ألوان معاناة الصحافة في مصر

لم تشهد الصحافة معاناة أكثر مما تشهده في الفترة الحالية، فلقد أصبحت الدولة أكثر تقييدًا للصحافة، ومن خلال ما حدث للصحفيين في الفترة الحالية نستطيع أن نرصد ألوان المعاناة التي تعانيها الصحافة في مصر.

تهمة الانضمام للإخوان أو لجماعة إرهابية

بعد أن أجرى «معتز ودنان» الصحفي بـ«هاڤينجتون بوست عربي» حوارًا مع المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي هدد جنينة خلاله بكشف وثائق تدين قادة سابقين في المجلس العسكري إذا تعرضت حياة سامي عنان للخطر، أُلقي القبض على الصحفي واتُهم بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة في القضية رقم ٤٤١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة، التي تكون ضمن سلسلة قضايا معروفة باسم «المحور الاعلامي لجماعة الإخوان الذي ينشر أخبارًا كاذبة».

وبعد أن نشر موقع مصر العربية تقريرًا مترجمًا عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بخصوص الانتخابات الرئاسية السابقة، اقتحمت قوات الأمن المقر الذي يعمل به الموقع، واعتقلت رئيس تحريره «عادل صبري»،واتهمته نيابة أمن الدولة العليا بالتهم نفسها وضمته إلى القضية نفسها التي ضُمّ إليها الصحفي معتز ودنان، وقد نصت تحريات الأمن الوطني على أنه يعمل لدى جماعة الإخوان، على الرغم من وجود مقالات لعادل صبري في جريدة الوفد انتقد فيها جماعة الإخوان عندما كانوا في الحكم، وتضم هذه القضية عددًا من الصحفيين والمدونين الذين ليسوا موالين للإخوان.

الاعتقال بدون تهمة

في مارس من عام ٢٠١٨ اعتقلت الشرطة مراسلة صحفية تعمل لدى صحيفة التايمز البريطانية تدعى «بيل ترو» وهي في منطقة شبرا، بعد إجراء حوار مع رجل فقير غرق ابن أخيه أثناء محاولة سفره لإيطاليا عن طريق البحر سفرًا غير شرعي، وبقيت معتقلة في هذا اليوم لمدة ٧ ساعات، ومن ثم تهددها الشرطة فإما أن تعود إلى بلادها أو أن تُحاكم محاكمة عسكرية، وقد رحلت إلى بلادها بدون فهم ما هي الجريمة التي قد ارتكبتها، ووضعت في قائمة غير المرغوب فيهم، وذلك وفقًا للمقال الذي كتبته «بيل» في صحيفة التايمز عن الواقعة.

وقد تكرر هذا المشهد في فبراير من هذا العام، حين احتجز أمن مطار القاهرة مراسلًا قادمًا من لندن يعمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز» يدعى «ديفيد كيركباتريك» الذي شغل منصب رئيس مكتب نيويورك تايمز في مصر من ٢٠١١ إلى ٢٠١٥، لعدة ساعات معزولًا عن العالم بدون طعام أو ماء، وبدون سبب حسب بيان نيويورك تايمز عن الواقعة، ثم أجبره الأمن على العودة إلى لندن.

إعلان

الحجب

حُجِب ٣٤ ألف موقع إثر محاولة الأجهزة الأمنية للتخلص من موقع حملة باطل التي دعت إلى رفض التعديلات الدستورية، التي جمعت حوالي ٢٥٠ ألف توقيع وذلك وفقًا لشبكة «نت بلوكس» بعد أن كان عدد المواقع المحجوبة ٥١٢موقع الكتروني على الأقل حسب تقرير مؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، منها مواقع صحفية مثل موقع الجزيرة وموقع مصر العربية ومدى مصر التي حُجبت على خلفية الحرب على الإرهاب، ومثل موقع كاتب الذي حُجب بعد ٩ ساعات فقط من انطلاقه. ومنها مواقع تقدم خدمات تخطي الحجب.

