لماذا انهار تحالف صالح والحوثيين وما مصير اليمن؟

أخيرا تم إسدال الستار عن الفصل الأخير لمسلسل تحالفات علي عبد الله صالح المتناقضة والذي تلاعب بكل القوى السياسية وأتي بالمتناقضات كلها بمقتله على يد أعدائه وحلفائه في ذات الوقت
الخلاف الحالي بين الشريكين المتناقضين قديم أساسه التنافس، وتباين الرؤي، والصراع على الحكم، وتحقيق مصالح كل طرف على حساب الطرف الاخر ، حيث دارت بينهم ست حروب أثناء اعتلاء صالح سدة الحكم في اليمن ، ولكن بعد انقلاب السعودية على صالح اضطر إلى التحالف مع الحوثيين للانقلاب على الرئيس عبد ربه هادي منصور المدعوم من السعودية تحالف وصف بتحالف الضرورة والانتقام
ولكن ما سبب تفتت هذا التحالف الهش الآن و اغتيال صالح ؟
بداية الخلاف بين صالح و الحوثين بدأت عندما احتل الحوثيين مجلس النواب بصنعاء ورفضهم لانعقاد جلسة مجلس النواب، لقبول استقالة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، التي تقدم بها في 22 يناير 2015، قبل أن يتراجع عنها بسبب عدم انعقاد البرلمان، ثم توسع الخلاف بينهم بعد ضغوطات الحوثيين على صالح الذي فرضوا عليه حشد أربعين ألف مقاتل، إلا أن صالح قدم ثلاثة آلاف مقاتل فقط رفضت جماعة الحوثي ضمهم للجبهات المقاتلة ، كما عرقلت تعيين قائد لقوات الحرس الجمهوري لولائه لصالح.
وعلي المستوى الإقليمي عملت الإمارات على مُحاولة تأجيج الخلاف بينهم لمَعرفتها قوة هذا التحالف إذا استمر ، وعدم جدوي ضربات قوات التحالف ضد هذا التحالف، وأيضا حجم الخلافات بين الجانبين، وهشاشة التّحالف بينهم ، فأرسلت أحمد علي عبد الله صالح إلى الرياض على مَتن طائرة إماراتية خاصّة، بهَدف التّقارب مع السعودية، والالتقاء بمحمد بن سلمان ، وعلي الرغم من عدم نجاح تلك المحاولة في تقريب وجهات النظر إلا أن تلك المحاولة كانت كفيلة في زرع بذور الشك لدي الحوثيين بتخلي صالح عنهم في أي وقت ونقضه لتحالفه معهم فبدأت الخلافات تزداد بين الطرفين.
إعلان
اتهم حزب المؤتمر الحوثيين بنهب 4 مليارات دولار من خزينة الدولة ، وسوء الإدارة والتلاعب بأموال البنك المركزي اليمني وعدم صرف الرواتب لموظفي الدولة لعدة أشهر (معظم الموظفين تابعين لجزب المؤتمر الشعبي التابع لصالح) ، بالإضافة الي استمرار سيطرة اللجنة الثورية التابعة للحوثيين على كل صغيرة وكبيرة في المناطق المسيطر عليها تحالف صالح والحوثيين، ومنعهم للوزراء المحسوبين على الحزب من دخول الوزارات (حكومة غير المعترف بها دوليا) وأيضا انتشرت أخبار حول احتمالية عقد اتفاق بين الحوثيين والرئيس هادي.
الخلافات العلنية ظهرت بين الحليفين عندما وصف صالح الحوثيين بأنهم ميليشيا ورد عليه عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين بأن صالح وأنصاره خونه ووصفه لما يقوم به صالح بالغدر وأنها تمثل طعنه في الظهر، الأمر الذي جعل الحوثيين يهددون بإعلان “حالة الطوارئ”، وتجميد “الأنشطة الحزبية”، بالإضافة إلى رفضهم السماح لانصار صالح بإقامة فعالية حاشدة في ذكري تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام وإلقاء صالح كلمة فيه، ولكنهم تراجعوا بعد ذلك بعد تدخل حسن نصر الله لتهدئة الأجواء بين الطرفين .
تعمقت الخلافات أكثر عندما قال صالح أنه على استعداد لإرسال مئات الآلاف من المقاتلين على الجبهات المختلفة ، كنوع من التشكيك في القدرات القتالية للحوثيين ، أثناء إلقاءه لكلمته في مناسبة إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزبه في 24/8/2017 وسط الألف من أنصاره ومحاط بمسلحين يرتدون الزى العسكري
ووصلت الخلافات ذروتها عندما تسربت معلومات حول إجراء صالح اتفاق سري مع السعودية بموجبه يحل صالح تحالفه مع الحوثيين وإدخال أنصاره القبليين إلى العاصمة صنعاء، بغرض السيطرة عليها. خصوصا بعد إعلان صالح قبوله بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن الانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة وعودة الحكومة.
