كيف نجح المصري القديم في تخليد حضارته؟

يطرح الكثير من المتأملين في حضارة مصر القديمة سؤالًا هامًا جدًا، وهو كيف استطاع المصري القديم صناعة هذه الحضارة الضخمة؟ وكيف استطاع أن يحقق هذا النجاح الباهر في شتى العلوم مثل: الفلك والكيمياء والطب والهندسة المعمارية والحسابات الرياضية، وفي شتى المجالات الحياتية والعقائدية؟ وقد وصل الأمر بالبعض للجنوح والتطرف في الخيال بادّعاء أمورٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فتارةً تجدهم يدّعون زورًا الاتصال بكائنات فضائية، وأخرى تجدّهم يقولون أن عمالقة من قوم عاد أو غيرهم بنوّا هذه الحضارة ..إلخ، وهكذا تجد نفسك في دوامة من الخرافات لا تستند على أي دليل علمي أو منطقي.

ولكن المصري القديم كان يعلم هذا، وكان يعمل جاهدًا على تخليد حضارته وهويته وأمجاده، فقام بالتوثيق على كل ما هو متاح لكي يأتي الأحفاد ويروّا بأعينهم ما صنعه الأجداد علهم يسيرون على الدرب.

المصري القديم كي يصل إلى النجاح اتبع عدة خطوات، وكان سلاحه المثابرة وبذل مزيد من الجهد، ومن أهم الخطوات التي سار عليها المصري القديم هي: (التأمل، والتجربة).

أما التأمل فكان المصري القديم يسجل تأملاته في الكون المحيط ويندمج معه في تناغم راقٍ، فنجده ينظر عليًا للأفق فيرّاقب حركة النجوم والشمس والقمر والسماء، وينظر حوله فيراقب اليابسة بما عليها من كائنات حيّة، فيراقب سلوك الحيوانات ويتعلم من ذكائها ومهاراتها ويستفيد من الأليف منها، ويقّّدس صنع الإله في كل شيء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للنباتات فنجده قدّس اللوتس والبردّي وجعلها رموزًا ذات معنى، واستخدم النباتات في الزراعة وصناعة الدواء والعطور المقدّسة، وكذلك نجده قدّس المياه وأمر بالحفاظ عليها، وصنع السفن وأبحر عبر النهر والبحر وعرف التجارة الخارجية مع الأمم الأخرى.

إعلان

وأما التجربة فهي قانون كونيّ، كثيرًا ما نرى أن النجاح يسبقه فى الغالب عدة محاولات قد تكون غير موفقة، وهكذا الأمر بالنسبة للمصري القديم فقد كان يحاول ويفشل تارةً وينجح أخرى حتى يصل للمثالية، كل هذا يظهر جليًا في تطور مراحل الفن والعمارة، كما يوجد مئات من الأمثلة في شتى المجالات في مصر القديمة، نذكر منها مثلًا عظيمًا أبهر العالم أجمع ويعد أحد عجائب الدنيا والتاريخ ألا وهو الأهرامات، هل تظن أن الأهرامات تم بنائها بهذه المثالية والدقة المعمارية المذهلة؟! على العكس تمامًا؛ فلقد مر بناء الأهرامات بعدة محاولات وتجارب كان الفشل والخطأ فيها يسبق خطوة النجاح، فقد حاول المصري القديم في البداية بناء أبنية هرمية مثالية المعمار ولكن هيهات هيهات؛ فالتعلم والمثالية تحتاج مرات ومرات من التجارب الخاطئة والمثابرة والتصميم على تحقيق النجاح. دعوني أعطيكم مثالًا جليًا، انظروا إلى الهرم المائل (الملك سنفرو- الأسرة الرابعة- حكم لمدة 30عامًا) والذي يبدو منبعجًا بشكل غير طبيعيّ (ارتفاع 101م، طول الضلع 189م) حيث بدأ مهندسو الملك سنفرو وعلى رأسهم المهندس (كا نفر) في بناء الهرم بزاوية ميل 54درجة، ثم بعد وصول الهرم إلى نصف ارتفاعه اكتشفوا خطأً معماريًا في الحساب الهندسيّ لبناء الهرم فقرروا تغيير زاوية الميل فيما بقى من البناء إلى 43 درجة، واستغرق بناء الهرم ما يقرب من 14عامًا، تعلم فيها المهندسون المعماريون للملك سنفرو من تجربتهم واستطاعوا الوصول إلى الشكل المثاليّ ببناء هرمًا آخرَ للملك سنفرو سُمي الهرم الأحمر أو الهرم الشماليّ في منطقة دهشور ويُعد ثاني أكبر هرم بعد هرم الملك خوفو، كما أنه يعد تحفة معمارية تضاهي جمال هرم الملك خوفو، ثم من بعده جاء الكمال في معظم أهرامات عصر بناة الأهرام وأشهرهم على الإطلاق أهرامات الملوك (خوفو، وخفرع، ومنكاورع).

هكذا وبأمثلة بسيطة ومنطقية نعرف أن المصري القديم بنى حضارته بالعلم والمثابرة وتكرار المحاولة وعدم اليأس عند الفشل، ولعل هذا هو المنهج الذي يجب أن يتبعه كل من يبحث عن النجاح: “لا تيأس، واستمر فى المحاولة”.

 

إعلان

اترك تعليقا