كريم البكري يكتب: قفوا للفتيات المصريات احترامًا

احتفل العالم في الحادي عشر من أكتوبر بـ اليوم العالمي للفتاة ، وهو اليوم الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة في عام 2012 لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الفتيات في مختلف أنحاء العالم، والفتاة المصرية تواجه تحديات ليست بهينة، فالمجتمع المصري بكل أسف تأثر بتيارات الوهابية والسلفية التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، وحولت الفتاة من «شريكة في المجتمع» لها طموحها الخاص وقيمتها المتميزة، إلى كائن مثير للشهوة، لا يحق لها الضحك أو السفر وحيدة أو قضاء ليلة في أحد الفنادق دون ولي أمر.
في اليوم العالمي للفتاة ، يجب تقديم كل التحية والتقدير للفتاة المصرية، الأخت والصديقة والمُعلمة والعالمة والرياضية، هؤلاء المتمردات على قوالب الجهل الذي صدّر صورة خاطئة عنهن، وزعم كذبًا أنهن أقل قدرة على العمل والإبداع والإنجاز، بينما منح الرجل صق القوامة وفرض الرأي والكلمة.
تواجه الفتاة في المجتمعات المتأخرة العديد من المعتقدات الثقافية الخاطئة، فعلى سبيل المثال المقولة الشعبية «إكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، والتي تنم عن جهل فاضح، فبعض أولياء الأمور منحوا أنفسهم سلطة التعدي الجسدي على الفتاة بالضرب؛ من أجل ضمان حسن السير والسلوك والتربية، وهذا هو الجهل بعينه، فكل أساليب العنف الجسدي لن تولد لدى الفتاة سوى العقد النفسية وربما السلوكية؛ ما يجعلها خطرًا على المجتمع، ومشروع ربة أسرة غير متزنة أيضًا قد تلجأ إلى نفس أساليب القهر التي شبّت عليها.
في الذكرى السادسة للاحتفال بـ اليوم العالمي للفتاة ، ما تزال إحصاءات منظمة الأمم المتحدة تشير إلى وفاة فتاة كل عشر دقائق في مختلف ربوع العالم؛ بسبب ممارسات العنف والاضطهاد بحقهن، وبتأمل بيانات الأمم المتحدة نجد أن إفريقيا ودول العالم الثالث تمثل التهديد الأكبر لحق الفتاة في الحياة الحرة الكريمة.
على سبيل المثال، أثبتت التقارير أن 700 مليون فتاة تم تزويجهن وهن دون الـ18 عامًا، بينهن 125 مليون فتاة في القارة السمراء فقط، بالإضافة إلى أنه يوميًا تلد 20 ألف فتاة تحت سن الـ18 عامًا مولودًا؛ ما يهدد حالتها الصحية ويهدد مستقبل المولود الذي سيجد أمًا لم تحظ بنصيبها العادل من العمل والعلم والتربية.
إعلان
ولأن امتهان الفتاة أمر ينم عن الجهل المتأصل في العقول، يقول الصحفي البريطاني شون كوجلان، في تقريره على شبكة بي بي سي:«بينما تتفوق الفتيات في كثير من الأحوال على الصبيان في مجالات التعليم بالدول الغربية الغنية، تتخلف الفتيات في الكثير من الدول الفقيرة -وخصوصا في الدول الإفريقية جنوبي الصحراء الكبرى- عن أقرانهم، بل وقد يخسرن فرصة التعلم أساسا»، وفي نفس الصدد نشرت مؤسسة «One» المعنية بالتنمية تقريرا يشير إلى أصعب 10 دول تي تحظى فيها الفتيات بفرص التعليم، وكان 9 من بينهم في إفريقيا وهم «النيجر – تشاد – مالي – إفريقيا الوسطى – جنوب السودان – ليبريا- غينيا – بوركينا فاسو – إثيوبيا»، بالإضافة إلى أفغانستان؛ ما يؤكد أن الانقسامات والصراعات الداخلية؛ تؤثر سلبًا على حقوق الإنسان والفتاة، ولكن ما عذر الدول المفترض أنها مستقرة وبها معالم ثقافية وحضارات عديدة ممتدة منذ آلاف السنين؟!
المجد حقًا للفتيات اللاتي تمردن على الجهل، ورفضن القهر أو التقليل من شأنهن، وأثبتن أنهن لسن أقل شأنًا من الرجال، هؤلاء آمنن بأنفسهن فآمن العالم بهن.
المجد للسبّاحة المصرية فريدة عثمان، صاحبة أول ميدالية لمصر فى تاريخ بطولات العالم للسباحة بإحرازها الميدالية البرونزية لسباحة 50 مترًا فراشة مع تحقيق رقم قياسى إفريقى جديد للسباق فى بطولة العالم، والمجد أيضًا لناشئات المنتخب الوطني للإسكواش اللاتي توجن فى يوليو الماضى بلقب بطولة العالم للفرق التى أقيمت بنيوزيلندا بعدما تغلبن على نظيرهن الماليزي بنتيجة 2 / 0 في الدور النهائى للبطولة، وبذلك حافظت مصر على لقب بطولة العالم للفرق للمرة السادسة على التوالي، والمرة الثامنة في تاريخها، وعند ذكر رياضة الإسكواش يجب ذكر البطلة نور الشربيني، التي فازت ببطولة لقب العالم للإسكواش للسيدات، وكانت أول مصرية تحصل على هذا اللقب، بل ولم تبال بالهجوم السفيه الذي شنه بعض المتعصبون عليها؛ بسبب الزي الرياضي القصير، هؤلاء الذين حركتهم شهواتهم ونظروا إلى زيها وتجاهلوا كأس البطولة الذي حملته بين يديها.
شكرًا لنماذج متعددة من اللاتي رفضن التنازل عن طموحهن، مثل البطلة الأوليمبية سارة سمير، الحاصلة على أول ميدالية برونزية لمصر فى أولمبياد ريو دي جانيرو، ورغم كونها طالبة فى الثانوية العامة استطاعت التغلب على تدني الظروف التدريبية المحيطة وتحقيق إنجازها، وخارج المجال الرياضي أثبتت الفتاة أيضًا جدارتها بالاحترام والتقدير، مثل الطالبة ياسمين يحيى الحاصلة على المركز الأول في مسابقة معرض إنتل الدولي للعلوم والهندسة لعام 2015، والتي كرمتها وكالة ناسا بإطلاق اسمها على الحزام الرئيسي لأحد الكويكبات المكتشفة مؤخرًا، تقديرًا لجهودها العلمية التي بذلتها لصالح علوم الأرض والبيئة، بالإضافة إلى العديد من الأسماء اللامعة المبشرة بمستقبل مصري مشرق وهن: «المطربة ياسمينا العلواني – لاعبة الكاراتيه جيانا فاروق – لاعبة التايكوندو هداية ملاك – والمخرجة ساندرا نشأت – والشاعرة نور عبدالله – والمخرجة كاملة أبو ذكري – وغيرهن».
الفتاة المصرية، هي مشروع رمز لا يُرهب بل ينتفض ويتحرك للدفاع عن الوطن ويقف في وجه الديكتاتورية والاستبداد والظلم، وتضحي بكل ما تملك من أجل مستقبل أفضل لأبنائها؛ وطوابير السيدات في الانتخابات والاستفتاءات خير شاهدًا على ذلك، فالمرأة المصرية رسمت بمشاركتها في الثورة والاستحقاقات الدستورية بعدها مشهدًا عظيمًا يليق بعظمة حفيدة حتشبسوت.