يوم الجمعة تفجرت الخلافات بين الطرفين إلى مواجهات عسكرية بينهم في المربع الجنوبي في صنعاء من خلال عمليات قصف مسلح واقتحام الحوثيين لمسجد الصالح، في ميدان السبعين الرئاسي، وللعديد من مساكن أفراد عائلة صالح والمقار الحزبية لحزب المؤتمر الشعبي، مما دعا الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح إلى الإعلان بفض الشراكة صراحة مع الحوثيين، ودعا إلى الانتفاضة الشعبية ضدهم و دعا صالح التحالف العربي بقيادة السعودية إلى وقف القصف الجوي، وفك الحصار وفتح صفحة جديدة وإتاحة المجال أمام الحوار
فكان الرد سريعا من الحوثيين باغتيال صالح اليوم ، انقلاب صالح علي الحوثيين وتحالفه مع قوات التحالف العربي كان الأمل الأكبر لتوحيد الجبهات اليمنية الداخلية واستقرار نسبي للأوضاع في اليمن لاستعادة السيطرة على المناطق التي يستحوذ عليها الحوثيين، ولكن تبخر هذا الأمل جزئيا بمقتله نظرا لاحتمالية نشوب حرب أهلية جديدة بين قبيلة ال الأحمر أقوى القبائل اليمينية وأنصار صالح في حزب المؤتمر بالإضافة لولاء قيادات الجيش والحرس الجمهوري لصالح ضد الحوثيين
كان من المتوقع فشل هذا التحالف من اليوم الأول له لاعتبارات كثيرة- تاريخية وسياسية واجتماعية -. فكل مشروع يختلف تماماً عن الآخر مشروع صالح يرتبط بالجمهورية والجمهوريين والانفراد بالحكم، واستغلال الحوثيين لوصوله أو ابنه إلى الحكم ، فيما يؤمن الحوثيون بمشروع طائفي سلالي يقوم على عودة الإمامة، ويطالبون بنظام سياسي أقرب إلى نظام الملالي الايراني ،والسيطرة على القوات المسلحة اليمنية من خلال صالح وابنه وهذان المشروعان لا يمكن أن يلتقيا.
من المتوقع الآن أن يتم تصعيد أحمد علي صالح ليحل محل والده في رئاسته لحزب المؤتمر وتحالفه مع قوات التحالف ضد الحوثيين والاستفادة من قوة قبيلته ( ال الأحمر ) وولاء الجيش اليمني والحرس الجمهوري له، _خاصة_ أن علاقة أحمد بالامارات والسعودية جيدة وأنهم كانوا يستعدوا لتوليته منصب وزير الدفاع في أي تسوية سياسية في المستقبل بناء علي رغبة والده صالح ليصبح الحاكم الفعلي فيما بعد لليمن
الخاسر والرابح من مقتل علي عبد الله صالح ؟
كل الأطراف يمكن أن تكون رابحة أو خاسرة لمقتل علي عبد الله صالح ، فمكسب الحوثيين من مقتل صالح يتمثل في التخلص من قائد وداهية من دواهي الحرب والتفاوض كان يمثل لهم عائق في الانفراد بالحكم .
أما الخسارة فتتمثل في تحالف أنصار صالح مع قوات التحالف التي ستوفر لهم الغطاء الجوي والسلاح والمال؛ لمحاربة الحوثيين علي الأرض حيث من المستحيل انتصار قوات التحالف على الحوثيين من خلال الضربات الجوية فقط .
أما مكسب قوات التحالف فيتمثل في إما اشتعال الحرب الأهلية الثأرية بين أنصار صالح والحوثيين، وهو بالتأكيد سيضعفهم ويتنزف قواهم وهذا ما يساعد قوات التحالف في ما كانت تسعى إليه على مدار 3 سنوات وفشلت فيه وهو التخلص من الحوثيين و صالح وانصاره واستعادة صنعاء مرة اخرى وأما تحالف أنصار صالح مع قوات التحالف للتخلص من الحوثيين
أما الخسارة فتتمثل في خسارة الرجل الأهم في اليمن والوحيد القادر على قلب ميزان القوى في اليمن لصالح قوات التحالف، وأن الرهان على ابنه احمد علي صالح ليس بالمضمون حيث شتان الفارق بين صالح وابنه
أخيرا عدو الأمس صديق اليوم والعكس مقولة سياسية مشهور أفضل من طبقها في التاريخ المعاصر هو الرئيس والمخلوع علي عبد الله صالح، فلم تكن سيرة الرجل الذاتية سوى مسلسل من التحالفات ثم الانقلاب على تلك التحالفات، تحالف مع الجنوبيين وحاربهم، وحارب الحوثيين وتحالف معهم ثم انقلب عليهم، وكذلك الحال مع السعودية التي تحالف معها وتلقى العلاج في مستشفياتها، ثم حاربها ثم عاد ليعرض فتح صفحة جديدة معها.
وقديما قال علي عبد الله صالح أن من يحكم اليمن كالراقص علي رؤؤس الافاعي ونقول له الان “الراقص على رؤوس الأفاعي، سيموت حتما في جحر مظلم كالفئران”
المصادر
إعلان