ضعف المسلمين وغزو المغول للشرق

ضعف المسلمين & الغزو المغولي للشرق

عندما جاء المغول إلى ديار الإسلام وجدوا أمامهم شعوبًا متنافرة تكره بعضها البعض، تقاتل بعضها ولا تجمعها إلا المصلحة الخاوية من النبل والشرف، حيث يمكننا تلخيص حالها بالقول: ((بأسهم بينهم شديد))!

عندما جاء المغول إلى ديارنا وجدوا أنّ الأطماع الشخصية هي التي تحرّكنا وأنّ الأهواء الرخيصة هي كلّ همّنا، وأن المنافع الباطلة عنوان لنا! وجدوا أنّ كلّ أمير وسلطان يحارب أخاه الآخر ويصارعه حتى الهلاك، ولا يستعفف ولا يستعصم بأن يتحالف مع أعداء أخيه حتى لو كانوا زنادقة أو كفارًا أو حتى شياطينًا. باختصار، كان السلاطين والأمراء وكأنهم يعيشون على جزر منعزلة في محيط من العداء لا يربط بين هذه الجزر إلا خيط الخيانة والصراع.

جشع الخليفة الناصر العباسي

ستثير هذه الفترة الحالكة السواد من تاريخ المسلمين في أنفسكم الاشمئزاز والقرف؛ من تصرّفات الحكام الخونة أصحاب المصالح الخاصة الوضيعة، فلقد أعماهم الجشع وكرسي الحكم عن رؤية جيش المغول الضخم والقوي الذي زحف إليهم بكل شراهة للعنف والدماء. وقد تذهب بكم الدهشة مَبلغًا عظيمًا إذا عرفتم أنّ خليفة المسلمين العباسي (الناصر) بعث رسالة إلى الشيطان الدموي جنكيزخان يطلب منه ويستحثّه على القدوم إلى ديار الإسلام ليطيح بدولة خوارزم شاه الإسلامية، وأضف أيضًا أنه أرسل إليه خططًا وحيلًا ودسائس لكي تساعده في القضاء على الدولة الخوارزمية الإسلامية! أيّ عار هذا وأيّ خزي ذاك؟! كيف لخليفة المسلمين أن يفعل شيئًا كهذا بأن يبيع شرف الأمة رخيصًا أمام الوثنيين السفاحين؟! وكيف ينسى أن أجداده قهروا من هم أعتى من ألف جنكيزخان؟!

 ذلّ الخليفة المستعصم العباسي

اذكروا أنّ الخليفة المستعصم العباسي، أثناء حصار المغول لعاصمة المسلمين بغداد، كان بين جواريه تضحكنَه وترقصنَ له في الوقت الذي كان فيه الناس تصيبهم سهام المغول القاسية، وأضف أنّ الخليفة لم يصنع جيشًا قويًا أو حتى شبه قوي لكي يحارب به طوفان المغول المفرط القوة! إنما خبأ أمواله وذهبه وكنوز أجداده تحت الأرض، ولم يستعصم الخليفة المستعصم في صنع سيف أو سهم واحد يطلقه على المغول، فكانت نهايته بشعة… ولا أحزن عليه.

خيانة الملك الكامل الأيوبي

واذكروا الملك الكامل الأيوبي المتخاذل الذي باع القدس للفرنجة بالتراب، بل بأرخص من التراب! فلقد باع الملك الكامل دماء المسلمين التي سالت من أجل تحرير المدينة المقدسة، وبلا ضمير أضاع مجهود وجهاد جدّه صلاح الدين، كما أنه لم يستعفف في التحالف مع الإفرنج الشياطين ضد أخيه الملك الأشرف.

أهمية هذه النصوص

لا حرج من أن نخجل من هذه الأحداث ومن هذه النصوص، إنما الخجل وكل الخجل من ألا نذكر هذه النصوص ونخبئها وكأنها أساطير. يجب أن نسرد هذه الحقائق بكل وضوح أمام أولادنا وأخوتنا وحتى كبارنا، لكي نعرف أسباب العلل والأمراض التي أطاحت بمجد دولة الإسلام قديمًا وجعلتها مرتعًا للفرنجة تارة والمغول تارة أخرى. لقد كان هناك نكبة كبيرة للمسلمين في سلاطينهم وحكامهم الذين سرقتهم الشهوات وخدعتهم القصور المزركشة والمزخرفة واهتموا بالجواري والعبيد، حتى أنهم لم يستعففوا في عتق هؤلاء العبيد لله تعالى، بل استزادوا منهم فازداد معهم الذلّ والخسارة والخذلان.

