الذهب الأصفر بين الواقع والمأمول حوار علمي حول القمح المصري بين الندرة والوفرة

يلعب القمح دورًا مهمًّا في الاقتصاد إلى جانب أنه يمثل المكون الرئيسي في الغذاء للإنسان المصري، ويشغل نسبةً كبيرةً من مساحة المحاصيل التي تُحقق صافيَ عائدٍ مرتفعٍ مقارنةً بالمحاصيل الأخرى، وتشير الدراسات إلى أن القمح يتعرض في مراحل نموه إلى بعض الأمراض منها: (الصدأ الأسود، والصدأ البرتقالي، والصدأ الأصفر، والبياض الدقيقي) وهذا يؤدي إلى وجود فجوة غذائية، ويترتب عليها الحاجةُ لسد تلك الفجوة، والتي تزداد معها أعباء مالية كبيرة وغيرها، فكان بالأمس يمثل ندرة في زراعته، واليوم يمثل ضرورة توفره لاحتياجه.

ومن هنا كان اللقاء المنتظر مع الدكتور أحمد القط، الحاصل على منحة صندوق نيوتن مشرفة لتمويل درجة الدكتوراه -وهي منحة ممولة من جانب المجلس الثقافي البريطاني لدعم قطاعات البحث العلمي والابتكار في مصر والمملكة المتحدة- حول المبررات و الدوافع التي جعلته أكثر اهتمامًا في دراسته للقمح المصري، وقد أفاد بأن القمح من أهم الحبوب الرئيسة لغذاء المصريين، حيث تستورد مصر أكثر من نصف احتياجاتها الثانوية؛ مما يجعل الاقتصاد المصري أكثر عُرضةً لتقلبات العملات الدولية، أيضًا زيادة نسبة الأمراض التي تصيب الإنتاج المحلي لزراعة القمح ما يؤدي إلى وجود فاقد كمي وكيفي في المحصول.

 وأشار إلى أن الجينوم القمحي -المحتوي الجيني و الشريط الوراثي-  يُعدّ معقدًا في دراسته للغاية، ويتمثل هذا التعقيد في حجمه، والذي يعادل تقريبًا أكثر من خمس أضعاف المحتوى الجيني للإنسان؛ وبذلك يصعب الكشف عن الجينات المقاومة للأمراض التي تصيب القمح.

ولمعالجة تلك التعقيدات التي تواجه نبات القمح؛ استخدم الدكتور أحمد القط تقنية ال RenSeq’’وهي تقنية تمكن من اكتشاف الجينات المقاومة لمسببات الأمراض في تسلسل الجينوم النباتي. حيث قام أيضا بتخفيض حجم جينوم القمح المعقد هذا مما يسَّر الفحص والتركيز فقط على التسلسلات المحفوظة داخل الجينوم -وهو التسلسل الذي استمر منذ زمن طويل- والتي تحتوي على الجينات المقاومة للأمراض.

إعلان

ملخص لتقنية RenSeq

 وعليه، قام بتعريف وتصنيف كمٍّ كبير من الجينات المقاومة للأمراض التي تصيب نبات القمح من خلال Watkins Collection وهي عبارة عن مجموعة أصناف قمح محلية تم تجميعها في إنجلترا من أكتر من 100 دولة، حيث أنه قام بتجميع أفضل 300 مجموعة مميزة من ضمن تلك الأصناف، وتم تقييمها في أربع بيئات جغرافية متنوعة في مصر وهي: (محافظة بني سويف ومحافظة البحيرة ومحافظة كفر الشيخ ومحافظة الغربية) فتلك الأماكن تكثر فيها أنواع مختلفة من الصدأ والبياض الدقيقي الذي يصيب نبات القمح.

وقد توصل إلى مؤشرات مرتبطة بالجينات -تلك المؤشرات تكون قريبة من أماكن تلك الجينات أو بداخل الجينات نفسها- فتُسهم في نقل تلك الصفات المهمة إلى القمح المصري من قبل مربي نباتات القمح، ووظيفة تلك المؤشرات أنها تعمل كأدوات لتسهيل نقل تلك الجينات.

فتخيل معي أيها القارئ أن هناك مجموعة من الإبر المعدنية منتشرة في كومة من القش وأردت أن تحصل عليها.. ماذا تفعل؟ الحل ببساطة أن تحضر مغناطيس بالقرب من تلك الكومة فيجذب الإبر المعدنية! هذا التشبيه يمثل ما استخدمه الباحث في الحصول على تلك الجينات المقاومة للأمراض، وبالتالي يتم نقل تلك الجينات في أقل وقت ممكن في حدود من 3-5 سنوات بدلا من 12-13 سنة وبأقل تكلفة ممكنة مع حماية البيئة من التوسع في استخدام المبيدات الفطرية.

وتشير الدراسات إلى أنه في حال نقل جين مفرد مقاوم للمرض فإنه يتم مقاومته سريعًا عن طريق سلالات خبيثة من المرض، وفي ضوء ذلك يتم جمع الجينات ذات المقاومة المتعددة على هيئة شكل هرمي ونقلها في النبات لزيادة مقاومته ضد الأمراض.

الجدير بالإشارة أنه تم توثيق هذه الدراسة التي قام بها د.أحمد القط مع فريقه البحثي بمجلة Nature وهذه التجربة تختلف عن النباتات المعدلة وراثيا في أنها تحقق حد من الأمان المقبول.

وبطبيعة الحال قام ببعض الإجراءات  المنهجية للعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من هذا المشروع أكاديميا وتطبيقيا، فعلى المستوى الأكاديمي: نقل أفضل الممارسات في معالجة الأمراض، كما قام بتجهيز معامل متخصصة بأحدث الأجهزة التقنية لدراسة مشكلات القمح المصري بدعم من منحة نيوتن مشرفة وهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار STDF، وتدريب الباحثين على تقنيات علم الوراثة لتمكينهم من استخدام تلك التقنيات في مشاريع بحثية مستقبلية.

وفي إطار الإجراءات التطبيقية: نقل أربع جينات مقاومة للصدأ الأصفر والصدأ البرتقالي لأربعة أصناف مصرية من القمح وجاري تقييم تلك السلالات في محطة البحوث الزراعية حيث مقدر لها أن تكون واعدة وأن يتم تضمينها إلى برامج تربية المحاصيل الزراعية بمصر.

كما  أشار إلى أن مصر قد تواجه بعض المشكلات المستقبلية في زراعة القمح والحبوب بشكل عام، وتتمثل هذه المشكلات فيما تعانيه مصر من الملوحة وأيضا التغير المناخي الذي ستواجهه، بالإضافة إلى المخاطر المحتملة من نقص المياه نتيجة لسد النهضة ولعل النتائج التي توصل إليها يمكن أن تفتح آفاق جديدة لمعالجة هذه المشكلات وذلك عن طريق تحسين أصناف جديدة من الحبوب.

نرشح لك: التجارة الدولية وتجربة زراعة القمح في السعودية

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نوران طنطاوي

تدقيق لغوي: علي الكرغلي

اترك تعليقا