انتفاضة الشعوب: السترات الصفراء نموذجًا -الجزء الثاني

استكمالًا للجزء الأول قرّائي يعرفون أنّني قارئ مواظب لماكس فيبر، بل ومن أشياع فكره. ولعلّ هذا  يكفي ليستنتجوا بأنّني سأكون زاهدًا في إعطاء الدروس والافتاء في ما ينبغي أن يكون أو لا يكون. لطالما قلتُ في ما أكتبه بأن الفكر الأصيل هو الحريص أولًا وأخيرًا على الفهم المنفتح وجوبًا على التفهّم، وهو ما يعني مرّةً أخرى، أنّني منشغل بالكائن لا بما ينبغي أن يكون أو لا يكون! لهذا طبيعي جدًّا أن تكون كتاباتي وأقوالي ثمرة معاينات “متعاطفة” و”متواطئة” مع موضوعاتها. و”إبحاراتي” المعرفية تتراوح بين المؤلّفات الفلسفية، ومصنّفات اللاهوت الوسيطي من جهة، والحانات والدردشات مع أصدقاء وأطفالهم في بلدتي التي شهدت مسقط رأسي من جهة ثانية. معايناتي مستقاة من حركة ذهاب وإيّاب متواصلة بين التفكير في الكينونة وانغراساتها اليومية على أرض الواقع.

أُدرك وجود جمهورٍ غفير في تظاهرات “السترات الصفراء” التي اندلعت شراراتها في أكتوبر، كما أدرك جيّدًا وعلى نحوٍ مفارق، أن الطريقة التي تتحدث بها النخب عن “الناس”les gens اليائسين لكون رواتبهم الشهرية لا تتعدى 1200 أورو ..إلخ  لا ولن تنفعهم في شيء، بالعكس فـ(الناس) ليسوا بحاجة إلى شفقة يجود بها عليهم هؤلاء الوصائيون من “فوق”.

“الناس” يحتجّون لأن استهلاكهم الشهري من البنزين سيُلقي بثقله على ميزانيتهم الشهرية بما مقداره 100 أورو، في الوقت الذي يعلمون فيه علم اليقين أن معظم السياسيين لا يسدّدون فلسًا من جيوبهم لقاء البنزين الذي يستهلكونه! غير أن هذا ليس معناه أنّهم أقلّ من البشر، أو أنهم عاجزون عن العيش الجيّد، أو عن الإحساس بالتضامن والتكافل إزاء الغير، إزاء بعضهم البعض، أو أن الهمّ “المادي” ينسيهم الشغف باللقيا لمجرد اللقيا، بمعزل عن الهوس بالمادي/المالي. في كلمة، على نخبنا الباريسية أن تتوقف عن تقمص شخصية “السيدات المتطوعات للعمل الخيري” وإنتاج خطابهن الجارح بقدر ما هو لا منتج (عقيم).

ما من شكٍّ في أننا نمرّ بأزمة؛ لكنها ليست اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، بل أزمة تؤشر على تحول نوعي في “الباراديغم” (الأنموذج). ومن علامات هذا الباراديغم الصاعد؛ طقسنة العنف، حالة من التدافع الذي يغلب عليه التجانس، نزوع إلى التوفيق والتوضيب بين أشكال من الشغف الجماعي التي تكون، بالأغلب الأعمّ، متعارضة بل ومتناقضة. الجديد في هذا الحراك هو انهيار مؤسسة “الوسطاء”(الشناقة) بين الجماهير و السياسيين.

فالأفراد التئموا في ميدان الحراك بشكلٍ عفوي، وهم في حِلٍّ من أي ارتباط مؤسسي(حزبي/نقابي/جمعوي..)، بل حاصل ما في الأمر أن الرباط الجامع بينهم هو نوع من “التعاقد الاجتماعي” الخاص بهم.

إعلان

السياسة القائمة على الوسطاء بين الدولة والشعب، تشكّلت وبالتدريج على امتداد القرنين الثامن عشر والعشرين حيث كانت السيادة والغلبة للحداثة؛ التي تعتبر الديمقراطية التمثيلية ركيزتها وأحد مبرّرات وجودها،  التي تنطلق من هذه المسلّمة: انحلال وتفكّك كل التنظيمات والهيآت التقليدية التي كانت تتولّى القيام بوظيفة الوساطة، وحلول “الديمقراطية التمثيلية” محلّها على نحوٍ لا رجعة فيه، وبذلك تحرّر الأفراد من كل ارتباطاتهم الجماعية التقليدية التي كانت تقيّد حركتهم وتشلّ إرادتهم، وباتوا مرتبطين في ما بينهم برباط “العقد الاجتماعي” (الروسوي) المعروف وحسب، وبجملةٍ من المعايير والضوابط تكون من انتاج ممثّليهم الجدد، “عرّابو الديمقراطية”. هذه المعايير والضوابط هي التي تتكفّل بتنظيم علاقاتهم البينية، وهي قابلة للسحب على كل شيء في المجتمع الجديد. اليوم، هذه الخطّاطة العامة بآلياتها التطبيقية ما عادت تشتغل بالنجاعة التي كانت بها أمس، لا بل وقد تعطّلت في كثيرٍ من مناحيها وتعبيراتها.

فالأفراد ما عادوا أفرادًا بل أشخاصًا، وما عادوا يشعرون بأن جهة ما أو أشخاصًا بعينهم يمثّلونهم ويتحدّثون بصوتهم. فهل هذا معناه أنهم صاروا فردانيين أو افتقدوا لأي حسٍّ ايجابي  حيال الشأن العام والمصلحة المشتركة؟
قطعًا، كلا.

هي جماعات يجمعها قَدَرٌles communautés du destin أهل الحراك ليسوا فردانيين بالمطلق، فهم لا يتصوّرون الخير إلّا إذا كان جماعيًا ولا المصلحة إلّا إذا كانت عامّة ويستفيد منها الجميع. أهل الحراك مُلتحمون  يوميًا مع جماعاتهم التي تغدو جماعة كبيرة يجمع بين أفرادها قدَرٌ واحد ومصير مشترك. يتعلّق الأمر في الحراك بجماعات تندفع باتجاه الأُنسيةla socialité، والقرب la proximité، تجعل من كلّ واحد فيها ذرّة في كلٍّ جمعي، ولا تتحرّج من تعريفه انطلاقًا من انتماءاته لقبائل شتى. وهذه المواصفات العامّة للحراك هي التي توقِّع، وبواضحة النهار، لحظة خروجنا من طور الحداثة إلى ما بعدها.

و مع هذا “الخروج”، باتت السياسة  تُمارَس على مستويين اثنين: مستوى القربla proximité، والذي يتمّ بمقتضاه فتح المجال أمام مختلف الجماعات لتتحقّق انتعاشة كل واحد بداخلها، وتُمارَس الهبّة والهبّة المضادة(البوتلاش الشهير) بديلًا عن “تقديم المساعدة” l’assistanat، وتقوم قائمة أشكال تضامنية وتكافلية عبر التقاسم دونما حاجة إلى إطلاق تظاهرة تنتهي ب”حمام دم”.

المستوى الثاني: السياسة التي باتت ممارستها تتحقّق من خلال الجهة والأمّة بل وتمتدّ إلى عموم  أوروبا بصفتها “فيدرالية جهات”. صرنا فعلًا أمام طريقة مغايرة في ممارسة السياسة، لا بصفتها تمثلا فرديا/فردانيا، بل من خلال تنظيم/توضيبrégulation التعدّد الجماعي، التعدد الطابع بميسمه لجماعات الحراك. لندقّق الأمر تفاديًا لأي سوء فهمٍ محتمل. لسنا بصدد جماعات جامدة/هامدة تحيل كل واحدة على أصولها الخاصّة وهويّتها القارّة، قانعةً بها متقوقعة فيها، بل بصدد تجمعات بشرية(حشود) تربط بينها صلات قربى وثيقة affinités، قد تكون أحيانًا عارضة وعابرة، وفي أحايين أخرى أكثر استدامة في الزمان والمكان، لتقف خلف إنتاج أشكال جديدة من التماسك الاجتماعي والتلاحم الجماعي.

ولنتذكر هنا بإن التاريخ البشري يتقدم عبر دورات زمنية des cycles هي بمثابة حقب. فهناك حقب طويلة تمتد من قرنين إلى أربعة قرون تكون فيها السيادة والغلبة لنمطٍ محدّد من المتخيّل الجمعي. والحقبة الحديثة (الحداثية) التي ودّعناها مثال على ذلك. فقد كانت مسرحًا لغلبة النموذج المادي/الانتاجي بإيجابياته وسلبياته. أمّا إيجابياته التي يصعب إنكارها فتجلّت في الصحة والتربية، بينما سلبايتها فتبدّت في الخراب الأيكولوجي، والاستنزاف الممنهج للطبيعة/الأم، و تفكيك/تفتيت أشكال التضامن الجماعي القاعدي في المجتمعات. اليوم دخلنا إلى حقبة جديدة طفا فيها على السطح وبقوة ما سمّيت في غير ما موضع، المثل الأعلى الجمعاني l’idéal communautaire. ولعلّ من سماته الفارقة إدراك الإنسان بأنه ما عاد بمقدوره السيطرة على الطبيعة وإخضاعها لمشيئته.

ما يجري الناس في طلبه و يسعون لتحقيقه في هذه الحقبة المفتوحة ينتمي بالأحرى، إلى النظام “العلائقي”  de l’ordre du relationnel أكثر من سعيهم نحو المصلحة الاقتصادية الفردية. وتشهد الفترة الانتقالية من حقبة إلى أخرى جملة من الاضطرابات العميقة تقوم دليلًا على أن المجتمعات تكابد فعلًا، على طريق بناءها لنظام جديد، صاعدة ساعية إلى تكييفه مع المتغيّرات، بموازاة سعيها الدؤوب إلى صياغة تاريخها، والعثور على الكلمات المناسبة الجديرة بتوصيف “قدَرها” (مآلها الجديد).

“السترات الصفر”  والحكومة والمعلّقون، كل هؤلاء وبنسب متفاوتة، استعملوا عبارات قديمة بالية، وبالتالي متجاوَزة بمنطق العصر، روح العصر. فليس هناك ما يجزم بأن ما يتطلع إليه “الناس” هو المزيد من “المكاسب المادية” واامزيد من النمو والمزيد من القدرة على الاستهلاك والازدراد. بالعكس، فما يتطلّعون إليه بجوهره يصدر عن نظام علائقيde l’ordre du relationnisme ولا تحرّكه منافع مادّية صرفة و مصالح اقتصادية فردية وفئوية. ما يتطلّعون إليه في العمق، هو أن يكون بمقدورهم الاستمرار في التنقّل وملاقاة الآخر/الآخرين، والخروج من الدائرة الخاصة إلى المجال الفسيح للناس/للغير.

إن المهمّة الأساسية للسياسي اليوم هي أن يُحسن الانصات للحادث ثم تسميته بأسماء وصفات مناسبة ومطابقة لواقع الحال. حقًّا تنتابنا مرارة عند سماع ردود أفعال النخب على ما يصدر عن “الناس” التي هي في معظمها متحاملة، وبكل الأحوال شاردة، هي في واد والحادث على مرأى منها و مسمع في وادٍ آخرa coté de la plaque.

فحراك “السترات الصفر” جعل كل الذين لا يملكون في رصيدهم اللغوي إلّا مفردات، من قبيل الشكوى وعقدة الضحية، في وضع لا يُحسدون عليه، في “حيص بيص”، وبذلك حشرهم في الزاوية وفي حالٍ من التجاوز مطلق.
أهل “الحراك” ياسادة، ما هم بضحايا، ودليلٌ من بين أدلة وافرة على هذا؛ أن قلّة قليلة منهم فقط اعترفت بأنها تستفيد من خدمة “الدخل الحيوي التضامني”RSA، وغيرها من خدمات السياسة الاجتماعية للأشخاص بدون عمل أو افتقدوه بعد تسريحهم منه.

كما أن الحراك حشر في الزاوية أولئك الذين لجأوا إلى  الضرب على وتر “الاختلافات” بين المشاركين فيه بغرض تأجيح الصراع وزرع التفرقة بينهم بعد أن تأكّد لهم بالعين المجردة أنه حراك  مِن فعل “قبائل ما بعد حداثية” وليس نتاجًا لحركة اجتماعية منظّمة/مؤطَّرة ومنسجمة طبقيًا ومهنيًا ومناطقيًا و حتى أيديولوجيًا. وقد توسّلوا بهذه الحيلة الخبيثة طبعا بعد “تحييدهم” لجماعة المخرّبين (العدمية) وإلباسهم هوية سياسية، لا هي منهم ولا هم منها.

