مترجم: حان الوقت لإنهاء فوضى”ليلة الشكّ” الدكتور نضال قسوم
بالنسبة للمسلمين، سيكون 15 أيّار/مايو “ليلة الشك” حيث سينتظرون لمعرفة ما إذا كان اليوم التالي هو بداية شهر رمضان ، شهر الصوم المقدّس، أو ما إذا كان سيتمّ تأجيله يوم آخر.غالباً ما أصف هذا الموقف بالطريقة التالية: تخيّل لو أنّه في الأشهر من سبتمبر وأكتوبر وديسمبر، كان عليك الانتظار حتّى الليلة التاسعة والعشرين من الشهر السابق لمعرفة ما إذا كنت ستبدأ الشهر الجديد في اليوم التالي أو في اليوم الذي يليه. ستكون في غاية الارتباك والفوضى، أليس كذلك؟ تخيّل الأسفار والتعيّينات الطبّيّة والاجتماعات.
عندئذ سيبحث الناس عن حلّ نهائي لهذه المشكلة. لكن تلك هي الطريقة التي ما زال العالم الإسلامي يستخدمها لأشهر رمضان وشوّال وذي الحجّة.
في الواقع، منذ عهد النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم كانت الأشهر تبدأ وتنتهي عند رؤية الهلال الجديد (بالعين المجرّدة حتى أوائل القرن السابع عشر الميلادي حيث لم تكن هناك تلسكوبات). ولأغراض دينيّة كانت تلك الممارسة على ما يرام لأنّها أتاحت لأيّ شخص في أيّ مكان بتحديد موعد بدء الصيام وانتهائه.
ولكن سرعان ما تحوّل المجتمع الإسلامي إلى حضارة مكتملة النموّ، وأدرك الناس أنّهم يحتاجون لتنظيم الأشهر في تقويم يخدم أغراضًا مدنيّة كثيرة بالإضافة إلى الأغراض الدينيّة. في الوقت نفسه كان المسلمون يدرسون العلوم التي طوّرتها دولٌ وثقافات أخرى بما في ذلك علم الفلك في اليونان والهند. وهكذا ظهر فرع “علم الفلك الإسلامي” بسرعة لمعالجة مسائل مثل مواقيت الصلاة، واتّجاه مكّة المكرّمة (القبلة)، والأشهر الإسلاميّة. ثمّ قام علماء فلك مسلمون بإنشاء التقاويم، واستخدمها الحكام لأغراض مختلفة بما في ذلك دفع الرواتب، وتحديد المواعيد المدنيّة ..إلخ.
لكن التقويمات بقيت “للأغراض المدنية” فقط. أمّا في المناسبات الدينية (على سبيل المثال شهر رمضان)، بقيت مشاهدة الهلال في ليلة التاسع والعشرين من الشهر سارية المفعول. هذا لم يخلق أيّة حالة من الفوضى لسببين: بسبب عدم وجود اتّصالات أو سفريّات سريعة، ظلّت المجتمعات محلّية إلى حدٍّ كبير، ولم يلاحظ التناقضات في تواريخ المناسبات الدينية أو المدنية بين مختلف الأراضي سوى المسافرين، وكان الاقتصاد بدائي وبطيئ، وبالتالي يوم واحد لن يضرّ الأعمال بدرجة ملحوظة بحيث لم يؤدّي لاعتراض من أحد.
