحذيرية التي أخفَقنا في مُلاحظتِها، أو إدراك خطورة قوانين الأسلحة التي تسمح للمدنيين بِالحُصول على الأسلحة الحربية.

إعلان

وإجابةً على سُؤال “لِماذا ارتَكبَ الجاني الجَريمة؟” هي أنّنا لا نَعرف؛ فعقولِنا تُعاني مِن الغموض، إذ  لو اكتشفنا السبب وراء ذلِك فَلن يُوضِح أبدًا كيفَ يُمكِن لإنسان قتل 17 زَميل ومُعلّم بِدمٍ بارِد، ما نعلَمَهُ هو شيء واحِد وهو أنّ مَرضهُ العقلي ليس السبب.

 

إعلان

اترك تعليقا