محطة المِترو العدم المؤلم والمضيء -قصة-

الويل لكنَّ أيتَّها الأمهات
يا من تقدَّمن أطفالكن
قرابينًا لعجلات الحياة

في محطة المِترو سرت إلى الحافة، أتأمَّل الأسفل كما أفعل باستمرار، ثم لا أفعل شيئًا غير انتظار القطار. وعند الصعود أتحوَّل إلى التفكير في العثور على مقعدٍ إذا حالفني الحظُّ، لكن في معظم الأحيان يقرِّر الحظُّ أن يقف إلى جانب غيري فأضطر إلى البقاء واقفًا، وربَّما يحصل ذلك فقط لأنَّي أبطئ الحركة.

سمعت حكايات عجيبة عما يمكن لهذه الأماكن أن تقترفه بحقك، تدهس جسدك الصغير الرطب أو تسقط إلى حيث الأنفاق والأسلاك والكهرباء، إله كهربائيّ حذَّرتني والدتي في أحد المرَّات من محاولة النزول إلى مذبحه.
لقد ادَّعت حينها أنَّه بمجرد وضع قدمي تحت في السكّة، سيُسرع كلّ شيء ليصعقني أو ربما سيأتي قطارُ أنفاق جديد ليدهسني. هذه العربة الطويلة التي اخترعناها لتجعل مجتمعاتنا البدويَّة أكثر حداثة ودقّة في المواعيد، وأكثر موتًا.

لا يتوقَّف الرعب من الصناعات الجديدة عند والدتي وإنَّما يركض إلى كلِّ شيء حتى الغاز، فها هي تطلب منِّي قائلة: “لا تنسى إطفاء الغاز إذا استخدمت المطبخ”. إلّا أنّها تنهض كلَّ ليلة لتتفحَّصه ثم تذهب إلى النوم مطمئنة. أما إذا أمضت يومها بأكمله عند أحد قريباتها أو في مناسبة عائليَّة فإنَّها تتصِّل بي عدَّة مرات في آخر الليل.

هل تفعل ذلك بسبب الحملات التوعويّة حول مخاطر الغاز التي تعوَّدتُ أن أشاهدها على التلفاز في قديم الطفولة؟ ربَّما لو سألتها ستجيبني بانفعال: “أيُّ سؤال هذا؟ ألستُ أمَّك ومن واجبي الحفاظ على حياتك؟”.

نعم، إنَّها إحدى تلك النساء اللواتي يُحضِرن بشرًا جدد إلى العالم، ثم يجدن أنفسهن في مهمَّة للحفاظ عليهم ولو في أسوأ الظروف. أحيانًا أكره والدتي، أكرهها من دون شفقة لأجل ما أحضرَتْه، لكنِّي أحبها، فهي الوحيدة التي تحبني كما تحب الإله، بل حبها لي يفوق حبها له.
أتساءل عن ما إذا كانت الآلهة تغار من عشق الأمهات لأطفالهن! والجواب سيبدو على الأغلب مؤكِّدًا هذا الزعم، فأتلفّظ وقتها هذه الكلمات بشجاعة أخاطب عبرها الآلهة وأنا داخل مجرد مقصورة.

إعلان

-“احترِقي إذن من الغيرة أيتّها الآلهة الساكنة في سماء العدم، فماذا كنت تعتقدين حين وضعت غريزة قويَّة في جسد المرأة ثم طالبتها أن تحبُّكِ وتقدِّسكِ أكثر منها؟”. وبالرغم من صوتي الخافت حتى لا يسمعني الركَّاب، أظّنَّ أنَّ أحدهم رآني وأنا أحرُّك شفتي، أو جميعهم! أغلقتها من جديد، ورحت أكمل جولتي مع الحيوات التي مضت فتذكَّرت أوَّل مرَّة اعتمدنا فيها القطار الحديث والمِترو، لقد شعرنا أنَّنا هكذا ربما سنلتحق بركب الدوِّل المتقدِّمة كما يصفونها، لكن لا جديد تحت السحب والغيوم، لا شيء مبهرٌ حدث حقًا غير تلك الحالات من الانتحار بسببه والحوادث عن طريق الخطأ.
لن أكذب حين اعترف بأنّنا محظوظون بتوفَّر وسائل نقل أحدث وأكثر عددًا من مجرَّد الحافلة، ورغم ذلك لا أحد يصل في الوقت المحدَّد إلى عمله ودراسته وكأنّه لا يوجد لدينا ساعات ووقت!.

هل أنتم تفكِّرون الآن بالشيء الذي جعل والدتي تنهاني عن الدخول إلى النفق؟ ليس في الأمر غرابة حين تعرفون أنِّي دائمًا ما كنت أتحدّث عن القطار وكلّ اختراعٍ يشبهه، إنّ أماكن كهذه تستهويني منذ طفولتي، فمنذ اليوم الأوّل الذي ركبته مع والدي، لم يفارق ذهني منظر بائعي الحلوى، مع صوت القطار القديم وضجيجه وكأنّك في مرقص أو حرب!.