حتى نستوعب أهمّيّة الانتقال من القواعد القديمة إلى فهمٍ أكثر ذكاءً للمبدأ الأساسيّ لبداية ونهاية شهر رمضان سنستمرّ بمواجهة أنواع مختلفة من الفوضى. _د. نضال قسوم
تغيّر العالم اليوم كثيراً، ومع ذلك بقيت الطريقة كما هي، ممّا أدّى إلى الكثير من الفوضى. تتّبع الدول ذات الغالبية المسلمة مناهج وقواعد مختلفة في تحديد بداية شهر رمضان ونهايته، ومن ثمّ تبدأ النزاعات بلا توقّف. أصرّ علماء الفلك على أن الناس غالباً ما يخلطون بين الأجرام السماويّة (كالزهرة) أو الطائرات وبين الهلال، وبالتالي لا ينبغي لتلك المشاهدات أن تنقض الحسابات والتنبؤات. فقد أحرز العلم تقدّمًا كبيرًا في هذه المسألة، ويمكنه الآن أن يتنبّأ بدقّة في أيٍّ من مناطق العالم سيُشَاهَد الهلال (بالعين المجردة أو بالتلسكوبات) وفي أيّة ليلة أيضًا.
وكمثال على ذلك، في 15 أيار/مايو في معظم مناطق العالم العربي، سوف يغرب الهلال بعد الشمس ببضع دقائق فقط. يتّفق علماء الفلك في جميع أنحاء العالم على أنّه لا يمكن رؤية الهلال في مثل هذه الظروف، وعلى الرغم من ذلك يقول البعض “ولكن هذه ليلة الشكّ”، وسيحاول عدد كبير من الناس أن يرصدوا الهلال وربما يخطئ البعض، حيث أنّ الزُهرة يظهر في السماء من جهة الغرب هذه الأيّام. وقد تقبل السلطات الدينيّة عندئذ هذه الشهادات، ممّا يؤدّي إلى مزيد من الخلافات.
ولكن إذا كان بمقدور علماء الفلك تحديد أين ومتى يمكن أو لا يمكن رؤية الهلال، وإخبارنا بشكلٍ جيّد في وقت مبكّر، فلماذا ستكون هناك مشكلة؟ لماذا لا نعلن عن موعد (شهر رمضان أو عيد الأضحى أو الحجّ) قبل أشهر أوسنوات كي نسمح للناس بالتخطيط لحياتهم؟
تكمن المشكلة عند السلطات الدينيّة التي تحتاج إلى قبول فكرة استبدال الحسابات المسبقة برؤية الهلال. نحن بحاجة إلى الانتقال من الطريقة القديمة (“رؤية الهلال”) وتطبيقاتها الحرفيّة إلى تفسير أكثر مقاربة (تفسير مقاصد الشريعة) للنيّة (أي “استخدام أفضل الأدوات المتوفّرة بما في ذلك التلسكوبات وأجهزة الكمبيوتر للتأكّد من بداية الشهر “) من جانب السلطات الإسلاميّة.
يتمّ إحراز تقدّم بشأن هذه المسألة في العالم الإسلامي، ولكن ببطء. تبنّى عددٌ قليلٌ من البلدان (غير العربيّة) وعدّة مجامع إسلاميّة في أوروبا وأمريكا الشماليّة مقاربةً تسمح لهم بالتخطيط للمستقبل والتخلّص من أيّة نزاعات حول الليالي [ليالي الشكّ]. سيظلّ باقي العالم الإسلامي يعاني من الخلافات والمضايقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
حتى نستوعب أهمّيّة الانتقال من القواعد القديمة إلى فهمٍ أكثر ذكاءً للمبدأ الأساسيّ لبداية ونهاية شهر رمضان سنستمرّ بمواجهة أنواع مختلفة من الفوضى. لا يعرف الناس متى يحدّدون موعد الاجتماعات، ومتى يسافرون لقضاء عطلة العيد، ومتى تغلق المدارس، وكيفيّة التخطيط لملايين الحجّاج .. إلخ.
من المذهل أنّ المشكلة التي يستطيع العلم اليوم حلّها بسهولة تامّة دون الإخلال بالمبادئ الدينيّة الرئيسيّة الكامنة وراء هذه الممارسة يمكن أن تشكل مأزقاً اجتماعياً واقتصادياً كهذا. دعونا نأمل أنّه مع فهم الناس لهذه القضيّة يمكن للعالم العربيّ-الإسلاميّ أن يتحرّك إلى الأمام ويضع هذه المشكلة خلفه.