والعجيب أن الحجب قد طال صحيفة ليست معارضة وهي المصري اليوم التي حُجب موقعها في أبريل من العام الماضي بعد نشره المانشت «الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات»، الذي بعده غرّم المجلس الأعلى للإعلام الجريدة بـ ١٥٠ ألف جنيه، وأُقيل رئيس تحرير الجريدة «محمد السيد صالح» واستدعته نيابة أمن الدولة العليا هو وثمانية صحفيين آخرين للتحقيق، وعُيّن «حمدي رزق» رئيس تحرير الجريدة بدلًا منه، ثم رُفع الحجب عن الموقع بعد ذلك.

وقد أقر البرلمان في يوليو من عام ٢٠١٨ مشروع قوانين لتنظيم الصحافة والإعلام، الذي صدّق على اصداره الرئيس السيسي في 1 سبتمبر من العام نفسه، والذي يعطي صلاحية للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحجب المواقع الصحفية، وقد علق رئيس المجلس مكرم محمد أحمد على هذه السلطة الممنوحة في حواره مع صحيفة التحرير قائلًا:

“إيه يعني، أمال مين اللي يحجب، لما إحنا نحجب أحسن ما أي حد تاني يحجب، على الأقل هنراعي أسباب الحجب، وهنسأل وهنظبط وعندنا سمعتنا وشرفنا اللي لن يدفعنا للتواطؤ مع أحد، لأن لدينا ضميرًا صحفيًا، ولا ننتمي للسلطة التنفيذية، ومش بعد العمر ده كله هكون ضد الحرية”.

وقد صدّق الرئيس السيسي في يوم ١٨ اغسطس الماضي على قانون «مكافحة جرائم تقنية المعلومات» الذي قد وافق عليه البرلمان في يونيو الماضي، والذي يسمح بحجب المواقع الإلكترونية بإذن قضائي إذا رأت جهات التحقيق المختصة من وجهة نظرها أن هذه المواقع تمثل تهديدًا للأمن القومي، ومصطلح «تهديد الأمن القومي» هو مصطلح مطاط لا يوجد له معنىً محدد.

كما يعاقب القانون مستخدم الإنترنت إذا فتح هذه المواقع المحجوبة عن عمد أو بالخطأ بالسجن لمدة لا تقل عن عام، وبغرامة مالية لا تقل عن ٥٠ ألف جنيه ولا تزيد عن ١٠٠ ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، واذا أعاد مستخدم الإنترنت نشر أي معلومات من المواقع الصحفية المحجوبة يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن عامين، وبغرامة مالية لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه ولا تزيد عن ٢٠٠ ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين.

وفي مارس الماضي أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لائحة جزاءات تسمح بحجب المواقع حجبًا مؤقتًا أو دائمًا، وقد تقدم أكثر من ٦٠٠ صحفي وشخصية عامة بمذكرة إلى مجلس نقابة الصحفيين رافضين ما جاء بهذه اللائحة معتبرينها «امتدادًا لسلسلة قوانين إعدام الصحافة» عقب الإعلان عنها، وكان أول تطبيق لهذه اللائحة هو قرار المجلس بحجب موقع جريدة «المشهد» لمدة ٦ أشهر وتغريمها ٥٠ ألف جنيه، وحسب ما جاء بالقرار فإن سبب الحجب هو نشر الجريدة لصور إباحية، والخوض في عرض إحدى الاعلاميات وبعض الفنانات بدون أن يذكر المجلس الأعلى للإعلام في القرار ما يثبت صحة الاتهام، وقد نفى«مجدي شندي» رئيس تحرير جريدة المشهد عبر صفحته الشخصية على «فيس بوك» تلك التهم وعدّها تهمًا ملفقة، وصرح لموقع «مدى مصر» أن السبب الحقيقي في تقديره وراء الحجب هو موقف الجريدة من التعديلات الدستورية.

التشويه

كان تفسير حجب ٢١ موقعًا في مايو ٢٠١٧ من الإعلام، التي كانت بداية حجب المواقع، أن هذه المواقع تحرض على الإرهاب على الرغم من عدم وجود دليل مادي واحد على هذا الاتهام، واي صحيفة أجنبية تنشر تقريرًا تنتقد فيه السلطة تواجه التشويه والتهم التي ليس لها أساس من قِبل الإعلام والصحف المصرية، فعندما اتهمتمجلة «الإيكونيميست» البريطانية الرئيس السيسي بالتسبب في الأزمة الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة في مصر، هوجمت من الإعلام المصري واتهمت بالتآمر على مصر، وعندما قامت الصحف الأجنبية بتغطية الانتخابات الرئاسية السابقة، هاجمتها صحيفة الأهرام ووصفت أداءها في تغطية الانتخابات الرئاسية بأنه «أداء مهني تحت الصفر».

