الخوف يمنع من الحياة
أصعب المعارك التي نواجهها على الإطلاق هي معاركنا مع أنفسنا، تستهلكنا وقد تغرقنا بها إلى ما لا نهاية إذا استسلمنا لها ولم نحاول التغلب عليها، تحتاج الكثير من الصبر والقوة لمواجهتها، ولكن لم يكن يومًا الأمر سهلًا كما يصور لنا أو كما نُهيئه لأنفسنا أحيانًا بأننا يمكننا الانتصار فقط إن تجاهلناه.
“الخوف لا يمنع من الموت لكنه يمنع من الحياة.”
– نجيب محفوظ
لطالما كان الخوف شبحي الذي يطاردني دائمًا في كل وقتٍ وكل مكان، لم يكن محددًا ولا موجهًا، كان من كل خطوةٍ وفي كل خطوةٍ، ولم يكن من السهل أن أشرح ذلك لأحد.
الخوف يغيرنا، يضعفنا، يزيد من رغبتنا في الهروب من كل شيء حتى أنفسنا، نحاول جاهدين المحافظة على توازننا، ولكن إن فشلنا في مرةٍ نسقط ويتمكن منا، المواجهة في لحظة السقوط ليست بقرارٍ سهل وإن كان بلا شك هو الحل الأمثل، ولكن غالبًا ما نختار الحل الأسهل؛ فنتشبث بوهم التجاهل ونراه طوق النجاة الوحيد، بينما يخنق أنفاسنا يومًا تلو الآخر، وكل ما نستطيع فعله هو أن نُكذب شعورنا ونجلدُ ذاتنا بقسوةٍ لشعورها بالوهن، نشتكي من قسوة الحياة وأنها غير عادلة، بينما نحن أكثر قسوة منها على أنفسنا ولم نظن بها إلا سوءًا، في كل مرةٍ نتجاهل وجوده يستشري بداخلنا ويسيطر علينا أكثر، دون درايةٍ منا نربي الوحش الذي لطالما خشيناه.
“كان التناسي هو الحل الوحيد، والتخطي الخيار الأسهل، وهذا ما عقّد الأمر.”
أرضك التي اتخذتها ملجأً لك لم تكن صلبةً بما يكفي لتحمِلك، كدت تسقط مئات المرات من فوقها، وكلما مشيت خطوة رأيت علامةً تخبرك بأنك تسير في الطريق الخطأ، ولكنك كنت تكذّب عينيك وتُكمل الطريق فيطولك الأذى في كل مرة، تستمر في المقاومة وترفع رأسك عاليًا وتكابر أكثر وأكثر، يزداد عنادك وتضمد جِراحك بِنَفسِك دون مساعدة من أحد، تعاود الكرة مرارًا وتتجاهل زيادة تَصَدُّع الأرض من تحتك، تكره ضعف قدميك الذي كان يزداد ولم ترغب يومًا في معرفة سببه.
الأرض كانت جدباء من حولك، ولكنك كنت تستمر في محاولة زراعتها بورودك المفضلة وتتجاهل حقيقتها.
تستمر في هروبك، تستبدل إحساسًا بآخر، بل تنكر أحيانًا وجود أي شعور بداخلك، ظنًا منك أن ذلك سيزيد قوتك وسيجعلك تصمد للنهاية، عقلك ممتلئٌ بالشعور بعدم الرضا عن حالك، وقلبك يعتصره الألم وروحك مُنكسرة، خوفك يستمر في هزيمتك وأنت ما زلت غير قادر على أن تفهم ما يحدث معك وما يحدث من حولك، تشعر أنك بحاجة إلى معجزةٍ ما لتنقذ روحك من معركةٍ أنت غير واعٍ بها في الأساس، مهما بدت واضحةً ومهما حاول أحدهم إنقاذك، أنت منقذك الوحيد.
نظل في حلقةٍ مفرغة من عذابٍ لا ينتهي ولا يُحتمل، حتى يأتي يومٌ قد تُكتب به النجاة ويُحدثُ الله أمرًا ما لنُدرك أن تجاهلنا إن استمر سيتسبب حتمًا في قتلنا، حينها فقط نتأكد من أن سقوطنا لم يكن لتقصيرٍ منا، ولكن لخداع أنفسنا لنا بأنها تجد راحتها في الظلام خوفًا من إبصار الواقع، نُدرك أخيرًا كل شيءٍ في تلك اللحظة، بعدما عاندنا حتى النهاية وأغلقنا أعيننا طويلًا.
لا تكن ضحية
“عندما تتخطى مرحلةً صعبة من حياتك، أكمل حياتك كناجٍ وليس كضحية.”
– جلال الدين الرومي
حين تحدث معجزتك التي دعيتَ بها في كل يومٍ كن ممتنًا ولا تندم، وتذكّر ألّا تقسُ مجددًا على نفسك فتظلمها، أعطها الوقت الكافي لتُشفى، ابحث عن أمانها في أرضٍ تملؤها السكينة والسلام.
هناك أمورٌ في الحياة كلما ابتعدت عنها كلما رأيتها بشكلٍ أوضح، وتجاهلك وضعفك كانا يحجبان الرؤية، ابتعد عن الأذى لتحفظ روحك من اعتياده، من بعيد ستتمكن من رؤية الأشياء التي كنت تغفل عنها، والأشياء التي كنت تتغافل عنها، ستكتشف نفسك من جديدٍ كما لم تعهدها من قبل.
لا تصدق الناس، ولا حتى نفسك، أحيانًا يخدعك ضعفك وحاجتك، صدق ما يخبرك به قلبك ولا تتجاهله وتدفنه بعيدًا عنك، ولا تغفل إشارات الله لك؛ هما سبيلك الوحيد للوصول، هما طوق نجاتك الذي لطالما بحثت عنه، والأمل الذي قد تفقد حياتك بفقدانه، وتذكر دائمًا أنك أنت الشخص الوحيد القادر على إنقاذ نفسك.