غطسة علمية في الصيام الإسلامي (نظرة مبسطة)

يعدّ الصيام من المواضيع المهمة التي يتمّ ربطها كثيرًا بالصحة الفردية والتأثيرات الناجمة عن القيام به، سواء كممارسة فُرضت على المسلمين في حالة قدرتهم الصحية على مواكبته، أو كحلّ طبّيّ أصبح التداول به كثيرًا، وهذا ما أبرز العديد من التساؤلات حول منافع الصيام بشكل عام والذي يتضمّن الصيام الطبّيّ، وكذا الصيام الإسلامي. ويرافق هذه التساؤلات جانب آخر من فضولية معرفة تواجد أضرار جانبية، وما الظروف والعوامل التي تسبب هذه الأضرار؟

بالتعريف المبسّط المعروف، الصيام بشكل ”عام” هو الابتعاد عن كلّ/ معظم الطعام فقط/ والشراب لفترة محددة، فالصيام الإسلامي، هو ابتعاد تامّ عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ويختلف عنه مثلاً الصيام الطبي والذي يُعرف أشهر أنواعه بأنه امتناع عن الطعام فقط وشرب الماء وحده لأيام محددة حسب معطيات المشاورة الطبية.

سيتمحور موضوعنا حول الصيام الإسلامي ومعالجة الجانب الضارّ فيه أولاً، ونتعرف ثانيًا على الجانب النافع منه، مضيفين في الأخير بعض الفوائد للصيام الطبي.
ورغم الاختلافات المتواجدة حول الصيام الإسلامي إلا أنّ جمع هذه الاختلافات واستخراج مفاهيم موحّدة أمرٌ ممكن.

من بين المضارّ المعروفة الجفاف، فهو من الأعراض المشهورة في شهر رمضان، وهذا بسبب الامتناع عن الماء إضافة إلى الحرارة المرتفعة التي تسبب فقدانًا كبيرًا للماء، وقد يَعرف الفرد أنه يواجه ذلك في بداية أيام رمضان عندما يلاحظ انخفاض تردّد دقات قلبه مثلاً، التعب، الغثيان، وهنا وجب عليه إدراك الأمر منذ الأيام الأولى، وسنتحدث عن هذه النقطة في الفقرة القادمة.لكن من المعروف أنّ الجفاف يسبّب تغيرًا وزيادة في بعض المؤشرات الحيوية الكيميائية، زيادة في مستوى حمض يوريك الدم، هذه الزيادة مرتبطة بانخفاض في الترشيح الكبيبي وبذلك تنقص نسبة إزالة هذا الحمض ونقله الكلوي، بينما يعدّ من الخطأ التفكير في أنّ الصيام يسبب هذا التغيّر بشكل يؤذي الفرد، لأنه لوحظ أنها تغيرات تقع فقط في حيّز الحالة العادية، كما أنها لا تعدّ صعبة على الفرد الذي يتمتع بصحة جيدة، وهذا يدفعنا إلى فهم مسألة إعفاء المسلم المريض من الصيام في كثير من الحالات.
كما يرتفع معدّل الأفراد الذين يعانون من الصداع النصفي وتتعرض له النساء أكثر من الرجال .

وُجد أيضًا أنه من الممكن أن يتسبب الصيام في رفع درجة الحموضة بالمعدة الذي (الارتفاع) له بعض التأثيرات الجانبية، وأيضًا الشعور بطعم الحموضة في الفم، بالإضافة إلى أنّ هناك تأثيرًا لوحظ في مستويات الميلاتونين (هرمون النوم) خصوصًا في الأسبوع الأول والثالث، حيث وُجد أنّ في منتصف الليل تنخفض بشكل مهم، وعلى الرغم من أنّ نمط هذه المستويات كان مشابهًا للأشهر الأخرى إلا أنها منخفضة مقارنة بالحالة العادية، وتكون هذه العلامات، ناتجة عن التغيّر الذي يحدث في وتيرة النوم أثناء شهر الصيام.

