رجال ونساء يروُون مُعاناتهم مع التحرش في بيوت الله
مجرد شعور بالنشوة لا يتجاوز بضعة ثوانٍ، تُنتهك فيه خصوصية جسد، ومن ثم يمر الضحية بحالة اضطراب نفسي وتسقط أمامه كافة المثل العليا التي كان يؤمن بها!
التحرش. هو جريمة تتعرض لها النساء، ومؤخرًا الرجال أيضًا، أصبحت جزءًا من مجتمعنا، تحدث في الشوارع والعمل والمؤسسات التعليمية والمنزل وأخيرًا في دور العبادة!
شخص يتخفى بثوب الإيمان لممارسة شهواته الجنسية في أجساد الضحايا، فيُشبع غرائزه وتتحقق له النشوة الجنسية دون الأخذ في الاعتبار أن هناك ضحية، شخص يتم التعدي عليه دون وجه حق، يُجبر أن يكون طرف في ممارسة جنسية دون رغبته، يُدمر نفسيًا ويُصاب باضطرابات جمّة، فيشعر بالخزي على شيء لم يرتكبه، فيثور على
حالته ويمقط معتقده الديني الذي كان سبب بطريقة ما فيما حدث له، وفي أحيانٍ أخرى ينقلب الأمر ويتحول الضحية إلى جاني، ويُقرر الانتقام عما حدث له، فيتحول لمتحرش، ويثأر لنفسه في أجساد من حوله!
تلك بإيجاز هي دورة حياة ضحايا التحرش الجنسي، وبخاصة التي تقع داخل دور العبادة المختلفة.
ولكي لا نتجمل إلى حد إنكار الواقع، يجب أن نعي جيدًا، أن في دور العبادة كافةً تقع عشرات جرائم التحرش اللفظي والجسدي وفي بعض الأحيان تقع اعتداءات جنسية كاملة، سواء من رجال الدين أنفسهم أو من رواد دور العبادة المتظاهرين بالتقوى ومرتديين ثوب الفضيلة.
ولكن لا تُكشف تلك الاعتداءات بسبب خوف الضحايا وصدمتهم من هوية ومكان الواقعة، ومن عدم تصديق الناس لقصتهم، ليتحملوا بالأخير عواقب جريمة كانوا هم ضحيتها!
وقد التقت “المحطة” بعدد من ضحايا التحرش الجنسي في دور العبادة المُختلفة، الإسلامية والمسيحية، وفتحوا صندوقهم الأسود وقصوا علينا تفاصيل الواقعة ولكن بهويات مزيفة!
أحمد، اسم مستعار، سبعة عشر عامًا، رغم مرور أكثر من ثمان سنوات على حدوث الواقعة، إلا أنه لا يزال يذكرها بأدق التفاصيل، فيقول: “أثناء وجودي في المسجد، وحين كنت أردد بعض الآيات القرآنية، فوجئت بيد تربت على ظهري، وفوجئت برجل في الأربعينات من عمره، يقول لي بارك الله فيك، ثم أخذ يطرح عليّ بعض الأسئلة لمعلومات شخصية عني، ولكني شعرت بعدم الارتياح، فحين كنت منشغلاً بالإجابة عن أسئلته كان هو مهموماً بتفحص جسدي، ولم تتوقف يده عن الحركة بالربت على ظهري وتمريرها لأسفل، ثم بدأ يجول بيده في أجزاء جسمي”، وتابع حديثه: “من شدة خوفي منه بقيت ساكنًا ولم أنهره، وإلى أن بدأت المسجد يكتظ بالمصلين فتركني وذهب ولم أره بعدها مطلقًا”، وختم حديثه قائلاً: “لم أجرأ أن أُصارح أسرتي، وشعرت بالذنب لأني لم أعارض ما حدث لي، ولكن لازمتني الكوابيس فترة طويلة بعد ذلك، إلى أن أدركت أن ما حدث لي لم يكن خطأي بل كنت ضحية”.
مريم، اسم مستعار، ثلاثة وعشرون عاماً، التي وقعت ضحية تحرش جنسي من قبل قس في إحدى الكنائس، وتسرد قصتها قائلة: “أثناء تواجدي في الكنيسة، ذهبت مع أسرتي لقسيس كي يُصلي لي وآخذ بركته، وكنت أمر وقتها بحالة اكتئاب شديدة، فطلب مني أن أتبعه لنجلس في مكتبه، وجلس بجواري وأخذ يحدثني في أمور الحياة بشكل عام، ثم تدرج فالأسئلة إلى أن تطرق لبعض المواضيع الخاصة والتي تحمل ايحاءات جنسية، وما كان عليّ إلا أن أصمت ولم أُجيبه على تساؤلاته، وحين لاحظ ارتباكي ورغبتي في الانصراف، عاد إلى حديثه الأول وكأن شيئاً لم يكن”، واستدرجت حديثها موضحة “وقتها خُيّل لي أني أسأت الفهم فاستكملت حديثي معه وشعرت بتأنيب الضمير تجاهه، ولكن حين هممت بالانصراف وجدته يضع يديه على كتفي ويضغط عليّ فهرولت بالخروج، وحينها أدركت أنها محاولة تحرش بي لفظياً وجسدياً”، واستكملت: “الأمر لم يكن حالة تحرش فحسب، فقد اعتدت التعرض للتحرش بشكل يومي، ولكن صدمتي الكبرى من هوية المتحرش، فهو رجل الدين الذي كنت أظنه لا يُخطئ أبداً ! مما أفقدني الثقة في رجال الدين بصورة عامة وأصبحت أكثر حذرًا في التعامل معهم”.
أميرة، اسم مستعار، ثمانية وعشرون عاماً، تروي قصتها قائلة: “حين تعرضت للتحرش لم تكن صدمتي في ذلك، فلم يكن أول تحرش أتعرض له وبالطبع لن يكون الأخير؛ بل كانت في مكان الواقعة، فأثناء زيارتي لأحد الأديرة الشهيرة، وفي أثناء مرور بزحام شديد وجدت يد تمتد وتلتمس مناطق عورة في جسدي، والتفت حولي أبحث عن مصدر تلك اليد ولكن لشدة الازدحام لم أستطع تمييز صاحب تلك اليد” واختتمت حديثها “كانت صدمتي بوجود شخص في مكان مقدس يُمارس أفعال بشعه من تلك أكبر من حزني على تعرضي للواقعة!”.
ولاء، اسم مستعار، واحد وعشرون عامًا، تصف واقعتها بأنها أبشع ما مرت به وهو الصدمة الكبرى التي حطمت ثقتها بالجميع فتقول: “وأنا في سن التاسعة وأثناء تواجدي بمسجد قريتنا برفقة زملائي؛ بعرض حفظ القرآن بمساعدة شيخ المسجد، وجدته منتبه لي أكثر من اللازم، وفي نهاية الدرس انصرف زملائي لكن الشيخ طلب مني الانتظار ليحضر لي شيء أرسله لوالدي، وبالفعل تركت صديقاتي يذهبن قبلي إلى أن الشيخ أتى دون شيء في يده وأخذ يتحدث معي في أمور عشوائية فلم أفهمه وآخذ يقترب مني وحاول ضمي إليه ولكني أزحته وخرجت مسرعه من المسجد” واستكملت حديثها قائلة: “بعدما ذهب للمنزل ظهرت علي أثار البكاء والخوف فاضطررت أن أقص لوالدتي عما حدث لكنها نهرتني وقالت لي لي أني أخطأت حين انتظرته وكان علي الأنصراف مع رفاقي، ومنعتني أن أقص مع حدث لوالدي ولم أذهب لتلك المسجد إلا بعدها بسنوات!”.
وعلق على ذلك، الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بأن المتحرش يُعاني من اضطراب في الشخصية، وفي حالة التحرش في دور العبادة، فإن المتحرش يأخذ من الدين ستار يُمارس خلفه سلوكياته المشينة، وأوضح “فرويز” أن المتحرش لا يتأثر بمكان الواقعة على الإطلاق، وأنه بمجرد أن تسيطر عليه الرغبة الجنسية والحرمان العاطفي الشديد ويكون هناك إمكانية تعويض سيُقدم على التحرش دون مراعاة لقدسية دور العبادة.
وأشار “فرويز” إلى أن يقع أغلب ضحايا التحرش من ذلك النوع، إلى نوع من الخلط بين رجل الدين أو المصلي وبين المعتقد الديني ذاته، فقد يمتنع الضحية عن الذهاب لدور العبادة لفترات طويلة بعد حدوث الواقعة، كما نوه إلى أن في حالة الضحية كان صغير السن، قد يلجأ للتعميم والإسقاط على الدين، وتتشوه في مخيلته صورة معتقده الديني وهذا ما يُفسر وصول بعض ضحايا ذلك النوع من التحرش إلى الإلحاد.
وشدد “فرويز” على أن الأسرة لها الدور الأكبر في إنقاذ أبنائها من تلك الكارثة، وذلك من خلال تنبيه الأطفال بأن رجل الدين ورواد دور العبادة ما هم ألا بشر يُخطئوا ويُصيبوا، ولا يجب أن نعلوا بهم لمرتبة الأنبياء.
كما وأكد على أن من الضروري أن يُتابع الأهل سلوك أبنائهم وفي حالة لاحظوا اضطرابات في النوم أو في الطعام، أو تعمد الأطفال عدم الذهاب لدور العبادة أو نفورهم من رجل دين معين، فتلك مؤشرات لتعرض هؤلاء الأطفال لتحرش جنسي وبالتالي يتوجب اتخاذ خطوات حاسمة بإيقاف المجرم من الاستمرار في فعلته والذهاب بالطفل لأخصائي نفسي في حالة عدم قدرة الطفل على تجاوز الواقعة.