إنها حقائق مُرّة كالعلقم، سوداء كالليل البهيم، ولكن يجب أن نعرفها لكي نتخذ منها العبرة ونتعلم مصائب وسقطات أجدادنا كما تعلمنا انتصاراتهم، ولكي نعيش حاضرنا بنور، ولكي نبني مستقبلًا عظيمًا مبنيًا على المعرفة من الخطأ والنصر. هكذا تُصنع الأمم، فلقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس مع أصحابه الكرام دائمًا يحدّثهم أخبار الأوّلين والآخرين لكي يعظَهُم بها ويتعلموا منها ويبنوا مستقبلًا خاليًا من عيوبها، ومبنيًا من نورها… وانظرو إلى القرآن العظيم يقول ((لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)).

هل كان المغول همجًا ؟!

هل كان المغول أو التتار لا يخططون قبل معاركهم فعلًا، وإنما يهاجمون بهمجية مثل البعير الهائجة؟ الحقيقية غير المعروفة لكثير منا أنّ المغول كانوا يضعون خطط المعارك والحروب بعناية وبدقة متناهية، فقد كانوا يرسلون الجواسيس إلى البلاد قبل غزوها لكي يعلموا أحوالها السياسية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية، كما أنهم يبثون الأعين على الطرق التي سوف تسير فيها الجيوش فيعلمون مسافاتها وعرضها، فلا يتحرك الجيش دون مبرر أو بدون تأمين وتجهيز كامل متكامل… ولقد اعتمدوا أثناء حروبهم على عامل أساسي مهم ألا وهو ((الحرب النفسية))؛ حيث كان هجوم التتار في بداية معاركهم يقوم بشكل همجي مفزع ولكنه في ذاته كان منظمًا. وهذا لكي يبثوا الرعب والخوف في صدور أعدائهم، ولم تقف الحرب النفسية عند ذلك فقط، بل كانوا يرسلون عملاءهم والخونة لكي ينشروا الإشاعات والخرافات عن قوة الجيش المغولي وجسارة الجنود ودمويتهم المبالغ فيها، وقيل من بين هذه الإشاعات أن نساء المغول يقاتلنَ مثل رجالهنّ، فيخاف الناس حتى من نساء المغول.

دموية المغول

  الجميع سمع عن المجزرة الكبيرة التي حدثت على أيدي المغول في مدينة بغداد، ولكن هذه المجزرة ليست الأولى، فقد حدثت في كل بلد دخلها المغول (في مدينة (بخارى) ومدينة (مرو)، حيث دمّر الطوفان المغولي المدارس والمباني، وقتلوا الآلاف من الناس وسبوا النساء وقتلوا وباعوا واستخدموا الأطفال، حيث كانت أشبه بحروب الإبادة)، ولقد دمر التتار أقوى جيش إسلامي في ذلك التاريخ وهو جيش الدولة الخوارزمية، وهذه الدولة كانت تضم مساحة ستة دول كاملة الآن، منها أوزبكستان و أفغانستان، ويجب أن نضع في الذهن أن المغول امتلكوا الصين والشرق الأقصى كله حتى جزر اليابان ووصلوا إلى شرق أوروبا… فهم ليسوا قوة عادية على الإطلاق، ومع كل ذلك لم يتحرك الخليفة ولا أي سلطان ضدّهم، وكأنهم قوم فوقهم قباب القبور، واتجه المغول نحو مدينة بغداد ووضعوا الخطط لغزو بغداد بدقة و بحرص فائق.

الغزو المغولي لبغداد ودور الخيانة

وأرسل المغول الرسل إلى بغداد لكي يحذروهم ويأمروهم بالاستسلام حتى لا ينالهم ما نال دولة خوارزم شاه، ومن هنا تبدأ الخيانة المرة والقذرة، حيث يظهر كبير وزراء الخليفة العباسي وهو عميل مغولي، وكان اسمه ((ابن العلقمي)) فينصح الخليفة بأن يستسلم لقوة المغول ويظهر لهم أنه غير راغب في خوض حرب ويريد السلام، فيقترح عليه بأن يخفض عدد جيشه وتسليحه لكي يكون خير دليلٍ أمام المغول على عدم الرغبة في خوض حرب، والعجيب أن الخليفة قد وافق! فأصبح بعدها تعداد الجيش أقل من 10.000 جندي بعدما كان يزيد على 100.000، ففرح المغول بذلك وهجموا بعد ذلك على بغداد بثلاثة جيوش كاملة وحاصروا المدينة، ولم تنجح أيّة مقاومة من قِبل الكتائب البغدادية الضعيفة والفاشلة

وبخسارة الكتائب البغدادية استغلّ الوزير الخائن الفرصة لكي يضع في قلب الخليفة الوهن والضعف وأقنعه بأن يتصالح، وكان، ولا شك، ((ابن العلقمي)) حاقدًا على الدولة العباسية؛ فوافق الخليفة المتخاذل على رأي الخائن، فذهب العلقمي ومعه بطريرك بغداد المسيحي إلى جيش المغول! وتم الاجتماع بشكل سري بين هولاكو والاثنين الخائنين، وطلب منهم هولاكو تسهيل دخول بغداد والمقابل هو حكم بغداد تحت إشراف مغولي، وحدث ذلك فعلًا، ففرحوا بهذا العرض وخانوا الأمانة وخانوا الأمة بأسرها

تم عرض بعض شروط الصلح الخادعة المذلة والمهينة للدولة العباسية ووافق عليها الخليفة بكل خضوع وذلّ، ولكن المغول فجأة يهاجمون المدينة من جديد ويحاصرونها حصارًا شديدًا جدًا، وأثناء الحصار، كان المغول يمطرون بغداد بسهامهم الكثيفة. والغريب والعجيب أن الخليفة في ذلك الوقت كان يجلس مع جارية له تلعب معه وتضحكه، فوقفت الجارية للخليفة ورقصت أمامه، وفجأة، جاء لها سهم عابر من النافذة فأصابها فسقطت ميتة، ففزع الخليفة العباسي المستعصم وارتعد، وكان مكتوبًا على السهم بالعربية البليغة ((إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره .. أنفذ من ذوي العقول عقولهم)) وهذه بلا شك كانت من أنواع الحرب النفسية. فأمر الخليفة أن يكثر الخدم من الستائر حول القصر لكي لا تعبر السهام إلى جواريه.

 استسلام الخليفة المستعصم

 وبعد أربعة أيام من حصار عنيف ينصح الخائن (ابن العلقمي) الخليفة بأن ينفذ طلب هولاكو للاستسلام إليه، والخروج لمقابلته ومعه أهم علماء وأعيان ووزراء بغداد، وطبعًا، وافق الخليفة الجبان وخرج إلى هولاكو ومعه 700 من أكابر بغداد،  واتجه المستعصم إلى خيمة هولاكو وهو خافض الرأس ذليل النفس، فلقد نسي هذا المعتوه أن أجداده كانوا يسقون هذه الأمم وكانوا يفتحون البلدان بكل عزة وقوة وعدل. وعند وصول الخليفة إلى خيمة هولاكو تم قتل جميع الوزراء وأكابر رجال الدولة، وبقي اثنين فقط: الخليفة الجبان وابن العلقمي الخائن، وأفشى ابن العلقمي لهولاكو عن جميع أسماء أهم العلماء وخطباء المساجد الموجودين في بغداد، وتم قطع رؤوسهم جميعًا هم وأهلهم وأولادهم، حتى حملة القران تم قتلهم أمام أعين الخلفية، وتم ذبح أولاد الخليفة مثل الخراف أمام عينه أيضًا. وتم أسر جميع من في قصر الخليفة وكان عددهم 700 فتاة وألف خادم، إلا 100 فتاة كان الخليفة يحبّهنّ وهنّ من أهله ومعارفه وجواريه.

دخل هولاكو بغداد وجلس على عرش الخليفة وأمر بالاحتفال بالنصر في القصر، وأثناء الاحتفال أخرج الخليفة من القصر ما في الخزائن من مجوهرات و2000 قطعة من الملابس الفخمة مع 10.000 قطعة ذهبية كهدية لهولاكو! فلم يُعِرْ هولاكو هذا اهتمامًا ووزعها على جنوده واعتبرها غنيمة لهم، وأمر الخليفة بأن يخرج الكنوز المدفونة تحت الأرض، فاعترف الخليفة وأفصح عن مكانها وتم الكشف عن حوض خضم مليء بقطع الذهب الكبيرة، كلّ قطعة ذهبية تزن مئة قطعة ذهبية عادية. وهذا يعتبر كنز الخلفاء العباسيين الذي كان يخزن لمئات السنين ولكنّه خرج في ساعة واحدة! وتمّ تجويع الخليفة المستعصم بعد ذلك حتى طلب الطعام فجاء إليه هولاكو ومعه طبق عليه ذهب، فقال له الخليفة متعجبًا: ( كيف آكل هذا؟!) فقال له هولاكو:

(وبما أنك تعرف أن الذهب لا يؤكل لماذا لم تصنع بهذا الذهب جيشًا قويًا يحاربنا؟ لماذا لم تصنع من أبوابك الخشبية سهامًا تضربنا بها؟)

فخرس المستعصم ولم يتكلم، فأمر هولاكو جنوده بأن يسحقوا المستعصم تحت أقدام الخيل الهائجة. ومات المستعصم ذليلًا مخذولًا مغفلًا وأحمقًا. ونادى هولاكو في جيشه بأن دماء أهل بغداد حلال أربعين يومًا!

مجزرة بغداد

فقامت مجزرة لم يعرفها المسلمون من قبل ولا العالم كله، فقتل مليون شخصًا في بغداد في أربعين يوماً فقط! و لم يرحموا أحدًا، لا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا طفلًا صغيرًا.. فلقد وجد الجنود المغول أربعين طفلًا في زاوية حارة صغيرة قتلوهم جميعًا عن بكرة أبيهم، وقتلوا أمهاتهم من قبل ذلك. فلم يتركوا أحدًا أمامهم إلا وقتلوه، وكان التعداد السكاني لبغداد كبير يتعدى الثلاثة مليون إنسان وبذلك تكون بغداد أكثر البلاد من عدد السكان

ولم يتركوا المنشئات فدمروا البيوت والقصور وهدموا المساجد رغبة في أخذ القباب المزخرفة، وتم إلقاء الملايين من كتب مكتبة بغداد في نهر دجلة حيث أصبح لون النهر أسودًا من كثرة الحبر، وقيل أن الجنود اتخذوه جسرًا لكي يعبروا من خلاله، وهذه المكتبة لم تكن مجرد مكتبة عادية بل كانت جامعة ضخمة بها كل ما تخطر على بالكم من العلوم التي ظهرت من قبل الميلاد إلى يوم ما دمرت، وعمر هذه المكتبة أكثر من 400 سنة. وكان لكلّ نوع من العلوم مكان ضخم خاصّ بها.. علوم في الأدب والفلك والطب البشري والبيطري والهندسة والمخطوطات المرسومة والعلوم اليونانية القديمة مثل الفلسفة والرياضيات، وطبعًا العلوم الدينية بمختلف أنواعها وكل ما يخطر على بالكم من العلوم والملايين من الكتب. وبعد ذلك خرج هولاكو وجيشه من بغداد لأنهم لم يتحملوا رائحة النتن التي تفوح من جثث القتلى التي كانت في كل زقاق وفي كل مكان في بغداد.

ذل الأمة

ولكن، أين كان السلاطين المسلمين من هذا كله؟ أين كان الشعب البغدادي قبل أن يحدث هذا كله؟ لماذا لم يتحرك الوزراء العباسيون عند سماعهم من البداية خبر هجوم المغول على الدولة الخوارزمية؟ لماذا لم تتحرك الشعوب إلى الخليفة وتطلب منه الجهاد ضد هؤلاء القتلة السفاحين ؟ لماذا سكت المسلمون في بغداد وغيرها من البلاد على المجازر الشنيعة التي حدثت في أوزبكستان وأفغانستان وبخارى ومرو وغيرها وغيرها؟ ولكن كما تدين تدان…

لقد سكتوا وأحبوا الدنيا والحياة ولم يلتفتوا لإخوانهم الذين يقتلون من حولهم ولم يهتموا لهم عندما دمرت مساجدهم ونهبت أموالهم واغتصبت نسائهم وبناتهم وذبح أولادهم! ولكنّ الله ديّان لا يموت، الذل سيطر على الأمة، احتلّها الغباء وعدم النخوة والمروءة. إلا أنّه، وسط هذا كله، يخرج بطل وحّد الأمة مثل صلاح الدين، فارس تربّى على الرجولة وتربى على الجهاد وتربى على الدين الحقّ، ولم يخف يومًا ولم يبكِ يومًا من ضربة سيف، أسد من أسود الإسلام كسر عنق المغول  وأذلهم في الأرض وجعلهم أضحوكة الجيش والشعب الإسلامي، طبعًا هو معروف ولا يخفى على أحد وهو (محمود بن ممدود المشهور بـ سيف الدين قطز).

هناك الكثير من التفاصيل كنت أحب أن أنشرها عن حياة المغول في بغداد، ولكن أظن أن هذا الحدّ يكفينا لكي نتعلم من قوة وتنظيم عدوّنا، ونتعلم أيضًا من خسارتنا وذلّنا قديمًا.

مساهمة من 

 

إعلان

مصدر صعاليك على عرش مصر نظرات في تاريخ المماليك هولاكو الأمير السفاح قصة التتار من اليداية إلى عين جالوت
اترك تعليقا