الخيل والجنس وقيادة المرأة!

في اللغة العربية “المشي” لا يكون إلا للمرأة كما قال الثعالبي، وهي مقولة من الطريف أن تؤخذ بمعنى “رومنسي” عن جمال مشية المرأة الذي يتغزل به الأعشى:

كأن مشيتها من بيت جارتها
مَور السحابةِ لا ريثٌ ولا عجلُ

لكنّ هناك معانٍ عديدة منطوية خلف هذا الغزل. فالعرب مثل غيرها من الشعوب القديمة، يعتزّون بقيم الفروسية التي يمثلها الرجال الأقوياء الراكبون على صهوات الخيل:

فالعِزُّ في صهواتِ الخيلِ مركبهُ
والمجدُ ينتجهُ الإِسراءُ والسهرُ

أما المرأة فإنها غالبًا ما تكون في البيت، وإذا خرجت فإنها “تمشي” مسافاتٍ قصيرة، وإذا سافرت فعلى ناقة. لذلك نجد المتنبي حينما أراد تشبيه الليالي، جعلها في صورة امرأة تمشي وبيدها زمام خيله:

وما بَلَغتْ مشيتَها الليالي
ولا سارتْ وفي يَدِها زمامي

ومن ناحية أخرى فقد كان العرب لا يورِّثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على “ظهور الخيل”، فلا ترث المرأة، ولا يرث الصبي، لذلك ليس من المستبعد أن يتكوّن نوع من “التابو” حول جلوس المرأة على “ظهر الخيل”، وربما حتى الصبي، ولعل هذا هو دافع عمر بن عبد العزيز حين نهى النّاس عن حمل الصّبيان على (ظهور الخيل) عند الرهان.

وقد ورد ذكر الخيل مقرونًا مع المرأة في عدة نصوص إسلامية، ففي القرآن نجدها في سياق متاع الدنيا في سورة آل عمران: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ﴾. وفي الأحاديث النبوية ورد قول الرسول أن: «البركة في ثلاث: الفرس والمرأة  والدار»، وفي حديث آخر قال «ليس من اللهو إلا ثلاث: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه بقوسه» وكذلك قوله «ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها»

إعلان

وكان العرب يعتبون أشد العتب على الرجل الذي لا يستقرّ على ظهر فرسه، ومن ذلك قول الشاعر جرير مستنكرًا:

ما كنتَ تَلقَى في الحُرُوبِ فَوَارِسِي
ميلاً إذا ركبوا ولا أكفالا

وكلمة أكفال هي جمع كفل، وهم الرجال الذين لا يثبتون على ظهور الخيل. ويسمونهم الأحلاس، والأحلس هو الرجل الذي لا يصلح إلا للزوم البيت، كالنساء، واليوم تستخدم هذه الكلمة بمعنى عديم شعر الوجه، ولا تخفى دلالة نقص الخصوبة والرجولة في هذا الوصف.

وقد ارتبطت الخيول بمعانٍ جنسية كثيرة في الخيال العربي، فمن أنواع الخيول: الفحل، وهو الذي يُستخدم في تلقيح بقية الأفراس. وعندما يرى العربي خيلًا أو فرسًا في المنام يفسرها بالزواج. وكان العرب يتغزلون بالخيول تغزلهم بالنساء من ذكر الجيد والعيون والقوام والشعر وبالتأكيد المشية، حتى أنهم وصفوها بالعفة والحياء:

ترى الخيل تستحيي إذا ما ركبتم
عليها حياء البدّن الخفرات

ويتناقلون فيما بينهم كلامًا من قبيل أن أصايل النساء والخيل لا تمكّن من نفسها إلا صاحبها، وتنتفض متمرّدة على غيره، وكم من فرسٍ أطاحتْ بفارسٍ غريبٍ، و خيلٍ أوقعتْ معتدينَ متجاوزينَ.

وكانت المرأة الفارسة تلهب خيالات العرب الجنسية في قصصهم وأشعارهم.. ويمكن أن نرى ذلك اليوم في أغنية الجسمي: (فرس فرس)، التي تحمل كلماتها الكثير من هذه الرمزيات المشتركة بين المرأة وتصور العربي للخيل:

الخيل والمرأة في العصر الحالي

بالعودة إلى عصرنا الحالي، وبما أن تصورات المجتمعات لا تنفصل عن ماضيها بأساطيره وقيمه وهواجسه، وحتى معتقداته الدينية، بدوافعها وتبريراتها.. ربما وجدنا علاقة بين الخيل والسيارة -باعتبارها خيل العصر الحديث- وبالتالي مع منع قيادة المرأة في السعودية!

خاصة مع تحجج بعض الشيوخ بإثارة مقعد السيارة لغرائز المرأة أو احتمال استخدامها للوصول إلى عشيقها أو ضرر المقعد على مبايضها كما ادّعى الشيخ صالح اللحيدان في لقاء تلفزيوني، وعندما أحرجه المذيع مطالبًا بمصدر علمي للمعلومة، أجابه الشيخ بالقول:

من خلال قراءتي.. ركوب البعير قديمًا كان يؤثر على المرأةالمصدر(بالدقيقة14:04)

فهل تجوز لنا مقاربة هذا التزمت الديني بجذور تاريخية في ثقافة الجزيرة العربية نشأت من خلال بيئتها وظروفها الاجتماعية؟ أترك التعليق للقارئ العزيز..

المصادر
1الثعالي، فقه اللغة، ص 136
2الحيوان للجاحظ، 6/ 409
3العمدة في الفوائد والآثار ص94
4مسند أحمد: 17321
5سنن أبي داود: 2553
6لسان العرب، 6/ 54

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمد عطبوش

اترك تعليقا