طبيبات أندلسيات (2) .. طبيبات ابن زهر

رأينا في الجزء الأول من المقال تستطيع قراءته من هنا، الدور البارز الذي لعبته الأندلسيات في مجال الطب ونبوغهن فيه، حتى أن نساء الملوك كن في غنى عن الأطباء بالطبيبات، والمعروف أن عدة عوائل أندلسية كانت تتوارث التخصص العلمي وظلت بارزة فيه لفترة طويلة من الزمن، نذكر منها عائلة ابن زهر التي تنتمي إليها شخصياتنا لهذه المقالة.

أسرة ابن زهر

عائلة ابن زهر، هي إحدى العائلات المخضرمة التي اشتهرت بالطب في مدينة إشبيلية بالأندلس، وعرف رجالها ونساؤها بصناع الطب في الفترة بين القرن الحادي عشر والثالث عشر ميلادي، وقد خدمت الدولتين المرابطية والموحدية،  ولم تميز هذه العائلة بين ذكورها وإناثها، وتتلمذ أفراد هذه العائلة  إناثا وذكورا على يد الطبيب المشهور ابن زهر، الذي استفاد أيضا من تجاربه ثلة من الأطباء الآخرين. فلا يمكن فصل الطب خلال ثلاثة قرون عن هذه العائلة بذكورها وإناثها، كمـا لا يمكن فصل المغرب عن الأندلس.

و إليكم بعضا من أفراد العائلة الذين لمعت أسماؤهم في مجال الطب :

 أبو مروان عبد الملك بن محمد بن زهر؛

كعادة علماء الأندلس في السعي لنيل العلوم والاستزادة من المعارف فقد شد رحاله إلى المشرق، فدخل القيروان ثم مصر وغيرها من أقطار المشرق، وتولى رئاسة الطب في بغداد[1] قبل أن يعود إلى وطنه ومسقط رأسه دانية، بلغت أخبار مهارته وسعة علمه مسامع الأمير مجاهد العامري ملك دانية، فسر لقدوم أبي مروان واستدعاه إلى بلاطه وبالغ في الاحتفاء به وإكرامه، وأحله مكانة عالية.

اشتهر عبد الملك بصناعة الطب في دانية ومنها انتشر ذكره إلى أقطار الأندلس، وبعد مدة رحل إلى مدينة إشبيلية وظل يعمل هناك حتى توفي سنة (470 هـ/ 1078م) [2]

إعلان

أبو العلاء بن زهر

المشهور عند الغربيين باسم (Avenzoar)-

هو أبو العلاء بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان، فيلسوف طبيب أندلسي من أهل إشبيلية، نشأ في شرق الأندلس وسكن قرطبة. يعد ثالث سلالة الأطباء الإشبيليين المنحدرين من القبيلة العربية إياد[3] .

اشتغل أبو العلاء وهو صغير بصناعة الطب في أيام المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن عباد صاحب إشبيلية، كما اشتغل بعلم الأدب .

كان ابن زهر في دولة المرابطين، فحظي في أيامهم ونال المنزلة الرفيعة والذكر الجميل، وقد عرف بعلاجاته المختارة التي دلت على قوته في صناعة الطب، واطلاعه على دقائقها، وكانت له نوادر في مداواة المرضى ومعرفة أحوالهم وما يجدون من ألم عندما يجس نبضهم.[4]

توفي سنة (525هـ/ 1131م) في قرطبة ثم حُمل إلى إشبيلية.

أبو بكر بن زهر بن أبي مروان

ولد بمدينة إشبيلية ونشأ فيها، أخذ صناعة الطب عن والده وباشر أعمالها.

كان حافظا للقرآن، وسمع الحديث واشتغل بالأدب، وله موشحات مشهورة تغنى. لم يكن في زمانه أعلم منه في معرفة اللغة وصناعة الطب.

خدم الحفيد ابن زهر دولتين، ذلك أنه لحق بدولة المرابطين، واستمر في الخدمة في آخر دولتهم، ثم خدم دولة الموحدين.