إعلان

وقد برزت دراسات عدّة عن تأثيرات الصيام النفسية، نذكر منها الدراسة التي أجريت بالمغرب سنة 1994 و 1995.. دراسة لأشخاص بصحّة جيدة لكنّ منهم مدخنين مدمنين، ولوحظ أنّ هذه الفئة تكون انفعالية قبل رمضان، بينما في رمضان تكون الفئتين المدخنة وغير المدخنة أكثر انفعالاً من الأشهر الأخرى، ودرجة هذا الانفعال ترتفع مع مرور أيام رمضان إلى أن تصل لذروتها (مستوى عال) في أواخر الشهر، مشيرين إلى أنّ النتائج أوضحت بأنّ القلق أيضًا يتبع نفس النمط، لكنّ المدخّنين المدمنين هم الأكثر انفعالاً أثناء الشهر من غير المدخنين.

هناك أضرار أخرى من المرجّح أن يتسبب فيها الصيام سواء جسمية، أو نفسية، كما تختلف شدّة هذه الأضرار حسب الأفراد ومدى تفاعل حياتهم مع هذه الممارسة؛ فقد يتعرض جسم المسلم لأضرار عديدة بعد الشهر بسبب عدم تنبّهه لعدة أمور، وكمثال على ذلك، الجفاف الذي ذكرناه في بداية المقال، حيث من المعروف أننا نفتقد كثيرًا لثقافة شرب الماء في الأشهر العادية، وكثير من الناس يعانون من هذا الجفاف طيلة السنة، فيزداد الضرر أثناء صيامهم، بل ويفاجئك البعض بقوله أنه لم يشرب الماء ولو بعد مدة من غروب الشمس، فهذه المسألة بحدّ ذاتها تحيلنا لطرح تساؤلات فضولية كالعادة، هل الصيام الإسلامي المنصوص بشروطه الروحية والتطبيقية هو الذي تمّت دراسة تأثيره عند الأفراد؟ أم تمّت دراسة الكثير من التطبيقات الخاطئة له؟ وسؤالنا الأخير حول ذلك، إن كانت إجابتنا بأنّ الصيام المدروس عند الأفراد هو تطبيق من الأصل خاطئ فما هي النتائج الصحيحة للصيام الإسلامي؟

فالداعي لهذا التساؤل هو الملاحظة الواضحة لعدوانية كثير من الصائمين، التي ترتفع أثناء هذا الشهر الذي في مقصديّته تأديب للنفس، وإمساك للسان، إذن أليست هي دراسات لصيام محدّد مختلف عن المقصد الإسلامي؟

ثم إنّ تلك الأعراض التي يشعر بها المسلم في الأيام الأولى من شهر الصيام، ألم يكن ليتجنّبها لو أنه كان مكثرًا لشرب المياه طيلة العام، ومتابعة الصيام كثيرًا من الأيام في غير رمضان كي لا يفاجئ جسمه بالتوقف عن الأكل والشرب.


بعد إثقالنا لكفة أضرار الصيام، ننتقل للمنافع التي تتواجد بالصيام والتي نذكر منها: انخفاضًا في مستويات الكورتيزول الذي يعدّ هرمونا التوتر أثناء رمضان ويستمر هذا الانخفاض لما بعد رمضان.
ومن المحتمل أنّ أغلبيتنا مدرك أنّ الصيام يجعل الفرد يفقد الوزن رغم أنّ العديد من الناس قد قالوا باكتسابهم للوزن أثناء وبعد انتهاء هذا الشهر، وفي هذه الحالات نحن نضع علامة استفهام على أسباب اختلاف هذه الفئة من الناس المكتسبة للوزن وعن الكيفية التي تتعاطى بها مع الصيام.