كان والدي يشبه الإله بملامحه الجامدة وصمته، وقد تخلَّص من انبهاره بهذه الوسيلة لأنَّه رجل ناضج لديه تجارب متكرَّرة في ركوبها، أما أنا فكنت مثل إنسان جديد خلقه، جاهل، أو في طريقه إلى التعلَّم وتجربة جنَّة القطار، وتلك جنَّة أعرف هذه اللحظة أنَّها لن تعود فأستحضر ذكراها لا غير.
إنَّ بائعي الحلوى، أهدوني شعورًا لذيذًا وأنا أمعن النظر فيهم، وأنتظر متى يشتري لي والدي شيئّا مما يحملونه، ليس كلّ يوم كان يحقّق لي هذه الرغبة، غير أنَّ ركوبي تلك الأوقات أشبع نفسي جدًا، لقد كان وجودّا لا ينتهي، زمن مقدَّس يفيض بأشياءً غريبة لا تدركها لكنّها تغمرك، وكأنّك تغوص في البحر وتدخل تحت بِساطِه فتحيط بك الأمواج من كلّ صوب، وتتوغَّل مياهها إلى أذنك فلا تسمع غير أصوات غريبة مثل تشويش موجات الراديو، ثم تنجو من أمواجه بمعونة أحدهم، ربما الإله أو سباح ماهر أفضل منك.

أكثر من ثلاث مراتٍ اشترى لي والدي لعبة القطار وهي من بين أفضل الألعاب التي أحببتها، هل أحدِّثكم عن ذلك الشعور الذي يهز نفوسكم عند اقتنائها؟ فيختفي كل شيء باستثناءه وأنتم تراقبون قطاركم اللعبة وهو يتحرَّك ويصدر أصواتًا وترتِّبون سكّتكم البلاستيكيَّة، أحيانا يتغيَّر الشعور العذب إلى سخطٍ  وخشونةٍ في القلب حين تتوقَّف اللعبة ويصيبها عطب، أو تضطرون إلى مشاركتها مع اخوتكم.

كنت أذهب أيضًا عند خالتي الوحيدة التي كان بيتها بجانب السكَّة الحديديَّة أنا وأخواي، كما كانت حديقتها تُبهِر كلّ من يراها، كثيرٌ من الأشجار، وكثيرٌ من الأزهار، ثم كثيرٌ من الأشجار والأزهار والعشب!

لقد كانت هناك أوقات معيَّنة قبل الغروب بقليلٍ نترقَّب فيها القطار لتلاحقه أعيننا من بين ثقوب السياج المغطَّى بعدّة نباتات متسلِّقة وتسمعه آذاننا كيف يزأر والتي تغدو وقتها بحجم آذان الفيل. غير أنَّ هذه العادة تغيَّرت بعد بضع سنوات حين أوقفوا سيره، فصارت السكَّة مهجورة بلا فارس يمتطيها ودون مشاهدين أبرياء يتأمَّلون روعة الاحتفال. أما قلوبنا فحزنت كما يحزن الصغار كالعادة، إنَّه الحزن الصبيانيّ ذاته والمعاد على أيّ حدث ولو كان تافهًا، كقيلولة تجبرنا عليها أمهاتنا لنكون أطفالًا طبيعيِّين وأصحاء كما أفهمونا، بينما نحن نقاوم لأجل اللعب في الخارج لكنَّنا نخفق باستمرار، فنحزن وننام ثم نستيقظ سعداء فاقدين للذاكرة.

بعد تجميد سير القطار عند بيت خالتي أصبحنا نكبر شيئًا فشيئا، وأؤكَّد لكم أنَّي شعرت بهذا النموّ السريع بمجرد أن تلاشت صوّره الجميلة التي تركض على السكَّة، وكأنَّهم عندما أوقفوه قد حرموني من نعمة الطفولة أو سرقوها منَّي فجعلوني أكبُر سابقًا أواني. أوليست الطفولة مجرد حياة مليئةٍ بمشاهدٍ فانتازيَّة نعيشها بشكل متكَّرر من غير ملل عن طريق الحواس واللذَّة؟ ومن دون استيعابها ومحاولة تأويلها، نعيشها ببراءة ولا نفكَّر بغير ذلك لأنّه لا يوجد غيرها في عقولنا الصغيرة النقيَّة لندركه أصلا!.