لعلّ القاسم المشترك بين هذه الخطابات الأخلاقية القمعية (الوصائية في العمق)، والدروس الوعظية التي تجود بها هنا وهناك، هو تسبيبها على نحو مباشر في إذكاء نعرات  من داخل “الحراك” وتهييج ردود الفعل في أفق إفشاله وتوقيف عجلته. أقولها بصراحة، هو ذا هدفهم غير المعلن.
لذلك من الوارد أن يتوقّف الحراك فجأة أو بمقتضى “هدنة”. غير أن النيران التي أشعلها لابدّ أن تستعر تحت الرماد إذا لم نبادر إلى إبداع كلمات جديدة ومناسبة لتوصيف هذا الوجود المعويl’etre ensemble الذي يشهد ولادته وانتعاشته على مرأى منا و مسمع وبالتالي تقديره حق قدره.

التصادم وحالة الجفاء بين الحراك والنخب هو دلالي بالمقام الأول. فالنخب لا تستسيغ أن يطالب الحراك بالشيء ونقيضه، لا بل من الوارد أن تتّخذ ذلك هزءًا وتعتبره غير “مسؤول” بالمرّة وعبثي بالمطلق. لكن وأسوة بأصحاب “السترات”، تظلّ أمنيتي العميقة، ومن وراء كل المطالب المادية والتقنية، هو استمرار الحلم واستدامة الخيال ودوام الاستيهامات، وفي كلمة استمرار كل ما من شأنه أن يساهم في التعبير عن هذا الذي دعوناه قبلًا “جماعة قدَر”، ولا شيء يؤكّد بالمرّة أن تخفيض أو تجميد أو تعليق فرض الرسوم الضريبية سيُشفي غليل هذه الرغبة العارمة في ممارسة الحلم واستدامة الحاجة إليه.

لكل هذه الأسباب التي تقدّم عرضها، أرى بأنه من أوجب الواجبات اليوم النأي بالنفس و”العقل” عن “العالم الصغير” للمثقفين (الأنتليجينسيا)، على الأقل لأن أدواتهم الكشفية أبانت عن عجزٍ مريع، من استماراتهم واستطلاعهم للرأي زتفسيراتهم الاقتصادية والسوسيولوجية القاصرة والتي باتت متخصّصة في حجب التحوّلات المجتمعية العميقة عن الأنظار و طمسها طمسًا. بالمقال، أرى بأن تسليط الضوء على عودة المتخيّل، وأشكال أخرى من التديّن “الجديد”، وعلى انبعاث الروح في افتتان الناس بالعالم (انسحارهم به) le réenchantementdu mondeهو أقدر على فتح أعيننا على عمق الحدث وجوهر الحادث. والحال أن هذه العناصر مجتمعة أبعد ما تكون عن التفسير الاجتماعي الأحادي الجانب والوجهة والمحتكِم إلى العامل الحاسم الجازم لـ”القدرة الشرائية”.

لنقلها بصراحة، فأغلب علماء الاجتماع هم “مناضلون” في زي “علماء اجتماع”، لهذا من الطبيعي جدًّا أن ينزعجوا بفعل هذا الحراك “المثير” و”الداهم” الذي يقوده “الناس”، مطلق الناس  مجرّدين من تحديداتهم الطبقية والمهنية والجنسية والمجالية التقليدية القبْلية المعروفة، والتي باتت بحكم المتجاوَز و منتهية الصلاحية “العلمية”! صحيح أن هؤلاء “الناس” يطالبون بالزيادة في رواتبهم، لكنهم بموازاة ذلك يرفضون أي حرمان ذي طبيعة أيكولوجية. صحيح أنهم يتطلعون إلى تحسين مستوى عيشهم لكنهم بموازة ذلك يتطلعون إلى تخفيض النفقات التي تذهب إلى المهاجرين.

في كلمة، فـ”الناس” هؤلاء لا يمارسون دائما “سياسة صحيحة ” من صنف “الصحيح سياسيًا”le politiquement correct! ينادون بأعلى صوتهم وفي لهجة فيها من البذاءة ما فيها بما يتهامس به “ماكرون” و حواريوه في الخفاء و خلف كواليس، نعم ترتفع عقيرتهم بالقول:ما عُدنا نتعرف على أنفسنا في أحزابكم و لا نقاباتكم ولا…!

