ابن خلدون مفكر فاق عقله زمانه
ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والموسوعة المتحركة الذى فاق عقله زمانه
يُعتبر ابن خلدون أو عبدالرحمن محمد ابن خلدون من أهم وأشهر عُلماء عصره والعالم. فهو في الحقيقة أشهر من أن يُعرَّف. وأعظم من أن يجهله البعض.
⁃ حياته باختصار:-
ولد في تونس عام ١٣٣٢م، وعاش متنقلًا في شمال إفريقيا، انتقل ابن خلدون إلى مدينة تونس وبداخله الرغبة في الاطلاع على الكتب والدواوين الموجودة بخزانتها من جهة، والرجوع إلى مقر أجداده ومسقط رأسه من جهة أخرى، ليتمم أخبار البربر، وكتب كذلك أخبار الدولتين وما قبل الإسلام، إلا أنه سيغادر الغرب الإسلامي بصورة نهائية، ثم إلي مصر تاركًا خلفه تراثًا وأفكارًا ليعمل قاضيًا للمالكية. وترك المنصب وعُزل منه لعدة مرات لشدة طبعه وصلابة أسلوبه. وظل في منصبه رغم الاضطرابات حتى وفاته عام ١٤٠٦.
وابتلي بكارثتين في حياته هما غرق أسرته في سفينة على سواحل طرابلس، وعندما تم أثره من قبل تيمورلنك في الشام، وقد ذهب مع الجيش وكبار المملكة وتم محاصرتهم وحاولوا الهرب ليلًا من الأسوار وتم القبض عليهم، ودعاهم تيمورلنك للغداء في خيمته، وتحدث ابن خلدون عن نسب تيمورلنك وخاطبه بكلام جميل وقد أُعْجِبَ به تيمورلنك وطلب منهُ أن يبقى في خدمته، ولكن ابن خلدون طلب الذهاب للقاهرة بحثًا عن مكتبته، وتركه تيمورلنك هو ومن مَعَه أحرارًا.
ولأن ابن خلدون شارك في المؤامرات والسياسة اُعتقل واهتز كثيرًا من المكايد والاضطرابات. أيضًا تقلد أعلى المناصب في عصره. وأسس علم العمران الذي سُمي فيما بعد ب (علم الاجتماع).
– أفكاره ونظرية العصبية :-
أما مؤلفات ابن خلدون فقد تناولت العديد من الأفكار في العمران والفلسفة والتاريخ والمنطق والاثنوغرافيا والآداب والفنون والسياسة وغيرهم..
فكان حقًا موسوعة متحركة وثقافته فاقت عصره.
فأراد أن يكون مؤرخ تجاوز نطاق البلد التي عاش فيها، وحاول التجديد من أسلوب النظر إلى التاريخ بدل الاعتماد على الرواية أو التعداد. أراد الاعتماد على العقل والأخذ بالأسباب في فهم التاريخ. باختصار “إعمال العقل في الخبر”.
محور نظريتة هو “العصبية”. والعصبية هي الروابط بين الشعب، كالروابط بين الذرات. سواء كانت رابطة دينية أو سياسة أو عرقية.
وتكونت العصبية بسبب شعور الإنسان البدائي بالأخطار، فبدأ في تكوين جماعة للحماية المتبادلة من الحيوانات المحيطة. حتى اكتشف الإنسان أن الشر ليس من الطبيعة فقط، وإنما بداخله أيضًا، فهو يسرق ويعتدي ويقتل، فتم وضع القانون واختيار حاكم لتنفيذه.
وعندما تنشأ الدولة بشكل عصبي، يبدأ التنافس بين الدول وقهر بعضها بعضًا، فتحتل الدولة القوية دولة ضعيفة وتتحول لدولة أقوى. حتى تظهر دولةٌ أقوى وتقهرها. بسبب ضعف حكامها وغرقهم في الترف وإهمالهم للعصبية. وتظل هذه الصيرورة طوال التاريخ.
لو نظرنا إلى التاريخ سنجد أن الحضارات والامبراطوريات العظيمة كانت قائمة على أساس العصبية “دينية أو عرقية..”. وتكون عصبيتها هي الدافع للتقدم داخليًا وقهر الأعداء خارجيًا. ويصر ابن خلدون على أن تكون الدولة دينية لثبات عصبيتها ووحدتها نحو البقاء. وأن يكون الحاكم عادلًا وعارفًا بالعلوم الشرعية. ولكنه ليس معصومًا من الخطإ، وإنما يأخذ بالأسباب والأحوال.
⁃ البدو والحضر:-
يري ابن خلدون أن البدو والحضر يجمعون بين النقيضين. فنجد في البداوة ميلًا للهمجية وبعدًا عن الفن والعلم. لكن بهم صفات مثل الشجاعة والكرم والرضا.
أما الحضر فهم محبون للفن والعلم، ورغم ذلك تغلب عليهم أخلاق الترف والجبن والخبث.
فالإنسان عند ابن خلدون لا يُمكن أن يكون سيئًا أو جيدًا بشكل كامل، ويتأثر بأحوال مجتمعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وليس حر الإرادة داخل المجتمع، ولو حاول تغيير عاداته وطباعه سيكون مصيره الذل والهوان. وأن الأنبياء فقط من نجحوا في ذلك بسبب التدخل الإلهي.
ورأي كارل ماركس قريب جدًا باعتقاد ابن خلدون أن المجتمع يسير في دورات متتابعة نتيجة التصارع بين البدو والحضر، ما دامت صفاتهم متضادة. وبعد أن يحل البدو محل الحضر سيفقدون صفاتهم ويتحولون إلى حضر وبذلك تضعف الدولة. وليس كل أهل الحضر مثل بعضهم أو البداوة، لكن يكون الفرق واضحًا في كل زمان ومكان.
واختلف الكثير من الباحثين في فهم ابن خلدون، لأنه كتب المقدمة في مراحل زمنية متفرقة فحدث شبه تناقض وتضارب في بعض آراءه، كما حدث مع العديد من المفكرين وما زال يحدث. ولكن هذا لا ينفي أنهُ من عباقرة عصره وجهابذة التاريخ.