كلّ ما يرى ويحسّ به الطفل هو الطبيعة والجمال، الطعام والاحتفال، مناظر المدينة والمنازل، والأجسام البشريَّة والحيوانيَّة، فهو يكتفي بالاستمتاع بها، لا أن يتشارك معها الفعل ويحلّلها، فالطفل وهو طفل لا يعرف أنَّ هناك شيئًا مضجرًا يدعى بعلم التأويل. وهو تبعًا لهذا لا يسأل أسئِلة خبيثة عن سبب تواجدها ولا عن معنى أفعالها كما يفعل الراشدون. إنَّ كلّ ما يشاركه هو الحركة والسرعة واللعب والرقص والضحك، التعجَّب من العالم والدهشة منه فقط، كلُّها مشاعر وديناميات فرح وصوّرٌ ماديَّة، أي عصرٌ ذهبي وفردوس مؤقتّّ لا يوجد فيه أخلاق ومسؤوليات ولامعرفة وشرّ وخير، لأنّ أحداث الحياة يرصدها الأطفال بنظارَّة الفنِّ والخيال لا المنطقَ غير البريء، أما الرعب فنكتشفه في غضب الأم وحدها، فيبكي الأطفال أحيانا، وكم أتمنى لو كان ذاك أقصى رعبي اليوم.

هكذا كنتُ أنا. وإذا سألتم عن حال الصغار الذين لم يشهدوا في حياتهم سوى الحروب والظلم ومظاهر البؤس فأنا لا أرى أنَّهم عرفوا شيئًا يسمى “الطفولة”. كما أنَّهم ليسوا أطفالًا، لا أعرف بحق أيّ فئة ينتمون إليها! ربَّما هم أرواح مجهولة مهانة ليس بإمكانها الإمساك بالمتعة والسعادة. ومهما يكن فإنَّ هؤلاء وتؤسفني هذه الحقيقة؛ ليسوا من الأشخاص الذين أوّد استحضارهم الآن، فأنا أتحدَّث عن الأطفال الأصليِّين الذين يستحقون هذا اللقب السعيد.

وبما أنَّني عشت طفولة جميلة مع أَخَويّ، كنت قد حزنت بسخفٍ على ذلك القطار المشرَّد، المهاجر بعيدًا أو المقتول. غير أنَّنا حين كبرنا، بدأ الحزن عليه يتلاشى أو بدأت ذاكرتنا تنساه، بينما الحنين إلى تلك الأيام يتعاظم.
صحيح أنّني أُعَرِّف سن الرشد على أنَّه اضطراب عميق وعظيم على أمور عظيمة وعميقة، لكن ذلك القطار لا يزال من مسائلي الأكبر التي تستحق الحزن، مثل مسألة الحصول على عمل محترم أو ثروة، أو معرفة مصيري بعد الموت، فهو لا يقلِّ عنهم بشيء. إنَّني في الواقع لست حزينًا كما ينبغي عليٌَ. فأنا أحلم فحسب بعودته، بما في ذلك عودة طفولتي لأجل تلك اللحظات.

ولأجل كل ما ذكرته، أو بسبب سرٍّ غامض يتعلَّق بمولدي، تنتابني أحلام مثل نوبات صرع إلَّا أنَّها تزورني بهدوء وكأنَّها زهرة تتحرَّك بفعل نسمة ريح، فدائمًا ما حلمت بقطار الشرق السريع الذي يوجد في الأفلام القديمة والرسوم المتحرِّكة، وقد شاهدته في أحلامي حتى ظننت أنِّي عملت قبلاً سائق قطار في حياة أخرى مضت، أو ربما سأموت يوما تحت عجلاته.

إنَّ أوَّل سؤال وجواب عرفته من لعبة البطاقات كان حول مخترع القاطرة البخاريَّة (جورج ستيفنسون)، لم يسبق لي أن نسيت هذه المعلومة ولا اسم المخترع، أما صدمتي التي عرفتها حتى كبرت؛ فقد جعلتني أؤمن بأنَّ كلَّ شيء في الكون لم يأتِ من دون غاية وأنَّ هناك إله بالفعل.
حدث ذلك في أحد المرات التي كنت أبحث فيها عن أسماء العظماء الذين يصادف تاريخ ميلادهم تاريخ ميلادي، ليظهر جورج ستيفنسون بوصفه أوَّل اسم في القائمة. نعم هو نفسه، إله القطارات، فقد وجدتُ أنَّ ميلاده في الشهر السادس واليوم التاسع، هذا يشبه يوم مولدي، بل هو الشهر واليوم نفسه! ليلتها فتحت فمي من الدهشة ثم نمت لأُسكِتها.

وقد تمنيَّت أن يصدَّقني أحدهم، ويعترف بوجودي المتميَّز وروحي المرتبطة بذاك العالِم، فأنا لم أنسج هذه القصة من محض خيالي، بل إنَّها حقيقة حدثت بالفعل، حقيقة رومانسيَّة لا تزال تدهشني.

