ألم نكتفِ بعد من سنن الصلاة

نمر بأزمات في بيئتنا الإسلامية تكاد أن تمحوا ما تبق من هويتنا الإسلامية، وإذا طمست هذه الهوية فمعناه أننا كـأمة سنصبح وكأن لّم يكن لنا وجود، ولذلك من الواجب علينا أن نعيد النظر في اتجاهاتنا الدعوية، وننظر إليها بعين البصيرة والفهم علنا نستيطع أن ندرك شيئاً مما فقدناه، أو أن نعود بأمتنا كسابق عهدها، وقد تأملت طريقة الدعوة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أشد أوقاتها قبل تأسيس الدولة الإسلامية، وضمان أمانها بفتح مكة، وإقامة الدولة العادلة ، ثم تأملت طريقة الدعوة في عهد الخلفاء وعهد إقامة الدولة الإسلامية فوجدت اختلافاً لا بد من ذكره.

طريقه الدعوة في العهد الذهبي :

قديماً في بداية الدعوة الإسلامية وقبل الفتح الإسلامي لمكة،كان هدف الرسول والصحابة -رضي الله عنهم- هو إقامة الدولة العادلة التي تحافظ على حريات الاعتقاد، وتساوي بين الناس في الحقوق والواجبات، ولا تجبر أحداً على الدخول في دينها أو فكرها الخاص، ولذلك كانت تعاليم الرسول -صلى الله عليه وسلم- مركزة على هذا النحو الذي من شأنه أن يقيم الدولة العادلة، فكانت مشاغلهم وقصصهم تدور حول البطولات والجهاد والغلظة على أعداء الله.

ثم بعدما أنشئت الدولة بالفعل وتم فتح مكة، ثم فتح معظم بلاد المعمورة الإسلامية في عهد الخلفاء، بدأ الرواة ينقلون لنا كثيراً من أعمال الخير والزهد لدى الصحابة، فنسمع أن أبا بكر يتسلل خفية ليساعد عجوزاً شمطاء لا تقوى على خدمة نفسها، ويخفي ذلك حتى يكون عمله ابتغاء وجهه الله، ونسمع أن عمراً -رضي الله عنه- يحمل على ظهره الدقيق، ويذهب به الى امرأة يبكي صغارها من شده الجوع ليلا، ويقوم بنفسه بالطهو لهم مستشعرا عظم الذنب الذي ارتكبه بتغافله عن هؤلاء الفقراء، وكثيرا من هذه الحكايا الطيبه التي تدعوا الى أعمال الخير، وتظهر جانب العظمه الأخلاقية في هذا الدين الحنيف.

طريقة الدعوة في ما بعد عصر الخلفاء :

ثم لنتأتى ونتأمل طريقة الدعوة الإسلامية في العصور التي تلت هذا العصر، وحتى عصرنا هذا بعدما حل الظلم والاستبداد بـ الدولة العادلة ، نجد أن علماءنا الكرام قد تناولوا الدين والدعوة إليه من هذا المنظور الخيري فقط، تاركين جانب إقامة الدولة العادلة -سواءً أكان هذا الترك عن قصد ويمثله علماء السلاطين، أو عن غير قصد ويمثله بقية العلماء الذين يقلدون علماءهم في طريقة الدعوة، بدون النظر والتفكير في الأولويات- وهمشوا تماماً هذا المبدأ الأساسي في عقول العامة، حتى بات الدين كأنه قضية أخلاقية شخصية وحسب.

بل وقد أساءوا استخدام النصوص النبوية لصالح الخلفاء والحكام الظالمين، كأحاديث الزهد مثلا، والأحاديث التي تتحدث عن أن الرسول لم تكن النار تشتعل في بيته بالشهر والشهرين، طالبين من الشعب المقهور على أمره، المنهوب أمواله، أن يقتدي بالرسول وأن يصبر على الجوع، مع أننا لو نظرنا إلى الموضوع بعين البصيرة لوجدنا أنهم لو كانوا منصفين لطالبوا الحكام بهذه الأحاديث، وليس الرعية، لأن النبي كان موقعه من الرعية الحاكم، وكان هناك من الصحابة من هم أغنياء وبشدة، ولم يطلب منهم النبي أن يقتدوا به، ثم إن الخلفاء من بعده أبو بكر وعمر كانوا من الأغنياء، ثم بعد أن تولوا الخلافة صاروا من أفقر فقراء المسلمين، مقتدين في ذلك بالرسول الكريم حيث أصبحوا في منزلته من حيث حكم الرعية، فهؤلاء الوعاظ يغفلون الشعوب عن مطالبة الظالم بالعدل، والعامة تصدقهم لفرط حبهم لدينهم ورسولهم وفرط ثقتهم بعلماءهم.

إعلان

الأسباب التي أدت الى نكسة أمتنا الإسلامية :

ولذلك أجد أن من أسباب نكستنا كأمة هي طريقة الدعوة هذه، ففي الوقت الذي كنا فيه بحاجة الى أن نتعلم كيفية إقامة الدولة العادلة ، وكيفية التعامل مع الظلم وطلب العدالة، وما هي شروط الحاكم الذي يجب أن نوليه علينا ومن هم الذين نمكنهم من تقلد زمام أمورنا، وكيفية إسقاطهم اذا خرجوا عن شرع الله وعدالته، وما هي المقاييس التي نحدد بها هل فعلا خرجوا عن شرع الله أم لا. كان علماؤنا يتوسعون في تعليمنا سنن الصلاة وسنن الوضوء وأداب دخول الخلاء والإنفاق في سبيل الله والطاعه المطلقه لولي الامر.

وليس معنى هذا أنني أقلل من شأن علمائنا أو من شأن سنن الصلاة وهذه الأمور الأخلاقية الطيبة، ولكني أرى أنه لكل مقام مقال، ففي الوقت الذي كانت لدينا فيه وفرة غير مرغوب فيها في تعليم سنن الصلاة، أدت الي اختلافنا وتنازعنا وأقامة الحروب بيننا، حول ما هي السنة التي تعتبر أسن من غيرها وما هي التي تعتبر بدعة، في نفس الوقت كانت لدينا بلادة مزرية في علوم إقامة الدولة العادلة، التي تعتبر من الفروض وليست من السنن، ولذلك سلمنا مقاليد الأمور لأي تافه يتربع بعرش الاستبداد والظلم والقهر على ظهورنا، ناهباً بسلطته الغاشمة حقوقنا وأموالنا، سائقا بسياطه المغلف بفتاوي وعاظه في تبرير ما يفعل قطيعنا، قائلا بلسانه أنا ربكم الاعلى، بدون أي مقاومة تذكر منا.

أسباب النكسة تتكرر في كل جيل :

والغريب أنه في كل جيل يخرج من يتبع خطى الجيل السابق له، فمعظم الشباب الجدد الذين اشتغلوا بأمر الدعوة الإسلامية تدور مواضيع دعوتهم حول نفس السنن، تاركين الفروض، أي اننا نعيد ترديد ما ردد بالفعل مرات كثيرة، ولا نقدم جديدا، وكان كل ما يهم هؤلاء الجدد هي الشهرة وليست الدعوة، وهذه مصيبة كبرى، والمصيبة الأكبر أنهم يعتقدون أنهم بذلك يخدمون دينهم خدمة لم يسبق لأحد أن خدم دينه بها، ولو تأملوا قليلا لوجدوا أنه من الاجدر بهم أن يعملوا على تعليم العباد أسس العدالة التي أمرنا الله بإقامتها في الأرض، والدفاع عنها باستماتة ولو على حساب أرواحنا.

فمتى تخرج لنا هذه الأرض شبابا لديهم من حدة العقل، وسرعة البديهة، وصفاء الفطرة، وشجاعة النفس؛ بحيث يحملوا على أكتافهم هم الدعوة، ويرون ببصائررهم أننا بحاجة لأن نتعلم فروض إقامة الدولة العادلة أكثر من احتياجنا لتعلم سنن الصلاة.

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك

كريم البكري يكتب للمحطة الدماغ التي تبحث عن كل ما ھو « إسلامي »

أحمد ياسر يكتب: الحرية الفكرية فى ظل السلطات الأبوية

الدعوة التقليدية أنصارها في ذبول .. مقال أحمد الشنطوري

تونغوسكا .. هل من الممكن أن ثقبا أسودا قام بزيارة الأرض أم كانت سفينة لمخلوقات فضائية؟

إعلان

اترك تعليقا