الفتاة المصرية، هي درع دبلوماسي يدافع عن مصر في كافة المجالات، ويرسم للوطن أفضل صورة، فعلى سبيل المثال المصرية العظيمة أم كلثوم في حوارها مع الإعلامية سلوى حجازي بباريس بعدما أنهت حفلها كامل العدد، وكان كالآتي:
– سلوى حجازي: إيه اللي عجبك في باريس وتتمنى يتتحقق في بلدك وإيه اللي موجود في بلدك وحاسة إن حتى باريس معندهاش زيه؟
– ارتسمت ملامح الاعتزاز على وجه كوكب الشرق وهي ترد على المذيعة دون أن تتخلى عن ابتسامتها الممزوجة بالدهاء الدبلوماسي، قائلة: «عاوزة تقولي إيه، ان احنا ناخد منهم حاجة؟ أو هما ياخدوا مننا حاجة؟ احنا تقاليدنا حلوة جدا مش عاوزين حاجة ومبنقلدش حد، ومحبش أبدا أي إنسان يقلد حد تاني، إحنا لينا تقاليدنا ولنا حاجتنا الخاصة الجميلة اللي طبعا احنا بنعتز بيها، أنا محبش إن بلدي تقلد بلد تانية أبدا».
– وعندما سألتها المذيعة: إيه أكتر مكان عجبك كل ما تيجي باريس تحبي تفوتي عليه؟
– ردت أم كلثوم بنفس الفخر والثبات الدبلوماسي: «المسلة المصرية، علشان بتاعتنا، علشان جزء من بلادنا».
أم كلثوم في هذا الحوار ضربت مثالًا للفخر والاعتزاز، وقدمت صورة رائعة لمصر الفن والحضارة، بل ورفضت حتى أن تُبدي انبهارًا بدولة أخرى أمام الكاميرات.. إنها المرأة المصرية يا سادة.
في اليوم العالمي للفتاة ، يجب الاهتمام بالتشريعات التي تحفظ لها حقها في حياة كريمة عادلة، وتكفل لها الحق في كافة الوظائف والمناصب، وتحصنها من العنف الجسدي أو النفسي، خاصة مع العلم أنه وفقًا لبيانات الأمم المتحدة 46% من اللاتى سبق لهن الزواج تعرضن للعنف الجسدى على يد الأزواج، 32% من اللاتى سبق لهن الزواج تعرضن للعنف النفسي، 12% يتعرضن للعنف الجنسى من الأزواج، 11% أجبرن على الزواج دون الأخذ برأيهن، 40% من الإناث فى العينة العمرية ما بين 18 إلى 64 عامًا تزوجن قبل بلوغهن الـ18 عاما ، 18% تعرضن للعنف الجسدى والجنسى فى الفئة العمرية قبل 18 عاما، 17% تعرضن إلى العنف النفسى من العائلة، 2% تعرضن لما اسمته الأمم المتحدة «العنف الجنسى من الأخوة أو الآباء».
في اليوم العالمي للفتاة ، يجب تكرار التنديد بظاهرة ختان الإناث وما لها من تأثير سلبي على صحة الفتاة نفسيًا وجسديًا، خاصة في ظل الأماكن غير الرسمية التي تشهد عمليات الختان، والإحصائيات تقول إن 9 من كل 10 فتيات تعرضن للختان، و60% من الإناث فى الفترة العمرية ما بين 18 إلى 19 عاما تعرضن للختان، و75% فى الفئة ما بين 20 إلى 24 عاما تعرضن للختان.
كما يجب دق ناقوس خطر سرطان الثدي، والذي يهدد واحدة من كل 8 سيدات أو فتيات، ولكن اكتشافه المبكر يزيد من فرص علاجه والتغلب عليه؛ لذلك يجب متابعة الفحوصات الشهرية المنزلية والطبية، تدعيمًا لصحة المرأة ومن ثم صحة المجتمع ككل.
في النهاية.. المرأة المصرية هي صمام أمان المجتمع، وعموده الفقري، وطاقته الإيجابية، هي مدبرة ميزانية المنزل رغم غلاء الأسعار وزيادة الاحتياجات، وهي المتمردة والطامحة والمتطلعة إلى غد أفضل، حافظوا على قيمة المرأة حتى يسلم المجتمع.. كل الاحترام والتقدير للفتاة المصرية في يوم الفتاة العالمي.
اليوم العالمي للفتاة
إعلان