هل نعود إلى والدتي التي حذَرتني من محطة المِترو والسكك الحديديَّة أو الكهربائيّة؟ فسرعان ما صدَّقتُ كلامها مثل الأطفال الذين يستمعون إلى خرافات الجدّة، ومن المثير للسخرية أنَّ والدتي قامت بتقديمِ طبق جاهز إليّ من دون علمها، فيه اقتراح فعَّال ولو لم أكن متيقِّنًا منه حول الانتحار. ومع أنّي أتوق إلى الموت إلا أنّني لم أجرأ على وضع حدٍّ لحياتي في مكان كهذا رغم أنَّي أفضِّله كقبرٍ لي.

فكَّرت أنَّ الأمر سيان مع القطار التقليديّ فسوف يمزِّقني الألم بمجرد أن تصطدم مقدّمته الحادَّةُ جلدي، ربما سأحلّق بعيدًا مثل الطيور فتتطاير أشلائي لكن بعد أن أجرّب الموت. سألت إذا بالإمكان أن نطلق على الموت كلمة “تجربة”؟ أليست التجربة هي من يجرِّبها المرء ويبقى بعدها حيًّا لاستخدامها، لا من يموت!.
ثم بتُّ أزيد من حدَّة التساؤلات والتعجّب قائلا: “أجرَّب الموت؟ هل الموت تجربة! لا طبعًا فهو “الموت”.. هذه الكلمة وحدها في كلّ اللغات كفيلة بشرحه وإرعاب من يسمعها ويقرأها من دون مساعدةِ أيِّ كلمات أخرى توضع بجانبها لتعريفه، أو صورة مريعة لمقبرةٍ أو معركة”.

هذا ما ألقيته على قلبي، ولا أدري لماذا كلَّما أصبحت أفكّر في كلمة “تجربة” يمر عليّ بعض الفلاسفة فأتذكّر الشكّ، و”أركيولوجيا الإلحاد العلميّ”. أظنّني اليوم اخترعت مصطلحا فلسفيّا جديدًا، وأقصد به ذلك الإلحاد الذي يرتكز على دنيوية العلم أو ربَّما العلموية، والآن لماذا أنا بحق الإله الذي أؤمن به جدًا، أتذكّر كل هذه الأفكار التي لا تعنيني؟

-هل نسيت؟ أنت تركب قطار الأنفاق الآن عائدا إلى منزلك.

تحدَّثتُ مع نفسي هكذا فتذكَّرت أنَّه ليس لديَّ سيَّارة، بعد شهرين سوف يكون عمري خمس وثلاثون سنة وليس لدي سيَّارة! هذه الذاكرة الفاحشة قادتني إلى اللحاق بشيء آخر وهو أنّني لا أملك بيتًا لوحدي، ومن ثم دفعتني بعنفٍ إلى أخي الأكبر مع الأصغر اللَّذَينِ يملكانه! لا يهمني الزواج كثيرًا لهذا فالمصيبة أقل، لكنّي ما أزال أعيش مع والداي.
كلُّنا يعلم أنَّ العثور على رجل يقطن مع والديه العجوزين، لأمر معيب يثير الضحك والشفقة وفضلًا عن ذلك مؤشِّر على الفشل، أوروبا نموذج مثاليّ لهذه المزاعم حتى عندما يكون الابن فتاة، فعلى الجميع في الغرب أن يستغِّلوا حياتهم وينجزوا لذواتهم الاستقلاليّة والنجاح بعيدّا عن القبيلة والماضي، الآباء هم ماضي ينبغي على الراشد الابتعاد عنه.

نسبيًا ليس الأمر هكذا عندنا، أو ربَّما الآن بدأ يشق الطريق كالمجتمعات الأوروبيَّة مع مراعاة أنَّ هذا يطبق فقط على الذكر وحده. أما الفتاة فهي لم تصل بعد إلى تلك المرحلة الانفصاليَّة التي تبعدها عن العائلة، لكنِّي اكتشفت في الواقع أنّ سكن الرجل مع الأسرة لا يعتمد على العادات والتقاليد المثيرة للرثاء ولا أيّ رؤية مجنونة أخرى، بل الأمر برمِّته يعود إلى مستوى الاكتفاء الذاتيّ والدخل الفرديّ فحسب، ولكي أكون واضحًا: رفاهيَّة الشعب وتوفُّر المساكن.

قد يعجبك أيضًا

وبما أنّ شعوبنا أكثر بساطةً عن غيرها وأقَّل رفاهًا، يبدو إذن أنَّ الحكومة هي التي تصنع أشكال الأسر والعوائل، وهي في النهاية لا تزال تنحتنا إنَّما بشكل سيء وبمطرقة من خشب عفن. ليس وكأنّني ألوم الحكومة على فشلي في النهاية.

