كيف بدأت رحلة الدم ؟ “قراءة سياسية فى رواية تاريخية”

بإنتقال النبى “محمد” (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى إنقطع الوحى وإنتهت العصمة، وبدأ المسلمون العرب يواجهون وضعا سياسيا وإجتماعيا لم يعرفونه، قبل الإسلام كانت القبائل العربية مكتفية ومتأقلمة مع النظام والحالة التى ورثوها عن آبائهم والمتمثل فى نظامى الرعى والتجارة الموسمية بشكل أساسى، بعيدا عن صراعات القوى الإمبراطورية التى تسيدت وحكمت ذلك الوقت.

وطوال حياة النبى لم يكن الهدف بناء دولة أو إمبراطورية بقدر ماكان نشر دعوة دينية ومع عصمة النبي المطلقة كان الوضع الإجتماعي والسياسي مستقر  لا يحكمه سوى قوة الإيمان ورسوخ العقيدة فى قلوب المؤمنين، وكانت المدينة المنورة وماحولها هى العالم الذى يتحرك فيه المسلمون، ولم يكن عالما معقدا ومتشابكا.

بدأت أولى المشاكل الحقيقية حين إحتار المسلمون فى إختيار شكل وأسلوب الحكم والإدارة بعد وفاة النبي ، ولقد تم حسمه – أو هكذا بدا – بإختيار شكل الخلافة، وهو الجمع بين سلطة الدين والدنيا (كما كان النبي) ولقد إستطاع الخليفة الأول بحكم قربه وصحابته ( وشراكته فى بعض الأحيان) للنبي فى إحكام السيطرة على حدود ماكان (كحروب الردة ومانعي الزكاة) وهو بذلك حمى المدينة من الإنفراط والشقاق، وهو أهم وأعظم أعمال “أبى بكر الصديق” على الإطلاق.

وفى عهد الخليفة الثانى “عمر بن الخطاب” بدأت الدولة الإسلامية فى الظهور، وكان الفاروق مدركا لحجم التغيرات التى طرأت على مجتمع المدينة فإذا به يضع النظام الأساسى للدولة( إختيار التقويم الخاص بها،وضع قواعد لإختيار الولاة وطرق صرف الأموال التى تأتى من الأمصار التى يحكمها المسلمون)،وفى نفس الوقت – تقريبا – بدأت ملامح الإمبراطورية الإسلامية تتشكل خاصة مع فتح بلاد فارس والشام ومصر،وهنا كانت الفتنة تطل برأسها لكن قوة شخصية الخليفة/الحاكم هى التى منعت وصدت.

لكنها عادت تطل من جديد فى عصر الخليفة الثالث “عثمان بن عفان”،ومع أنه كان تاجرا ماهرا وتقيا ورعا إلا أنه لم يكن سياسيا بارعا فلم يدرك حجم المتغيرات التى حدثت،فالإسلام لم يعد محصورا فى صحراء يدافع عن شريعته بل أصبح يتحكم فى حواضر وأمصار ومع التحكم زادت الغنائم (وهى مفسدة النصر) ومع أن الغنائم توزعت على عموم الناس إلا أن فريقا من المسلمين رأى أن ذلك غير كاف وأصبحوا يطلبون شراكة فى الحكم،وكانت القضية : أهل الثقة أم أصحاب الخبرة؟وكان الخليفة لايرى مشكلة فى ذلك طالما أن من يختارهم هم أهل ثقته.

إعلان

وتجاهل ” عثمان بن عفان” كل دعوات المعارضة وكان يعتقد أن النفى والإبعاد أو إلهاء من يعارضونه سوف ينهى المشكلة لكن ماحدث هو أن الأمور تطورت حتى قتل الخليفة فى بيته.

وفى خلفية ذلك المشهد الدموى كانت الأوضاع تزداد تشابكا وتعقدا،فلقد فتح مقتل الخليفة كل الأبواب كى تطل الفتنة وتنشب الصراعات، وهكذا تشكلت الأحزاب والجماعات وكل يطلب السلطة أو يحاول منع غيره من الوصول إليها.

 

 

إعلان

اترك تعليقا