للصيام جانب مهمّ ألا وهو إزالة بعض السموم من الجسم فقد يعدّ هذا الشهر رحلة علاج للسموم، لأنّ الجسم أثناء ابتعاده عن الأكل والشرب، فإنّ الجسم سيبدأ بحرق الدّهون المخزنة، وكذا تنقية بعض المواد الضارة المتبقية، مع ميزة أخرى، حيث ترتفع نسبة امتصاص العناصر الغذائية من طرف العضلات.

وقد أشرنا في مقالات 1,2 سابقة إلى انخفاض تفاعل مستقبلات الأنسولين مع الهرمون نفسه نتيجة لتوفر الغلوكوز بشكل دائم ومبالغ، وجب تمريره عبر الخلايا باستعمال الهرمون الذي يسبّب تفاعله المستمرّ مع المستقبل إلى نقصِ حساسية هذا الأخير، وفقدانها بعد مدّة من تكرار هذا التعاطي الخاطئ للسكّريات السريعة (والعديد من العوامل الأخرى)، إلا أنّ الصيام قد أظهر دوره في رفع هذه الحساسية، وزيادة مستوى أخذ الغلوكوز من الدم، مما قد يجعلنا نفكّر كثيرًا في أخذ الصيام كحلّ لتجنّب العديد من الأضرار الصحية الناجمة عن روتيننا المليء بالأخطاء.


تتواجد منافع أخرى عديدة من تأثيرات إيجابية على عمل المخ، وتفاعلات بايوكيميائية والعديد…
وقد يكون للصيام الإسلامي اختلافات مع الصيام الطبي في تطبيقاته، فالصيام الطبي له فوائد عدة، منها تنظيم ضغط الدم المرتفع، اضطرابات الأمعاء والمعدة ومعالجة الأيض (تبادل الأملاح المعدنية بين الشعيرات الدموية والأنسجة )، كذلك تأثيره الإيجابي على آلام المفاصل لدى المسنين.

للصيام الطبي مزايا عديدة إلا أنه لا يخلو من مساوئ كما كلّ الممارسات العلاجية.

في خلاصة الأمر وبعد طرحنا المبسّط لصورة الصيام من مضارّ ومنافع، يمكننا القول أنّ الصيام مرتبط بشكل كبير بالشخص الممارس له، فلو تحدّثنا عن الصيام الإسلامي. في رأينا أنّ الفوائد ستكون أعظم كلما كان تطبيقه صحيحًا بكلّ معانيه الروحية والعملية، أي كلما اقترب الفرد المسلم من الصيام المرجوّ، كلما نال فوائد جسمية و”روحية”، فدليلنا على ذلك اختلاف الأفراد في التعامل مع الفطور، فإن كان من بين أوجه مقاصد الصيام الإحساس ”قليلًا بالفقير” فأيّ إحساس صحيح يكون وأنت مدرك طيلة اليوم أنّ وجبة ضخمة تنتظرك في الإفطار؟ بينما الفقير لا يدري ماذا سيحصِّل في الفطور؟ وأية منفعة تستقرّ بجسم الفرد بعدما يرعب معدته بلقمات متتالية كبيرة التردد والحجم؟

لذلك يبقى التساؤل المطروح حول ”بعض الأضرار” هل هي ناجمة عن الصيام المراد من الإسلام، أم من إمساك بعض التعاليم فيه وترك أخرى؟
وختامًا، يجدر بالمسلم الذي تابع صيامه أثناء رمضان، أن يحذر من أن يهاجم جسمه بحلويات العيد في الصباح الباكر ويجعل نظامه يستغرب من قدوم ملايين الغلوكوز دفعة واحدة وفي وقت مخلتف عن المعتاد، ولذلك وجب اجتناب هذه الحالة والبدء بالأكل الخفيف في الأيام الأولى بعد رمضان..

مصدر 1،2،3،4،5،6،7,8

قد يعجبك أيضًا: كيف تجعل البكتيريا الفموية سرطان القولون أكثر شراسة وعدوانية؟

إعلان

اترك تعليقا