رسائلُ للفُرسان: معالم الطريق في سورةِ الكوثر

سورة الكوثر: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3).

“إنني أطالبُ بحظي ونصيبي مما أنتم فيه، فلا أتمكنُ من التحليق مثلكم، ولا أستطيع السير إلّا بإقدام الأدلة والحجج، أروني ما في (نعبدُ) و(نستعين) من الطريق المُوصِل إلى المعبود الحقيقي والمستعان الحقيقي، حتى أتمكن من مرافقتكم”1.

تقعُ سورة الكوثر التي أحب تسميتها بـ”معالمِ الطريق” في آياتٍ ثلاث، كل آية بجناحين. أما رحى السورة ككل فتدور حولَ قُطبٍ واحد له دِعامتان، فإذا اعتبرنا السورة مُقابلةً بين عطاءٍ وشنآن يتوسّطهما مِيثاق، فعطاءُ الله لكَ كوثر، وما يقابلهُ من أخذٍ أو ضريبة أو امتحان قليلٌ وأبتر، وإذا اعتبرناها مقابلة بين اتصال وتواصلٍ مركزهما إخلاص؛ فالمؤمن عاملٌ لله داعٍ إليهِ اختصاصًا (إنّا لله)، متوجّه عائدٌ إليه إخلاصًا (إليه راجعون)،

الفارسُ الكوثري هو المؤمن المَوصولُ المتشبع برسالةِ الصلاة (فصَلِّ)، الرباني المُخلصُ لله (لربِّكَ)، العاملُ المُكثِر والمتدفِّق، السيّالُ نفعًا وسعيًا وبذلًا للأسبابِ وطرقًا لأبوابِ النفع (النحر)، أما الأبترُ فهو المُعرِضُ عن الرسالة في شقها العبودي والوجودي صلاةً ونحرًا، الكافر بالفكرة، أو المؤمنُ بها ببطالةٍ واستقالةٍ وشّحٍ وانقطاع، المؤمنُ صلاةً العاطل المُعطّل نحرًا؛ أو العكس، المقطوعُ عن فهم شمولية الدين وارتباطِ أجزائه ارتباطًا وثيقًا لا يقبلُ التفكيك.

 

إنّا أعطيناك الكوثَر، رسالةُ عطاء:

ما أجملَ إنّا التي أعطت! كأنها إخبارٌ بتعدّدِ أبوابِ العطاء، فلم يُختصّ به اسمٌ دونَ آخر، بل أظهرَ كل باب ما فيه فأشرقَ العطاء من كل شُموسِ الأسماء، فلا عجبَ أن يُقال أن الله إذا أعطى أدهش، فعطاء “إنّا” مُدهشٌ حقًا، غزيرٌ وإن كان ينبثق من سماءٍ واحدة؛ فكيف وهو يتهاطل وينساحُ متزامنًا من سمواتِ الأسماء كلها، كل ماءٍ ينزلُ على جفافٍ خاص، وكل جبرٍ يرأبُ صدعه اللائق به، فلا يبقى في الجسد موضعٌ مظلمٌ أو متألم خالٍ من نفحةِ تفضّلٍ رباني أو أُثرِ تدخُّلٍ نوراني، يُبَدد الأكدار الظلمانية ويتغلغلُ في بواطن التوجّعاتِ الجوانية، فلا يبقي من الأمراض إلا ما يخزُ ويزعج ليضمنَ التنبّه المستمر والتأوّهَ المفتقر.

تجد انعكاس ذلكَ كله فيما يلي بيانَ الأعطيات؛ فلو كان تثبيتًا فقط لقيل إنّا أعطيناك فصلِّ، ولو كان فتحًا وتبصرةً لقيل إنا أعطيناك الهبات وأحطناك بالآيات للتأمل والتحليل، ولو كانَ رزقًا واستخدامًا لقيل إنا أعطيناك فانحَر مما رزقناك وانفع فقد يسرناك وسخرناك، واشكُر بالنحر والإنفاق ما أنعمنا به عليكَ من مواهب للتوظيف والتشغيل، ولو كان صبرًا وتحمّلًا وسعة صدرٍ وطول نفسٍ ورباطة جأشٍ لقيل إنا أعطيناك ما تصبرُ به على أذى شانئيك، وما تتحمل به شوك الطريق، وما تحمل به ثقلَ الرسالة ثابتًا رغم الهزات والعثرات؛ لكنها كانت كل ذلك معًا؛ عطاءً يُعين على الصلاة بشتى معانيها وعلى النحر بكل أنواعه وسبله، وعلى الصبر والثبات والتركيز على الغاية وسط المشتتات وتحمّل مشقة الطريق وسط الصوارفِ والمثبّطات.