انقطع عنِّي حبل أفكاري وأنا ألتقط صورة سيدةٍ حامل واقفة بجانبي وتحدّق إليّ، وبامكاني التأكيد أنّها ليست راضية عنّي وعن وضعها. لقد ابتهجتُ حين علمتُ أخيرًا أنّني جالس هذه المرة، مقعد شاغر لي وحدي، ويا للسعادة، إنَّ مكانتي الاجتماعيّة هنا قد تغيَّرت، فأنا الآن مثل أمير اقطاعيّ أمام الأفراد المنتصبين على مقربةٍٍ مني والمتعبين الذي يثيرون الشفقة، أستطيع تجاهلهم جميعهم أو تشريف أحدهم بِتركِِ مكاني له واغداقي بعبارات الامتنان. 
التفتُ إلى ناحية أخرى، فوجدت آخرين أصابتهم الغيرة يصوِّبون أنظارهم إليَّ على نحو سيءٍ؛ نساء ورجال، ربما كانوا يشتمونني، عجوزٌ يقول: “تحرَّك يا قليل الأدب ودعها تأخذ مكانك”. وآخر يتعجَّب: “يجلس ويتركها هكذا!” وواحدة تردّد: “هذا البلد تغيَّر، لم يعد هناك خير”.
ما أعرفه فقط هو أنَّه لا أحد نهض لأجل المرأة، لقد قتلوني بعيونهم الشرِّيرة وقلوبهم الفارغة التي تحتاج أن تمتلئ بأيِّ شيءٍ عابرٍ ووَهٍْم تعسُّفي، فقط لأجل إخراج طاقاتهم التي أنهكوها اليوم في العمل، في مؤسسّات الدولة، الشركات الوطنية والمستشفيات ومراكز البريد، مباني الطوب والحجارة التي تجعل الجميع بمن فيهم موظَّفوها مصابون بالأمراض النفسيَّة.. هذه هي الديمقراطيَّة الحقيقيّة أو حكم الغوغاء على الأقل، المواطن يموت على يدِّ موظّف الدولة والموظّف يموت على يدِّ الأوَّل، كليهما يتعذَّبان ويزعجان بعضهما مثل قططٍ تتشاجر حول ما تبقى من السردين والفضلات، ألسنا هكذا نحكم أنفسنا بأنفسنا؟ ونسرق بعضنا البعض ونتعدّى على القوانين وكلّ واحد ممسك بيد الآخر، المسؤول والمواطن -هذا إذا يوجد لدينا مواطنين بالفعل!، موظَّف الدولة والعامل الحر، وها قد عدنا إلى الحكومة من جديد، شرّ الشرور.

مراقبة أخطاء الناس كما يفعله هؤلاء معي فعلٌ ممتع وسهل يثير استيائي إلَّا أنَّي مثل غيري أجد المتعة في إطلاق أحكامي عليهم الآن. لقد وقفتُ أخيرًا لتلك السيدّة، ليس لشفقتي عليها وإنَّما لأجل أن يكفُّوا عن ما يرتكبونه بحقي فحسب. نعم أنا أنانيّ ومهتم براحتي النفسيَّة بعيدًا عن أحكام غيري المزعجة.
تغيَّرت عينا السيدة التي سوف تكون أمّا عمّا قريب حين تكلّمتُ معها قائلًا: “سيدتِّي، تفضّلي بالجلوس، وأعتذر لتركك واقفة كلّ هذا الوقت، في الواقع لديّ ساق مريض يؤلمني من حين لآخر”.
أنا كاذب ومتملِّق أقول كلامًا ليس له داعٍ، أما هي فقد ابتسمت وبدأت في تأدية تمثيليَّة جديدة، أظنّها أصبحت تقوم بها في كلّ جولة تركب فيها وسيلة نقل، واضعة يدها على بطنها وكأنَّها تشير إليَّ قائلة: “انظر إليَّ، أنا امرأة حبلى في حالة مزرية وأنت تتحدَّث عن ساقك؟ ثم ألستَ رجلًا أم أنكم بمجرد أن تصعدوا على القطار والحافلات تنسون ذلك فجأة؟”. لا أعرف إذا فكَّرتْ هكذا حقا أم أنَّني أتخيَّل ذلك، لكنَّها حدَّثتني بلطف وطيبة تطمئنني: “لا عليك يا سيدي، أنا في حالة جيّدة، بإمكاني البقاء واقفة”.

-“لا أرجوك، تفضّلي”. صحت بها متوسِّلًا إليها الجلوس والصمت، فكلينا يعلم ما ستكون عليه النهاية، إنَّ الحامل ولسوء حظي تنتصر على الأغلب في وسائل النقل، وأظَّن أنَّ هذا هو نصر المرأة الوحيد في هذه المجتمعات المستبدّة، بِغضّ النظر أنَّ هذه المسكينة الشرّيرة لا تقدر على الانتصار لنفسها إذا صادفت طاغية أو كسولًا لا يريد الوقوف بدلًا عنها.