لذلك، لا يُعقل اختزال هذا الخليط المطلبي في حزمة مطلبية منسجمة ومتماسكة ذات خلفية اقتصادية واجتماعية صرفة، أو حشرها في الدائرة الضيقة لمعركة تدور رحاها بين معسكرين: معكسر الأخيار من جهة ومعسكر الأشرار من جهة ثانية. فـأصحاب “السترات الصفر” لا يخوضون غمار معركتهم في سبيل تحقيق “صالح عام” مجرد ونظري، وممّا لاشكّ فيه أن الحالة التضامنية بينهم لا ولن تغطّي كل بؤس هذا العالم، لن تكون له ترياقًا و بلسمًا شافيًا بضربة مقصّ!

إن الجامعيين، ولعلهم في هذا أكثر من السياسيين والصحافيين، ينتابهم خوف شديد من الشعب، وتحديدًا مما يسمّونه “شعبوية”، “شعبوية الشعب”. نعم، إنهم يتهيّبون منه إلى الحدّ الذي يحرصون على عدم التقتراب منه أكثر من “اللازم”، وهو ما يحكم عليهم وجوبا، باستحالة فهْمهم له! لهذا فمن الطبيعي جدًّا أنهم لا يتوفّرون على شيء يقولونه للشعب عن الشعب في سياق هذا الحراك الداهم، أو ستنحلّ ربّما عقدة لسانهم بعد حين، أي بعد مرور “العاصفة”!

من خلال جولتي لثلّة من البلدان الأوروبية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، تملّكني إحساس قوي وأنا أتلقّى أسئلة زملاء وصحافيين، بشيوع حالة عامّة من التعاطف بل و”التواطؤ” والتشوّف إلى ما يحدث عندنا في فرنسا هذه الأيام. وهذا طبيعي بتقديري، فقد ظلّت دائمًا فرنسا مهد الانتفاضات والثورات خصوصًا المترعة بالرمزية، ولعل هذا ما يفسّر كلّ هذه الآمال المُعلّقة على أحداث باريس من قبل جيراننا الأوروبيين، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فهذا الاهتمام الأوروربي الكبير، على مستوى الشعوب على الأقل، دليل على الوهن الكبير الذي يعاني منه نموذج الديمقراطية التمثيلية في أوروبا بل والغرب كافة. لذلك، شرعت الشعوب في تجاوز النموذج إيّاه والانخراط في معارك أخرى غير مسبوقة تتجاوزه متجاوزة معه كل ما هو سياسي/مؤسسي، أي تتجاوز النموذج المتحدّر من عصر الحداثة الذي  ما عاد خافيًا أنه يحتضر منذ زمن غير يسير. المهم اليوم هو أن يتحلّى “أهل الكهف” عندنا، وفي صدارتهم أهل الفكر والنظر(الأنتليجنسيا الأثيرة)، بما يكفي من الشجاعة الأدبية والأخلاقية للاعتراف بأن نهاية عالم لا يعني نهاية العالم، بل لعله علامة دالة على بروز عالمٍ جديد!

————-
الكاتب: السوسيولوجي المابعد حداثي الفرنسي المعروف والأستاذ في جامعة السوربون ميشيل مافيزولي، صدر له بالترجمة العربية عدّة مؤلّفات مثل: “في الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصر”، و”ودنيا المظاهر وحياة الأقنعة: لأجل أخلاقيات جمالية”، و”مزايا العقل الحسّاس: دفاعًا عن سوسيولوجيا تفاعلية”، و”عود على بدء: الأشكال الأساسية لما بعد للحداثة”و “تأمّل العالم: الصورة والأسلوب في الحياة الاجتماعية”.

المترجم: السوسيولوجي والمترجم المغربي عبدالله زارو، يذكر أن الأستاذ عبدالله قد أثرى المكتبة العربية بعديد المؤلّفات والترجمات، يذكر منها في هذا المقام ترجمته لكتب مافيزولي: “في الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصر”، و”ودنيا المظاهر وحياة الأقنعة: لأجل أخلاقيات جمالية”، و”مزايا العقل الحسّاس: دفاعًا عن سوسيولوجيا تفاعلية”، و”عود على بدء: الأشكال الأساسية لما بعد للحداثة”

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: عبدالله زارو

اترك تعليقا