إعلان

ليسَ بعد بيانِ جزالة هذا العطاء حاجةٌ إلى ذكر أن الكوثر لغةً2 هو الكثير جدًا المتراكم من كل شيء، وأن تعريفه يفيد التوكيد لا التحديد فاللهُ وحده يعلمُ بحدود ما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ورائه كلّ مصلحٍ وداعية، يكفي أن من معاني الكوثرِ عند ابن عباس رضي الله عنه النهر في الجنة، فأي تصور يحيط بعطاءٍ وكوثرٍ بعضهُ نهر!

فصلِّ لربكَ وانحَر، رسالةُ اصطفاء:

من معرفةِ الله إلى معرفة مطالبه وتكليفاته، ومن عبادتهِ في محراب الصلاةِ إلى عبادتهِ في حربِ النحرِ والعطاء، بُنيان بإيمان وعُمران بقرآن، فتنتقلُ من الصلة مع الخالق إلى التواصلِ مع المخلوقات، صلةُ افتقار ثم تواصل إحسان ونفع، ترتفع بالصلة والرابطة الصَلاتية أولًا حتى تتخلّى ثم تتحلّى فتنال شرفَ حيازةِ رسالة النفع، فالنفعُ رفع وخادمُ الناس سيدهُم، ولا يسخّر الله لنفعِ أحبابه وعيالِه إلى من رفعَهُ إلى مَقامِ الود والمحبّة الخاصة التي تفيضُ على غيرها بما خصّها اللهُ بهِ مِن كَوثرِ الصِّلةِ والمَددِ والعددِ والفتوحِ والمعاني؛ فتصير كالبئر للدلاء؛ ثم يرجع الدلاء ليسقوا أقوامًا عطْشى ثم يرتوي الناس بالنّور، فيستقوون على العملِ الصحيح والزرع المُنبت فيحدثُ النهوض وتسري الإرادة الربانية في جميع مفاصل الجسد فتنتُج الحركة المباركة المؤيَّدَة بالنصر والمعيّة؛ والتي سرعانَ ما تورِقُ وتثمرُ لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء، لأن أصلها ذلك الماء الجوفي الباطن الخالص العذب؛ الذي تراكمَ من الفيضِ العلوي ليجري بأمر ربه وينفجر عيونًا حُفِرَت بداخلها حتى فَقهَت الأمر؛ فانفجرَت ثم أحاطت نفسها بجدران الالتزام والحمايةِ من السيلان العبثي.

ثم مدّت للناس حبال تيسيرِ السِّقاء تدعوهم بأسرابِ الطيرِ ومنطقه ليقتربوا ويُلقوا إليها بالدّلاء المتشوقة للمعنى، فتُسقى كثيرًا وتسقي كثيرًا فتظهرُ أمة السقاية والبذر، أصلُ كلِّ ذلك حبّاتٌ متكوثرة وبذورٌ مُتفجّرة -نثرتها العناية ويد الاستخدام هنا وهناك-؛ تكوثُرَ ارتباطٍ ومعرفة، وتكوثرَ إحسان وعطاءٍ غزير، وتفجُّرًا بطاقةِ الماءِ الباعثِ للحياة، مَثَلُ كُلِّ حبّةٍ منها (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ )4.

أما مُهمّة النحرِ ثانيًا فمن معاني صناعة الحياة؛ التي يقول فيها الراشد: “نعم سبقت حصيرة في الميزان ناطحة سحاب لكنها الناطحة النفاقية الفاجرة، أما حين تنطح السحاب استمدادًا من عزها الإسلامي؛ فإنها تسبق مليون حصيرَة”5، نعم هو سحابُ صِلةٍ تلامسهُ ناطحةُ نَحرٍ تَستَمدُ ثباتَهَا مِن أساسِ (لربّك) فتنتجُ وتُنفقُ وتصنَعُ الحياة، لذلك كان النحرُ على خلاف الصلاة التي تغذي الرُّوحَ بالمحسوس؛ تصدّقًا بمأكولٍ مَلمُوس؛ أي تغذيةً لموادٍ وأجساد، يجعله واجبًا وجودُ الحاجة إليه وكثرة الجوعى إضافةً إلى حتمية الإنفاق في فكرة الدين، “حوائج الناس إليكم من مِننِ الله عليكم؛ إن ألفتموها”6؛ فإذا وُجدَ الجوع في جسدِ الأمة، ووُجِدَت الحاجة للمهضوم عقلًا وفهمًا ورسالةً وبحثاً عن الجدوى والمغزى من وجود الذات، كان النحرُ المطلوبُ من الفرسان -السُّعاة- تغذية ذات الفرد كما الجماعة بالمعقولات اللازمة والمفاهيم الناقصة والمشاريع المشغلة للطاقة، المُشعِرة بالجدوى، المستثمرة للمادةِ سعيًا إلى الشُهود وأعلى درجاتِ التكوثر7 الفردي والجماعي الممكنة.

ثم إنهُ لا يتم ذلك التناظرُ الدقيق بين ثنائية الصلاة والنحر، إلا بمحورية الربانية ومركزية الإخلاص في بُنية المعادلة، يجمعان بين دعامتي القُطب، فلا تكتمل المنظومةُ فتشتغِل إلا باجتماعِ الثلاثة، فالصلاة وحدها انقطاع عن الواجبات المتعدّية، والنحر المُنقطِع أو المُرائي كالقلم الفارغ من الحِبر الممتلئ بالحيرة، جهدٌ وتحريكٌ آلي خالٍ من الروح والمعنى، فالإخلاص هو الأساس الرابط بالمدد والتوجيه الإلهي، كلّ ما خلا منه أجوف وإن امتلأ، وأعوج عبثي وإن استقامَ ظاهرًا، قلم بلا مداد في سعيٍ غير مضبوط وبيانٍ غيرِ منقوط، صرخاتهُ في وادٍ ونفخاته في رماد.

فالصلاة ركن الإسلام المشدّد بلامِ المجاهدة والإقامة والمداومة، هي القِبلَة والمرجعية، وقليلُ نحرٍ مستقيم دائم بانتماء ومرجَع؛ خير من خطوطٍ ومسارات كثيرة تخبط خبط عشواء بلا أصلٍ ولا قِبلَة، فالصلاة مرورًا بجسر الإخلاص هي المعين والوِرد والماء المنبت لأسباب النحر،(إن تنصروا اللهَ يَنصُرْكُمْ)8؛ فإن تنصر الله بترك العبثية ينصرك بالدلائل، وإن تنصره بالاستعداد ينصرك بالإمداد، وإن تنصره بالصلاة والاقتراب مع الصدق ينصرك بشتى الموارد والمفاتيح مع القبول والصدّيقية، فمن لا وِردَ له لا واردَ له، بذلك لا يكونُ المؤمن مُجرّدَ معنىً عاطل عن العمل، ولا يكون أيضًا مجرد آلة عاملة يحركها عبثًا أو هوى، دون توجيهٍ وتوجّه وترشيد وتخليص ونظرة ورؤية لذلك الإنتاج ومبادئه ومغزاه المادي والمعنوي وغاياته النهائية (وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ)9.

إن شانئكَ هو الأبتر، رسالةُ ابتلاء:

هذا المقامُ المحتوم باعثٌ للفارس على ترويض النفس وتدريبها على الرضا والتسليم والمجاهدة الباطنية والظاهرية، لأن الأذى والشنآن موجبٌ للصبر المنبعث من حقيقة التوكل على الله والتضحية في سبيله؛ فالله يحبُ الصابرين، وداعٍ للثبات وممتحن لليقين بأن الله ناصر عبده ومتمُّ نوره، وأن أثرك باقٍ خالد وإن كنت مستضعفًا بالأسباب الأرضية، وأن أثر الباطل المؤذي لك منقطع أبتر ليس له أفق ومآله إلى تلاشٍ وتشتتٍ وانهزامٍ كسحابة صيف، وشمسُ فكرتك إلى إشراق وسطوع ووضوح ورسوخ في كبد السماء كما رسخت شجرةُ فكرتك في قلبك؛ فاستولت على روحك وجسدك؛ فأثمرت بيدك ولسانك وأشرقت في قلوب وأعين الناس الذين بُعِثتَ إليهم وكُنت أنت الداعية في ثغرك الذي يضمُّهُم وصاحبَ الهم في محيطهم.

إنه لابد من ذلك الخرق في السفينة، وبعضِ الأذى في الطريق، فالطريقُ الخالي من الأشواك مثيرٌ للشك، والسفينة التي لا تُخرَقُ بشيء من الابتلاء غريبة مُريبَة في سُنَنِ سَيرِ المُصلحين والأنبياء، ذاهبةٌ إلى مَلكٍ غاصِب يحجبه الهدوء وركود صفحة الماء أو مفتونَةٌ بالفراغ والإخلاد إلى الأمان القاتل مُستدرجَة بالسلامة، فالزوارق التي لا يتسرّبُ إليها بعض الماء إذ تقتحم ولا تقلق ولا تهتز خيفةَ الغرق هي تلك التي لا تبرحُ الميناء الآمن؛ ولكنها أيضًا تلك الفارغَة العاطلَة التي لا تحمل أي صيدٍ أو غنيمَة، أما المتحرّكة المُبحِرة فتُبتلى ابتلاءً يُميز الله به بين المتسلٌّق على ظهر الفكرة وبين المتحقّق بها قلبًا وقالِبًا، ينبض لأجلها روحًا متحرّقة تهتَم وشبحًا متحركا يعمَل، لا وشاحًا وقالبًا قِشريًا سرعان ما تنزعه العواصف فتلقيه عن كتفه إلى الوراءِ المُهمَل، (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء)10، شيءٌ قليل يقابله كوثرٌ جزيل، لن تبتلى بكل شيء ولن توصدَ

في وجهكَ كل الأبواب ولن تُخفق في كل الأسباب، يوجد دائمًا ما سيواسيك ويعزّيك ويثبتك ويؤنسك ويُنسيك، فلا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، وبِقَدْر التكليف يكون التخفيف، (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ )11.

العالم يقيسُ بسُرعةِ الضوء لا بسرعة الظلام، ما أسرعَ فرجَ الله! وما أًصدقَ القول: “الشدّةُ بتراء لا دوامَ لها”.12

فهي شدةٌ قليلة بتراء وخروقٌ لا تُغرِق، وليٌّ خفيفٌ للذراع لا يَكسِر، تقدّ قميصَ الفارسِ من دُبُرٍ لا من قُبل، بتمزيقٍ طفيفٍ محدودٍ يمتحنُ صدقَ نَفرَته وانتفاضته، ثم يفيد براءته غدًا من تهمة القعودِ وعصمتَه من ذنبِ التفرجِّ والخذلان والجمود، وخَتمٌ مُشترك في صحائف العابرين العاملين في كل عصرٍ، يُلحقهم صفةً بمن ركبَ تلك السفينة وخاضَ ذلك البحرَ قبلهم، سقاهم ربّهُم بماء واحد؛ (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين)13.

عزيمة الفارس الكوثَر:

هو بحرٌ لابدّ لنا من تجاوزه سباحةً حاَملين المعنى على ظهورنا؛ لنوصله سليمًا إلى ضفافِ الجُزُرِ المعزولة الفاقدة للبوصلة، الضائعة في فراغات الخريطة، وسهمُ رِماية همّته الانبعاث لإصابةِ النجوم القصيّة، وإعادة مجدِ الأقمار إلى الأرض؛ رميٌ يستلزمُ بُعد نَظَرٍ وحِدّةَ بصيرة وشدّة ساعِد متدرّبٍ مُخشوشِنٍ صاغت تفاصيلَه وشروطَه ليالٍ طويلَة أنضجها الهمّ وأرّقتها المهمّة، وفروسيةٌ تركبُ بُسُطَ الريح تقطعُ المفاوزَ والقفار؛ لا لتفتحَ المدائن الغريبة هذه المرة تخرجُها من جور الأديان إلى سعة الإسلام، بل تحلّق عائدة إلى أعشاشِها لتفرزَ عيدانَها وتُجدّد بنيانَها؛ فتخرجها من جور تديّنٍ أريد له أن يكونَ صومعةً معزولةً عن المزاحمة، إلى سِعَةِ تديُّنٍ أصيلٍ تحمله أمةُ الوسط الشاهدة على الناس؛ تتوسّطهم فتنخرط في عالمهم وقضاياهُم؛ لا تتطرّف ولا تستقيل، فوطّن نفسَك وعلمها السباحة والرماية وركوب الخيل.

كن نورسيًّا محلّقًا في زمن الانحطاطات، مؤمنًا كوثريًا في زمن الانبتارات، انبتار الإنسان عن السماء، واستعلاء الطين على الروح، وانحسار المعنى أمام المبنى، وانبتار المؤمن عن عالمه ولحظَتِه، وعن قيامه بهماته وتكليفاته الشهودية، وانبتار العامل عن محرّك الإيمان والدوافع الروحانية والمنابع الربانية، كوثريًا ينهض بمهمة إعادة بعث الأمة إلى واجب الحضور والمزاحَمة ثم الشهود على الأمم، متكامِلًا صلاةً ونحرًا بقاعدةِ؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ)14.

يُعيد للروح سطوة الاشتعال، وللطينِ فاعليةَ الانفجار بماءِ الإنبات، وقابلية التشكّل نحتًا يعيدُ للمعنى هيبتَه، وللجمالِ عفّته، وللذوق أصالتَه، كوثريًا مقتحِمًا مثقَّفًا مشتبكًا، من المساكين المفتقرين المتصلين الذين يعملونَ في بحر العصر الهائج المتلاطم، تلوح له يد الإرشاد الخِضرية وعصا التدبير الموسوية، يساق بنسائم المعية والتوفيق ما بسطَ أشرِعةَ الرسالة وحرّكَ مجاديف الأسباب، معصومًا من ألوان الخروق المُغرقَة، كُنهُ تبلغ مأمنك وتُعط كوثرًا مُدهِشًا.

و”ما عليك يا صاح الآن إلا أن تتناولَ التصميم القرآني لهندسةِ العِمران، فتنشره بين يديك نشرًا، تتبيّن معالمه وتتبصّر موازينه، وتُشرع في التنفيذ؛ بناءً وتعميرًا، وكل كلامٍ دون ذلك مضيعةً للأعمار في غير طائل، ويكفي الأمة ما أهدَرَت”15، واثبُت تَنبُت.

المصادر
1 - بديع الزمان النورسي؛ رسائل النور.
2 - الكوثر في المعجم الوسيط هو الكثير جدا، أو صفةٌ للرجل السخي، فلا يخرج المعنى عن الكثرة.
3- يرى رضي الله عنه أن النهر في الجنة مجرد عطاء واحد من عطايا ذلك الكوثر الذي أعطِيَه الرسول صلى الله عليه وسلم.
4- سورة البقرة؛ الآية 261.
5 - محمد أحمد الراشد؛ صِناعة الحياة.
6 - تُنسب للإمام الحسين رضي الله عنه.
7 - مصطلح مشتق من سورة الكوثر،استعمله الفيلسوف طه عبدالرحمن في كتابَيه؛"من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر"
و"اللسان والميزان".
8- سورة محمد، الآية 07.
9- سورة النجم؛ الآية 42.
10- سورة البقرة؛ الآية 155
11- سورة الأنفال؛ الآية 66.
12 - سلمان العودة؛ بناتي.
13- سورة العنكبوت؛ الآية 03.
14- سورة الرعد؛ الآية 27.
15 - فريد الأنصاري؛ بلاغ الرسالة القرآنية.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: حسام الدين السنوسي

تدقيق لغوي: نَدى ناصِر

اترك تعليقا