لا داع لتضييع الوقت إذن وإتعاب ألستنا بحواراتٍ مزيَّفة من قبيل “شكرا، لا أريد الجلوس”. كلمات كرَّرتها المرأة مرتين، فأنا لست كسولًا ولا من الطغاة أو ربما أنا كذلك لكنّي سأتساهل معها هذه المرَّة على أيّ حال. وإلى جانب موضوعِ مخلوقها الصغير عديم التجارب والحياة الحقيقية الذي لن أحسبه جنيناً فهو طفل أندهش من قوته، وكيف يجعلها تفوز بالمقعد تعاطفًا مع حالتها وهو حتى لم يخرج من جسدها بعد.. أنا مهتمٌ بما سوف يقوله الناس عن شخصي وسمعتي، لا راحتها، فأقف لها الآن مجبرًا لتأخذ مكاني أو ربَّما متوسَّلًا.

في النهاية جلستْ المرأة وسط نظرات أولئك الأشخاص، لجنة محلّفين مع قضاء فاسد يمارسونه على كلِّ مواطن مثلهم. لقد نفذْتُ بجلدي من أنيابهم وعيونهم الحمراء، حينما حوَّلتُ لا مبالاتي إلى تسامح مع مَن ستبلع مقعدي داخل رحمها وتأخذه لنفسها ولحيوانها الصغير المختبئ داخلها. لكنَّهم بلا شكّ لن يرضوا البقاء صامتين راضين، فغدًا لن يعجبوا بإمرأة مثلها إذا فتحتْ فمها لتضحك أو تشكو، أو أمًَّا ترضع ابنها أو تضربه ليكف عن البكاء الذي سخطهم أساسًا، ولما ليس مجموعة مراهقين يتبادلون الأحاديث! وبعبارةٍ أنسب “كلّ من يصعد إلى المترو”. ويومًا ما سيتضايقون هم من أنفسهم، فنجد كلّ واحد منهم يقطع رأسه لأنَّه صار يثير غضبه، وهذا ما يساورني أحيانًا بشأن رأسي الذي لا يكفّ عن التفكير مؤخَّرًا.

إنَّ شعب ومجتمع القطارات يخيفني جدًا وحين أعلم أنّني واحد منهم، أعيش في هذا المِترو كلّ صباح ومساء؛ أخاف كذلك من نفسي لأنّني أبدو شخصًا لا يعرف ذاته.. إنسان آخر لا يختلف عن أولئك القساة، أمرٌ واقعيٌّ رغم أنفي.

وصلتُ إلى البيت فدخلت غرفتي بسرعة، لقد كنت مرهقًا، لم أجد والدتي على أيّ حال فلقد كانت عند أحد قريباتها الكبيرات في السن التي ظننتها توفيت، أما والدي فهو كعادته في غرفته يشاهد ما يشاهد.

أطلتُ النظر إلى الكتب المكدَّسة في غرفتي، أغلبها قديم، لقد اعتدت على أخذها إلى الرصيف وأن أفرش لها، مثل بائعي الكتب بجانبي ثم أنتظر القراء البخيلين جدًا. أفعل ذلك أحيانًا حين لا أعمل.
لقد اكتشفت طيلة خمس سنوات بائعًا للكتب في الشارع أنّ قراء المؤلِّفات المكتوبة باللغة العربيَّة أكثر عطاءًا وبذلًا من قرَّاء اللغة الفرنسيَّة، لا أقول هذا حقدًا ولا كرهًا لهم، فأنا أعشق لغة نابوليون الثالث.
هؤلاء القراء الفرانكفون يسألون عن الأسعار باستمرار، ولا يرضون بأيِّ مبلغ حتى لو كان مقبولًا، إنّهم يريدون الحصول على الكتب الفرنسيَّة بالمجان. وربّما لو أخبرتهم يومًا أنَّ الكتب مجانيَّة فسوف يضعون مبرِّرا جديدًا حتى لا يأخذونها.
يبدو أنني بالغت لكن هذا ما لاحظته باستمرار، وعلى أيّ حال من حقي إطلاق الأحكام بصفتي بائعًا لنفسي بدوام جزئيّ، فالتجارة معهم شحيحة ومنهكة للروح على عكس الآخرين. وجيوبهم الصغيرة الرقيقة التي سكنها العنكبوت لا تُقنِع أحداً حتى المتسوِّلين. بينما أنا من النوع الذي لا يرضى بالقليل، هذا هو النوع الوحيد الذي يمكننا أن نجده في العالم.

إنَّ روحي تهوى المال مثل المتسوَّل ومسؤولي بلادنا. أحبُّه حينما يكون بين يديّ أو يديّ شخصٍ آخر، وأحلمُ به في كل حالاته ومواقعه الجغرافية باختلاف عملته حتّى تلك التي لم تعد مستعملةً وصارت تحفاً للزينة فقط. حتى كلمة “دراهم” لها وقعٌ ساحر على رأسي البائس والفقير تجعل كثبان وجهي الرمليَّة سهولًا رخوةً ينبت فيها العشب. الخدّ يزهر والجبين يشعُّ أما الأنف فيختفي؛ ذلك لأنّني أكرهه.

