شريف العصفوري يكتب: ربيع إيراني أم خريف الملالي ؟

نفس الأشخاص الذين يعتقدون اعتقادا جازما ، أنه بمكان ما في مصر نأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي منذ فترة طويلة ! يعتقدون أن ما يحدث في إيران هو ثورة بمثل ثورات الربيع العربي ، بل وسوف ينتهي الأمر بإيران بحرب أهلية ، و تقسيم بمثل الحاصل في سوريا أو أسوء ، و يزيد علي ذلك خيال هؤلاء بأن أجهزة حورس المصرية وراء كل تلك الأحداث !.
تعالوا نتدارس الحقائق أولا ، الإحتجاجات حقيقية ، و ليست خيال إعلامي غربي أو من صنع الإعلام العربي المجابه للتحالف الإيراني في العراق و سوريا و اليمن ، امتدت الإحتجاجات إلى أربعين مدينة ايرانية بشكل شبه متزامن ، بدأت الإحتجاجات على خلفية من المطالب الإقتصادية و الشكوى من الغلاء و البطالة .
الإحتجاجات نادرة في إيران ، و آخر مرة انتشرت إحتجاجات بمثل تلك الحدة ، كان في 2009 في أعقاب إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية ، التي إنحازت فيه دولة الملالي لمرشحها المحافظ محمود أحمدي نجاد على حساب مير حسين موسوي ( رئيس وزراء أسبق و يميل للتيار الإصلاحي) ، و المرشح الثالث مهدي كروبي و هي رجل دين إصلاحي و كان متحدث البرلمان الإيراني سابقا . تم كبح جماح الإنتفاضة في 2009 بأساليب القمع المعتادة البوليسية و بواسطة الحرس الثوري – جهاز مخابراته “الباسيج”- و انتهت الإحتجاجات في غضون ايام ، و اسس بعدها ميرحسن موسوي الحركة الخضراء .
ملاحظة مهمة في هذا السياق أن المرشحين اللذين تم تزوير أو التلاعب بالنتائج ضدهما (بحسب المحتجين) ، هم من ابناء نظام الملالي ، بل أن مير حسين موسوي كان من المتشددين الإسلاميين في زمن الشاه السابق محمد رضا بهلوي ، و من أشد المناصرين لحكم آية الله الخميني الثيوقراطي المتشدد .
إيران مجتمع مختلف تماما عن العراق جارته و بالتأكيد أكثر إختلافا عن باكستان و أفغانستان بداهة دون تمحيص بالغ ، تعالوا نجري مقارنات سريعة و لها دلالات عميقة تساعدنا في التنبؤ بما تؤول إليه الأمور في إيران ، المقارنة بين مصر و إيران و تركيا :-
إعلان
تعداد السكان+ | 96 مليون نسمة | 81 مليون نسمة | 80 مليون نسمة |
الناتج المحلي الإجمالي* | 332 مليار دولار | 376 مليار دولار | 864 مليار دولار |
نصيب الفرد من الناتج بطريقة القدرة الشرائية | 12554 | 18077 دولار للفرد | 25000 دولار للفرد |
نصيب الفرد من الدخل بحساب سعر الصرف | 3685 | 4683 دولار للفرد | 10743 دولار للفرد |
نصيب الصناعة من الناتج المحلي | 38% | 41% | 27% |
نصيب الزراعة من الناتج المحلي | 13.5% | 11% | 10% |
نسبة الأمية | 25% | 13% | 5% |
نسبة سكان الحضر | 43% | 74% | 74% |
الميزان التجاري | -40 مليار دولار | 60 مليار دولار | -60 مليار دولار |
الإحتياطي الأجنبي | 37 مليار دولار | 139 مليار دولار | 123 مليار دولار |
الدين العام % ناتج محلي | 93% | 12% | 33% |
الدين الخارجي | 80 مليار دولار | 7 مليار دولار | 432 مليار دولار |
نسبة البطالة % | 13% | 11% | 12% |
*- تقديرات صندوق النقد الدولي بحساب سعر الصرف الرسمي
+ تقديرات الأمم المتحدة في أول يوليو 2017
إيران من الجدول السابق تمتاز عن مصر بأن أغلبية سكانها يسكنون الحضر ، و نظام التعليم أكثر نفاذا و أكثر فعالية ، و من البديهي أن يتطلع الإيرانيون على الأقل لتحقيق مثل النجاح التركي في تحقيق مستوى اقتصادي ، تقترب ايران و مصر في درجة التطور الإقتصادي و تتقارب نسب مساهمة الزراعة و الصناعة في الناتج المحلي ، بينما يتضح تطور الإقتصاد التركي الذي تشكل الخدمات نسبة أكبر في مساهمته في الإقتصاد التركي.
المواطن الإيراني أكثر تعليما و رفاهية من المواطن المصري ، و ربما يتمتع بنظام سياسي أكثر تعبيرا عن آماله و طموحاته ، و يطمح في التقليل من المواجهات الحادة الخارجية و التنافس الإقليمي لصالح مزيدا من التحسن في مستواه الإقتصادي و توفير فرص عمل بالداخل . المواطن الإيراني حضري و لن يميل إلى العنف المسلح لتحقيق مطالبه على عكس البيئة الريفية المصرية أو الظرف الصحراوي ( سيناء و الصحراء الغربية) .
إيران دولة غنية نفطية ، و تستطيع التكيف مع بعض تنازلات لتهدئة الإحتجاجات و اقتصادها في حالة جيدة و لدى اقتصادها امكانات كبيرة و يتعافى رغم عقود طويلة من العزلة و العقوبات الإقتصادية، و مثلها مثل تركيا ، تتمتع أحزاب بمرجعية دينية على أغلبية مقاعد البرلمان ، و بإمكان إيران تمرير قوانين مشددة لكبت و قهر الإحتجاجات، أو العمل خارج القانون بأريحية كاملة بواسطة الحرس الثوري الإيراني لقمع الإحتجاجات بأبعد ما تصل إليه قبضة النظامين التركي أو المصري .
للإجابة على السؤال بعنوان المقال ، لا شك أن هناك أزمة محتدمة أعلى قمة النظام الإيراني ، و لابد أنه بالتوازي مع الحراك الشعبي الإيراني هناك شقاق في قمة هرم السلطة الإيراني ، فاتساع الإحتجاجات ليس دليلا على ثورة شعبية ، و لكن- برأيي المتواضع- صراع على قمة السلطة بين المحافظين و الإصلاحيين ، و قد يكون نتيجة الإشتباك الحاصل تقليم أظافر الرئيس الإيراني حسن روحاني ، و تقليص أجندته الإصلاحية الإقتصادية، التي اتخذت كذريعة للإحتجاجات ، هذا في الأجل القصير ، أما على الأجل المتوسط ، فلاشك أن قبضة المرشد الأعلى علي خامنئني قد نالها الكثير من التشقق ، و مع اعتبار تقدم خامنئي في السن (79سنة)، لن يصيب التشقق خامنئ فحسب بل منصب المرشد ذاته .
لتقريب رؤيتي للمشهد ، سأسأل القارئ ، هل نجحت ثورة 25 يناير 2011 في مصر في غير إجهاض مشروع توريث جمال مبارك المدني ؟ ألم يبقى النظام بكامله بأدواته و قمعه دون رأسه رغم “الثورتين” و الدستور الجديد و عشرات الأحزاب السياسية ؟
إعلان