مصادرة أعداد الجرائد

في ٢٢ مايو الماضي جرت مصادرة عدد جريدة الأهالي، بسبب موضوع يتحدث عن استغلال وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد لنفوذ زوجها طارق عامر محافظ البنك المركزي في أخذ قروض كبيرة من البنوك، وطلبت جهات غير معروفة من مسؤولي الجريدة حذف الموضوع لكي يُطبع العدد، وهو ما حدث بالفعل، على الرغم من تقدم النائب محمد فؤاد بمذكرة إلى هيئة الرقابة الإدارية تخص هذا الشأن. وفي ٢٩ مايو الماضي صودر عدد الجريدة مرة أخرى، بسبب تحقيق عن المُفرج عنهم في قضايا سياسية، واتصل الرقيب الأمني برئيسة تحرير الجريدة لحذف التحقيق، ولم يُصدر العدد نتيجة لرفض مجلس التحرير الحذف، وذلك وفقًا للبيان التي أصدره الحزب استنكارًا لمصادرة الجريدة بشكل متكرر.

وقد صودرت جريدة البوابة أربع مرات في عام ٢٠١٧، مرتان متتاليتان في شهر أبريل، وهما المرتان الأوليان، وكانتا في ١٠ و١١ أبريل عندما نشرت جريدة البوابة مانشيت يطالب بمحاسبة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار آنذاك على التقصير الأمني الذي نتج عن تفجير كنيستي مارجرس بطنطا والمرقسية بالأسكندرية، والمرة الثالثة كانت في ٣٠ يونيو من العام نفسه بسبب مانشيت يتحدث عن قرار الحكومة برفع أسعار المنتجات البترولية، وحينها طلبت جهات أمنية استبدال مانشيت آخر به، يتحدث عن ذكرى ثورة ٣٠ يونيو لكي يُطبع العدد وهو ما حدث بالفعل. والمرة الرابعة كانت في ٣ سبتمبر من العام ذاته، بسبب نشرها لتقرير بشأن استمرار هروب وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي.

في الحقيقة إن الأمثلة عن الصحفيين والصحف الذين عانوا بسبب عملهم الصحفي كثيرة، وإن وددت أن أكتب عنها كلها لن تكفيني سلسلة تقارير بأكملها. فحتى الصحفيون والصحف الموالون للنظام يجب أن يقولوا ما يريده النظام فقط بدون «تجويد» أو أي محاولة للنقد، وإلا سيذاقون من الكأس  نفسها التي يشرب منها الصحفيون المعارضون، مثلما حدث مع جريدة المصري اليوم من حجب وتغريم بعد نشرها لمانشت عن حشد الدولة للمواطنين من أجل الانتخاب، ومثلما حدث مع جريدة البوابة من مصادرة لأعدادها عندما نشرت موضوعات ليست على هوى النظام.

وفي حين يعاني الصحفيون من التقيد بهذا القدر، يحذر الإعلام المصري ومسؤولون في الدولة من الشائعات، ابرزهم الرئيس السيسي الذي صرح في ٢٢ يوليو من عام ٢٠١٨ خلال حفل تخرج طلاب الكلية الحربية بأن الدولة المصرية واجهت خلال ثلاثة أشهر ٢١ ألف شائعة، وبغض النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه فكثرة الشائعات سببها عدم وجود حرية صحافة في مصر تؤدي مهمتها في كشف الحقائق، غير أن استمرار سياسة الدولة في اعتقال صحفيين وحجب مواقع وتشويه سمعة الصحف لا يعني محاربة الشائعات بل محاربة الحقيقة.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: بيتر مكرم

تدقيق لغوي: اسماء إسماعيل

الصورة: مريم

اترك تعليقا