أنا أحبُّ هذا الاختراع الثمين حتى أكثر من والدتي، لقد عرفت في أحد المرات هذه الحقيقة المثيرة للصدمة حينما خيَّرني افتراضًا صديقٌ ثرثارٌ بين الأم أم المال. تردَّدت وقتها ولم أرد الكذب حتى لا يكتشف أمري فقد كنت خائفًا. أجبت في الأخير “لا أعلم”.
وبعد ثوانٍ من اجابتي تركته، فظهر لي بمنظر الوحش أو رجل البوليس يتبعني بخطواته السريعة ليزج بي إلى السجن بتهمة ازدراء الأمومة. كلُّ شيء ممكن في هذا البلد.

كنتُ أشاهدُ ظلَّه ورائي يتحرَّك غاضبًا، ويلقي بيديه الطويلتين إلى كتفي وصدري ورقبتي يحاول الوصول إلى الجمجمة. بينما أبصرت جسده واقفًا في مكانه الذي تركته فيه يضحك، وعلامات الاحتقار تنقضُّ على وجهه وتتحرَّش بقلبي الهشّ، تلك العضلة الكرتونيَّة التي تضخُّ إلى جسدي شيئًا من الحياة… ظلال وأطياف الحياة على ما أعتقدُ، أجدها مهدَّدة الآن بألسنة الناس الكبيرة الصدئة التي تنمو عليها الفطريات، هم يستعملونها مثلما يستعملون قضبانهم وفروجهم، يتحدَّثون كي يتحدَّثوا فيبعدوا الملل عنهم لتُقْبِل عليهم المتعة.
ضحكتُ لأنَّني أعرف من أيّ طينة هو، فهو شابٌ يعبدُ المال وبإمكانه أن يتخلى عن نفسه لأجله، لقد فعل ذلك أساسًا بعد إدمانه للحشيش طعام الكسالى والسذَّج، أما أنا فلستُ هكذا، إنني لا أتخلى عن نفسي أبدًا وها أنا أحصل على المال بطريقة شريفة هي تجارة الكتب.

حينما ينتهي وقت تجارتي المتواضعة أعود إلى الحيّ الذي أعيش فيه، رغم أنّني لا أحب تمضية الوقت كثيرًا في الخارج، فكلّما خرجت إلى الشارع اكتشف أنّنا لا زلنا نعيش في قبيلة كبيرة مع بعض التكنولوجيا، نفس الأحاديث كل يوم، كرة القدم، السياسة الشعبيّة، المرأة، دين العوام والحكام أكثر منه دين الله والأنبياء.
لا أزكيّ نفسي بشيء ولا أجعل مني فوق الجميع، لكنِّي اجتهد يوميًا في الإصغاء لمن أعتبرهم حكماء، أكثر من إخراج لساني إلى الناس، وتحريكه فقط كسمكة تفتح فمها لطعم الصنارة من غير حكمة، مع أنّني أحب الثرثرة أيضا لكني أجاهد في سبيل الصمت. إنّ كفاحي في حلبة الضجيج التي يشترك فيها الجميع بارادتهم مثل وجود رجل شهوانيّ داخل بيت دعارة، يحاول فيه إمساك عضوه بأيّ وسيلة محترمة حتى يبقى غائبًا عن الوعي ومنطفئ. أعتقد أنّ اللّغة والجنس مجرَّد مظهرين لجوهر واحد.

ومهما يكن لم أعد أهتم بهذا العالم، على الأقّل كما تبدو مشاعري اتجاهه -أحيانا أشكّ-، فأنا أفكّر هذه اللحظة ككل اللحظات التي سبقتها في طريقة للتخلُّص منه أكثر ملائمة وفعاليَّة، فلا أريد أن أجرِّب موتًا غير محقَّقا سيحمل الجميع على الاستخفاف بي.

كانت تتناهى إلى سمعي كلمات والدتي بشأن الغاز، فلقد فكَّرت فيه من قبل. تذكَّروا أنَّ أمي الوفيَّة تقدّم لي من دون أن تعي اقتراحات ممتازة لقتل نفسي. غير أنَّ المشكلة في هذا الاقتراح ويا للأسى هو والدي! فإنَّه يبقى مثل العلقة ملتصقًا بالبيت وجدرانه كلّ يوم، لا يمكن له أن يبيت خارجه أبدًا، لا يحب ذلك فهو يريد أن يمتصَّه إلى ما لا نهاية، أما أنا الذي يريد الخروج من هذا البلد حتى هذه الحياة! فلا يمكنني قتل شخص نائم المنزل نفسه وهو لا يريد الفناء، ربما والدي رجل خالد لن يموت أبدا، بينما أنا المسكين لا أملك نيَّة في أن أعكّر صفو خلوده.

