مراجعة فيلم الصمت Silence

يقول المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي عن فيلم الصمت (Silence) بأنَّ فكرته قد راودته لعشرين عامًا قبل أن ترى النور.

والقصة مقتبسة عن رواية يابانية للكاتب “شوساكو إندو”  لأحداث واقعية من القرن السابع عشر، عندما قام الآباء الجزويت البرتغاليين انطلاقًا من جزيرة مكاو الصينية بمحاولة نشر المسيحية في اليابان.

ربما يكون ما جذب المخرج سيكورسيزي للرواية اليابانية أنها تناقض الاعتقادات المسيحية الراسخة بصمود الأبطال والشهداء المسيحيين أمام التعذيب؛ ففي هذه الرواية يشاع أنَّ الأب اليسوعي فيريرو ارتدَّ عن المسيحية تحت وطأة التعذيب! ولكن الجديد في أسلوب التعذيب الياباني هو أنَّ المحقق (Inquisitor) (وهو ما يتشابه مع تاريخ محاكم التفتيش) يقوم بتعذيب وإعدام المؤمنين الجدد أمام أعين المبشر المسيحي حتى يثقب ضمير المبشر فيرتد ليس حماية لنفسه ولكن رأفة وحماية لشعبه المؤمن.

يُرسَل الآبين من الجيزويت رودريجيز وجاروبي إلى الجزر الجنوبية لليابان في رحلةٍ سرية حتى لا تكتشف السلطات الحاكمة مجيئهما. ويبدو من السياق أن عشرات الآلاف من اليابانيين اعتنقوا المسيحية على أيدي المبشرين ولكن ردة الفعل العنيفة بالتعذيب والقتل جعلت المؤمنين يمارسون المسيحية سرًا، فيختبأ الآبين رودريجيز وجاروبي و لا يبرحان مخبئيهما حتى أفشي السر عن طريق رجل ياباني مؤمن على يدي فيريرو الذي ما ينفك يخون أسرار المسيحيين أمثاله للسلطات ويسلمهم للتعذيب والقتل.

يقع رودريجيز وجاروبي في أسر السلطات اليابانية، كلّ على حدة، وبذلك تختلف نهاية قصة كل منهما: يلتقي رودريجيز بالاب فيريرو المتغيب والمنقطعة أخباره ويقنعه بمنطق المحقق الياباني “إنويه” بأنَّ الدين ينبع من التربة والأرض، وأنَّ المسيحية ربما شيء عظيم في البرتغال أو إسبانيا و لكنها ليست كذلك في اليابان.

إعلان

للفيلم تقاطعات مثيرة مع أحداث التاريخ؛

  • التقاطع الأول: مدينة ناجازاكي اليابانية (قصفت بالقنبلة الذرية الأمريكية سنة 1945)  كانت موطنًا للمسيحيين اليابانيين وموطئ قدم الجيزويت في القرن السابع عشر.
  • التقاطع الثاني: محاكم التفتيش الكاثوليكية فعلت مثل ما فعلته محاكم التفتيش البوذية!
  • التقاطع الثالث: قتل البرتغاليون والإسبان ربما الملايين من السكان الأصليين للأمريكيتين في سبيل تنصيرهم وإيصال “البشارة”! بالمقابل ربما يكون اليابانيون قد قتلوا عدة مئات من الآلاف لقطع وصول نفس البشارة.

تُعتبر مدَّة عرض فيلم الصمت Silence طويلة جدًا (161 دقيقة)، وقد كان إيقاعه شديد البطء الأمر الذي لم نتوقَّعه من مخرجٍ كبيرٍ وناجح تجاريًا مثل مارتن سيكورسيزي!  قارنت الفيلم فورًا- وحتى أثناء المشاهدة- بفيلم آخر يُعرَض للتبشير المسيحي الكاثوليكي في أمريكا الجنوبية من إنتاج سنة 1986، ألا وهو Mission، من إخراج المخرج البريطاني رولاند جوفي، و لا شك أن التصوير والإخراج والموسيقى التصويرية كانت أجمل بعدَّة درجات.

رشِّح فيلم الصمت لجائزة الأوسكار في التصوير، وفعلًا كان التصوير إبداعيًّا ويحاول إعطاء الصورة الحسية لتلك الرحلة في المحيط الهادي في ذلك الزمن والتي بدت ظلامية وقاتمة تعطي انطباعًا بسوادٍ وقتامةٍ كان من الصعب تفاديهما حتى عندما أطلت الشمس وضوء النهار في المشاهد الأخيرة في الفيلم.

رأي شخصي:

لقد كنا نتوقَّع إنتاجًا أفضل للرواية في ظل الإمكانيات والخبرات المتاحة للمخرج مارتن سيكورسيزي. فمشاهدة الفيلم تتطلَّب لياقة سينمائية وربما رياضية، وقد اتضح ذلك في استقبال الجمهور للفيلم والعوائد المخيبة للآمال.

مساهمة شريف العصفوري

إعلان

اترك تعليقا