ومنها:‏

أيها الساقي إليك المشتكى        قد دعوناك وإن لم تسمع

وتجدر الإشارة إلى أنه توفي مسموما سنة  595هـ/1199م ، وأورد ابن أصيبعة في “عيون الأنباء” ؛ أن ” أبو زيد عبد الرحمن بن يوجان كان يعادي الحفيد ويحسده لما يرى من عظم حاله، وعلو منزلته وعلمه فاحتال عليه في سم صيره مع أحد العاملين عند الحفيد بن زهر ، فقدمه إلى الحفيد في بيض، وكانت معه بنت أخته، فلما أكلا منه ماتا، ولم ينفع علاج..” [5]

وقد أخبر الأستاذ عبد الهادي التازي: بأن الطبيب ابن زهر الحفيد دفن في روضة الأمراء، في حين لم يذكر أين دفنت الطبيبة ابن أخته، بل تعجب لعدم معرفة قبرها إلى الآن، وأضاف ” كنت أتصور أني سأقف على الأبيات الشعرية التي أوصى الحفيد أن تنقش على قبره ” والتي يقول فيها على ما يرويه ابن خلكان :[6]

تأمل بحقك يا واقفا             ولاحظ مكانا دفعنا إليه

تراب الضريح على وجنتي         كأني لم أمش يوما عليه

أدواي الأنام حذار المنون     وها أنا ذا قد صرت رهنا لديه

طبيبات ابن زهر

لم تقتصر نوابغ هذه الأسرة وما قدموا للطب من إسهامات جليلة على الرجال فحسب، بل كان لنسائها أيضا دور فعال، فلقد خرّجت هذه العائلة طبيبتين ذاع صيتهما في الأرجاء..

أم عمر

أشهر طبيبة للقصر الموحدي، لا يُعلم اسمها، ولقبها ” أم عمر بنت الطبيب عبد الملك المعروف بأبي مروان”، وأخت الطبيب أبي بكر الملقب بالحفيدات .

ترعرعت أم عمر بين صفحات كتب أبيها، ونشأت بين أحضان الأسرة التي توارثت و تشعبت في الأمور الطبية في البيت بحضور الجد  والأب والابن، فلا عجب أن تتعلم المهنة من أبيها كما تعلمها ابنه أبوبكر الطبيب الحفيد.

حظيت بمكانة متميزة عند أمراء الموحدين، فكانت تزور قصورهم وتنظر في علاج مرضى نسائهم وأطفالهم، وقد تستفتى في الطب لرجالهم، و قد عملت إلى جانب أخيها في دار المنصور أبي يوسف يعقوب بن يوسف الموحدي، وكانت عالمة بصناعة الطب والمداواة، ولها خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء كما سلف ذكره، فكانت تداوي نساء القصر وأطفاله، ولم يكن يقبل بقابلة غيرها لنسائه..

لم نستطع إيجاد معلومات أكثر عن حياتها مع الأسف غير كونها طبيبة البلاط الموحدي ولها بنت تدعى فاطمة وابن يدعى عمرو، كما أن تاريخ وفاتها مجهول أيضا.

فاطمة

هي ابنة الطبيبة السابقة الذكر، وحفيدة ابن زهر، تعلمت الطب من أمها وخالها ابن الحفيد، فصارت لها خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء، رافقت أمها منذ صغرها، وكانت تدخل معها إلى نساء المنصور الموحدي، ثم خلفت مكانها بعد وفاتها وقد حظيت الطبيبة بعناية خالها حيث كانت تلازمه في البلاط والمنزل، ولاشك أنها أخذت منه الشيء الكثير، وقرأت كتبه القيمة واتبعت توجيهاته.[7]

و توفيت فاطمة  في نفس الوقت مع خالها الحفيد ابن زهر بعد تناولها للسم كما سلف ذكره.

كانت لـ”ابنتي زهر” رئاسة الطب النساء داخل القصر الملكي، وهذا يشير إلى ارتقاء شأن الطب والطبيبات في هذا العصر وما صاحبه من كثرة المؤلفات الطبية. لقد خلد التاريخ اسم ابن زهر، واستمرت عطاءات العائلة في مختلف الأزمنة رغم الصراعات السياسية التي عاصروها، وهذا إن دل على شاء فإنما يدل على أن اهتمام السلاطين بالعلم والعلماء لم يكن يتوقف تحت أي ظرف كان..

المراجع

====================================

[1]  المقري، نفح الطيب ج2/244

[2]  دة. سهى بعيون، إسهام العلماء المسلمين في العلوم في الأندلس، ص 388

[3] المصدر السابق ص 389 نقلا عن “عيون الأنباء في طبقات الأطباء ” لاين أبي أصيبعة ص 517-518

[4]  د. نهاد عباس زينل، الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري في أوروبا القرون الوسطى ص 254

[5]  ابن أبي أصيبعة عيون الأنباء في طبقات الأطباء ” ص 521 (بتصرف )

[6]  نبيلة عبد الشكور، شهيرات الأندلس ص 20

[7]  المصدر السابق ص 19

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك:

كريم البكري يكتب: قفوا للفتيات المصريات احترامًا

أديبات من الأندلس

هل كان الملك بيبي الثاني شاذ جنسيا ؟!

 

 

إعلان

اترك تعليقا