والآن أتذكَّر عنوان رواية بلزاك “الأب غوريو” التي تترجم أحيانًا إلى “الأب الخالد”، فلقد استطعت أن أبيع هذا الكتاب منذ أسبوع، ويا لسعادتي! بعد سنتين من المحاولات في اتمام صفقات البيع الفرنسيَّة. حتى تجار الحبوب المهلوسة يبيعون سلعهم بعد ساعات قليلة بينما أفشل أنا مع روائع بلزاك!
بعد دقائق، نظرت إلى دفترٍ قديم يعود إلى سنوات مراهقتي، منزوع الغلاف داخل صندوق كرتونيٌ لا يقل عنه شيخوخة، فوجدت خاطرة من سطر ونصف تعوم على سطح ورقته الأولى، أو ربما مخلوق من الحبر تتكاثر داخل معدته كلماتٌ رخيصةٌ تليق بأصابع المراهق الذي كنتُه، تلك اليد الجائعة للمعرفة التي كانت تستمني على الورق أبجديًا.

اقرأ هذا الابتذال فأتمنى لو استطعت حينها أن أكسر تلك الأصابع التي لم أعد أعرفها اليوم. لكنِّي أتأكَّد بأنَّ النظر إلى الوراء هو نظر إلى الوراء من دون توابلٍ جديدة. فماذا أفعل بعد أن لمستُها حتى استثارت ومارست كل شيء مع الكراريس والدفاتر!.

“يا لبؤس أيامي الأبديَّة! إنّها لا تنتهي… كفى! فهذه الحياة قد ضاق صدرها مني”.

هذا ما كتبتُه بواسطة قلمٍ التقطته يدٍ هزيلة ظننت وقتها أنَّها مثقَّفة جدًا، ومع أنّني لست شاعرًا، على الأقل في هذه المرحلة إلَّا أنَّي ما زلت أتلفّظ بأشياء كهذه، كلمات تمضغها روحي في زمن الحزن فتنفذ إلى طريقٍ خارج فمي. أنا أحزن أكثر حين أركب وسائل النقل، تُشعِرني مع راكبيها باليأس وأيّ شخص فيها يبدو غريبًا جدًا بِصمْته ونظراته، لا أعرف إذا كانوا ينظرون إليّ خلسة مع إطلاق أحكامهم على مظهري، وصمتي بينهم، ولا أدري فيما يفكّرون: مشاكل عائليَّة، التحضير لمشروع عمل، ممارسة الجنس مع صديقة أو قتل أحدهم، وأستطيع أن أضمن لكم أنَّ الحافلة أسوأها، فمن يجلس على المقعد المجاور لي، يكون في العادة عجوزا ثرثارًا أو ثرثارة لا يتركانني وشأني. والمصيبة إذا كانت واحدة من الأمهات وطفلها الصغير المدلّل الذي لا يكف عن الحركة أو التهام حلوياته وإلقاء فضلاتها عليَّ، ذلك ما يحدث لي بشكل مبالغ فيه أترجمه إلى القدر.

عاودت ترتيب محتويات الصندوق ولملمة بعض الكتب المتفرّقة والمترامية هنا وهناك لأباشر روتيني المسائيّ في البيت، مستمرٌ في تذكَّر الحافلة مع العجائز والأمهات اللواتي يقتلن راحتي. فأخيرًا أصبحت أرى الحكمة في ذلك، مؤملاً أن تعود عليَّ في المستقبل بأشياء تبعث على الفرح، وما دمت أتعذَّب هكذا في المواصلات أخمَّن أن الخير الأقصى الذي سوف يأتيني هو جائزة ماليَّة كبيرة ممضاة بأنامل الملائكة، فأتابع لقطات الحياة مواصلًا الحياة، أتمنى خلالها التحسّن لأنِّي مؤمن بالإله ولازلت مصِّرا على الاعتماد عليه، وإنْ شعرت مع ذلك بالحقد على سراب يسمى “الصبر” الذي أدعوه بِوهم الانتظار وتأخير المتع، لكن ماذا يفعل شاب مثلي غير أن ينتظر ويؤمن!

بعد مئاتٍ من الساعات وفي كلّ يوم، أقرِّر الانتحار ولا أقدر على فعله لأنّي لم أقرِّر بعد. ثم أواصل اقتراف أعمالي وسئمي وحيدًا بقلب يحتار بين الخطأ والخطأ، بين المتابعة أو التوقَّف. مسألة حياة وموت أبديَّة أركب خلالها قطار الأنفاق يوميًا، أفكّر فيه من جديد وفي كرسي فارغ بإمكاني أن أجلس عليه.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سارة عمري

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا