التّدمير الذّاتيّ: التّغلُّب على سلوك هدم الذّات

هل سبق أن وجدت نفسك تعمل نحو هدف مهمٍ ثمّ ما لبثت ووقعت في فشل ذريع فقط لأنّك فعلت شيئًا غبيًا لم يجدر بك القيام به؟
أو ربّما تعتريك مشاعر التّوتر والقلق عندما تحاول تحقيق هدف مهمّ، الأمر الذّي بدوره يزيد من إحباطك أكثر فأكثر، فتراكَ تشعر بالاستياء والغضب إزاء نفسك، وتغدو حبيس هذه المشاعر التّي تعيقك عمّا يتوجّب عليك القيام به؟
جميع هذه العلامات تشير إلى ما يُعرَف بالتّدمير الذّاتيّ.

يؤديّ التدمير الذاتي إلى تآكُل ثقتك بنفسك وانتقاص احترامك لذاتك، كما ويؤثّر على علاقاتك بالآخرين؛ فإذْ بك تُثبت لنفسك مع كلّ محاولة فاشلة لفعل الشّيء الذّي تريده أنّك لا تستطيع القيام بهذا الأمر، أو لا ينبغي عليك الاستمرار فيه.
أيًّا كان ما يمثّلك من هذه السّلوكيّات، من الضّروريّ أن تتغلب عليها إذا كُنت تريد تحقيق أكبر استفادة ممكنةٍ في حياتك ومسيرتك المهنيّةِ.
لحسن الحظ، يمكنك تجنُّب الوقوع بسلوكيّات التّدمير الذّاتي، وهذا ما سيتم توضيحه في هذا المقال.

ما المقصود بالتدمير الذاتي؟

يشير التدمير في معناه إلى تحطيم أو إضعاف شيء معيّن، الذّي غالبًا ما يتمّ بطريقةٍ سريّةٍ. وعادةً ما ينطوي ذلك على تورّط مُباشر ومتعمّدٍ من جانب المُدمِّر المُسبّب للفعل، لذلك تُستخدم هذه الكلمة بشكلٍ شائع في ما يتعلّق بعمليّات التّجسّس، أو في مواقف العمل، حيث يتسبّب شخصٌ من داخل المؤسّسة بحدوث الضّرر.
ويستخدم مصطلح التّدمير الذّاتيّ عندما يوجّه هذا السّلوك المُدمّر إلى نفسك. في البداية، قد لا تعي أنّك تقوم بكلّ ذلك، ولكن عندما تعمل العادات السّلبية على إضعاف جهودك والحدّ منها على نحو مستمرّ، فمن المُمكن أن تُعتَبر شكلًا من أشكال الإيذاء النّفسيّ الذّاتيّ.

أعراض التّدمير الذّاتيّ

قد تتجلّى أعمال التدمير الذاتي في العديد من السلوكيات المختلفة التي تتباين من شخص إلى اّخر، ولكن هناك بعض الأمثلة الشائعة و المُتكرّرة التّي تجمع بينهم.
قد يفوتك موعدٌ نهائيّ لتسليم واجب معيّن، أو تفشل في إعداد عرضٍ تقديميّ بشكلّ صحيح، على سبيل المثال، ربّما تتأخّر باستمرار عن العمل، أو قد تماطل كثيرًا وتلجأ إلى تأجيل ما عليك القيام به بشكلٍ مُتكرّر، على الرّغم من أنّك تعلم أنّك بحاجة إلى إنهائه.
وربّما بدأت فعلًا بتحقيق بعضٍ من مشاريعك ولكن دون أن تُكمِل أيًا منها أبدًا، إذْ تشعر أنك غير قادر على المضيّ قُدمًا، كما تفوّت من بين يديك العديد من الفرص المهمّة، وقد تحلم بإنجاز شيء ٍذي أهميّة شخصيّة كبيرة لك، لكنّك لا تلتفتُ لذلك وتغضّ النّظر عمّا عليك إنجازه.
إحدى الأعراض الأُخرى التّي تدلّ على سلوك التّدمير الذّاتي، هي توقُّفك عن الاستمرار في العمل أثناء محاولتك لتحقيق أهدافك، فتجد المهارة والإرادة موجودتان، لكنَّ شيئًا آخر يقف حاجزًا أمامك و يمنعك من المضيّ قُدمًا.
غالباً ما يكون التدمير الذاتي مدفوعاً بأحاديث ذاتيّة سلبيّة، حين تُخبر نفسك بأنّك غير كافٍ، أو غير جدير بالنّجاح. فيسيطر عليك التّفكير في أمور مثل “لا يمكنك القيام بذلك!” “أنت لا تستحق ذلك!”. “إذا حاولت، فمن المُحتَمل أنّك ستفشل على أيّ حال.”
من المُحتمل أنّنا جميعًا مررنا بسلوكيّات كهذه في مرحلةٍ ما من حياتنا، لكنْ يبقى البعض أكثر عرضًة من غيره للتّدمير الذّاتي، وقد يصعب على الفرد منّا الاعتراف بالقيام بهذه السّلوكيّات. لذا، إيّاك وأن تتجاهل الإشارات التّي تشير إليه أو تستخف بها، إذ يمكن أن يعزّز التّخريب الذّاتي شعورًا زائفًا وغير موجود يتمثّل بمنحك الإحساس بانعدامِ قيمتِك، ويمهّد سبيلًا للأفكار السّلبية التّي ليس لها أساس في الواقع.

التدمير الذاتي والاحترام الذاتي

أحد الأسباب الرّئيسة وراء تدمير النّاس لأنفسهم ينبع من الافتقار لتقدير ذواتهم، وقد تتعدّد أسباب ذلك، ولكنّ التأثيرات المؤدّية لذلك واحدة، وهي: مشاعر بانعدام القيمة، والاعتقاد بأنّك لا تستحق النجاح، بل وحتّى كراهية الذات.
قد تخشى الفشل بسبب قلقك من تغيُّر نظرة عائلتك لك، أو قد تخشى النّجاح لأنّ زملائك في العمل قد يشعرون بشيءٍ من الغيرة، هنا تبدأ هذه الأفكار والمشاعر المتجذّرة في داخلك بافتعال أحاديثَ سلبيّةٍ مع نفسك، ممّا يغذّي من مخاوفك وسلوكيّاتك المدمّرة لذاتك.
هناك سبب آخر يدفع النّاس لأسلوب تدمير الذّات، وهو الشّعور بالسّيطرة على أوضاعهم، فمن خلال تدمير أوضاعهم ومن ثمّ العمل على إصلاحها مُجددًا فإنّهم بذلك يتلقّون دفعة قصيرة المدى تعزّز من ثقتهم بأنفسهم، بل وقد يمدّهم ذلك بنوع من الإثارة والحماس ولكن مجددًا بشكلٍ مؤقّتٍ فقط، بيدَ أن هذه “المكافآت” تبيّن أنّ لها عواقب وخيمة على المدى الطويل.

كيف يتسبّب التدمير الذاتي بإلحاق الضرر بك؟

قد تقع في مصيدةِ التّدمير الذّاتي بعدّة طُرُقٍ، فهو أولًا يعزّز من السّلوكيّات السّلبية التّي تضلّك عن طريق نجاحك. بهذا تجد نفسك دائمًا مقصّرًا في تحقيق ما وضعته لنفسك من أهداف.
كما من شأنه تدمير سمعتك والإضرار بصورتك، فنتيجًة لعدم إنجاز ما عليك فعله، ستهاجمك نظرات مديرك وزملائك في العمل، إذْ تظهر لهم أنّك شخصٌ غير أهل للثّقة، أو غير ملتزم، أو متقاعس، أو تفتقر للدّافع الذّي يطوّر من عملك ويجعلك متقدّمًا.
قد يميل الأشخاص الذّين يقومون بتدمير أنفسهم للتّصرّف بشكلٍ عدائيّ وسلبيّ، كما أنّهم يواجهون صعوبًة في التّحكُّم بانفعالاتهم وغضبهم. ممّا يؤديّ في نهاية المطاف إلى تدمير علاقاتهم مع الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل.
إنّ مثل هذه الإخفاقات وخيبات الأمل تزيد من الشّعور بالذّنب والإحباط، ومع مرور الوقت، يمكن أن تتراكم هذه الأحاسيس على شاكلة مشاعرمن العار والخزي، تجلب معها قلّة احترام الذّات وتقديرها.

إعلان

التّغلُّب على التّدمير الذّاتيّ

1- التعرّف على سلوكيّات التّدمير الذّاتيّ
لتتمكّن من وقف التّدمير الذّاتي عليك أولًا تحديد سلوكيّات التّدمير الخاصّة بك.
فكّر في كل تلك الأهداف المُتراكمة لفترة طويلة التّي لم تنجز أيًا منها بعد، هل مازلت تؤجّل اتّخاذ قراراتٍ حاسمة لما يدور في حياتك؟ أما زلت تفقد الدّافع الذّي يحفزّك لحلّ المسائل المُهمّة؟
فكّر في أمر دائمًا ما تفشل فيه دون سبب واضحٍ ومباشرٍ، واسأل نفسك: هل هناك شيءٌ تقوم به، أو تتجنّبه، يؤديّ بشكلٍ مُستمرٍ إلى إحباط الآخرين حولك (ومنهم مديرك بشكل خاص)؟ هل واجهت أيّ نشاط أو مهمّة تسبّبت في إزعاجك وعدم رضاك فقط لأنّك علمت حينها أنك كنت قادرًا على إتمامها أو حتّى تأديتها بشكل أفضل؟
قد تشعر بشيءٍ من الألم عندما تسأل نفسك أسئلًة كهذه، إلّا أنّه من المُهم أن تبقى مُتيقّظًا لمواضع المشاكل من البداية، حتّى تتمكّن من فهم و تحليل ما يحدث معك بشكل أفضل.

2- تفهّم المشاعر التّي قادتك لهذا السُّلوك
غالبًا ما ينبع سلوك التّدمير الذّاتي من مشاعر القلق والغضب وانعدام تقدير الذّات، على سبيل المثال، ربّما تكون قد تعمّدت عدم إنهاء تقريرٍ ما لأنّ مديرك كان قد أنّبك على عملك مُسبقًا، فبتّ تشعرُ بالغضب والاستياء جرّاء هذا الموقف الّذي ولَّد لديك مشاعرَ انتقاصٍ من قيمتك الذّاتية. في الحقيقة، ربّما كان مديرك وقتها مُنزعجًا من شيء آخر، وقد يشعر لاحقًا بالدّهشة والأسف عندما يُدرك أنّه أزعجك وأنّبك دون أن يقصد ذلك، لكنّ استجابتك العاطفيّة والحساسة لما فعله لا تضع ذلك في عين الاعتبار.
احرص دائمًا على التّحكُّم بمشاعرك وتوجيهها، حتّى لا تكون حليف السُّلوكيّات التّي تحمل في طيّاتها العواقبَ السّلبيّة، وتجنّب منها ما قد يؤثّر على علاقتك بمن حولك دون إنصافٍ، وكنْ مُتيقّظًا لما تراه من إشاراتٍ تحذيريّة أوليّة تُنبِىء بمشاعر القلق والغضب حتى تتمكّن من السّيطرة عليها قبل فوات الأوان.

تنبيه: احرص على عدم تجاهل المشاعر القويّة – فمن المحتمل أن تكون علامة على وجود خطأ ما. ألقِ نظرة على مقالنا بعنوان “ما هي حالات HALT الخطرة؟” للمزيد حول هذا الموضوع.

3- تحديد التّفكير أو المعتقدات التّي تُثير العاطفة
من المحتمل أنّ المشاعر التّي أدّت إلى سلوكك السّلبي كانت نتيجة أفكار غير منطقيّة، فكّر في الأدلّة التّي تثبت هذه الأفكار- ففي المثال أعلاه، لم يكن مديرك مُنزعجًا لأنّك لا تعجبه بشكلٍ شخصيّ، بل لأنّه كان مُشتتًا بالكثير من الأُمور الأُخرى التّي عليه التّفكير فيها.
لاحظ ما تخاطب به نفسك عندما تنخرط في أحد سلوكيّات التّدمير الذّاتيّ، ثم اكتب كلّ حديثك السّلبي مع نفسك، مهما بدا ما تكتبه سخيفًا أو غير واقعيّ. الوقت المثالي للقيام بذلك هو عندما تجد نفسك بدأت تتصرّف بهذا السّلوك. راقب “تيّار وعيك” ودوّنه. في مثالنا السابق، قد تراودك أفكار مثل “أنا فاشل للغاية، ربّما ضاق مديري صبرًا بالتّعامل معي!”.

نصيحة: إذا كان تسجيل ملاحظاتك في الوقت الحالي غير واقعي، فراجع مقالنا حول تحسين الذاكرة لتقنيات الذاكرة المحددة – مثل أدلة الصور – التي يمكن أن تساعدك على استرجاع الموقف في عقلك لاحقًا، وتذكّرك بما كنت تفكر فيه.

بمجرد معرفتك بطبيعة حديثك السلبي مع ذاتك، اسأل نفسك عن المعتقدات العميقة الكامنة وراء هذا التفكير التدميري، هل هذه المعتقدات عقلانية؟ وهل تستند إلى أي حقائق واضحة؟
4- قم بتغيير سلوكيّاتك وعواطفك وأفكارك
عندما تصبح على دراية بالعواطف والسُّلوكيّات والأفكار السّلبيّة التّي تؤديّ إلى تدمير الذّات، يمكنك حينها البدء بمواجهتها و تحدّيها. وإذا كان بوسعك تغيير أحد هذه الجوانب الثّلاثة، ستصبح عمليّة تغيير الجانبين الآخرين أسهل كثيرًا.
قم بتحدّي التّفكير السّلبي واستبدله بتأكيدات منطقيّة وإيجابيّة. واعمل على تحويل جميع افتراضاتك لمنحىً آخر، واعتمد منظورًا مختلفًا للأمور يمكنك السير فيه.
بعد ذلك، اربط هذا الحديث الذّاتي الإيجابيّ الجديد بما يمكنك إنجازه وما تريد تحقيقه من أمور؛ ستدرك عندها أنّ اتّساق مهاراتك ومعتقداتك وسلوكيّاتك وتوافقها، سيمكّنك من ضبط الحالات العقليّة والعاطفيّة والجسديّة بما يتماشى مع ما تخطّط له في ذهنك.

تنبيه: قد لا يغير سلوكك من عادة التّدمير الذاتي بشكل كامل على المدى البعيد ما لم تسعَ أيضًا إلى
تغييرجميع المشاعر والأفكار الكامنة وراءها. ولتتحقّق استفادة أكبر، عليك أن تلاحظ وتتعلم وتمنح نفسك الأحقّية للحصول على المزيد من النتائج الإيجابية، إذ يساعد ذلك على كسر الحلقة السلبية الواقع فيها.
تنويه: اطلع على مقالنا حول التفكير الإيجابي والتفكير الواعي والتفكير المنطقي لمعرفة كيفية تحويل الأفكار السلبية إلى عبارات تشجيعية. كما ستطّلع على إعادة بناء الإدراك وما يمنحه من تغييرٍ لوجهات نظرك حول ما يمر بك من مواقف.

5- تطوير سلوكيّات الدّعم الذّاتي
بعد أن حددّت الأساس المنطقيّ الخاطئ وراء سلوكيّات التّدمير الذّاتي لديك وبدأت في التّغلُّب عليه، يمكنك الشُّروع في إعادة بناء احترامك لذاتك، خلال ذلك، ضع في اعتبارك الأسئلة التالية:

  • ما الذّي ينطوي عليه حديثك مع نفسك، أهو كلام إيجابيّ ومحفّز؟
  • ما هي الخيارات المتاحة لديك؟ هل هناك أكثر من طريقة لتحقيق هدفك؟
  • هل يمكنك بناء الثّقة بالنفس من خلال تحديد أهداف أصغر وتحقيقها خلال رحلتك في تحقيق الأهداف الأكبر؟

ثم استخدم إجاباتك للخُروج برسالة تُلهمك للتحرّك في الاتّجاه الصّحيح. على سبيل المثال، “على الرّغم من أنني قد لا أكمل هذا المشروع في الوقت المُحدّد، إلّا أنّي أعلم ما أملكه من موارد ومهارات تساعدني على إتمام المشروع. فحالما بدأت في معالجة المشروع من بدايته، أعلم أنّني سأخفّف حملًا ثقيلًا من التّوتر والقلق كنت أجرّه معي أثناء المماطلة”.

النّقاط الرّئيسة:

  • إنّ التدمير الذاتي سلوك يقلّل من نجاحك دون أن يبالي بما تحمله من رغباتٍ أو أحلام أو قيم.
  • غالبًا ما تعود جذور التدمير الذاتي إلى تدنّي احترام الذّات وتقديرها، والأحاديث السّلبية مع النفس وما يصاحبها أيضًا من مشاعر سلبية، إذ تراها تنمو باستمرار الفشل النّاتج عن ذلك.
  • يمكنك هزيمة التّدمير الذّاتي من خلال مراقبة سلوكيّاتك ومشاعرك وإدراك أفكارك ومعتقداتك عن نفسك، وتحدّي كلّ منها عندما تقف كجدار يمنعك عن تحقيق أهدافك. بمجرّد أن تفهم الدّافع وراء التّدمير الذّاتي، يمكنك تطوير سلوكيّات إيجابيّة داعمة للذّات لتحفظ سيرك على الطريق الصحيح.
    يعلّمك هذا الموقع المهارات التي تحتاج إليها للحصول على حياة مهنية سعيدة وناجحة، وهو واحد من بين العديد من الأدوات والموارد التي ستجدها هنا في موقع Mind Tools. اشترك في نشرتنا الإخبارية المجانية، أو انضم إلى نادي Mind Tools واشحذ حياتك المهنية!

نرشح لك: ما هو تقدير الذات و هل لديك تقدير عالٍ أم ﻻ ؟

مصدر الترجمة:
https://www.mindtools.com/pages/article/newTCS_95.htm

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: ديما الخطيب

تدقيق علمي: ريهام عطية

ترجمة: دعاء الكيلاني

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا