الاحتمالات والظّواهر الطبيعية

بدايةً، الاحتمالاتُ شيءٌ والعشوائيةُ شيءٌ آخرُ كليًّا، ليسا مصطلحينِ لذات الشيءِ ولا يجتمعانِ إلا إذا سألنا مثلًا: ما احتمالُ حدوثِ كذا إذا كان يحدثُ عشوائيًّا؟ أو مثلًا، لدينا صندوقٌ فيه كراتٌ ملوّنةٌ فما هو احتمالُ سحبِ كرةٍ حمراءَ إن كان السّحبُ عشوائيًّا؟ بالعموم، احتمالُ حدوثِ شيءٍ لا يعني أنّه عشوائيٌّ أو غيرُ عشوائيّ..
ولكن، هذه رياضيات، فما عَلاقةُ الاحتمالاتِ بالظّواهرِ الطبيعيّةِ؟ الاحتمالُ هو نسبةُ أو إمكانيةُ حدوثِ الشيء ، حيث أنّ هذهِ النسبةِ أو هذهِ الإمكانيةِ يمكنُ حسابُها. وعليهِ فيمكنُ حسابُ احتمالٍ ما (أيْ حسابُ نسبةِ حدوثِ الظاهرةِ الفلانية). ما نسبةُ حدوثِ الظاهرةِ الفلانيةِ إن كانت سوف تحدث؟ ولكن ليسَ الاحتمالُ هو الذي يحدّدُ ما إذا كانتِ الظاهرةُ هذهِ ستحدث أو لا، وهنا يكمن الخطأ الشائع؛ فإذا كانَ احتمالُ حدوثِ الشيءِ شِبْهُ معدومٍ فهل يعني ذلك أنّه لا يحدثُ أو لن يحدث؟ لا، إطلاقًا، الاحتمالاتُ تفيدُ فقط في ترجيحِ حدوثِ الظواهرِ وليسَ في الجزم أنّها حدثت أو لا، مهما كان احتمالُها قويًا أو شِبه معدوم… يعني إذا كنّا غيرَ متأكّدينَ من حدوثِ ظاهرةٍ طبيعيّةٍ ما، فنحسِبُ احتمالَ حدوثِها، وعليه، إن كانت نسبةُ حدوثِها ضعيفةٌ فنرجّحُ أنّها لم تحدث، والعكسُ صحيحٌ، ولكنّ هذا لا يعني إطلاقًا أنّها لا تحدث، فقد تكونُ حدثت آلافَ المرّات.
والعكسُ أيضًا: إذا كنّا قد رصدنا ظاهرةً طبيعيةً حدثت فلن يعودَ لنسبةِ حدوثِها أيُّ قيمةٍ إن كانت ضئيلةً أو شِبه معدومة، وذلك لأنّه، وباختصار، تمَّ رصدُها وحدثت وبالتالي لا يمكنُ ترجيحُ عدمِ حدوثِها.
فالاحتمالاتُ تفيدُ فقط في ترجيحِ حدوثِ أو عدمِ حدوثِ ظواهرَ طبيعيةٍ لسنا متأكدين من حدوثِها. ولكنّها لا تفيدُ في الظواهرِ الطبيعيةِ التي حدثت وتمّ رصدُها. يعني كمثال: نسبةُ تشكُّلِ كرةٍ أرضيةٍ شبيهةٍ بالأرضِ نسبةٌ شبهُ معدومةٍ، الآن، إن كنّا لم نكتشف أيَّ كوكبٍ يشبهُ الأرضَ فيمكن لنا باستخدام نسبةِ الاحتمالِ هذهِ أن نرجّحَ أنّه غالبًا لا يوجدُ كوكبُ أرضٍ ثانٍ، ولكنّ هذا لا يعني أنّه غيرُ موجودٍ مهما كان احتمالُ حدوثِه ضعيفًا طالما أنّه ممكنٌ نظريًّا ولا يعارضُ قوانينَ الطبيعةِ والفيزياء.
إعلان
ولكن، وللمفارقة، يُقدَّر عددُ الكواكبِ الشبيهةِ بالأرضِ بالآلاف، منها سبعةُ كواكبَ كانت قد اكتُشفت عام 2017. نجد هنا أنّ نسبةَ الاحتمالِ هذهِ الشِّبهَ معدومةٍ ليس لها أيُّ علاقةٍ بإمكانيّةِ حدوثِ الظواهر، بل هي فقط تفيدُنا في ترجيحِ حدوثِ أو عدمِ حدوثِ الشيء، بشرطِ أنّنا لسنا متأكدين من حدوثِهِ وأنّه لا يُناقضُ قوانينَ الطبيعة، وبما أنّنا لسنا متأكدين بعدُ من وجودِ حياةٍ على تلك الكواكب، ولا نعرف ما هي طبيعة هذهِ الحياةِ وهل تطوّرت كيميائيًا وبايولوجيًا أو لا، فعندَها يمكن لنا حسابُ احتمالِ تطوّرِ الحياةِ على تلكَ الكواكب، وعليه يمكننا ترجيحُ وجودِ حياةٍ متطوّرةٍ عليها أو لا. ولكنّنا نرجّحُ فقط ولا نجزم. هكذا باختصار نتناولُ الاحتمالات.
وكتلخيص سريع:
- الاحتمالاتُ تفيدُ فقط بترجيحِ حدوثِ الظواهر، وليس لها أيّةُ علاقةٍ بأنّ الشيءَ سيحدثُ أو لا… فقد يكون احتمالُ حدوثِ شيءٍ ما شِبه معدوم ولكنّه حدثَ ملايين المرّات.
- الاحتمال مهما كان كبيرًا أو صغيرًا فإنّه لن يفيدَنا في ترجيحِ الظواهرِ التي تمّ رصدُ حدوثِها لأنّها حدثت أصلًا.. الشيءُ الوحيدُ الذي يحدّدُ كونَ الظاهرةِ مستحيلةُ الحدوثِ أو لا هو تناقضُها وتعارضُها مع قوانينِ الكونِ والفيزياء، وليس احتمالُ حدوثِها.
إعلان