تتبُّع أصول حكايات مصاصي الدماء والزومبي والمذؤوبين -مترجم-

منذ زمنٍ سحيقٍ والناس يخشون الوحوش المُرعِبة. فمن منا لم يَخَف من آكلي لحوم البشر، أو مصاصي الدماء الذين يطاردون ضحاياهم في الليل، أو الزُّومبي «الموتى الأحياء» الذين يعودون من قبورهم؟ إنها الكوابيس التي طالما طاردت البشر عبر الزَّمن. ولكن، ربما توجد تفسيرات عقلانيَّة وراء تلك الفظائع، أليس كذلك؟

مصَّاصو الدِّماء-Vampires:

الاعتقاد بوجود مصَّاصو الدِّماء ليس بجديدٍ، وإنما تعود حكايات تلك المخلوقات الكابوسيَّة -التي يمكنها بعَضَّةٍ واحدةٍ من أنيابها البارزة ناصعة البياض أن تحوِّل ضحاياها إلى وحوش ظلامٍ قاسيةٍ- إلى العصر البرونزيّ على أقل تقدير. فعلى سبيل المثال، كان الآشوريون منذ 4000 عامٍ قبل الميلاد يخشون أرواح الـ«إديمو-Edimmu»* الشبيهة بمصاصي الدماء.

تَنَاقل البشر الخوف من مصاصي الدماء على مَرّ القرون وفي العديد من الثقافات، إلا أن أشهر قصص مصاصي الدماء في العَالَم جاءت من أوروبا، وتحديدًا في عام 1725، في قصة «بيتر بلوجوجوفيتز-Peter Plogojowitz». حيث وصل بلوجوجوفيتز إلى منزله في كيسيلوفا، صربيا، وطلب من ابنه طعامًا (وفي قصةٍ أخرى طلب من زوجته زوجًا من الأحذية). إلى هنا لا توجد سوى مشكلة واحدة، أن الرَّجل كان قد توفَّى مؤخًّرًا . وبعدها مات ابنه أيضًا، وكذلك تسعة آخرون من السُّكان المحليين الذين ادَّعى كلٌ منهم وهو على فراش الموت، أن بلوجوجوفيتز قام بخنقهم وامتصاص دِمَائهم. وحين قام سُكَّان البلدة بنبش قبره، ولم يكن جثمانه قد بدأ في التحلُّل بعد، وجدوا دماءً طازجة تُغطي فمه. وساد الذُّعر بين السُّكَّان، فقاموا بإحضار وَتَد وغرزوه في قلبه، فتدفَّقت الدِّماء من فمه وأذنيه، ثُمَّ أحرقوا جُثَّته كإجراءٍ وقائيٍّ. وانتشرت أخبار وفاة بلوجوجوفيتز وقيامه وموته من جديد عبر ألمانيا، فرنسا، وإنجلترا، وبثَّت الرُّعب في قلب كل من يسمعها.

مصاصو الدماء في أنحاء العَالَم:

تشتهر بنسلفانيا بأنها موطن مصَّاص الدِّماء الأشهر «دراكولا»، ومع ذلك فإن قصص مصاصي الدماء موجودة في مختلف أرجاء العَالَم، والعديد من المجتمعات لها حكاياتها الخاصة والمتنوعة من مكانٍ لآخر، بداية من مصَّاص الدِّماء الإيطاليّ «ستريجوني بنيفيتشي-Stregoni Benefici» الذي يُهَاجِم مصَّاصي الدِّماء الآخرين، وصولًا إلى «ويلي-Wili» العروس البولنديَّة التي ماتت عَقِب زفافها، ثُمَّ عادت لتقتل الرِّجال.
وفيما يلي بعض التنويعات الأخرى:

«لوجارو-Loogaroo»- جُزُر الكاريبي
وَفْقًا للحكايات المحليَّة، فإن لوجارو هي امرأة باعت روحها للشيطان. وخلال النهار تظهر للناس كامرأةٍ عجوزٍ، وفي الليل تنسلخ من جلدها وتدخل البيوت لتمتَّص دِمَاء قاطنيها. ويمكن القضاء على اللوجارو عن طريق تغطية جلدها المنسلِخ بالملح.

إعلان

«جيانج شي-Jiangshi»- الصين
تقول الأساطير إن الجيانج شي الصينيّ -المعروف أيضًا باسم مصَّاص الدِّماء القَفَّاز- يظهر حينما لا يحظى الشَّخص بدَفْنَةٍ لائقة، أو إذا قفزت قطة فوق الشَّخص المُحتَضَر. ويملك الجيانج شي عيونًا منتفخة جاحظة ويمكنه أن يشم رائحة ضحاياه، حيث يقفز عليهم من القبر لينقض عليهم. ويمكن القضاء على الجيانج شي من خلال تعريضه للضوء والنيران.

«ناختزيغار-Nachzehrer»- ألمانيا
في الفلكولور الألمانيّ، الناختزيغار -الملتهم- هو شخص تَمَّ دفنه في قماشٍ مكتوب عليه اسمه. وبعد تآكل جثَّته داخل أكفانه تنطلق روحه لتهيم في الجوار ليلًا وقد اتخذت شكل خنزير، تمتص الحياة من أجساد أفراد أسرته وغيرهم. وتقول الأسطورة إنه لمنع تحوُّل الميت إلى ناختزيغار ينبغي كسر عنق جثته ونزع أكفانه المكتوب اسمه عليها.

«فيتالا-Vetala»- الهند
وَفْقًا للأسطورة، تستحوذ الفيتالا على جُثَّة طفل ٍلم يحظ بدَفْنَةٍ مناسبة. فيتحوَّل وجه الجُثَّة ليشبه وطواط الفاكهة، وتستطيل أظافرها وتصبح سامة، ويصير لون الجُثَّة إما أخضر أو بني أو أبيض. ولمنع الفيتالا من التَّسَلُّل إلى البيوت والتغذي على دِمَاء ساكنيها وهم نائمون أو سكارى، ينبغي دفن الطفل بصورةٍ لائقة.

الموتى الأحياء «الزُّومبي»

حقَّق فيلم «جورج روميرو-George A. ROMERO»  «ليلة الموتى الأحياء- Night of the Living Dead» نجاحًا باهرًا وانتشارًا واسعًا، وفَتَحَ الباب أمام حالة من الهوس بأفلام الزُّومبي. بكلماتٍ أخرى، استطاع روميرو بفيلمه منخفض التَّكْلِفَة هذا أن يُحيي  فِكْرة «الموتى الأحياء»، ومع ذلك فإن تلك الفِكْرة ليست مُعَاصِرة وإنما يرجع تاريخها إلى قرونٍ مضت -تحديدًا القرنين السابع عشر والثامن عشر- في «هايتي-Haiti».
فخلال تلك الحقبة، كان يتِمّ استعباد الأفارقة واستغلالهم بوحشيةٍ في العمل في مزارع السُّكَّر من قِبَل القوَّات الفرنسيَّة التي تُسيطر على الجزيرة، وفي ظل تلك الظروف القاسية ساد بينهم اعتقاد بأن الموت هو انعتاق من هذا الإذلال وبوابة للحُرِّيَّة والعودة إلى موطنهم في الحياة الأخرى. ومع ذلك كان العديد منهم يؤمنون أن هؤلاء الذين يتعجَّلون التحرُّر بقتل أنفسهم سيُحَاصرون إلى الأبد في الأرض وستقوم أجسادهم من قبورها بلا روح، أي أنهم سيتحوَّلون إلى زومبي.

علاوة على ذلك، وَفْقًا لدِيَانة «الفودو-Voodoo»، والتي يؤمن بها مايصل إلى 90٪ من سُكَّان جزر هايتي، يمكن للسحرة تحويل البشر إلى زومبي والتحكُّم فيهم بطُرُقٍ متعددةٍ، منها  أخذ الدَّم والشعر من الضحايا واستخدام دُمَى الفودو السِّحريَّة، وصنع مسحوقًا سحريًّا من بقايا الجُثَث وبعض الأعشاب وأجزاء من الحيوانات.
وبمجرَّد تطبيق تلك الطُرُق على الضحية يتحوَّل إلى ميتٍ حي «زومبي» في غضون دقائق. وبمجرَّد دفنه يبدأ السَّاحر في إعادة تحريك جسده واستغلاله.
وبعد ثورة العبيد في هايتي عام 1791، فَرَّ العديد من الأفارقة المُسْتعبَدين إلى نيو أورليانز، حاملين معهم تعاليم الفودو وطقوسها، وكذلك الاعتقاد بالزُّومبي. وفي القرن التاسع عشر، أصبح ملوك الفودو شخصيَّات روحيَّة وسياسيَّة ذات نفوذ، ولا تزال طقوس الفودو حتى اليوم تُمثِّل عنصرًا هامًا في الثقافة المحليَّة.

المذؤوبون

ليس معروفًا على وجه اليقين متى ظهرت أساطير المذؤوبين لأول مرَّة، ومع ذلك يُرجِّح الباحثون أن ذلك كان في الدولة السومريَّة ببلاد ما بين النهرين، وتحديدًا في ملحمة جلجامش، أقدم ملحمة معروفة، والتي تروي كيف أن جلجامش نبذ امرأة تُحبُّه** لأنها حوَّلت عشيقها السابق إلى ذئب.
كذلك يظهر المذؤوبون في الأساطير اليونانيَّة، في أسطورةٍ «لايكون-Lycaon» الذي تحوَّل إلى ذئبٍ حين أغضب الإلَه «زُفس-Zeus».

في عام 1764، في فرنسا، هاجم وحشٌ فتاة تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا تُدَعى «جين بوليه-Jeanne Boulet» بالقرب من قرية «سانت إتيان دو لوغدار-Saint Έtinne de Lugdares». لكنها لم تكن الضَّحِيَّة الوحيدة، بينما كانت واحدة من بين أكثر من مائة شخص ماتوا في المنطقة خلال منتصف ستينيات القرن الثامن عشر، واكتُشِفَت بقاياهم وأعناقهم مكسورة ورؤوسهم تَمَّ قضمها. وسرعان ما انتشرت الشائعات عبر أنحاء الريف بأن وحشًا شرسًا يمشي منتصبًا على قدمين، لا يُؤثِّر فيه الرَّصاص، يجوب المنطقة. وخرج الآلاف من الأفراد المتطوعين مسَّلحين بالبنادق، ووضعوا طُعمًا مسمومًا في كل موضعٍ لاقتناص الوحش، ولكن لم يتِمّ العثور عليه قَطّ.  ثُمَّ توقَّفت الهجمات في عام 1765. وترددت تكهُنَّات بأن قطيع من الذئاب ربما ارتكب تلك الحوادث الرهيبة، أو ربما هو أسد هارب من حديقة الحيوان.

ومع ذلك، انتشر الرُّعب من المذؤوبين، وترددت أصداء قصصهم في كل موضع. وصار الناس يخشون التحوُّل إلى مذؤوبين بطُرُقٍ شتى، إما عن طريق شرب إكسيرٍ ما، أو تلقي عضة من وحش، أو حتى ارتداء عباءة أو وشاح مسحور بشكلٍ أو بآخر.
ونظرًا لأن الذئاب تعوي في ضوء القمر المُكْتَمِل، فقد ساد اعتقادٌ بأن هؤلاء الذين يتِمّ لعنهم خلال فترة اكتمال القمر سيتحوَّلون إلى مذؤوبين مع كل اكتمالٍ لدورته.

وبعد، بصرّف النَّظر عن حادثة جين بوليه، من المُرجَّح أن مفهوم المذؤوب إنما ظهر بالأساس من بعض الحالات المرضيَّة التي أُسيء فهمها وتَمَّ تفسيرها على نحوٍ خُرَافيٍّ. على سبيل المثال، «داء الكلب-Rabies» والذي تتضمَّن أعراضه الصُّداع ورغوة الفم. وكذلك داء «فرط الشعر-Hypertrichosis» وهو عبارة عن حالة وراثيَّة تُسبِّب نموًا مُفْرِطًا في الشَّعر.

مصدر الترجمة

https://www.nationalgeographic.com/history/history-magazine/article/tracing-the-origins-of-vampires-zombies-and-werewolves

ملاحظات من المترجمة:

*إديمو-Edimmu أو إكيمو: ويعني «الغاضب»، وهي عبارة عن مخلوقات أسطورية ساد الاعتقاد بها في بلاد ما بين النهرين، تتمثل في أرواح غاضبة لموتى لم يتم دفنهم بالشكل اللائق، فتقوم بمهاجمة البشر، لكنها لا تمتص دمائهم فقط ولكن أيضًا تمتص روح الحياة من أجسادهم.
** جاء في الأسطورة أن الإلهة عشتار -إلهة الحب والجمال والحرب في بلاد ما بين النهرين- كانت ذات جمال باهر يغوي كل من يراها، وكانت توقع الرجال في عشقها، حتى إذا ما استحوذت على كل ما يملكون تركتهم كسيري الفؤاد. وفي أحد الأيام رآها راع للأغنام، وكالعادة وقع في حبها وذبح لها كل ما يملك من ماشية، وحين لم يعد لديه شيء ليقدمه لها هجرته، فقام بسرقة شاه كي يقدمها إليها، فحولته إلى ذئب.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

ترجمة: هبة الله الجَمَّاع

اترك تعليقا